نشر موقع "ريسبونسبل ستيت كرافت" الأميركي مقالا للكاتب تيد سنايدر، تناول فيه التحولات المحتملة في توجهات السياسة الخارجية المصرية، ودورها المتنامي في خضم إعادة تشكيل توازنات القوى في الشرق الأوسط وتحالفاته الجديدة، من الاقتصاد والتجارة إلى الحروب والنظام العالمي متعدد الأقطاب الآخذ في التشكل.

وأوضح الكاتب أن رؤية مصر الطامحة للعب دور قيادي تصطدم بواقع اعتمادها الكبير على واشنطن، ما يحد من قدرتها على تغيير تحالفاتها أو تبني مواقف أكثر استقلالا.



ورأى أن الأيام المقبلة وحدها كفيلة بتوضيح مدى قدرة القاهرة على المضي في هذا الاتجاه.

وأشار المقال إلى أن مصر تبدو في الوقت الراهن وكأنها تحاول تأكيد استقلاليتها، أو على الأقل الإيحاء بذلك، في ما يخص موقفها من دولة الاحتلال وحربها في غزة، مستشهدا بعدة تطورات حديثة في هذا الملف.

ولفت سنايدر إلى أن السيسي ألقى خطابا وُصف بـ"التاريخي" في 15 أيلول/سبتمبر خلال القمة العربية الإسلامية الطارئة في قطر، تضمن ثلاث لحظات صادمة. تمثلت الأولى، بحسب الكاتب، في وصف السيسي لإسرائيل بأنها "العدو"، وهي المرة الأولى منذ ما يقرب من نصف قرن، وتحديدا منذ زيارة أنور السادات لحكومة الاحتلال الإسرائيلي عام 1977، التي يصف فيها مسؤول مصري رفيع إسرائيل بهذا الوصف.

أما اللحظة الثانية، فكانت تحذير السيسي لشعب الاحتلال الإسرائيلي من أن "ما يحدث حاليا يقوض فرص التوصل إلى أي اتفاقيات سلام جديدة"، في إشارة إلى اتفاقيات أبراهام، محذرا في الوقت ذاته من أن استمرار الوضع قد يؤدي إلى "إلغاء اتفاقيات السلام القائمة مع دول المنطقة"، في تلميح إلى معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية الموقعة عام 1979.

وتمثلت اللحظة الثالثة في دعوته إلى إنشاء حلف أمني عربي إسلامي، حيث قال: "لقد أصبح لزاما علينا إنشاء آلية عربية إسلامية للتنسيق والتعاون لتمكيننا جميعا من مواجهة التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية الكبرى التي تحيط بنا"، مضيفا أن "جغرافية أي دولة عربية تمتد من المحيط إلى الخليج، ومظلتها واسعة بما يكفي لجميع الدول الإسلامية والمحبة للسلام".

ونقل الكاتب عن صحيفة "جيروزاليم بوست" أن هذا الحلف، الذي يشبه في فكرته "الناتو"، سيكون بمثابة مظلة دفاعية قادرة على الرد السريع لحماية أي دولة عربية تتعرض لهجوم، مشيرا إلى أن مصر أبدت استعدادها للمساهمة بقوة قوامها 20 ألف جندي ووضع قائد مصري على رأس هذه القوة المشتركة.


وأضاف سنايدر أن هناك مؤشرات أخرى تعزز هذا التحول، من بينها الحشد العسكري المصري المتزايد في شبه جزيرة سيناء، والذي اعتبرته حكومة الاحتلال خرقا لمعاهدة السلام لعام 1979.

وذكر أن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قدم لوزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو قائمة بانتهاكات مصر للمعاهدة، طالبا من واشنطن الضغط على القاهرة لتقليص وجودها العسكري في المنطقة.

وأوضح الكاتب أن مصر نشرت نحو 40 ألف جندي في سيناء، أي ضعف العدد المسموح به وفق المعاهدة، إلى جانب مركبات مدرعة وأنظمة دفاع جوي صينية متطورة ودبابات من طراز "إم-60"، كما حذرت القاهرة من أنها، في حال حدوث نزوح جماعي للفلسطينيين من غزة إلى الأراضي المصرية، ستضاعف قواتها خلال 72 ساعة وستنشر أسلحة ثقيلة وطائرات هليكوبتر.

وأشار سنايدر إلى أن دولة الاحتلال تتهم مصر بإنشاء بنية تحتية عسكرية تحت الأرض لتخزين الصواريخ وتمديد مدارج للطائرات المقاتلة، وسط تقارير تفيد بأن القاهرة قررت "تقليص التنسيق الأمني مع إسرائيل حتى إشعار آخر" و"إعادة هيكلة اتصالاتها الأمنية".

ورأى الكاتب أن هذا الحشد العسكري يعكس خشية مصر من محاولة تهجير الفلسطينيين إلى أراضيها، إذ لا تريد أن تكون طرفا في أي عملية تهجير قسري.

كما تخشى أن تصبح هدفا إسرائيليا، خاصة بعد تهديد نتنياهو بضرب قادة حماس "أينما وجدوا"، بينما تستضيف القاهرة بعضهم ضمن جهود الوساطة، كما تخشى أيضاً من أن يؤدي تسلل مقاتلين من غزة إلى الأراضي المصرية إلى تنفيذ هجمات على إسرائيل من داخل مصر، ما قد يستدعي ردا إسرائيليا.

وأشار المقال إلى أن القاهرة، في الوقت نفسه، تواجه تحديات داخلية مع حركات التمرد الإسلامية، ولا ترغب في تدفق مقاتلين جدد إلى أراضيها، ولهذا، بحسب الكاتب، تحث حماس على تقديم رد إيجابي على خطة ترامب الخاصة بغزة.

وفي سياق متصل، تطرّق سنايدر إلى تحسن العلاقات بين مصر وإيران بعد عقود من القطيعة، فإثر توسع مجموعة "بريكس" عام 2024، أصبحت القاهرة وطهران عضوين في المنظمة نفسها، التي تهدف إلى موازنة النفوذ الأميركي في النظام العالمي الجديد.


وذكر أن هذا التقارب تُوّج في حزيران/يونيو 2025 بزيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى القاهرة، حيث التقى نظيره المصري بدر عبد العاطي والرئيس عبد الفتاح السيسي، قائلا بعد اللقاء: "بعد سنوات عديدة، دخلت الدبلوماسية بين إيران ومصر مرحلة جديدة. إن مستوى التفاعل والتعاون السياسي والثقة بين البلدين غير مسبوق".

ورد عبد العاطي قائلاً إن هناك "رغبة متبادلة في تطوير العلاقات مع مراعاة اهتمامات كل طرف". وأسفرت الاجتماعات، وفق "ريسبونسبل ستيت كرافت"، عن اتفاق لإطلاق مشاورات دورية على مستوى وكلاء الوزراء لمعالجة ملفات التعاون الثنائي.

ولم تقتصر التحركات على إيران، إذ أشار الكاتب إلى أن العلاقات المصرية التركية التي انهارت بعد إطاحة محمد مرسي قبل أكثر من عقد، شهدت تحسناً تدريجياً منذ عام 2023.

وفي تموز/ يوليو من ذلك العام، أعادت القاهرة وأنقرة تبادل السفراء، ثم تبادل الرئيسان السيسي ورجب طيب أردوغان الزيارات لأول مرة منذ 12 عاما، كما أجرت الدولتان أول مناورات بحرية مشتركة منذ 13 عاما.

ونقل الموقع عن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان قوله إن العلاقات بين البلدين وصلت إلى "أفضل مستوياتها في التاريخ الحديث".

وفي تقييمه لمستقبل هذه التحولات، نقل سنايدر عن الباحثة أنيل شيلين من برنامج الشرق الأوسط في معهد كوينسي قولها إن مصر "لن تتخذ على الأرجح إجراءات ملموسة تتجاوز الخطاب والتحركات الرمزية"، لأن "الحكومة المصرية، التي لا تحظى بشعبية كبيرة، تعتمد على المساعدات الأميركية السنوية المقدرة بـ1.3 مليار دولار، ولا يمكنها المجازفة بفقدانها".

واتفق مع هذا الرأي الأكاديمي ستيفن زونيس، أستاذ السياسة ومدير برنامج دراسات الشرق الأوسط بجامعة سان فرانسيسكو، الذي قال إن الرأي العام قد يمنح السيسي "جرأة نسبية لتبني سياسة خارجية أكثر استقلالاً"، لكنه أشار إلى أن "اعتماد مصر الاقتصادي والعسكري على واشنطن، وضعف شعبيتها الداخلية، وأزماتها الاقتصادية، كلها عوامل تحد من قدرتها على المناورة".


وأوضح الكاتب أن اعتماد مصر على دولة الاحتلال في مجال الطاقة يزيد من تعقيد المشهد، إذ وُقعت في آب/أغسطس صفقة قيمتها 35 مليار دولار تجعل القاهرة أكثر ارتباطا بالغاز الإسرائيلي، بعدما كانت مصدّرا صافيا للغاز الطبيعي المسال، وتحدث عن أن دولة الاحتلال لوحت بتعليق الاتفاقية رداً على الحشد العسكري المصري الذي اعتبرته انتهاكاً لمعاهدة السلام.

وأشار سنايدر إلى أن السيسي، رغم وصفه إسرائيل بـ"العدو"، يواجه في الداخل واقعا مغايرا، إذ تشهد مصر حملة قمع للاحتجاجات المناهضة للحرب على غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.

وأضاف أن محاولات نشطاء مصريين الانضمام إلى "أسطول غزة" قوبلت بـ"تهديدات من الأجهزة الأمنية"، وأن ثلاثة منهم اختفوا الأسبوع الماضي في ظروف غامضة، وفق تقارير إعلامية.

وختم الكاتب مقاله بالقول إن التطورات الأخيرة قد توحي بتحول في السياسة المصرية، لكن الخبراء يحذرون من المبالغة في تفسيرها، مؤكدين أن الوقت وحده كفيل بإظهار ما إذا كانت القاهرة ستتجه فعلا إلى إعادة رسم موازين المنطقة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة عربية المصرية القاهرة غزة نتنياهو ترامب مصر غزة نتنياهو القاهرة ترامب المزيد في سياسة سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة دولة الاحتلال سنایدر إلى الکاتب أن إلى أن

إقرأ أيضاً:

عاجل | ممداني: تحدثت عن ارتكاب إسرائيل إبادة جماعية بتمويل أمريكي وأشارك الرئيس فكرة تخصيص أموالنا لخدمة مواطنينا

في أول تصريحاته عقب زيارته المثيرة للجدل إلى البيت الأبيض، أكد ممداني أن حديثه مع الرئيس تناول قضايا حساسة تتعلق بالسياسة الخارجية، وعلى رأسها ما وصفه بـ "الإبادة الجماعية" التي ترتكبها إسرائيل بدعم مالي وعسكري أمريكي. وقال إن استمرار هذا النهج لا يخدم القيم التي ينبغي للولايات المتحدة أن تتمسك بها، ولا يعكس مصالح المواطنين الذين يواجهون تحديات اقتصادية متنامية. واعتبر أن إعادة توجيه الإنفاق الأمريكي نحو الداخل تُعد خطوة ضرورية لمعالجة الفقر وغلاء المعيشة وتدهور الخدمات العامة، وهي قضايا يراها أكثر إلحاحًا من دعم الحروب في الخارج. ورغم الخلافات الكبيرة التي تفصل بينه وبين الرئيس، أشار ممداني إلى وجود نقطة مشتركة تتمثل في ضرورة إعطاء الأولوية للمواطن الأمريكي العادي واستعادة ثقة الناس عبر سياسات ملموسة لا مجرد وعود انتخابية.

وأضاف ممداني أن اجتماعه بالرئيس لم يكن سهلة ملامحه، لكنه كان فرصة لشرح رؤيته مباشرة دون وسطاء. وشدد على أنه لا يسعى إلى المواجهة من أجل المواجهة، بل لعرض موقفه الأخلاقي والسياسي بوضوح. وأوضح أنه دخل الاجتماع مدركًا أن الرئيس اعتاد توبيخ بعض ضيوفه أمام الصحافة، إلا أن ذلك لم يثنه عن طرح أسئلته حول الإنفاق العسكري ودور الولايات المتحدة في الصراعات العالمية. وبرغم تحفظه على العديد من سياسات الإدارة، فقد أشار إلى استعداده للعمل بشكل مشترك في الملفات التي تصب في مصلحة سكان نيويورك، وعلى رأسها خفض تكاليف السكن ودعم البنية التحتية والخدمات المحلية. وأعرب عن أمله في أن يشكّل هذا اللقاء بداية لحوار جاد حول أولويات الإنفاق العام بين الحكومة الفيدرالية والولايات.

ويعد ممداني أحد أبرز معارضي الرئيس ترامب. وقال ممداني (34 عاما) إنه مستعد لكل ما يمكن أن يحصل خلال هذا الاجتماع الأول مع الرئيس، المعروف بتوبيخه بعض ضيوفه أمام الصحافة في المكتب البيضاوي. من جهتها اعتبرت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت أن زيارة ممداني إلى البيت الأبيض تقول الكثير عن اختيارات الديموقراطيين، مضيفة أن ترامب مستعد للقاء الجميع والتحدث معهم.

وولد ممداني في أوغندا لعائلة هندية ويعرف بمواقفه الاشتراكية والدفاع عن حقوق المهاجرين، وقد ركز في حملته الانتخابية على ارتفاع تكاليف المعيشة في نيويورك، متهما الرئيس بإعطاء الأولوية للأثرياء، بينما تعهد بتحسين القدرة الشرائية لسكان المدينة.

وعلى الرغم من توجيه ترامب دعمه لمنافسه أندرو كومو، فاز ممداني بأكثر من 50% من الأصوات في الرابع من نوفمبر، مع مشاركة قياسية تجاوزت مليوني ناخب، وهي الأعلى منذ عام 1969. وأكد ممداني أنه سيعمل مع الرئيس على أي برنامج يخدم سكان نيويورك، وأنه لن يتردد في معارضة أي برنامج يضرهم.

ومع الخلافات الحادة بين الرجلين خلال الحملة، يبدو أن هناك محاولة للتهدئة مع إدراك ممداني أن بعض خططه على مستوى المدينة تعتمد على التعاون الفيدرالي، خصوصا في مجالات الأمن والاقتصاد. كما يسعى لإظهار خبرته السياسية رغم محدودية المناصب التي شغلها سابقا، من خلال تعيين شخصيات بارزة في إدارته مثل دين فوليهان وجيسيكا تيش، لضمان استقرار المدينة أثناء ولايته الجديدة التي تبدأ في الأول من يناير.

 

 

 

مقالات مشابهة

  • عاجل | ممداني: تحدثت عن ارتكاب إسرائيل إبادة جماعية بتمويل أمريكي وأشارك الرئيس فكرة تخصيص أموالنا لخدمة مواطنينا
  • سامي عبد الصادق: الرئيس السيسي أولى العلاقات المصرية الكورية اهتماما خاصا
  • الخارجية القطرية: اعتداءات إسرائيل الوحشية بغزة تصعيد خطير يهدد الاتفاق
  • وزير الخارجية الفرنسي: ندين انتهاك إسرائيل لوقف إطلاق النار في غزة
  • عمان وهندسة السياسة الخارجية
  • السياسة الخارجية العمانية.. دبلوماسية لا تحيد عن الحق
  • التهويد الناعم: تقرير بريطاني يفضح استراتيجية صهيونية لتوسيع المستوطنات على الحدود المصرية
  • توسيع عمل الشركات المصرية.. اتصال هاتفي بين وزير الخارجية ونظيره العراقي
  • الخارجية الفلسطينية: حق الشعب في تقرير مصيره غير خاضع لأي شروط أو قيود أو مساومات
  • وزارة الخارجية تحيي ذكرى شهداء الدبلوماسية المصرية