زراعات القضارف تتحدى الحرب في السودان
تاريخ النشر: 30th, August 2023 GMT
قال مسؤول زراعي سوداني إن الموسم الزراعي في ولاية القضارف شرقيّ البلاد يبشر بإنتاجية عالية من مساحة تبلغ سبعة ملايين فدان، متحدياً بذلك عقبات تمويل القطاع الزراعي، وما تسببه الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع من دمار كبير للبني التحتية والقطاعات الإنتاجية الحيوية منذ منتصف إبريل/نيسان الماضي.
وأوضح ياسر الصعب، مسؤول اللجنة المفوضة للمزارعين في القضارف، في تصريحات لـ”العربي الجديد” أن اللجنة تعمل على إنجاح الموسم الزراعي عبر تذليل الكثير من المعوقات أمام المزارعين، لافتاً إلى التزام البنك الزراعي توفير التمويلات اللازمة لأغراض شراء الوقود والأسمدة.
في الأثناء، أكد تقرير لجنة إنجاح الموسم الزراعى في القضارف، أن جملة المساحات التي زُرِعَت فاقت 7 ملايين فدان (الفدان يعادل 4200 متر مربع) من المحاصيل الزراعية المتنوعة.
وأشار التقرير إلى اكتمال عمليات المسح الزراعي من حصر ورصد المساحات الكلية، لافتاً إلى ارتفاع حجم التمويل الزراعي إلى أكثر من 32 مليار جنيه من جميع الصيغ التمويلية بالقضارف، وبلغ عدد المزارعين الممولين نحو 1115 مزارعاً في الولاية.
وأوضحت اللجنة أن جملة المساحات المزروعة من محاصيل الأمن الغذائي من الذرة والحبوب الغذائية الأخرى تبلغ نحو 5 ملايين فدان، إضافة إلى زراعة نحو مليوني فدان من المحاصيل الزراعية النقدية (السمسم، القطن، زهرة الشمس والفول السوداني).
وحذرت لجنة إنجاح الموسم الزراعي من سوء استخدام الكيماويات الزراعية من خلال وجود عرض لبعض المبيدات والأسمدة منتهية الصلاحية في مثل هذه الظروف، مؤكدة ضرورة تكثيف الرقابة على المبيدات والأسمدة المطروحة فى الأسواق والمخازن.
وأكد مسؤول اللجنة المفوضة للمزارعين في القضارف، اكتمال استعدادات المزارعين لزراعة الموسم الصيفى، رغم وجود عقبات كبرى في ظل الظروف الحالية التي تشهدها البلاد.
ولفت إلى الجهود التي تبذلها بعض الشركات والمصارف التجارية في تمويل المزارعين بجانب الاجتهادات الفردية من بعض المزارعين للحصول على التمويل الذاتي.
واستنكر الصعب ما يشاع حول فشل الموسم الزراعي، متوقعاً زراعة مساحات مقدرة من المحاصيل الصيفية لسد النقص ودعم المخزون الاستراتيجي.
ويعوّل كثيرون على الموسم الزراعي في القضارف، في وقت أضحى الموسم الزراعي في ولايات دارفور وكردفان مهدداً بسبب وطأة الحرب في تلك الولايات الزراعية، والأمر ينذر بأزمات غذائية حادة في البلاد.
وجاء القطاع الزراعي في صدارة القطاعات المتضررة، إذ يرى مزارعون، خلال حديثهم لـ”العربي الجديد”، أنه رغم توجيهات وزارة المالية وبنك السودان بتوفير التمويل للمزارعين، إلا أن شحّ التمويل وصعوبة توفير مدخلات الإنتاج سيكون لهما أثر على اقتصاد البلد والوضع المعيشي للمواطن، خصوصاً في الولايات التي تعتمد بصورة أساسية على الزراعة.
العربي الجديد
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الموسم الزراعی الزراعی فی فی القضارف
إقرأ أيضاً:
السودان: خيارا الإفناء الذاتي والإقليمي
(1)
تتزايد تعقيدات المشهد السوداني يوماً بعد يوم، فيما تتوغّل الحربُ الكارثية إلى عامها الثالـث، ويتواصل النزيف الذي سبّبته تلـك الحـرب ويتواصل قتل الأبرياء من أبناء الشعب السوداني بلا أفق يوقف تلك الحرب. كلّ يومٍ يمرّ على تلك الكارثة التي تجري فصولها داخل السودان، لا يخفى على المتابعين رصد امتداداتها خارج السودان، بما يخرج تصنيف هذه الحرب الكارثية من كونها حرباً أهلـية، إلى صيرورتها حرباً إقليمية بامتياز، بسبب تدخّلات وتقاطع لأجندات ومصالح لأطرافٍ تقع وراء حدود السودان الجغرافية المعلومة. إنّ التحولات التي طرأت على طبيعة الحروبات في سنوات الألفية الثالثة، تجاوزت ما شاع في سنوات القرن العشرين ممّا وقع من حروب بالوكالة، أو حتى عبر تجنيد مرتزقة أو جواسيس. تلك أمور لم تعد لها صلاحية في السنوات الماثلة، سنوات الثورة الرقمية واتساع رقعة الشفافية المعلوماتية، وانكشاف بقاع العالم على بعضها البعض بحيثيات افتراضية كاسحة.
تلك تطورات أدخلت العالم إلى مرحلة تجاوزت عبرها المعطيات التقليدية التي ظلتْ سائدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945م، بقصد كبح جماح الصراعات التي قد تنشب بين أطراف المجتمع الدولي، وفق التعريف الذي بدأ يتهاوى في سنوات الألفية الثالثة.
(2)
إنّ نظرة واحدة لمجمل الصراعات التي تحوّلتْ إلى حروبٍ طاحنةٍ، مثل ما وقع بين روسيا وأوكرانيا، أو بين إسرائيل والشعب الفلسطيني، أو الحرب الدائرة في السودان بين أطرافه الداخلية بامتداداتها الخارجية، تقنع أيَّ متابعٍ أنَّ ما توافق عليه المجتمع الدولي من مبادئ لحفظ السلم والأمن الدوليين ، بات هرطقة لغوية لا علاقة لها بالواقع الماثل. إنّ جميع هيئات ومنظمات المجتمع الدولي، باتت محض ظواهر صوتية، تجعجع دون طحن، وتولول لموت قتيل ولا تملك أن تعاقب قاتله.
لم يلتفت رئيس إسرائيلي إلى أيّ طرف دولي أو غير دولي، ليدير ما يشبه حرب إبادةٍ جماعية لشعب فاسطيني أعزل، يذبح وتدمر مدنه وقراه ويُجبر على الخـروج
إلى دياسبورا. كأنّ زعماء الدولة الصهيونية ينتقمون من عرب فلسطين ويذيقونهم ما ناله اليهود عبر تاريخهم في الشتات الطويل. إنهم يصنعون دياسبورا عربية، مستغلين عجز المجتمع الدولي عن ردعهم، ومتكئين على سيطرتهم بطريق غير مباشر على أطراف دولية نافذة ارتهنت إرادتها لهم.
(3)
ثمَّ نرى تصاعد الاشتباكات بين روسيا وأوكرانيا، حربا يقف العالم أمامها على أطراف أصابعه إن تواصلت تعقيدات تلك الحرب لتكون حربا نووية تأخذ العالم إلى إفناءٍ متبادل. تراجعت تلك الحرب بفراسخ بعيدة عن المجتمع الدولي، لتعزِّز عجز منظماتها عن التذكير بقيم ومبادئ حفظ السّلم والأمن الدوليين. هكذا بقيتْ الأمم المتحدة غير مأسوفٍ عليها، ظاهرة لسانية مبحوحة الصوت.
أمّا الحرب الدائرة في السودان فقد ظلت - على تنافس أطرافها -وبعضهم قبِلَ أن يكون وكيلا عن أطراف خارجية- في تدمير ثاني أكبر دولة مساحة وموارد وسكانا- شأناً منسياً، وتعجز حتى المنظمة الأممية عن لجم الاشتباكات فيها، وهي دولة من دول العالم الثالث الهشّة. إن التصعيد الماثل في حرب السودان وفي مشهد من مشاهد الحروب التي تدار اشتباكاتها بأسلحة الجيل الجديد الافتراضية، من طائرات بطيّارٍ أو بدون طيار، أو مسيّرات انتحارية أو مسيًرات ذكية تدمِّر وتهرب، يتجاوز تصنيفها محض حربٍ أهلية داخلية، لأن تكون حرباً إقليمية افتراضية، تتقاطع في فضائها مصالحُ بلدانٍ في الاقليم، وربما خارج الإقليم. إن الاشتباكات والضربات الموجعة في الحرب السودانية، من أطراف يصعب رصدها، قد تفتح بابا لشكوك حول استهداف على البعد يأتي من جهات وراء حدود السودان.
(4)
لعلّ الأخطر في مشهد السودان الماثل، هو إصرار الأطراف المتقاتلة على تواصل الاشتباكات بدعم من أطراف خارجية خفية، بما قد يفضي إلى تصعيد تسفر فيها تلك الأطراف بصورة جلية. إن اقدام السلطات العسكرية في السودان، خاصة بعد تعمد استهدافها في مقرها في العاصمة المؤقتة، للإعلان عن موافقتها على استضافة قاعدة عسكرية روسية في السواحل السودانية للبحر الأحمر، سيفتح باباً لتدويل عسكري لكامل الدول المشاطئة لذلك البحر. إن التصعيد الذي يجري الآن في معاقبة الحوثيين في اليمن، بمشاركة إسرائيل والولايات المتحدة، يجعل من احتمالات جعل ذلك الإقليم ساحة لمواجهات إقليمية ودولية أيضا.
يبقى على السلطات العسكرية في السودان أن تتحسب لتلك التطورات، وإلا ستكون طرفا في مواجهات عسكرية ذات أبعاد إقليمية وربما دولية، لن يكتب بعدها للسودان إلّا الفناء.
العربي الجديد اللندنية
القاهرة – 6 مايو 2025