قراءة تحليلية في كتاب «الخلية المخادعة: كيف يساعدنا التطوُّر على فهم السرطان وعلاجه»
تاريخ النشر: 23rd, July 2025 GMT
قبل أكثر من خمسِ عقود، أعلن الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون «الحرب على السرطان» حين وقّع على القانون الوطني لمكافحة السرطان. وعلى الرغم من التقدم الملحوظ على بعض الجبهات، فإن من الواضح عمومًا أننا لم ننتصر في هذه المعركة؛ إذ لا يزال السرطان إلى يومنا هذا أحد الأسباب الرئيسة لوفاة الإنسان.
ولكن، ماذا لو أن استعارة «الحرب» المستخدمة في التعامل مع السرطان لم تكن مناسبة وأدّت إلى فهمٍ خاطئ؟
أسئلة كثيرة ومثيرة يجيب عنها كتاب الخلية المخادعة من خلال عدسة تطورية، تجبر القارئ على إعادة النظر، على نحو جذري، في مفهوم السرطان؛ لا بوصفه شيئًا يجب التخلص منه والقضاء عليه بأيّ ثمن، بل شيئًا ينبغي التحكم فيه وتحويله إلى رفيق يمكن التعايش معه.
في فصل الكتاب الأول (التطوُّر في الجسد)، تُفاجئنا أثينا بمعلومة سريعة، وتوضح من خلال الأدلة أنَّ السرطان قديمٌ قِدَم الحياة على هذه الأرض، وأنَّ يدَه قد تطال جميع الكائنات الحيّة، باستثناء الكائنات الأُحادية الخلية - مثل العتائق والبكتيريا - التي هيمنت على الأرض في بدايات نشأة الحياة. لكن، عندما وُلدت الكائناتُ متعدّدة الخلايا، وتطوّرت، وصارت جزءًا من مشهد الحياة، وُلد معها السرطان؛ لذا، يُعَدّ السرطان جزءًا لا يتجزّأ منّا. تستعرض أثينا بعض الأدلة على تاريخ السرطان في هياكل الإنسان القديم العظمية، من إفريقيا ومناطق جغرافية وأعراق بشرية مختلفة؛ إذ وُجدت عظامٌ تحوي علاماتٍ تُشير إلى إصابتها بالسرطان، يعود تاريخها إلى 1.7 مليون سنة. وعلى مدار حياة الإنسان، يحدث عدد مذهل من انقسامات الخلايا، ونظرًا لعدم دقّة التحرير الجزيئي، تقع أخطاء وراثية قد يتعذّر إصلاحها. ويُعدّ تراكم الطفرات - نحو أربع إلى سبع طفرات في المتوسّط لكلِّ انقسام، في الأورام الشائعة مثل سرطان الرئة والبروستاتا - سببًا رئيسًا في تطوّر الخلية الخبيثة، وهذا ما يفسّر تزايد حالات الإصابة بالسرطان مع تقدُّم العمر. ومهما يكن من أمر، فإن السرطان يتغلغل في جميع مفاصل الحياة، من الحشرات إلى الحوت الأزرق. وتقدِّم أثينا أمثلةً من التكوينات الهندسية لنبات الصبّار؛ إذ وُجد أن الخلايا في الطرف النامي من الصبّار تتحوّر نتيجة التلف أو العدوى، وتُصاب بالسرطان، ما يؤدي إلى تشكيلاتٍ لافتةٍ للنظر تُعرف باسم «الشمعلة». ومن هنا تستنتج أثينا أنَّ الصبّار ليس وحده مَن يُعاني من هذه التكوينات الشبيهة بالسرطان، بل ثمّة عدد لا يُحصى من الكائنات الحيّة المصابة. تنطلق أثينا من مقولة عالم الأحياء التطوُّري ثيودوسيوس دوبزانسكي - أحد روّاد التطوُّر في القرن العشرين - التي تقول: «لا شيء في البيولوجيا يبدو منطقيًّا إلّا في ضوء التطوُّر». وعلى هذا الأساس، تستخدم أثينا عدسةً تطوُّرية وبيئية لتقريب الظواهر وتفسيرها، مؤكدةً لنا أنه لو كان دوبزانسكي بيننا اليوم، لربّما غيّر مقولته إلى: «لا شيء في بيولوجيا السرطان يبدو منطقيًّا إلا في ضوء التطوُّر».
تستهل أثينا في فصل الكتاب الثاني (لماذا يتطوَّر السرطان) حديثها بتناول مفهوم التطوُّر. وعلى الرغم من أنَّ هذا المفهوم وآلياته مبثوثان في مواضع عدة من الكتاب، يمكننا تلخيص التطوُّر - من منظور بيولوجي - بأنه التغيُّر الحاصل في الصفات الموروثة لدى مجموعة من الكائنات الحية عبر الأجيال المتعاقبة. فعندما تتكاثر الكائنات الحيّة، تنقل إلى ذريّاتها حزمةً من الصفات؛ قد تكون بعضُها ظاهرةً للعيان، كأنماط الأجنحة لدى الفراشات، وعدد الحراشف في التماسيح، وقد تكون سماتٍ خفيّةً نسبيًّا، كترتيب قواعد النيوكليوتيدات التي تُكوِّن الحمض النووي (DNA) للكائن الحي. في الواقع، حين نتحدث عن «الميراث التطوُّري»، فنحن نشير إلى انتقال التسلسلات الجينية من جيلٍ إلى جيل. وعندما يتغيّر تسلسل جينيّ معين داخل جماعةٍ - بفعل طفرة مثلًا - وتُورَّث هذه التغيُّرات إلى الأجيال اللاحقة (على المستوى الجيني)، فإنَّ ذلك يُعدُّ جزءًا من العملية التطورية. والأمر ذاته، كما تشير أثينا، يحدث داخل أجسامنا؛ إذ يتغيّر توزُّع الطفرات الجينية المختلفة في كل مرة تنقسم فيها الخلية أو تموت. والخلايا، مثل الكائنات الحيّة، تتنافس فيما بينها من أجل البقاء وزيادة فرص التكاثر. فالخلايا التي تلبي شروط الصلاحية وتستجيب لمتطلبات التأقلم لبناء الكائن الحي - أي تلك التي تتمكن من البقاء والتكاثر بوتيرة أعلى - تكون هي التي تُشكِّل في النهاية اللبنات الأساسية للتجمّعات الخلوية التي تُكوِّن الأجسام متعددة الخلايا. ولسوء الحظ، فإن إحدى الطرائق التي قد تتمكّن بها خليةٌ ما من التفوق على نظيراتها داخل المجتمع الخلوي، هي عبر تجاهل الأنظمة والقيود التي تحكم بقاء الخلايا وتكاثرها، وهو ما يرتبط ارتباطًا مباشرًا بتطوُّر السرطان.
فالسرطان، شأنه شأن سائر التجمعات الأحيائية المتطورة، يخضع لعمليتَي الانتقاء الطبيعي والانحراف الجيني. وبوجه عام، لا يعمل الانتقاء الطبيعي إلا إذا توفّرت شروط محددة في الخلية أو الكائن الحي، وهي: التباين الجيني، وقابلية التوريث، والصلاحية. أي، يجب أن تتفاوت الخلايا في خصائصها، وأن تكون تلك الخصائص قابلة للتوريث عند انقسام الخلايا، وأن يكون لها تأثير في صلاح الخلية (أي قدرتها على البقاء والتكاثر).
في فصل الكتاب الثالث (الغش في التعاون متعدد الخلايا) تنظر أثينا إلى السرطان على أنه رفيق السكن السيئ في الجسم- غشاش، أو مخادع. ولكن، ما هو السرطان من وجهة نظر بيولوجية؟ اعتدنا أن نعرّف السرطان بأنه مجموعة من الأمراض التي يبلغ عددها حوالي 200 مرض حسب مكان ظهورها- على عدد أنواع خلايانا التي يبلغ عددها 206. مع ذلك، تخبرنا أثينا أن السرطان مصطلح معقد يستعصي تعريفه وعلاجه في كثير من الأحيان، كما يختلف تعريفه باختلاف التخصصات التي تتعامل معه. يُعرَّف السرطان أحيانًا بالنمو الغازي، الـذي يجتاح الأنسجة والأعضاء، وفي أحيان أخرى يستخدم الأطباء مصطلح «السرطان» للتعبير عن حالات النمو غير الغازية «غير المنتشرة» ينظر علماء بيولوجيا السرطان إلى السمات المميزة للسرطان، وهي قائمة بالأنماط الظاهرية للخلايا السرطانية (السمات والخصائص)، كوصف موثوق به للمرض. هذه السمات هي مظاهر متعددة للغش والخداع في منظومة التعاون الخلوي للكائنات متعددة الخلايا. تعتمد أثينا في تعريف السرطان على الورقة المرجعية الرائعة لعالمي بيولوجيا السرطان دوجلاس هانان وروبرت واينبرج، التي نُشرت في عام 2000 بعنوان «سمات السرطان» وقد حددوا ست سمّات رئيسة، قاموا بتحديثها بعد عقد من الزمن 2011، لتشمل سمتين مميزتين ناشئتين وخاصيتين تمكينيتين. تشتمل هذه السمات: نمو الخلايا وانقسامها بشكل شاذ عن الإشارات المناسبة، النمو والانقسام المستمر حتى مع إعطاء إشارات متناقضة، تجنب الموت الخلوي المبرمج، تجنب الاستجابة المناعية، تغيير الطاقة الخلوية، زيادة استخدام الموارد الخلوية، عدد لامتناهي من الانقسامات الخلوية، تعزيز بناء الاوعية الدموية، غزو الانسجة والانبثاث. وقد أضاف هانان في عام 2022 أبعادًا جديدة للسمات السرطانية، لم تضمنها أثينا في كتابها لأن الكتاب نُشر عام 2020. وعلى أيّ حال، سلّطت ورقة هانان الجديدة الضوء على التعقيد الهائل للأنماط الظاهرية والأنماط الجينية للسرطان، ووضعت أبعادًا جديدة من ضمنها تكيفية النمط الظاهري، وإعادة البرمجة اللاجينية غير الطافرة، والميكروبات الحيوية-المفيدة في أجسامنا- متعددة الأشكال. ومما لا ريب فيه، أن الغش الخلوي يجمع معًا سمات متعددة في إطار واحد. تقدم لنا أثينا ثلاث آليات لمنع الخلايا من سوء التصرف. اولاً، آلية جوهرية يشكلها الجين الكابح للسرطان TP53 الذي يعمل بمثابة عقدة مركزية، تتضمن معلومات من العديد من المصادر لتقرر ما إذا كان سيتم بدء إصلاح الحمض النووي،
أو موت الخلايا المبرمج، أو منع تكاثر الخلايا. ثانيًا، آلية مراقبة الجيران، حيث تتطلب الخلايا ما يسمى بإشارات البقاء من جيرانها حتى لا تبدأ في موت الخلايا المبرمج. ثالثًا، وكالة الاستخبارات الخلوية المتمثلة بجهاز المناعة في الجسم لاكتشاف وتدمير الخلايا التي تتصرف بشكل غير لائق. ومع ذلك، يمكن للسرطان أن يكسر أو يخدع كل هذه الآليات.
في الفصل الرابع (السرطان من المهد إلى اللحد) تخبرنا أثينا عن رحلتنا مع السرطان، من الولادة وحتى الوفاة، فلا يخلو جسد من السرطان. فمنذ الأسابيع الأولى لتكون الجنين ونحن نسير على حبل مشدود بين حفرتين ساحقتين، حيث على يسارنا حفرة السعير الملتهبة، وعلى اليمين حفرة الزمهرير الراكدة. سوف يدرك القارئ أننا عبرنا «بأعجوبة» إلى الحياة. ومن خلال استعارة الحبل المشدود توضح لنا أثينا أهمية التوازن في تكّون الكائن الحي، فلو مال التوازن بشكل كبير نحو الجهة اليسرى خلال المشي على الحبل في مرحلة التطور الجنيني -السماح بزيادة حرية الخلايا بشكل كبير- فإن الجنين سيسقط في هاوية الفوضى. عند الذهاب بعيدًا في هذا الاتجاه، سيكون هناك تجمع غير منتظم من الخلايا النهمة التي لا تشبع من التكاثر. أما إذا مال التوازن بشكل كبير نحو الجهة اليمنى -تقييد التحكم في حرية وسلوك خلايا الجنين المتطوِّر- فإنه يسقط في مستنقع الركود. في الواقع، إنَّ الحريَّة الخلويَّة هي الشرارة التي تبعث السرطان من الرماد وتمنح للخلايا المخادعة الاستمرار والازدهار؛ ولهذا السبب تُعد استعارة الحرب على السرطان غير مجدية: «لا يمكننا أن نستأصل بالكامل شيئًا هو في الأساس جزء منا» إن العديد من الأنظمة المهمَّة التي تسهم في بقائنا وتطوُّرنا تتطلب من الخلايا القيام بأشياء «تشبه سلوك السرطان»، بما في ذلك التكاثر السريع، والتحرك في جميع أنحاء الجسم، وغزو الأنسجة. على سبيل المثال، عند إصابتنا بجرح، فإنَّ عملية التئامه تتضمن تكاثر الخلايا وهجرتها إلى المنطقة التالفة. إذا رضخ السلوك الخلوي لقيود كثيرة، ستصبح عملية التئام الجرح مستحيلة. هذا ما تسميه أثينا «بالمقايضات»، فعند زيادة هذه القيود على سلوك الخلية تنخفض مستويات الخصوبة، وتتوقف عملية تجدد الأنسجة مع تقدمنا بالعمر ونصاب بالشيخوخة، بل ويجعلنا فريسة سهلة للإصابة بالعدوى. يدور هذا الفصل حول سؤال مهم: كيف تخطينا الحبل المشدود من غير الوقوع في الهاويّة؟ وتتحدث أيضًا عن أهمية الجين الكابح للورم TP53، والذي يلعب دورًا مركزيًا في تنظيم دورة الخلية وموت الخلايا المبرمج والاستقرار الجيني، وكيف تحوَّر في أكثر من 50% من حالات السرطان البشرية، ما يجعله التغيير الجيني الأكثر شيوعًا في الخلايا السرطانية ويؤكد على أهمية هذه الطفرات. تستعرض أثينا على نحو جيد المنظور الخلوي والعضوي وتوجه القارئ نحو فهم أفضل لبيولوجيا السرطان.
في الفصل الخامس (السرطان عبر شجرة الحياة) تستكمل أثينا حديثها عن الكائنات التي تصاب بالسرطان وتستعرض مواطن الشبه- على المستوى الجيني- بين سرطانات الكلاب والبشر، وكيف أن الإصابة تتناسب طرديًا مع الحجم (على مستوى النوع) فكلما زاد حجم الكائن زادت فرصة إصابته بالسرطان، ولكن خلايا الفيلة أكثر من خلايانا بمائة مرة تقريبًا، ورغم ذلك فإنَّ معدلات إصابتها بالسرطان أقل بكثير من معدلاتنا، تسمى هذه المفارقة «مفارقة بيتو»، كما يطرح هذا الفصل سؤالًا في غاية الأهمية: هل ينتقل السرطان من كائن حي إلى آخر؟ لحسن الحظ، لا ينتقل بين البشر، ولعل الفضل يعود لجهازنا المناعي بذراعيه الفطري والتكيفي، ولكن ثمة أمثلة في شجرة الحياة تنتقل فيها السرطانات بين الأنواع كما في الكلاب وشياطين تسمانيا والمحار.
يسبر الفصل السادس (العالم الخفي للخلايا السرطانية) أغوار حدود السرطان البيئية وينظر في البيئة الصغرويّة للورم، ويطرح جملة من الأسئلة: هل يمكن تطبيق نظرية التشتت على الأورام الخبيثة؟ هل التعاون بين الخلايا السرطانية هو تكيف أم نتيجة ثانوية لعمليات أخرى أم عملية عشوائية عابرة؟ هل يمكننا استخلاص الدروس من نظرية اختيار الأقارب أو مستعمرات الحشرات الاجتماعية؟ ماذا عن التفاعل بين السرطان «والبكتريا النافعة في جهازنا الهضمي «الميكروبيوم»؟ وهل يمكن للعناصر الوراثية الأنانية، مثل الجينات القافزة «الترانسبوزونات» أن تؤثر على قابليتنا للإصابة بالسرطان؟ في الواقع، ثمة نقطة عمياء كبيرة هنا، كما تزعم أثينا؛ إذ أن تقنيات التسلسل الجيني الحالية لا يمكنها اكتشاف الحمض النووي خارج النواة «الدنا غير الصبغي»، لذلك من الصعب ربطها بالسرطان. يمكن أن تكون العواقب دراماتيكية: سيتعين إعادة النظر في الأسس النظرية لجزء كبير من مجال تطور السرطان إذا كان السرطان، جزئيًا، نتيجة الانتقاء على مستوى الجينات الذي يفضل العناصر الجينية الأنانية.
بوصفي باحثًا في بيولوجيا السرطان، كنتُ أترقّب بفارغ الصبر قراءة الفصل الأخير من الكتاب (كيف نسيطر على السرطان؟)، وقد راودني سؤال جوهري: كيف يمكن للرؤية التطورية للسرطان أن تُسهم في تحسين العلاج وتطوير أدوية جديدة؟ تناقش أثينا في هذا الفصل مفهوم العلاج التكيفي، وهو نهج يقوم على تعديل جرعات الأدوية وتركيباتها بمرور الوقت للسيطرة على الورم دون السعي إلى استئصاله التام، تمامًا كما يفعل المزارعون حين يستخدمون جرعات منخفضة من المبيدات لإبقاء الآفات عند مستوى مقبول.
وقد جُرِّب هذا النمط العلاجي بأشكال متباينة مع أنواع متعددة من الأورام، غير أن فعاليته مقارنةً بالأساليب التقليدية ما تزال قيد التقييم. إلى جانب ذلك، أفضت دراسات المؤشر التطوري (Evo-Index) والمؤشر البيئي (Eco-Index)، وهما منهجان يصنّفان الأورام بناءً على سماتها التطورية (مثل التنوع الجيني ومعدلات التغير الجيني) والبيئية (مثل وفرة الموارد كإمدادات الدم ونشاط الجهاز المناعي)، إلى مقاربة جديدة في تطوير العلاجات الموجهة والعلاج المناعي، وأسهمت هذه المقاربة في إحداث تحوّل فعلي في علاج عدد من السرطانات. وتكمن الفرصة اليوم في الجمع بين ما توصّلنا إليه على المستوى الجزيئي بشأن استجابات الأورام ومقاومتها للعلاجات الحديثة، وبين الإطار التطوري الذي ترسمه أثينا في كتابها اللافت الخلية المخادعة. ذلك الاتحاد قد يحقق الغاية التي حدّدتها المؤلفة: القضاء على السرطان حين يكون ممكنًا، وترويضه حين يستحيل استئصاله — حتى تنال هذه الخلية المخادعة في نهاية المطاف جزاءها المستحق.
سعد صبّار السامرائي جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بالرستاق.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: على السرطان السرطان من أثینا فی ا أثینا التی ت ة التی
إقرأ أيضاً:
قراءة إسرائيلية غاضبة من الإعلان الفرنسي عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية
أثار إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن بلاده ستعترف رسميا بالدولة الفلسطينية موجات غضب عميقة على الساحة الإسرائيلية، رغم أنه يتأرجح بين انتقاد الاحتلال ودعمه منذ اندلاع الحرب على غزة في أكتوبر 2023، لكنه يجد نفسه اليوم عند نقطة قرار مشحونة، عاطفياً وسياسياً.
آنا بارسكي المراسلة السياسية لموقع ويللا، أكدت أن "الاعتراف بالدولة الفلسطينية ليس مجرد مسألة جيوسياسية، بل عبارة عن سلسلة من ردود الفعل المتأثرة بواقع داخلي فرنسي معقد، وقد أثار تقرير رسمي نشرته وزارة الداخلية الفرنسية مؤخرا احتمال أن يكون هذا الاعتراف بمثابة وسيلة "لتهدئة" المسلمين في البلاد، الذين يعبرون عن شعورهم بالغربة عن دعم فرنسا التقليدي للاحتلال".
وأضافت في تقرير ترجمته "عربي21" أن "الاعتراف الفرنسي بالدولة الفلسطينية يمكن أن يساعد في سد الفجوة المتزايدة بين المجتمعين المسلم واليهودي في فرنسا، وهما الأكبر من نوعهما في أوروبا، ولذلك قدم ماكرون مبادرته باعتبارها استمرارا لالتزامه بحل الدولتين، حيث تخطط بلاده لعقد مؤتمر دولي بالتعاون مع السعودية بهدف رسم خارطة طريق جديدة للسلام، بعد تأجيله منذ شهر يونيو بعد العدوان على إيران".
وأوضحت أنه "بين السطور تبرز قصة أعمق تتمثل في محاولة ماكرون ترك بصمة تاريخية خلال ولايته الأخيرة، لأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، حتى لو كان رمزيا، سيعتبر حدثا بارزا على الساحة الدبلوماسية الأوروبية، رغم تحذيرات العديد من كبار الدبلوماسيين، في أوروبا أو الولايات المتحدة، من أن هذه الخطوة قد تؤدي لتباعد فرص تحقيق السلام، على حد قولها".
وأشارت أن "الاعتراف الفرنسي المبكر بالدولة الفلسطينية من شأنه أن يلغي الحوافز الفلسطينية للمفاوضات، ويقوض الإجماع الغربي، ويزيد من شعور دولة الاحتلال بالعزلة، وهي عوامل قد تؤدي لمزيد من التصعيد، وليس الهدوء، وخلف الكواليس، تمارس الأخيرة ضغوطاً غير مسبوقة على فرنسا لمنع الاعتراف، كما تفعل الولايات المتحدة التي تقف بجانبها".
وكشفت أن "الأدوات السياسية الإسرائيلية الموجهة الى فرنسا تتمثل في وقف التعاون المتنوع، بما في ذلك التعاون الأمني، وحتى التلميح إلى ضمّ الضفة الغربية، وفرض السيادة الأحادية الجانب فيها، صحيح أن إعلان السيادة الذي وافقت عليه الكنيست بأغلبية الأصوات قبل أيام هو خطوة رمزية، لكنه يشكل رسالة إسرائيلية لا لبس فيها، لاقت رفضاً متوقعاً في باريس وعواصم أوروبية أخرى، لكن يبدو أن ماكرون غير راض عن الضغوط والتهديدات".
وأضافت أنه "بالنسبة لماكرون فإنه أمام لحظة تاريخية، وإذا كانت هناك فرصة للتأثير، فهي هنا والآن، لأن الرأي العام الفرنسي نفسه منقسم في آرائه، وفيما يرى البعض أنها خطوة إيجابية، وتشكل سابقة، وبادرة عدالة تاريخية للفلسطينيين، يحذر آخرون من رد فعل عنيف على الصعيد المحلي، وصدمة في العلاقات مع دولة الاحتلال، وتزايد معاداة السامية".
وختمت بالقول إن "النقاش الفرنسي حول الاعتراف بفلسطين تحول منذ فترة طويلة من مجرد رغبة دبلوماسية إلى انعكاس للهوية الوطنية، وبالنسبة لماكرون، فإن هذه محاولة للجمع بين قيم المساواة والحرية الدينية مع نهج استراتيجي جديد للشرق الأوسط، ويأمل أن تؤدي هذه الخطوة، إذا نجحت، لإعادة تعريف دور فرنسا ليس فقط في الشرق الأوسط، بل وفي هويتها كدولة توازن بين التقاليد والتغيير، وبين الواقعية والأمل".