في ظل استمرار التصعيد في قطاع غزة وتدهور الأوضاع الإنسانية بسبب الحصار الإسرائيلي، ظهرت مجددًا انتقادات واتهامات موجهة إلى مصر، تتعلق بما يوصف بـ”القصور” في إيصال المساعدات إلى أهالي القطاع، خاصة مع تكرار إغلاق معبر رفح الحدودي.

وأثارت هذه الادعاءات حالة من الجدل السياسي والإعلامي، وسط محاولات لاتهام القاهرة، في وقت تصر فيه مصر على أنها تؤدي دورًا محوريًا وثابتًا في دعم القضية الفلسطينية، وفق التزامها التاريخي والأخلاقي والإنساني، ورفضها التام لأي محاولات لتهجير الفلسطينيين أو تقويض حقوقهم المشروعة.

سعيد زغبي: ما تواجهه مصر في غزة معركة شرعية إقليمية.. وليس مجرد تحد لوجستي

قال أستاذ السياسة الدكتور سعيد زغبي، في تصريحات خاصة لموقع صدى البلد إن الهجوم على الدور المصري في غزة تقوده بعض الفصائل والتيارات المحسوبة على قوى إقليمية، بالإضافة إلى تيارات الإسلام السياسي، معتبرًا أن تلك الأطراف تسعى إلى إضعاف الدور المصري التاريخي وتحويل الأنظار عن مسؤوليات أطراف أخرى، على رأسها إسرائيل، وأحيانًا حماس.

وأكد زغبي أن مصر تدرك أن صورتها الإقليمية والدولية مرتبطة ارتباطًا مباشرًا بأدائها في ملف غزة، ولهذا تبنت القاهرة ما وصفه بـ”استراتيجية الرد الصامت والموثق”، والتي لا تعني الضعف بقدر ما تعكس تكتيكًا متعمدًا للحفاظ على مكانتها كطرف مسؤول ووسيط نزيه لا ينجر إلى التصعيد أو المهاترات.

وأوضح أن مصر لم تتوقف عن إرسال المساعدات رغم التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية، مضيفًا أن السؤال الحقيقي لا يجب أن يكون: “هل قدمت مصر مساعدات كافية؟”، بل: “هل تستطيع مصر فرض دخول تلك المساعدات إذا أغلق الطرف الآخر الطريق؟”، في إشارة إلى الجانب الإسرائيلي أو حماس، اللذين يسيطران فعليًا على المعابر من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.

وأشار إلى أن مصر لا تملك السيطرة الكاملة على معبر رفح، خاصة بعد سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على الجزء الجنوبي من القطاع منذ مايو 2024، ما يجعل وصول المساعدات وتوزيعها تحديًا لوجستيًا معقدًا، وهو ما تستغله بعض الأطراف في محاولة لتشويه الصورة المصرية أمام الرأي العام.


سيناريوهات الدور المصري في الفترة المقبلة

واستعرض زغبي أربعة سيناريوهات متوقعة لطبيعة الدور المصري في المرحلة القادمة، وهي:

السيناريو الأول: الوسيط الإنساني المحايد (الأكثر ترجيحًا)
يرى زغبي أن مصر ستحافظ على موقعها كـ”ضامن حيادي” بين مختلف الأطراف، وستسعى إلى تعزيز وجودها في مؤتمرات الإغاثة وإعادة الإعمار، مع الحفاظ على دور فعال لكن متزن، دون الدخول في سباق استعراضي أو صدام مباشر مع أطراف إقليمية أو دولية.السيناريو الثاني: تعزيز السيطرة اللوجستية على معبر رفح
قد تتجه مصر إلى التفاوض مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية لإطلاق آلية ثلاثية بإشراف أممي، بهدف ضمان استمرار تدفق المساعدات، وتقليل فرص استغلال المعبر سياسيًا أو إعلاميًا.السيناريو الثالث: التصعيد الإعلامي المصري
إذا استمرت حملات الاتهام ضد مصر وتجاوزت حدودها، قد تطلق القاهرة حملة إعلامية مضادة مدعمة بالأرقام والوثائق، تكشف تقصير أطراف أخرى، مثل تعطيل المعابر الإسرائيلية أو غياب فاعلية الأمم المتحدة.
وأشار زغبي إلى أن الرئيس المصري قال خلال لقائه برئيس الفلبين في القاهرة أمس، إن هناك حالة من “الإفلاس الدولي تجاه القضية الفلسطينية”.السيناريو الرابع: الانكفاء الجزئي
في حال تصاعد الهجوم الإعلامي والضغط الشعبي، قد تتجه مصر إلى خفض حجم مشاركتها الميدانية، والتركيز على الأدوار الدبلوماسية فقط، تفاديًا للاستنزاف أو تحولها إلى شماعة لأخطاء الآخرين.

واختتم زغبي تصريحاته قائلًا: “ما تواجهه مصر اليوم في ملف غزة ليس مجرد تحد لوجستي، بل معركة على الشرعية الإقليمية نفسها، فهي تسير على حبل مشدود بين دورها التاريخي كحاضنة للقضية الفلسطينية، ومخاوفها الأمنية المشروعة، وبين ضغوط شعبية تطالب بموقف أكثر حدة، وحسابات إقليمية ترى في أي ضعف مصري فرصة لإعادة التموضع.”

وأضاف: “الدور المصري مستمر، لكن التحدي الحقيقي هو أن تظل القاهرة قادرة على التأثير دون أن تتحول إلى شماعة لفشل الآخرين وإفلاس المجتمع الدولي".

طباعة شارك غزة قطاع غزة القضية الفلسطينية المساعدات المصرية تيارات الإسلام السياسي

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: غزة قطاع غزة القضية الفلسطينية المساعدات المصرية تيارات الإسلام السياسي الدور المصری أن مصر

إقرأ أيضاً:

استهداف عناصر تأمين المساعدات.. سياسة إسرائيلية لتجويع الغزيين و"شيطنة" أي جهد مجتمعي

غزة - صفا لا تزال قوات الاحتلال الإسرائيلي تتعمّد استهداف عناصر تأمين المساعدات التي تصل إلى قطاع غزة، في خطوة خطيرة تهدف إلى خلق بيئة من "الفوضى والنهب"، ولضرب أي محاولة للسيطرة المدنية على الوضع الإنساني المتدهور في القطاع. ومع استمرار حرب الإبادة الجماعية على القطاع، ارتكبت قوات الاحتلال مجازر بشعة بحق عناصر تأمين المساعدات، ما أدى لاستشهاد وإصابة المئات منهم. وتحوَّلت المساعدات الإنسانية، الّتي تمثِّل طوق نجاة لأهالي القطاع المحوّعين، إلى أداة قتل جماعي ومحطة استهداف لفرق تأمينها وحمايتها من النهب، في وقت تُسهل فيه سلطات الاحتلال سرقتها من قبل عصابات منظمة ومرتبطة بأجهزتها الأمنية. ومع تفاقم المجاعة، يواجه 2.4 مليون فلسطيني، غالبيتهم من الأطفال والنساء، خطر الموت جوعًا ومرضًا، بفعل استمرار الاحتلال في استخدام التجويع الجماعي كأداة ضمن جريمة الإبادة الجماعية المتواصلة منذ 22 شهرًا. وبات أهالي القطاع يعيشون مرحلة المجاعة الكاملة (المرحلة الخامسة) والمجاعة الحادة (المرحلة الرابعة) حسب التصنيف الأممي، وفق تقارير موثقة صادرة عن برنامج الغذاء العالمي ومنظمة "الفاو". وحسب مؤسسات حكومية وحقوقية، فإن معظم شاحنات المساعدات التي دخلت غزة تعرضت للنهب والسطو ضمن فوضى أمنية مفتعلة، تتماشى مع سياسة "هندسة الفوضى والتجويع"، التي يسعى الاحتلال من خلالها لتفكيك المجتمع الفلسطيني وتجريده من مقومات البقاء. سياسة فوضوية مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة يقول إن الاحتلال يواصل استهداف عناصر التأمين في قطاع غزة بشكل متعمّد وممنهج، في إطار سياسة فوضوية هدفها تعطيل أي جهد فلسطيني رسمي أو مجتمعي يُسهم في تأمين قوافل المساعدات وضمان وصولها إلى مستحقيها. ويرى الثوابتة في حديث لوكالة "صفا"، أن هذا السلوك يعكس إصرار الاحتلال على تفكيك منظومة التنظيم الداخلي في القطاع وخلق بيئة فوضى ونهب، تمكّنه من الترويج لعدم وجود شريك فلسطيني موثوق للتعامل مع ملف الإغاثة، مما يخدم مخططاته بإعادة هندسة المشهد الإنساني بما يتوافق مع أجنداته الأمنية والسياسية. واستهداف عناصر التأمين، وفقًا للثوابتة، يُعد جريمة مكتملة الأركان وفق القانون الدولي الإنساني، لما له من تداعيات مباشرة على تعطيل توزيع المساعدات، وخلق حالة من الذعر والفوضى في صفوف المدنيين. ويضيف أن هذه الجريمة تأتي ضمن سياق أوسع من "الهندسة المقصودة للفوضى والتجويع" التي ينتهجها الاحتلال، لضرب أي محاولة للسيطرة المدنية على الوضع الإنساني، وإحلال عصابات النهب وعملائه مكان الجهات المسؤولة، بما يسهّل تمرير عمليات سرقة المساعدات وتشويه صورة المجتمع الفلسطيني. ويؤكد أن الاحتلال يستخدم العملاء واللصوص من أجل سرقة المساعدات والتعدي على حقوق الشعب الفلسطيني، في سلوك يعكس سياسة مركّبة ينتهجها لتجويع الفلسطينيين وتشويه و"شيطنة" أي جهد وطني مسؤول لتأمين الغذاء والدواء. ويوضح أن سلطات الاحتلال تعلن السماح بدخول مساعدات محدودة جدًا للقطاع، لكن في الواقع تسمح بمرورها عبر "مناطق حمراء" تُدار فيها عمليات النهب من قبل عصابات منظمة ومرتبطة بأجهزتها الأمنية". دعاية سياسية ووفقًا للثوابتة، فإن استهداف عناصر التأمين وتسهيل نشاط العصابات دليل واضح على رغبة الاحتلال في كسر أي بنية تنظيمية فلسطينية قادرة على إدارة الأزمة بشكل مسؤول وفعّال. ويتابع "ما يُطلق عليه الاحتلال (ممرات آمنة) ما هي إلا مناطق عسكرية مكشوفة تُستخدم كمصائد للفوضى والنهب". و"هذه الممرات تفتقر لأي ضمانات حقيقية أو إشراف دولي، وتتحول عمليًا إلى ساحات يتعرض فيها المدنيون والعاملون في المجال الإغاثي للاستهداف أو السرقة التي يرعاها وينظمها الاحتلال". يؤكد الثوابتة ويبين أن الهدف الأساسي منها ليس إنقاذ الوضع الإنساني، بل استخدام المساعدات كأداة دعاية سياسية، وإدارة مسرحية خداع للرأي العام العالمي، في حين تُترك غزة تغرق في الجوع والفوضى. ويحتاج القطاع يوميًا، إلى ما لا يقل عن 600 شاحنة إغاثة ووقود لتأمين الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية، في ظل انهيار شبه كامل للبنية التحتية واستمرار الحرب. ويحذر الثوابتة من ارتفاع معدلات الوفاة بسبب المجاعة وسوء التغذية في غزة، قائلًا: "هذه التحذيرات ليست مجرد تخوّفات، بل هي توصيف دقيق لحالة كارثية قائمة، لأنه وفق البيانات الطبية الرسمية، غزة دخلت فعليًا مرحلة متقدمة من المجاعة، وهي مرحلة كارثية". ويشير إلى أن آلاف الأطفال يعانون من الهزال الشديد، وسوء التغذية الحاد، والأمراض المصاحبة للجوع المزمن. وينبه إلى أن الموت الجماعي لم يعد احتمالًا، بل واقعًا يوميًا في بعض المناطق، والمسؤولية القانونية تقع بالكامل على الاحتلال الذي يتعمّد منع الغذاء والدواء عن السكان المدنيين. ويؤكد أن معدلات سوء التغذية الحاد وصلت إلى مستويات خطيرة جدًا، وبات الجوع يتهدد أكثر من 40,000 طفل دون سن العام الواحد. وبالتالي، فإن هؤلاء الأطفال يعانون من الهزال وسوء التغذية المزمن، وسط انهيار كامل في منظومة الرعاية الصحية ونقص حاد في حليب الأطفال والمكملات الغذائية. وفق الثوابتة جريمة كبرى ويقول: "نحن لا نُحذّر من مقتلة جماعية قادمة فحسب، بل نُسجّل بالفعل وقوعها بشكل متدرّج، ويزداد اتساعها يوميًا، حيث سجّلت مستشفيات القطاع وفاة 193 فلسطينيًا جراء الجوع وسوء التغذية، بينهم 96 طفلًا، مما يستدعي تدخلًا دوليًا عاجلًا لإنقاذ ما تبقّى من حياة". ويشدد على أن "إسرائيل" تسعى لإعادة تشكيل صورة الواقع الإنساني في غزة بما يخدم أهدافها الاستراتيجية، وذلك عبر الترويج الكاذب بأن المساعدات تصل، بينما تُدار على الأرض عملية منهجية لخلق بيئة فوضوية تُسقط الثقة في الجهات الفلسطينية وتُسلّم ملف الإغاثة إلى عناصر إجرامية. ويبين أن هذه الازدواجية تسعى لتحقيق ثلاثة أهداف هي: تبرئة الاحتلال أمام العالم، وتحميل الشعب الفلسطيني مسؤولية المجاعة، وتبرير استمرار الحصار كضرورة أمنية. ومن وجهة نظره، فإن الترويج الممنهج لدخول المساعدات هو جزء من "بروباغندا الخداع" التي تُخفي وراءها جريمة تجويع كبرى تُنفّذ بدمٍ بارد وعلى مرأى من العالم.

مقالات مشابهة

  • أستاذ علوم سياسية: القضية الفلسطينية في الأساس قضية مصرية.. ومعبر رفع لم يُغلق
  • أستاذ علوم سياسية: مؤتمر "حل الدولتين" يؤسس لنتائج قادمة نحو اعترافات متتالية بالدولة الفلسطينية  
  • استهداف عناصر تأمين المساعدات.. سياسة الاحتلال لهندسة التجويع و"شيطنة" أي جهد مجتمعي
  • استهداف عناصر تأمين المساعدات.. سياسة إسرائيلية لتجويع الغزيين و"شيطنة" أي جهد مجتمعي
  • 5 شهداء و30 مصابًا بنيران الاحتلال استهدفت المستفيدين من المساعدات برفح الفلسطينية
  • الاحتلال يطلق النار بكثافة تجاه منتظري المساعدات في منطقة الشاكوش شمال رفح الفلسطينية
  • التطوع في تنظيم انتخابات الشيوخ 2025.. الشباب المصري يخدم الوطن بـ«روح المسئولية»
  • أمميون: “إسرائيل” تستخدم الإغاثة الإنسانية غطاءً لتحقيق أجندات عسكرية وجيوسياسية
  • مستشار الرئيس الفلسطيني: مصر لها الدور الأبرز في إفشال مخطط إسرائيل لتصفية القضية الفلسطينية