حرب غزة.. انهيار السردية الإسرائيلية وصعود المسألة الفلسطينية.. كتاب جديد
تاريخ النشر: 29th, August 2025 GMT
الكتاب: غزة على الصليب، أخطر حروب الصراع في فلسطين وعليها
المؤلف: حسن خضر
الناشر: رياض الريس للكتب والنشر
يحاول الكاتب والناقد الفلسطيني حسن خضر قراءة الحرب الإسرائيلية على غزة من موقع المتأمل لما هو أبعد من الوقائع اليومية، لاستكشاف تداعياتها "غير المرئية". وكتابه هذا يضم نصوصا منشورة واكبت الحرب منذ بدايتها، أضاف إليها خضر ملاحظات لاحقا، تعالج أفكارا من قبيل أنه لا يمكن الحكم على هذه الحرب من حيث الربح والخسارة في الوقت الحالي وما دام القتال مستمرا.
كذلك يرى خضر أن هذه الحرب استمرار لحروب سبقتها في فلسطين وفي الشرق الأوسط، وهي في طبيعتها العنفية غير المسبوقة "ترجمة لصعود القوة الإقليمية (إسرائيل) وطموحاتها وأوهامها".
إهانة إسرائيل
ابتداء يصف خضر أحداث السابع من أكتوبر بالحدث غير المسبوق منذ قيام إسرائيل، والأهم أنه كان مهينا لإسرائيل بشكل "أسطوري"، ليس فقط بسبب اختلال موازين القوى بين المهاجمين وإسرائيل، ولكن أيضا لأن الإسرائيليين لديهم "حساسية مرضية" تجاه كل ما يمكن أن يضر بصورة دولتهم كقوة لا تقهر.
لقد اتضح بالفعل أن ملاحقة إسرائيل ممكنة وعبر أدوات وقنوات دولية يعترف بها الجميع. ويقول " لا تقاس حروب نزع الاستعمار بما لدى المُستعمِر والمستعمَر من قوة النيران، بل بما تراكم أو تناقص من الرصيد الأخلاقي لهذا وذاك. وبهذا المعنى تبدو الدولة الإسرائيلية وقد أفلست(أخلاقيا)، على الرغم مما في ترسانتها العسكرية والاقتصادية من أدوات القوة، إلى حد يسوغ لها التصرف بمنطق القوة الإقليمية.. وبهذا المعنى لا تكون مشكلة الإسرائيليين مع الفلسطينيين وحسب، بل ومع العالم أيضا".لقد بنت إسرائيل جدارا "ذكيا" يفصل قطاع غزة عن التجمعات السكانية والقواعد العسكرية الإسرائيلية، أنفقت عليه نحو مليار دولار، أرادت له أن يكون إثباتا لحجم التقدم التقني للصناعات العسكرية الإسرائيلية، وأنظمة المراقبة الإلكترونية والقتل عن بعد. لكن هذا كله انهار في ساعات، دون مقاومة تذكر، على يد تنظيم مسلح لا جيش دولة نظامي، وهو ما يجعل الإهانة التي تلقتها إسرائيل كبيرة جدا.
ويضيف خضر إن هذا يفسر بقدر ما حجم العنف الفظيع للحرب التي تشنها إسرائيل على غزة، لكن ثمة أمر آخر، على ما يبدو، أدركته إسرائيل بعد "الطوفان" هو أن نظام الأبارتهايد المفروض على الفلسطينيين منذ عقود لم يعد كافيا، وأنه لا بد من "الإقدام على خطوات راديكالية تماما من نوع دفع السكان بالقوة خارج الحدود، وتدمير أماكن سكناهم، ومصادر عيشهم.. وقد وضعت الحرب الحالية هذه الخيارات على جدول الأعمال". من جهة أخرى يرى خضر أن هذه الحرب تأتي ضمن سلسلة حروب أميركية فاشلة "لهندسة النظام الإقليمي بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر.. (وهي) تتوج حروبا أنجبتها ثورة مضادة مولها وهندسها الإبراهيميون بالتعاون مع شركاء محليين في الحواضر العربية للقضاء على ثورات الربيع العربي". وهو ما نجم عنه، بحسب ما يقول خضر، "تقويض دول، وتفتيت مجتمعات، وانهيار منظومة الأمن الإقليمي".
وفي ظل حالة الفوضى هذه صعدت ثلاث قوى هي الإسرائيلية، والتركية، والإيرانية، تحمل كل منها تصورا خاصا بشأن نظام الأمن الإقليمي الجديد. ومن جديد يؤكد خضر أن العنف الإسرائيلي غير المسبوق في الحرب على غزة، لم يكن فقط بدافع الانتقام وإنقاذ صورة الدولة المهانة، بل وأيضا للتذكير بما لدى هذه القوة الإقليمية من "كفاءة الأذى وأدوات العنف"، وبما يعنيه هذا من قدرتها على فرض نظامها الخاص لأمن إقليمي "لا مكان فيه للمسألة الفلسطينية". ولذلك فإن "المجال الحيوي" لهذه الحرب يشمل بلاد الشام كما مصر والعراق، وتركيا وإيران.
يضيف خضر أن بنيامين نتنياهو أراد لهذه الحرب أن تكون "ولادة إسرائيل الثانية" التي تحقق فيها مشروعها الإمبراطوري. لكن ما يلفت الانتباه أن حرب هذه "القوة الإقليمية الصاعدة" تكتنفها "الهشاشة"؛ إذ بدى واضحا أن إسرائيل بحاجة، طوال الوقت، للحماية والمساعدة من الولايات المتحدة الأميركية، على عكس ما تحاول الترويج له. كما ظهر عجزها عن "الإنجاز السريع على الأرض رغم قوتها النارية الهائلة". ويبدو أن هناك رؤية ضبابية فيما يتعلق بالأهداف السياسية الاستراتيجية للحرب.
رصيد القوة والأخلاق
في إحدى مقالاته يتوقف خضر عند ما يعتبره حدثا تاريخيا كبيرا، جاء كنتيجة غير مباشرة لهذه الحرب، وهو القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية. ويرى أن هذا الحدث يكتسب أهمية استثنائية كونه فتح أفقا جديدا أمام الفلسطينيين، وأعاد تذكيرهم بتراجع نشاطهم الثقافي والسياسي والدبلوماسي، وإهمالهم لعلاقاتهم الأممية. ومن جهة أخرى فقد "قلب طاولات كثيرة على رؤوس أصحابها"؛ الإسرائيليون الذين ظنوا لعقود أنهم فوق القانون، والمسؤولون العرب و"الإبراهيميون" الذين يدعون طوال الوقت أنهم لا يستطيعون فعل المزيد، والديمقراطيات الغربية التي تروج باستمرار خطابات الحرية والعدالة وحقوق الإنسان.
لقد اتضح بالفعل أن ملاحقة إسرائيل ممكنة وعبر أدوات وقنوات دولية يعترف بها الجميع. ويقول " لا تقاس حروب نزع الاستعمار بما لدى المُستعمِر والمستعمَر من قوة النيران، بل بما تراكم أو تناقص من الرصيد الأخلاقي لهذا وذاك. وبهذا المعنى تبدو الدولة الإسرائيلية وقد أفلست(أخلاقيا)، على الرغم مما في ترسانتها العسكرية والاقتصادية من أدوات القوة، إلى حد يسوغ لها التصرف بمنطق القوة الإقليمية.. وبهذا المعنى لا تكون مشكلة الإسرائيليين مع الفلسطينيين وحسب، بل ومع العالم أيضا".
أما عن حرب الرواية، فقد سعت الرواية الإسرائيلية منذ البداية لاختزال أسباب الحرب في أنها تدور بين كيانين هما الدولة الإسرائيلية "الديمقراطية" وقطاع غزة المحكوم من قبل "ميليشيا إرهابية مسلحة، وهي حرب مشروعة لأن إسرائيل تدافع عن نفسها. وفي هذا السياق سعت إسرائيل للتأكيد دائما على أن هذه "الجماعة الإرهابية" هي امتداد للنازية ولأبشع صور الجهادية الإسلامية التي تجلت في "داعش". وقد تبنت وسائل الإعلام الرئيسية في أوروبا والولايات المتحدة، هذه الرواية التي عبرت عنها أيضا المواقف الرسمية.
ثمة ما يبرر عدم وضوح سيناريو "اليوم التالي" للحرب حتى الآن، إذ أن أهدافها المعلنة لا تتطابق مع النتائج الفعلية على الأرض، وهو ما أدى إلى "إعادة النظر في كفاءة القوة الإسرائيلية في الميدان" في إسرائيل تحديدا، كما أنه فتح الباب واسعا أمام احتمالات كثيرة مادام القتال مستمرا.ويرى خضر أن اللافت غياب الحقائق الموضوعية عن هذه الرواية من مثل أن الدولة الإسرائيلية هي في الأصل دولة احتلال، وأن الكتلة السكانية الأكبر في قطاع غزة تتكون من لاجئين منذ العام 1948، طردوا من بيوتهم وقراهم التي احتلتها إسرائيل، وأن من نفذوا هجوم "الطوفان" هم أحفاد هؤلاء اللاجئين. ويشير خضر إلى أن ردود الفعل المنحازة لإسرائيل من قبل الدول الغربية لم تكن لتظهر بمثل تلك الفجاجة والغضب إلا مع "إدراك مسبق لحقيقة أنها تعبر عن رغبات دفينة لدى عدد يصعب حصره من النخب الحاكمة والسائدة في العالم العربي، الإبراهيمية منها على نحو خاص". ويقول إنه لطالما شكل العرب نوعا من الحماية للفلسطينيين، لكن ما حدث بعد الطوفان أظهر أن هذا الأمر قد انتهى، سيما وأن البعض منهم قد "انخرط في الحرب على الفلسطينيين أيضا".
اليوم التالي
يرى خضر أن ثمة ما يبرر عدم وضوح سيناريو "اليوم التالي" للحرب حتى الآن، إذ أن أهدافها المعلنة لا تتطابق مع النتائج الفعلية على الأرض، وهو ما أدى إلى "إعادة النظر في كفاءة القوة الإسرائيلية في الميدان" في إسرائيل تحديدا، كما أنه فتح الباب واسعا أمام احتمالات كثيرة مادام القتال مستمرا. ويبدو تحديد من هو منتصر أو مهزوم مسألة شائكة، لكن بدون شك فقد تضررت فكرة إسرائيل "وجوديا"، وبالنسبة لحماس فربما "من حيث لا تدري ولا تحتسب، قد أغلقت الباب في وجه الإسلام السياسي".
ومع أن إسرائيل لديها تصورات متعددة لليوم التالي ـ (بعضها يأخذ طريقه إلى التنفيذ تدريجيا، كالتهجير واحتلال القطاع بالكامل) ـ لكنها ليست محل إجماع، لا داخليا ولا خارجيا. ومع طول أمد الحرب، لأهداف غير معلنة، وما رافق ذلك من توحش في الانتقام من الفلسطينيين، وجدت إسرائيل نفسها اليوم في مواجهة غضب شعبي عالمي متصاعد، أحرج بعض النخب السياسية في الديمقراطيات الغربية، التي سارعت لإعلان تضامنها مع إسرائيل في بداية الحرب. لذلك يقول خضر أن سيناريو اليوم التالي لم يعد، تماما، شأنا إسرائيليا داخليا، بل صار شأنا دوليا. وما حدث حتى الآن ربما يكون قد جعل من "المسألة الفلسطينية قضية مركزية في عالم القرن الواحد والعشرين، على غرار ما وقع للمسألة اليهودية بعد الحرب العالمية الثانية".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب لبنان كتاب عرض نشر كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدولة الإسرائیلیة القوة الإقلیمیة الیوم التالی هذه الحرب وهو ما
إقرأ أيضاً:
سوريا التي أربكت إسرائيل
لعب الواقع الجيوسياسي السوري وما يزال دورا مهما في علاقات سوريا الإقليمية والدولية بقطع النظر عن نظام الحكم، وقد أفاد النظام السابق من تلك الميزة في نسج علاقات مختلفة بين الأضداد، وإن كان يُحسب حتى سقوط الشيوعية على المنظومة الاشتراكية.
فقد كان على علاقة جيدة- حسب الحاجة- مع الولايات المتحدة الأميركية، وتجلّى ذلك في حدثين:
الأول: السماح له بوضع لبنان- في الحرب الأهلية- تحت سيطرته العسكرية والتفاهم مع المنظمات هناك، مع إبقاء بعضها أو إبعاد من يخالفه. والثاني: في وقوفه مع التحالف بعد غزو الكويت.ومع بدء الألفية الجديدة انضم إلى ما يُطلق عليه محور المقاومة والممانعة، أو إحدى ركائز ذلك المحور!
زيارة تاريخية أم مقايضة سياسية؟شكّلت زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة الأميركية ولقاء الرئيس ترامب علامة فارقة عند المهتمين بالشأن السوري، وفتحت عهدا جديدا بين البلدين، فهي أول زيارة لرئيس سوري للولايات المتحدة.
وتأتي بعد رفع اسم الرئيس الشرع من قوائم الإرهاب، وفي ظل وضع اقتصادي خانق تعيشه سوريا؛ بسبب العقوبات الأميركية المفروضة على البلد زمن النظام السابق "قانون قيصر"، وتموضع قوات قسد المدعومة أميركيا في مناطق الثروة السورية، واختراقات إسرائيلية متكررة للأراضي السورية بعد استيلائها على مرتفعات جبل الشيخ الإستراتيجية عقب سقوط النظام السابق.
رغم التفاؤل الذي ساد الشارع السوري بأن العقوبات في طريقها للزوال، فإن ثمّة حقيقة واضحة في استخدام هذا القانون ورقة ضغط على دمشق، فرغم أن قانون قيصر فُرض على النظام السابق نصرة للشعب السوري- وهذا يقتضي زواله عن الشعب السوري وبقاء مفاعيله على الذين ارتكبوا تلك المجازر- فإن القانون ظل سيفا مُصْلَتا على الشعب السوري، وعائقا أمام إعادة الإعمار، واستُخدم ورقة ابتزاز سياسي للنظام الحالي.
إعلانأكثر الأسئلة التي طُرحت بعد دخول قوات الثورة دمشق، وقيام إسرائيل بتدمير السلاح السوري الثقيل والنوعي: كيف ستكون العلاقة بين دمشق وتل أبيب؟ نزاع أم سلام؟ وقبل هذا السؤال: ما موقف إسرائيل من سقوط نظام بشار الأسد؟
الثورة السورية وموقف تل أبيب منهامنذ أن بدأت الثورة السورية في مارس/آذار 2011، وقفت إسرائيل منها موقفا مختلفا عن بقية الثورات العربية؛ موقفا أقرب إلى العداء، فسوريا الجزء الأكبر من بلاد الشام، وقد ظلّت الحدود معها هادئة طيلة حكم النظام السابق، رغم رفعه شعارات الصمود والتصدي والتوازن الإستراتيجي والمقاومة والممانعة، فقد كانت حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 آخر الحروب.
ومع سقوط النظام وغياب الدولة العميقة التي يمكن أن تقود ثورة مضادة، دفع ذلك إسرائيل لتقديم نفسها حامية للأقليات، فالنظام السابق كان يقوم على حكم طائفي، مستندا إلى قوة عسكرية وأمنية تقود المراكزَ الحسّاسة والمؤثرة فيها قيادات علوية، مع تحالفات داخلية تقوم على مبدأ المنفعة، وأخرى خارجية كتحالفه مع إيران، وهذا يعني حكما التحالف مع أذرعها في لبنان، والعراق، واليمن.
أصبحت إسرائيل بذلك بين خيارين: إما الموافقة على سحق الثورة وإبقاء النظام، أو سحق الدولة في حال الفشل في إنهاء الثورة، وتحويلها إلى دولة ضعيفة، وبدل أن تكون دولة تحكمها أقلية، تنتهي إلى دولة تسيطر عليها الأقليات في كيانات مجتمعية تكون الأطراف فيها أقوى من المركز، ولا تسيطر على حدودها ولا ثرواتها. وحتى يتحقق ذلك، كانت عمليات التهجير للكتلة الصلبة، مع تغيير ديمغرافي وعقدي.
وقد كان واضحا منذ البداية أن إسرائيل ستكون صاحبة الكلمة العليا في بقاء النظام والتغطية على جرائمه، فقد توقّف المحلل السياسي في صحيفة "هآرتس"، ألوف بن، عند ما أسماه بموجة التظاهرات التي حدثت في سوريا، معتبرا أن هذه التظاهرات تقرّب الثورة العربية من الحدود الإسرائيلية، بحكم الموقع الجغرافي لمدينة درعا، وتطرق إلى إمكانية فشل الحكم في سوريا في وضع حدّ للتظاهرات، وأن سقوط نظام بشار الأسد سيدخل إسرائيل في حال من الغموض وعدم اليقين.
وردّ رامي مخلوف مختصرا الوضع مخاطبا إسرائيل: أمنكم من أمننا. وقد رُفعت لافتات في إسرائيل تصف بشار الأسد بأنه ملك ملوك بني إسرائيل، ونقلت صحيفة التايم البريطانية في 30 مايو/أيار 2013، عن إسرائيل قولها: الأسد يجب أن يبقى.
وجدت إسرائيل نفسها في مواجهة جارٍ يحكمه الأكثرية، ونظام قادم من ثورة شعبية
وقد اتضح فيما بعد أن كل التدخلات التي جرت في سوريا لمقاتلة الثورة السورية، تمت برضا إسرائيل، وذلك من خلال الصمت، أو الموافقة الأميركية.
فقد ذكر بن رودس، نائب مستشار الأمن القومي زمن أوباما، في كتابه؛ "العالم كما هو"، أن أوباما كان معجبا بإيران، محتقرا للعرب، وكان يهمّه توقيع الاتفاق النووي مع إيران، ولم تكن الثورة السورية في اهتماماته.
وكذلك كان التدخل الروسي، حيث تمّ بطلب من نتنياهو، بعد أن تقهقر النظام السوري ومن معه في مواجهة الثورة السورية. ففي مقال له في "يديعوت أحرونوت" في 17 سبتمبر/أيلول 2015، قبيل الغزو الروسي بأسبوعين، كتب ألون بن ديفيد: "لا يسافر نتنياهو إلى موسكو كي يوقف انتشار قوات الجيش الروسي في سوريا، بل يسافر كي ينسق فقط".
إعلانولا يختلف الموقف الأميركي في الموافقة على ذلك، فقد ذكر أندرو أكسوم، نائب مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط، في شهادته أمام الكونغرس الأميركي عام 2017، أن أميركا سمحت لروسيا بالدخول إلى سوريا ودعم نظام بشار الأسد، بعد أن وصل المتمردون- حسب وصفه- إلى مسافة قريبة من قصر المهاجرين، وأن بشار الأسد كافح طويلا من أجل بقاء الدولة الوطنية العلمانية التي بنيناها في المنطقة!
السقوط المفاجئ والتوغل الإسرائيلي في جنوب سورياكانت كل المعطيات تشير إلى أن النظام السوري باقٍ، فقد تم له، بمساعدة حلفائه، استعادة كل الأراضي التي كانت تحت سيطرة الثوار، وبقيت منطقة إدلب وأقصى الشمال الشرقي بيد الثوار، في حين يسيطر تنظيم "بي كا كا" الإرهابي، المتخفي باسم "قسد"، بدعم أميركي وغربي، على 40% من مساحة سوريا التي تحوي مناطق الثروة السورية من نفط وغاز وزراعات إستراتيجية.
وهو لا يشكل تهديدا للنظام، فقد نشأ على عينه وتعاون معه منذ بداية الثورة السورية، وأصبح خوف السوريين على المناطق المحررة، فقد تمت إعادة تأهيل بشار الأسد عربيا، وكانت ثمّة دول تسعى لإعادة تأهيله دوليا، وبدا أنه المنتصر على المؤامرة الكونية كما كان يصف الثورة، بل يُجهز نفسه لأبعد من ذلك باستعادة مناطق المحرر السوري.
لكن ثمّة تغييرات في المنطقة والعالم كانت تفتّ في عضد النظام وحلفائه، فقد غرقت روسيا في حرب أوكرانيا، وتلقّت هزائم متكررة، ما دعاها لسحب جلّ طائراتها من قاعدة حميميم، ولم يبقَ لديها ما يمكن أن يشكّل خطرا حقيقيا على الثوار السوريين.
كذلك حزب الله الذي فقد خيرة مقاتليه في عملية "البيجر"، ومن ثم الضربات الساحقة التي تلقّاها من إسرائيل، وهي الغارقة في حرب غزة وتبحث عن نصر معنوي. ظروف كثيرة لعبت دورا مهما في استغلال الثوار السوريين تلك الظروف، مع حنق تركي من أسلوب بشار الأسد في الردّ على دعوة الرئيس التركي للاجتماع معه.
لقد أدّى الانتصار الساحق للثورة السورية في إطلاقها عملية "ردع العدوان"، وإسقاط النظام في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، إلى صدمة ليست في المحيط العربي فحسب، بل إلى زلزال حقيقي عند قادة إسرائيل.
وقد صرّح نتنياهو بأن إسقاط النظام السوري كان خطأ جسيما، لذلك سارعت إسرائيل إلى تدمير السلاح النوعي السوري؛ حتى لا يقع بيد الثوار ويشكّل خطرا عليها. ولم تكتفِ بهذا، بل استمرت غاراتها بشكل شبه يومي بتدمير المقرات العسكرية، ووصل الأمر بها إلى تدمير مراكز مدنية، والتقدم في جنوب سوريا، مع محاولة خلق واقع جديد بعد أن أعلنت تخلّيها عن اتفاقية فك الاشتباك الموقّعة مع الجانب السوري عام 1974.
معوقات صناعة منطقة عازلة في الجنوبوجدت إسرائيل نفسها في مواجهة جارٍ يحكمه الأكثرية، ونظام قادم من ثورة شعبية قدّمت أكثر من مليون شهيد، وملايين المهجّرين، وبلد مدمّر، مع رغبة عارمة ببناء بلد مستقر مزدهر.
يتنافى هذا الأمر مع الإستراتيجية الصهيونية في أن تكون دول الجوار حامية لحدودها، فإمّا أن تملك جيوشا تقوم بحماية الحدود، أو مناطق عازلة تحت قيادة عملاء تابعين لها. لذلك فقد أغرت الأقليات بعدم التعاون مع النظام الجديد، وأنها ستكون حامية للدروز والأكراد، ودعت لتعاون وثيق بين العلويين والدروز والأكراد إبّان أحداث الساحل، وهددت بالتدخل العسكري في حال فكّرت الدولة السورية ببسط نفوذها على السويداء، وقصفت مراكز سيادية في دمشق في أحداث السويداء.
واتضح دور الهجري ومجلسه العسكري في العمل على استفزاز الدولة السورية وعدم التعاون معها بدعم إسرائيلي، وهذا يعني أن غياب الدولة العميقة التي قضت عليها الثورة يستوجب التنسيق مع الأقليات، ولا سيما الجيب الكردي والجيب الدرزي.
لكن المشكلة التي تواجه إسرائيل في ذلك، رغم إعلان الهجري رغبته بانفصال السويداء وصناعة "باشان"، تكمن في أمرين:
إعلان الأول: لا توجد حدود للسويداء مع إسرائيل، وهذا يعني احتلال مناطق الجنوب السوري للوصول إلى السويداء. الثاني: أن موقف الهجري لا يُمثّل موقف الدروز بشكل عام، فهناك قوى مختلفة لديها موقف وطني رافض موقف الهجري.وما الأحداث الأخيرة إلا دليل على أن إسرائيل تضغط على دمشق من خلال ورقة السويداء، والتهديد بصناعة قوس درزي يكون فاصلا بينها وبين نظام دمشق، في الوقت الذي صرّحت فيه القيادة السورية بأنّها لا ترغب في الحرب ولا تريدها، بل تريد أن تنسحب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عقب سقوط النظام، وأن تعود إلى اتفاقية 1974 المعروفة بفضّ الاشتباك، والتفرّغ لبناء سوريا المدمّرة.
أما ما يُشاع عن التطبيع مع إسرائيل، فقد كان ردّ الرئيس الشرع واضحا: ليس مطروحا في الوقت الحالي، وإسرائيل تحتل جزءا مهما من سوريا "الجولان" منذ عام 1967.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline