عقد الجامع الأزهر أمس الأربعاء، اللقاء الأسبوعي لملتقى السيرة النبوية، تحت عنوان: "رحمة النبي صلى الله عليه وسلم "فتح  مكة نموذجا" وذلك بحضور كل من؛ أ.د أسامة المهدي، أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر، وأ.د حسن القصبي، أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر، وأدر الحوار الأستاذ محمد جمعة، الإعلامي بإذاعة القرآن الكريم.

في بداية الملتقى، أوضح فضيلة الدكتور حسن القصبي أن رحمة النبي صلى الله عليه وسلم ورأفته في كل أفعاله وأقواله، هي التي فتحت قلوب الناس لهذا الدين، ويؤكد القرآن الكريم هذا المعنى بقول الله تعالى: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ"، هذه الآية تبين أن الرحمة ليست مجرد صفة عابرة، بل هي جوهر الدعوة النبوية، لأنها مفتاح القلوب وسر الألفة والمودة بين الناس، ويجب علينا  أن نقتدي بهذا الخلق النبوي  في حياتنا، فالرحمة هي التي تزيل الحواجز وتذيب الخلافات، وتجعل المجتمعات أكثر تماسكا، وعلينا أن ندرك جيدا أن الرحمة ليست مجرد شعور، بل هي سلوك ينعكس في تعاملاتنا مع أسرنا، جيراننا، وجميع من حولنا، فإذا ما غلبنا خلق الرحمة، تفتح القلوب، وتزداد المودة، وتنتشر السكينة بين الناس، مما يعزز  الترابط ويجعلنا أمة متماسكة مترابطة.

حكم ترك الدعاء لتأخر الإجابة ؟.. الإفتاء ترددعاء تفريج الهم والحزن.. ردده يوميا ينشرح صدرك وتكن في معية الله

وأشار فضيلة الدكتور حسن القصبي إلى أن فتح مكة يقدم دروسًا للمسلمين، فمن أبرز تلك الدروس  أن من ينقض عهدًا قد قطعه، يكون قد ارتكب خيانة ومكرا، وهو ما يستوجب الحذر التام ممن يتعاملون بهذه الأخلاق، لهذا، كان تحرك النبي صلى الله عليه وسلم تجاه تصرف قريش بنقض عهدهم "صلح الحديبية" أمرا حتميا لرد الظالم عن ظلمه، ومن الدروس الأخرى  التي نتعلمها من فتح مكة، هو  حظر الشائعات ووأد الفتن في مهدها، يتجلى ذلك بوضوح في موقف النبي صلى الله عليه وسلم الحكيم تجاه مقولة سعد بن عبادة  عند دخول مكة، حين قال: "الْيَوْمُ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ، الْيَوْمُ تُسْتَحَلُّ فِيهِ الْكَعْبَةُ"، فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم بحكمة بالغة: "كَذَبْتَ يَا سَعْدُ، هَذَا يَوْمُ الْمَرْحَمَةِ، هَذَا يَوْمٌ تُعَظَّمُ فِيهِ الْكَعْبَةُ"، بل وأرسل علي بن أبي طالب رضي الله عنه ليلحق بسعد ويأخذ الراية منه، ليكون دخول مكة سلميا، موقف النبي صلى الله عليه وسلم هذا كان حائلا بين انتشار الشائعات، التي يمكن أن تؤدي إلى الفتنة وسفك الدماء.

وأضاف فضيلة الدكتور حسن القصبي أن الرحمة التي قابل بها النبي صلى الله عليه وسلم، قريشا عند  فتح مكة هي أعظم الدروس الإنسانية، وهي التي تجعلنا نطلق على فتح مكة فتح الأخلاق، فعلى الرغم من كل ما لاقاه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من قريش من إخراج من ديارهم وظلم واضطهاد على مدار سنوات طويلة، إلا أن خلق النبي العظيم تجلى في أبهى صوره يوم الفتح، فعندما دخل مكة منتصرًا، جمع قادة قريش الذين كانوا أشد أعدائه، وسألهم: "مَا تَرَوْنَ أَنِّي فَاعِلٌ بِكُمْ؟"، فردوا: "خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ"، فقال صلى الله عليه وسلم كلمته الخالدة التي أذهلت العالم: "اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ"،  هذا العفو الشامل لم يكن مجرد تسامح، بل كان درسا عمليا في القوة التي تتحلى بالرحمة، والقدرة التي تقابل بالإحسان، مما أثر في قلوب أهل مكة ودفعهم إلى الدخول في الإسلام أفواجا، هذا الدرس يعلمنا أن القوة الحقيقية تكمن في ضبط النفس، وأن النصر لا يعني الانتقام، بل هو فرصة لإرساء قيم العدل والرحمة.

من جانبه أكد فضيلة الدكتور أسامة مهدي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مثالا للرحمة الكاملة، كما تجلى هذا  في قول الحق سبحانه و تعالى في وصفه للنبي صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ"، كما أن هذه الرحمة النبوية ظهرت بوضوح في موقف الطائف، فحين شج رأسه الشريف وكسرت رباعيته، رفض الدعاء على المشركين، قائلا: "إني لم أبعث لعانا، وإنما بعثت رحمة"، ونراها في كل مواقف للنبي حتى  في تعامله الأبوي؛ فعندما رأى الأقرع بن حابس النبي يقبل الحسن والحسين، قال متعجبا: "إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا"، ليرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم مؤكدا أهمية الرحمة الأسرية: "من لا يرحم لا يرحم"، وفي هذه المواقف تجسيد أن خلق الرحمة دعامة أساسية للمودة والسكينة في الأسرة والمجتمع ككل.

وقال فضيلة الدكتور أسامه مهدي، لقد تجلت الرحمة كخلق عظيم  في دعوة الأنبياء والمرسلين أجمعين، يتضح هذا جليًا في مواقف عظيمة سطرها التاريخ، فنجد سيدنا يوسف عليه السلام عندما قال له الملك: "إنك اليوم لدينا مكين أمين"، لم يتردد سيدنا يوسف عليه وعلى نبينا السلام، في استخدام علمه وحكمته في إدارة شؤون مصر الاقتصادية، فأغاث الناس من الجفاف والمجاعة، مظهرا أقصى درجات الرحمة بهم وببلادهم، هذا الموقف يتوازى مع موقف سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، حيث وقف شامخا وقال لأهل مكة الذين طالما آذوه وحاربوه: "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، هذان الموقفان الخالدان يؤكدان أن الرحمة جوهر رسالات الأنبياء، ودليلا ساطعا على عظمة أخلاقهم التي تدعو إلى التسامح والعطاء.

كما بين الإعلامي محمد جمعة، أن النبي صلى الله عليه وسلم يفيض رحمة في خلقه وسلوكه، ولم يكن ليتحمل أعباء الدعوة وتبليغ الرسالة إلا لرحمته الفياضة التي شملت الجميع،  هذا المعنى الذي جاء في قول الحق سبحانه وتعالى: "لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ"، هذه الآية الكريمة تبين مدى حرص النبي صلى الله عليه وسلم على أمته وشفقته عليها، مما يجعله القدوة  لنا في إرساء دعائم مجتمع مبني على الرحمة والتراحم، مؤكدا أننا في أمس الحاجة لتطبيق خلق الرحمة في واقعنا المعاصر، مستلهمين ذلك من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم الذي جسد هذا الخلق العظيم في كل موقف من مواقفه، لا نه لا يمكن لحياتنا أن تستقر أو تزدهر دون ترسيخ هذه المعاني السامية في كافة جوانبها: في الأسرة، في العمل، في الشارع، وفي كل تعاملاتنا اليومية، لأن الرحمة ليست مجرد صفة، بل هي دليل على رقة القلب ورأفته.


يُذكر أن ملتقى "السيرة النبوية" الأسبوعي يُعقد الأربعاء من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر وبتوجيهات من فضيلة الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، بهدف استعراض حياة النبي محمد ﷺ، وإلقاء الضوء على المعالم الشريفة في هذه السيرة العطرة، وبيان كيفية نشأته وكيف كان يتعامل مع الناس وكيف كان يدبر شؤون الأمة، للوقوف على هذه المعاني الشريف لنستفيد بها في حياتنا.

طباعة شارك الجامع الأزهر السيرة النبوية فتح مكة

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الجامع الأزهر السيرة النبوية فتح مكة النبی صلى الله علیه وسلم السیرة النبویة فضیلة الدکتور حسن القصبی أن الرحمة فتح مکة

إقرأ أيضاً:

واعظة بالأزهر: شاوروهن وخالفوهن ليست من قول النبي

أكدت الواعظة بـ الأزهر الشريف، أسماء أحمد، أن المقولة الشهيرة "شاوروهن وخالفوهن" المنسوبة إلى النبي محمد ﷺ لا أصل لها في السنة النبوية، بل تخالف فعله الشريف، مستدلة بموقف النبي ﷺ من السيدة أم سلمة رضي الله عنها يوم الحديبية، حين استشارها في موقف عصيب كان يهدد وحدة الصف الإسلامي.

وأوضحت الواعظة بالأزهر الشريف، خلال تصريحات تلفزيونية، أن النبي ﷺ بعد أن أمر الصحابة بالتحلل من العمرة عقب عقد صلح الحديبية، فوجئ بعدم تنفيذهم للأمر من هول المفاجأة، فدخل مهمومًا إلى خيمته، واستشار أم المؤمنين السيدة أم سلمة، التي أظهرت حكمتها وحنكتها في التقدير، فاقترحت عليه أن يبدأ بنفسه دون أن يكلم أحدًا، فيذبح هديه ويحلق رأسه، وهو ما فعله النبي ﷺ، فاقتدى به الصحابة فورًا.

وأضافت الواعظة بالأزهر الشريف أن مشورة أم سلمة كانت سببًا في تجاوز الموقف العصيب، مشيرة إلى أن النبي ﷺ لم يهمل رأيها، بل نفّذه، مما يؤكد قيمة مشاركة المرأة في الرأي واتخاذ القرار، بخلاف ما يروّج له البعض زورًا من تجاهل النبي ﷺ لآراء النساء.

خطيب الجامع الأزهر: من علامات غضب الله على الإنسان ضياع عمره فيما لا يفيدنتيجة الثانوية الأزهرية برقم الجلوس.. رابط مباشر لبوابة الأزهر الإلكترونيةربيع الغفير: موقف الأزهر ومصر تجاه فلسطين غير قابل للمزايدةخطيب الجامع الأزهر: العبد سيسأل يوم القيامة عن عمره عامة وشبابه خاصة.. فيديو

واعظة بالأزهر تدعو الرجال للاقتداء بالنبي في استشارة الزوجة 

وانتقدت بعض الممارسات الحالية التي يتجاهل فيها بعض الأزواج مشورة زوجاتهم، معتبرين المال والقرارات أمورًا خالصة لهم وحدهم، قائلة: "مين هيكون أحرص على مصلحتك ومصلحة أولادك أكتر من زوجتك؟"، مشددة على أن الزوجة في كثير من الأحيان تكون الأعلم بظروف بيتها وزوجها، وقد يكون لديها رأي حكيم يغيب عن الرجل.

ودعت الرجال إلى الاقتداء بالنبي ﷺ في استشارته للنساء، والتأسي بحكمة السيدة أم سلمة رضي الله عنها، التي قدمت مشورتها للنبي ﷺ دون إلزام، بل بأسلوب راقٍ فيه تقدير واحترام، قائلة: "اعرضوا الأمور على زوجاتكم.. يمكن عندهم رأي ينقذ بيتكم من الانقسام".

طباعة شارك الواعظة بالأزهر الأزهر شاوروهن وخالفوهن النبي استشارة الزوجة الزوجة

مقالات مشابهة

  • دعاء النبي عند رؤية هلال شهر صفر.. تعرف عليه وردده
  • الجامع الأزهر يعقد ندوة عن «الهجرة النبوية» ضمن فعاليات برنامج المرأة والأسرة
  • من هم الممنوعون من شفاعة النبي يوم القيامة؟.. 5 فئات لا تنالها
  • واعظة بالأزهر: شاوروهن وخالفوهن ليست من قول النبي
  • خطبتا الجمعة بالحرمين: المؤمن يعتبر بسرعة انقضاء الأيام والشهور.. واتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- سبيل السعادة والفلاح
  • في جامعة الحكمة... ملتقى علمي عن تأثير الذكاء الإصطناعي على التصوير الطبي
  • من صور التمكين في السيرة النبوية
  • لماذا أوصى النبي بصلاة الظهر في وقتها؟.. اعرف السبب
  • الأوقاف تواصل المجالس العلمية بالمساجد وتطلق المجلس الـ 33 لشرح السيرة النبوية