انضم إلى قناتنا على واتساب

كتب / محمد سعيد السامعي

في أحد أيام مايو الحارّة، كانت شاشات محلات الصرافة في عدن تومض بأرقام تقترب من الثلاثة آلاف ريال للدولار الواحد. وجوه الناس متجهمة، وأصوات الباعة في الأسواق تختلط بشكاوى المواطنين من أسعار السلع التي ارتفعت كالنار في الهشيم، بينما الكهرباء تقطع لساعات طويلة، والغاز المنزلي يتحول إلى طابور انتظار لا نهاية له.

في هذا المناخ القاتم، تسلّم رئيس الوزراء اليمني سالم صالح بن بريك مهامه، يرافقه محافظ البنك المركزي أحمد غالب، وسط أزمة تهدد بانهيار اقتصادي شامل.

خلفية الأزمة
قبل تولي بن بريك منصبه، كان الاقتصاد اليمني يعيش واحدة من أسوأ مراحله:
• سعر الصرف وصل إلى 2899 ريال للدولار في بعض المناطق.
• التضخم تجاوز 80% في أسعار المواد الغذائية.
• العجز في الموازنة بلغ مستويات قياسية نتيجة توقف صادرات النفط وانخفاض الإيرادات العامة.
• تدهور حاد في الخدمات الأساسية، خاصة الكهرباء والغاز.

تحركات ميدانية
منذ لحظة عودته إلى عدن في مايو 2025، كسر رئيس الوزراء نمط العمل الحكومي التقليدي عبر النزول الميداني المباشر. قام بزيارات مفاجئة لوزارات حيوية، والتقى مسؤولي الكهرباء والنفط والغاز، وعقد اجتماعات متكررة مع محافظ البنك المركزي. مشهد رئيس الوزراء وهو يتفقد مصافي عدن أو يترأس اجتماعات طارئة لبحث أزمة الوقود والكهرباء، نقل رسالة واضحة بأن الحكومة انتقلت من مرحلة الأقوال إلى الأفعال.

قرارات مالية حاسمة
في يونيو، أطلقت الحكومة حزمة إصلاحات مالية جذرية شملت وقف أي إصدار نقدي جديد، وإغلاق شركات الصرافة المخالفة، وتفعيل أدوات الدين العام، وتشديد الرقابة على السوق المصرفي، ورفع كفاءة تحصيل الإيرادات من المنافذ. هذه الإجراءات انعكست سريعاً على سعر الصرف، فتراجع الدولار من نحو 2899 ريال إلى 1617 ريال، مما أعطى الأسواق إشارة قوية بجدية الحكومة في حماية العملة.

إصلاحات الطاقة والغاز
تحرك رئيس الوزراء سريعاً لمعالجة أزمة الكهرباء عبر ضخ كميات إسعافية من الوقود للمحطات وتوفير شحنات إضافية بدعم خارجي، مع توجيه خطط لتنويع مصادر الطاقة. أما في ملف الغاز المنزلي، فتم رفع الحصص المخصصة للمحافظات وإنشاء مخزون استراتيجي وتشديد الرقابة لمنع الاحتكار.

مشاريع استراتيجية وتنموية
لم تقتصر خطوات الحكومة على المعالجات العاجلة، بل امتدت إلى مشاريع استراتيجية كإعادة تشغيل مصافي عدن وتحويلها إلى منطقة حرة. وفي أغسطس، ترأس بن بريك اجتماعاً حكومياً أقر إجراءات لتسريع استكمال مشروع إعادة تأهيل ميناء الاصطياد السمكي وملحقاته في عدن بتمويل ألماني عبر البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، بهدف رفع الإنتاجية وتحسين الوضع الاقتصادي للسكان وتعزيز الأمن الغذائي. المشروع شمل تأهيل المبنى الإداري، وتوريد معدات مخبرية لمراقبة جودة الأسماك، وتدريب مئات المستفيدين، واستكمال الدراسات الفنية لتطوير البنية التحتية للميناء.


الرقابة على الأسواق وضبط الأسعار
مع تحسن سعر الصرف، شدد رئيس الوزراء على ضرورة انعكاس ذلك مباشرة على حياة المواطنين، خصوصاً في أسعار الأسماك والمنتجات الزراعية. أطلقت الحكومة بالتنسيق مع وزارتي الزراعة والصناعة حملات رقابية مكثفة على الأسواق، وإصدار نشرات شبه يومية للأسعار، وضبط أي ممارسات احتكارية. وفي خطوة نوعية، أصدر مجلس الوزراء في 12 أغسطس قراراً يحظر استخدام العملات الأجنبية بديلاً عن الريال اليمني في المعاملات التجارية والخدمية، مؤكداً التزامه بفرض السيادة النقدية.

تعزيز السيادة الاقتصادية
في اجتماع مجلس الوزراء بتاريخ 13 أغسطس، أُجري تقييم شامل للإجراءات الرقابية على الأسعار، وتم التشديد على استدامة التحسن الاقتصادي، وضمان أن استقرار سعر الصرف ليس هدفاً بحد ذاته بل وسيلة لتخفيف الأعباء المعيشية. المجلس أكد أن هذه الخطوات تأتي ضمن مواجهة الحرب الاقتصادية الحوثية، وأشاد بدعم الأشقاء في السعودية والإمارات، داعياً لتوسيع الشراكات مع المانحين لتثبيت مكاسب الاستقرار.

المعركة مع الحوثيين
أدركت الحكومة أن الإصلاح الاقتصادي لا ينفصل عن مواجهة الحرب الاقتصادية التي يشنها الحوثيون، فأصدرت قرارات تبطل أي إجراءات مالية لهم، وواجهت العملة المزورة، وسعت دبلوماسياً للضغط عليهم في ملف النفط والموانئ.

تصريحات مباشرة
في أكثر من مناسبة، شدد رئيس الوزراء سالم صالح بن بريك على أن التحسن في سعر الصرف “ليس خبراً اقتصادياً فقط، بل فرصة لرد الاعتبار لجيوب المواطنين”. وأكد أن الأمن الغذائي أولوية مطلقة، وأن المضاربة والاحتكار “خصمان سنواجههما بكل الوسائل القانونية”. وفي حديثه للتجار والمستوردين، قال: “الأسعار يجب أن تنخفض فوراً، ولا مبرر لبقائها مرتفعة. انخفاض سعر الصرف ليس رقماً نظرياً، بل يجب أن يشعر به المواطن في حياته اليومية”، مضيفاً: “ليس مقبولاً أن يكون سعر مزاد الجملة في مواقع الإنزال منخفضاً، بينما سعر التجزئة في المدن والقرى مضاعفاً. وجهت بضبط الفارق بين الجملة والتجزئة حتى تصل المنتجات للمستهلك بسعرها العادل”.
كما شدد على أن الحكومة لن تسمح بأن يظل المواطن أسير جشع بعض التجار، وأن فرق الرقابة ستضاعف جهودها ولن تتهاون مع أي مخالفات، مؤكداً أن كل جهة أو فرد يحاول الالتفاف على القرارات لتحقيق مكاسب غير مشروعة “سيُحاسب وفق القانون ودون أي استثناء”.

ردود الفعل الشعبية
أحدثت هذه الإجراءات والقرارات حالة ارتياح شعبي كبير، خصوصاً مع بدء ملاحظة انخفاض أسعار بعض السلع الأساسية في الأسواق. امتلأت منصات التواصل الاجتماعي برسائل دعم لرئيس الوزراء وفريقه، وكتب ناشطون أن “ما يحدث اليوم هو بداية معركة اقتصادية حقيقية لاستعادة كرامة المواطن”. واعتبر آخرون أن هذه الخطوات “تعكس جدية الحكومة في مواجهة الفساد والمضاربة، وإعادة الثقة بين المواطن والدولة”. في الشارع، عبّر مواطنون عن ارتياحهم لعودة بعض الخدمات وتحسن إمدادات الكهرباء والغاز، معتبرين أن أي تحسن اقتصادي يجب أن يترجم سريعاً إلى تغير ملموس في معيشة الناس. هناك من شبّه هذه الجهود بـ”عملية إنقاذ لاقتصاد كان على حافة الانهيار”، مؤكدين أن دعم المواطنين للحكومة في هذه المرحلة أمر ضروري لاستمرار الزخم وتحقيق المزيد من النتائج.


تحليل الخبراء
يرى خبراء الاقتصاد أن القرارات الأخيرة، خاصة وقف الطباعة وضبط سوق الصرف وحظر التعامل بالعملات الأجنبية في المعاملات الداخلية، تمثل إجراءات سيادية نادرة الحدوث في السياق اليمني، وهي قادرة على إعادة بناء الثقة بالعملة الوطنية إذا ترافقت مع سياسات اقتصادية متكاملة. ويشير الخبراء إلى أن التركيز على مشاريع استراتيجية كإعادة تأهيل ميناء الاصطياد، وإعادة تشغيل المصافي، وتوسيع الاستثمار في الطاقة، يمكن أن يوفر مصادر دخل جديدة ويقلل من الاعتماد على النفط الخام كمصدر رئيسي للإيرادات.
لكنهم في الوقت نفسه يحذرون من أن هذه المكاسب لا تزال هشة، إذ يمكن أن تتأثر سلباً بانتكاسات أمنية أو سياسية، أو بتأخر الدعم الخارجي الضروري لتغطية العجز وتمويل مشاريع البنية التحتية. ويرى بعضهم أن معركة ضبط الأسعار أصعب من استقرار سعر الصرف، لأنها تتطلب تنسيقاً محكماً بين الحكومة والقطاع الخاص والسلطات المحلية، إضافة إلى حملات رقابية مستمرة. كما يشددون على ضرورة خلق بيئة استثمارية آمنة وجاذبة، لأن أي انتعاش اقتصادي حقيقي لن يكون ممكناً دون عودة النشاط الاستثماري وفتح فرص العمل أمام المواطنين.


الخلاصة
أربعة أشهر من العمل المكثف وضعت الاقتصاد اليمني على مسار مختلف: تحسن سعر الريال، تراجع أسعار بعض السلع، تحرك مشاريع استراتيجية كميناء الاصطياد ومصافي عدن، وتشديد الرقابة على الأسواق. ورغم بقاء تحديات كبرى أبرزها الحرب الاقتصادية الحوثية وتراجع الإيرادات النفطية، فإن ما تحقق يمثل خطوة متقدمة في معركة استعادة الاستقرار والسيادة الاقتصادية.

المصدر: شمسان بوست

كلمات دلالية: مشاریع استراتیجیة رئیس الوزراء سعر الصرف بن بریک فی عدن

إقرأ أيضاً:

تفاصيل معركة القرار السيادي في لبنان بين الحكومة والمقاومة

أكد السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله ، في معرض خطابه اليوم ، عن الموقف الحازم والواضح تجاه تبني الورقة الأمريكية من قبل الحكومة اللبنانية، موضحاً أن هذا القرار لا يعبر عن إرادة لبنانية حقيقية وإنما هو قرار مشترك بين الإدارة الأمريكية والعدو الإسرائيلي، مما يجعله غير مشروع وغير مسؤول،  ويعكس هذا الخطاب تأكيداً على رفض الخضوع للضغوط الخارجية، وخصوصاً الأمريكية والإسرائيلية، في قضايا السيادة والدفاع الوطني.

يمانيون / خاص

 

وأكد السيد القائد أن الحكومات العربية، وعلى رأسها اللبنانية، تعاني من ضعف كبير بسبب انضباطها السريع للضغوط الأمريكية والإسرائيلية، مما يقوض قدرتها على اتخاذ قرارات وطنية مستقلة، هذه النقطة تشير إلى انتقاد واضح لمنظومة الحكم في لبنان والعالم العربي، حيث يرى أنها غير قادرة على مواجهة التحديات الحقيقية بسبب الخضوع للإملاءات الخارجية.

كما ركز السيد القائد حفظه الله على أهمية المقاومة المسلحة باعتبارها السلاح الوحيد الذي يحمي لبنان، مشيراً إلى أن الجيش اللبناني لن يكون قادراً على مواجهة العدو الإسرائيلي، هذه الرسالة تأتي في سياق تعزيز صورة المقاومة كمصدر شرعية للدفاع الوطني، وهي دعوة ضمنية للاحتضان الشعبي والرسمي للمقاومة، ورفض محاولات تجريد لبنان من هذا السلاح.

ووصف السيد القائد المواقف الرسمية في لبنان بأنها خاضعة للعدو الإسرائيلي وملبية لإملاءاته، معبراً عن استياء شديد من السياسات التي تُدار وفقاً لمصالح العدو الإسرائيلي، ولم يقتصر الخطاب على لبنان فقط، بل وسّع دائرة النقد لتشمل خطر التسليح الإسرائيلي الذي يؤثر على الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، وأشار إلى أن هناك ضرورة لضغط شعبي ورسمي على الدول الغربية التي تزوّد العدو الإسرائيلي بالسلاح، مع الإشارة إلى تحركات محدودة مثل قرار بعض الدول، من بينها ألمانيا، تعليق إمداد إسرائيل بالسلاح.

وأبرز السيد القائد ازدواجية المواقف في لبنان، حيث تظهر الحكومة اللبنانية حساسية تجاه أي دعم عسكري أو سياسي للمقاومة، لكنها في المقابل تخضع بإذلال لما يفعله العدو الإسرائيلي من اعتداءات وجرائم، هذه الملاحظة تسلط الضوء على حالة الانقسام والتذبذب في الموقف الرسمي اللبناني، بين تأييد المقاومة وبين الخضوع للضغوط الإقليمية والدولية.

يأتي خطاب السيد القائد يحفظه الله، في ظل تصاعد التوترات الإقليمية، خاصة مع التصعيد في قطاع غزة والحرب الأوسع بين العدو الصهيوني والفلسطينيين، حيث تحاول الأطراف الإقليمية أن تعيد رسم خريطة التحالفات وتوازن القوى في المنطقة.

خطاب السيد القائد يعبر عن موقف موحد ضد العدو الإسرائيلي وأمريكا، ويشدد على ضرورة الصمود والمقاومة بدلاً من الانخراط في مفاوضات أو تسويات قد تضر بسيادة الدول العربية.

هذا الخطاب يعكس أيضاً رؤية استراتيجية شاملة تتجاوز لبنان لتطال الصراع الأكبر مع إسرائيل وأمريكا، داعياً إلى وحدة الموقف الشعبي والرسمي في مواجهة هذا التحدي، وإلى ضرورة تحرك شعبي وسياسي للضغط على الدول الغربية للامتناع عن دعم الاحتلال الإسرائيلي بالسلاح.

مقالات مشابهة

  • نائب رئيس الحكومة اللبنانية للجزيرة: علينا تجنب التخوين والتهديد وانتهاج الحكمة
  • رئيس الوزراء البولندي: معركة مستقبل أوكرانيا وأمن بولندا وأوروبا دخلت مرحلة حاسمة
  • حزب الله يرفع تصعيده ضد الحكومة: معركة كربلائية إذا لزم الأمر
  • رئيس مجلس الوزراء العراقي يؤكد دعم الحكومة لكل إجراء يخدم العملية الانتخابية
  • رئيس الحكومة اللبنانية: نحذر من التصرفات اللامسؤولة التي تحرض على الفتنة
  • بالرغم من رفضها سابقا.. رئيس الحكومة يوجه شركة الغاز بتخفيض الأسعار
  • توجيه حكومي.. ما المحافظات التي أوقفت عمال النظافة تزامنًا مع الموجة شديدة الحرارة؟
  • تفاصيل معركة القرار السيادي في لبنان بين الحكومة والمقاومة
  • قريباً.. شركة حكومية كبرى تعتمد الريال اليمني وتلغي التعامل بالعملات الأجنبية