مصير قسد في الحسابات الجديدة لواشنطن بسوريا
تاريخ النشر: 10th, July 2025 GMT
واشنطن- بعد أيام من إعلان وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)عزمها إحالة ملف معتقلي تنظيم الدولة الإسلامية إلى الحكومة السورية الجديدة، خصصت الوزارة نحو 130 مليون دولار ضمن مشروع ميزانية عام 2026 لدعم مجموعات مسلحة في سوريا، أبرزها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وفصائل من الجيش السوري الحر في الجنوب الشرقي.
ويشمل هذا الدعم المخصص عبر "صندوق التدريب والتجهيز لمكافحة تنظيم الدولة" تمويل برامج التدريب، وتوفير الأسلحة الخفيفة والإمدادات الطبية، ودفع رواتب شهرية للمقاتلين، بالإضافة إلى مشاريع لإصلاح البنى التحتية المدمرة، في إطار إستراتيجية تهدف إلى "احتواء خطر التنظيم المستمر على استقرار المنطقة وعلى مصالح الولايات المتحدة وحلفائها".
لكن، ورغم استمرارية هذا الدعم، تشير المعطيات الأخيرة إلى أن الولايات المتحدة بدأت فعليا تقليص التزاماتها العسكرية في سوريا، ضمن مقاربة أوسع لإعادة ترتيب أولوياتها الإقليمية.
وظهر هذا التوجه في إعلان البنتاغون نيته نقل مسؤولية تنظيم الدولة إلى عهدة الحكومة السورية، مما يعكس رغبة واشنطن التخفف من عبء هذا الملف الذي تولته "قسد" بدعم أميركي مباشر خلال السنوات الماضية.
منذ صعود الرئيس أحمد الشرع إلى السلطة في دمشق بعد سقوط نظام الأسد، أظهرت الإدارة الأميركية تحولا لافتا في خطابها تجاه الحكومة السورية الجديدة.
وعلى عكس المواقف السابقة التي كانت تربط أي انفتاح بإصلاحات ديمقراطية أو تغيير في بنية النظام، بات الخطاب الأميركي أكثر براغماتية وواقعية اليوم.
فقد وقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخرا مرسوما يلغي العقوبات المفروضة على سوريا، وهو ما اعتُبر على نطاق واسع اعترافا غير معلن بشرعية السلطة الجديدة.
ويرى مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما جوشوا لانديز أن الولايات المتحدة تتبنى الرئيس الشرع وتعتبره مفتاحًا لاستقرار سوريا، مؤكدا أن هذا الموقف يندرج ضمن تحول أوسع نحو التهدئة بدلا من المواجهة والتغيير القسري.
إعلانوفي حديث للجزيرة نت، يقول لانديز إن دعم واشنطن للشرع -رغم خلفيته في "هيئة تحرير الشام"- يمثل تحولا سياسيا عميقا في تعامل الإدارة الأميركية مع فصائل كانت مصنفة سابقا على قوائم الإرهاب. ويضيف أن خطوات واشنطن تجاه الهيئة ليست معزولة بل هي جزء من مقاربة شاملة لإعادة هندسة التوازنات في سوريا.
ويؤيد هذا التقدير دوغ باندو مساعد الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان، والباحث في معهد كاتو بواشنطن، قائلا -في حديث للجزيرة نت- إن "الولايات المتحدة تبدو مستعدة للتعامل مع الحكومة الحالية في سوريا كحكومة شرعية. وبالتالي، فإن الحفاظ على العقوبات ضد رئيسها أو الحركة التي يمثلها بات أمرا يصعب تبريره سياسيا".
"أولوية أميركية"ويقارن باندو هذا التحول بحالة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، حين رفعت واشنطن العقوبات عنه بعد انتخابه، رغم ماضيه المثير.
ويوضح في حديثه للجزيرة نت أن "جميع المبررات التي كانت تدفع الإدارة الأميركية للبقاء في سوريا تتلاشى" وإيران لم تعد حاضرة عسكريا، وحزب الله تراجع، وتركيا تبني علاقة جيدة مع دمشق "وكل هذه العوامل تجعل انسحاب القوات الأميركية مسألة وقت فقط".
كما تدرك القيادة الكردية شمال شرق سوريا هذه التحولات، لا سيما مع التقارير التي تحدثت عن خلافات عالقة في المفاوضات الجارية بين قائد "قسد" مظلوم عبدي والحكومة السورية.
وسبق أن أكّد عبدي في تصريح لمجلة "المجلة" في مارس/آذار الماضي أنهم لا يسعون إلى تكوين جيشين في سوريا "بل يطالبون بوجود جيش واحد فقط ضمن الدولة الواحدة".
وبينما تطالب "قسد" بضمانات دستورية لحقوق القومية الكردية، يبدو أن واشنطن لم تعد تضغط بهذا الاتجاه، بل تُحضّر لتقليص دعمها السياسي تدريجيا.
ورغم استمرار الدعم الأميركي المالي والعسكري لـ"قسد" إلا أن مؤشرات عديدة توحي بأن واشنطن لم تعد ترى فيها شريكا إستراتيجيا طويل الأمد، بل تعتبرها طرفا مؤقتا لتأمين انسحاب منظم وتخفيف التزاماتها الميدانية.
ويوضح لانديز للجزيرة نت أن الولايات المتحدة بصدد إنهاء وجودها في سوريا، وملف معتقلي تنظيم الدولة هو العقبة الأخيرة التي تعرقل هذا الانسحاب الكامل.
ويضيف أن تسليم هذا الملف للحكومة السورية يُفهم كخطوة عملية لحل مشكلة أميركا مع التنظيم، وليس إشارة إلى تعزيز شراكة مستدامة مع قوات قسد، مشيرا في هذا السياق إلى أن الأكراد باتوا يعرفون أن القوات الأميركية قد ترحل قبل أن يتمكنوا من التوصل إلى اتفاق نهائي مع دمشق.
إعادة تعريف "قسد"
يرى محللون أن المقاربة الأميركية باتت أكثر تعقيدا بخصوص إعادة صياغة العلاقة مع "قسد" فبحسب لانديز، تتجه واشنطن نحو الفصل الوظيفي بين "قسد" كمكون محلي مسلح لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، وبين حزب العمال الكردستاني المصنف كتنظيم إرهابي.
ويقول لانديز إن "واشنطن لا ترى أن هناك مستقبلا لقسد بصيغتها الحالية، إذا استمرت بالارتباط التنظيمي أو الأيديولوجي مع حزب العمال" مشيرا إلى أن الإدارة الأميركية ترغب في إنهاء دور الحزب داخل الأراضي السورية، وعزل "قسد" عن امتداداته الإقليمية، بما يفتح الباب لإعادة دمجها لاحقا ضمن ترتيبات أمنية محلية لا تُغضب تركيا.
إعلانوفي تطور لافت، عقد اجتماعي ثلاثي في دمشق أمس بين الرئيس السوري وعبدي والمبعوث الأميركي توماس باراك، بهدف "إزالة عوائق" تطبيق الاتفاق السابق لدمج قوات "قسد" ومؤسسات الإدارة الذاتية ضمن أجهزة الدولة السورية بنهاية العام، بما يشمل المعابر والمطارات وحقول النفط.
وكان عبدي قد عبّر في مايو/أيار الماضي عن انفتاحه على تحسين العلاقات مع أنقرة، قائلا إن قواته "ليست في حالة حرب مع تركيا" في إشارة إلى استعداده للتجاوب مع الضغوط الإقليمية والدولية.
وفي هذا السياق، يؤكد دوغ باندو المستشار السابق بالبيت الأبيض أن "الظروف تتهيأ شيئا فشيئا لتفاهم ثلاثي بين دمشق وأنقرة وواشنطن، يعاد فيه تعريف دور قسد ضمن هيكل أمني جديد، بما يسمح بخروج أميركي مشرّف من سوريا". ويضيف أن هناك ضغطا متزايدا من الأطراف الثلاثة على قسد "للقبول بدمج مقاتليها ضمن تسوية مع دمشق".
ومنذ مارس/آذار الماضي، أحرزت العلاقة بين الحكومة وقوات "قسد" تقدما غير مسبوق، تُوّج بتوقيع اتفاق أولي يقضي بدمج المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة لقسد ضمن الدولة السورية. وقد أسفر ذلك -مطلع يونيو/حزيران- عن عقد اجتماعات رسمية في دمشق لتثبيت البنود المتفق عليها ميدانيا.
غير أن الخلافات الجوهرية ما تزال تعرقل تنفيذ الاتفاق، خاصة فيما يتعلق بالشق العسكري. فبينما يطالب قائد "قسد" بدمج قواته ضمن الجيش بصيغة "كتلة عسكرية موحدة" ترفض وزارة الدفاع السورية هذا الطرح، متمسكة بمبدأ التفكيك الكامل قبل إعادة الإدماج ضمن البنية الهرمية التقليدية للجيش النظامي.
وتشمل نقاط الخلاف الأخرى إدارة المعابر الحدودية وحقول النفط، وكذلك آلية دمج موظفي الإدارة الذاتية ضمن هيكل الدولة الرسمي.
ورغم ما تحقق من اعتراف سياسي وتقدم ميداني، لا تزال "قسد" تحتفظ ببرامج تجنيد وتسليح مستقلة، تبرّرها بـ"ضرورات الأمن المحلي" مما يعكس هشاشة الاتفاق واحتمال انهياره في حال انسحاب واشنطن دون ضمانات تنفيذية واضحة.
وفي المقابل، تشير مصادر سورية إلى أن تركيا لعبت دورا حاسما في تسهيل التطورات الأخيرة، عبر فتح قنوات اتصال بين واشنطن ودمشق، في مساع لتفادي فراغ أمني أو تصادم مع قسد، وربما تمهيدا لصفقة إقليمية أوسع تشمل إعادة الإعمار، وضبط النفوذ الإيراني والروسي بالمنطقة، وضمان أمن الحدود التركية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات الإدارة الأمیرکیة الولایات المتحدة الحکومة السوریة تنظیم الدولة للجزیرة نت فی سوریا إلى أن
إقرأ أيضاً:
رسائل إيران لواشنطن.. هل تبدد خلافاتهما أم تفاقمها؟
تجدد إيران موقفها الرافض للتفاوض على ما تسميه حقها في تخصيب اليورانيوم أو قدرتها الصاروخية خلال أي مفاوضات مقبلة مع الأميركيين، وهوما أكدت عليه تصريحات مسؤولين إيرانيين بمختلف المستويات. ويأتي ذلك بينما ترى واشنطن أن إيران تم إضعافها بشدة في الهجوم الأميركي الأخير على منشآتها النووية وأنها مضطرة للتنازل عن طموحاتها النووية.
وعبّر عن الموقف الإيراني مكتب الرئاسة الذي قال إن طهران لن تفاوض حول قدرتها الصاروخية والمعرفة النووية والتخصيب، وأنها إذا عادت للتفاوض، فإنها لن تسمح باستخدام طاولته للخداع مرة أخرى، ونفس الموقف أعلن عنه رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، بقوله إن "تخصيب اليورانيوم بات إرثا وطنيا إيرانيا لا يمكن القضاء عليه بالقنابل أو باغتيال الأفراد".
كما قال قاليباف -في حديث مع التلفزيون الإيراني- إنّ القدرة الصاروخية تمثل ما سماه خطا أحمر بالنسبة لطهران و لن تتراجع عنه في كل الظروف.
وتأتي هذه التصريحات في سياق رد إيران على رسائل وصلتها من الإدارة الأميركية، كما تقول الدكتورة فاطمة الصمادي، الباحثة الأولى في مركز الجزيرة للدراسات والخبيرة في الشأن الإيراني في حديثها لبرنامج "ما وراء الخبر".
ونفت طهران الثلاثاء الماضي أن تكون قد تقدمت بأي طلب للتفاوض مع واشنطن، خلافا لما صرّح به الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد الهجمات الإسرائيلية والأميركية على المنشآت النووية في إيران.
ويثار داخل إيران جدل واسع حول موضوع العودة للمفاوضات مع واشنطن بعد الهجوم الأخير، فهناك من يرى في التفاوض خيارًا إستراتيجيًا، وهناك من يعارض هذا الموضوع من الأساس، باعتبار أن الهجوم الإسرائيلي والأميركي حدثَ في خضم مباحثات بين واشنطن وطهران حول البرنامج النووي الإيراني، تحفظ عليها المرشد الإيراني علي خامنئي، كما تؤكد الصمادي.
إعلان
وقد تعرض الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في وقت سابق لانتقادات حادة من عدة صحف محافظة في البلاد، وذلك بعد تأييده استئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة خلال مقابلة مع الصحفي الأميركي تاكر كارسون.
ويذكر أنه في 13 يونيو/حزيران شنّت إسرائيل حربا على إيران بهدف "منعها من حيازة السلاح النووي". وجاء ذلك في حين كانت الولايات المتحدة وإيران تخوضان مفاوضات بشأن برنامج طهران النووي.
ولاحقا تدخلت الولايات في الحرب، وقصفت في 22 يونيو/حزيران موقع تخصيب اليورانيوم تحت الأرض في فوردو جنوب طهران، ومنشأتين نوويتين في أصفهان ونطنز (وسط).
تغيير النهجوإذا قبلت إيران بالعودة إلى المفاوضات مع الأميركيين، فستطرح على طاولة التفاوض -تضيف الصمادي- فكرة التخصيب خارج أراضيها، وستبدي استعدادها للعودة للتخصيب بنسبة منخفضة كما حدث في اتفاق 2015.
أما بالنسبة للقوة الصاروخية فستكون نقطة خلاف جوهرية في أي مفاوضات قادمة، لأن الحرس الثوري الإيراني -تواصل الصمادي- لن يسمح بطرحها على التفاوض لأنه يعتبرها إنجازه الكبير، وإن حصل الأمر فسيطيح برؤوس كثيرة.
وفي حسابات الإدارة الأميركية التي يقودها ترامب، فإن إيران قد ضعفت جراء الضربات الأخيرة، وبالتالي لن يكون هناك تخصيب لليورانيوم ولن يكون لديها برنامج صاروخي، وعليها -كما يوضح الكاتب الصحفي المختص بالشأن الأميركي، محمد المنشاوي- أن تغير النهج الذي تعتمده منذ سنوات وتكون أكثر واقعية، كما أنها (أي الإدارة الأميركية) ترفض إحياء اتفاق 2015.
ورغم أن النطاق الفعلي للأضرار التي ألحقها القصف الأميركي بالمواقع النووية الإيرانية لم يعرف بعد، إلّا أن إسرائيل تشارك حليفها الأميركي في أن إيران قد ضعفت، لكنها تتصور أنه يجب تغيير المشهد السياسي في هذا البلد ولو بأدوات غير عسكرية، وحول هذه النقطة يقول رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الخليل، الدكتور بلال الشوبكي لبرنامج " ما وراء الخبر" إن إسرائيل لديها قناعة بأن إيران هي الأخطبوط الذي ينفذ عمليات ضدها.