أثير – نصر البوسعيدي

لم يكن الاستعمار البرتغالي لسواحل سلطنة عُمان منذ عام 1507م وبعده الاستعمار الإسباني عام 1580م وحتى نهايته عام 1650م إلا استعمارًا مقرونًا بالكراهية الشديدة المحملة بأهداف الحروب الصليبية، لذا كانت هجماتهم عنيفة تحمل في طياتها أبشع الجرائم والمخططات لنهب ثروات الشعوب التي يحتلونها بالإضافة إلى قتل الأبرياء وبالأخص قوافل الحجاج التي عانت كثيرًا من هجماتهم أيام ذلك الاستعمار الغاشم في المنطقة.

ورغم ضبابية تلك المرحلة لمن يود الرجوع لأي مصدر عماني تاريخي عايش تلك الحقبة سيجدها شبه معدومة، ولا أعلم لماذا لم يدون المؤرخين العمانيين حينها تفاصيل هذا الاستعمار طوال أكثر من 147 سنة!!! إلا أن الوثائق البرتغالية التي كانت بين الملك وأعوانه في هذه المستعمرات، تشهد على تفاصيل وجودهم وكيف كانوا يديرونها من خلال الأهداف الاقتصادية والدينية والعسكرية.

وخلال تتبعنا لموسوعة الوثائق البرتغالية ببحر عُمان والصادرة عن وزارة الأوقاف والشؤون الدينية العُمانية وتحديدا من عام 1507م إلى عام 1622م، لم أجد فيها أي إشارة لظفار إلا في عام 1623م في مراسلة تمت بين أحد رهبان الملك فليب الرابع ملك إسبانيا والبرتغال يشير فيها إلى أهمية احتلال ظفار، كونها البوابة الرئيسة، من وجهة نظره، لخنق مكة وتجارتها، تمهيدًا للسيطرة والهجوم عليها والقضاء على الرسالة المحمدية، مع سهولة ضرب القاهرة والديار المقدسة وسوريا وشمال أفريقيا بشكل عام، فقد كان الراهب يشكو للملك المقاومة الظفارية، التي اتحدت مع ملك الشحر والدولة العثمانية ضد هذا الاستعمار وحليفه ملك قشن في تلك الفترة.

وهذه الوثيقة تبين جليًا كيف أن مقاومة أهل ظفار للاستعمار البرتغالي والإسباني على السواء كانت مقاومة باسلة منذ بدايات وجودهم بالمنطقة واستطاعت كسر مخططاتهم التي كشف عنها الراهب في مجمل رسالته، وهذا ما يدعو إلى أن نتخيل سويا كيف كانت تلك المقاومة العمانية من قِبل الأهالي الذين نظموا مقاومتهم العنيفة طوال سنوات، في اتجاه من يريد أن يسلب حريتهم، في الوقت الذي كانت فيه أغلب المدن تعاني من الانقسام نتيجة عدم وجود حكومة مركزية توحد جهود المقاومة على كلمة سواء، إلا ما ندر، كمقاومة القائد العماني قحطان الذي يذكروه في وثائقهم عام 1590م.

ولنتمعن هذه الرسالة لنعلم تماما كيف أن المقاومة في ظفار ومعها عدن كانت الشوكة التي أفشلت مخططاتهم. يقول الراهب في رسالته:

“سيدي، يقول الراهب فرنسيشكو دي إنكارينجو إن ملك قشن وسقطرى فوضه وعينه سفيرًا لدى جلالتكم المسيحية كما تؤكد تلك الوثائق التي تقدم بها، وتوجد مملكة قشن بساحل بلاد العرب فيما بين البحر الأحمر ومضيق هرمز على بعد 400 فرسخ من المحيط الأطلسي. وهي محاذية برًا لمملكة شحر التي تحيط بها من جميع الجهات والتي يدين ملكها بالولاء لسلطان الأتراك، ويخوض ملك قشن حروبا مع ملك شحر، وخلال إقامة الراهب المذكور في مملكة قشن، استولى ملكها على 13 مدينة من مدن عدوه، وشيد قلعة جديدة في ممر يمنع تزويد ظفار بالإمدادات التي قد يبعثها إليها ملك الشحر أو السلطان التركي، وتعد ظفار أجود موانئ الساحل العربي على الإطلاق وتبعد عن قلعة هرمز الخاضعة لكم 150 فرسخًا، وتصدر من ذلك الميناء أجود البخور التي ينتج في بلاد العرب، ويرغب ملك قشن في احتلالها وتسليمها لأحد قباطنة جلالتكم، ليتسنى لسفن أسطول جلالتكم التحرك بأمان بمحاذاة ساحل بلاد العرب والدخول إلى البحر الأحمر وبحر فارس وعدن والخروج منهما بسهولة بعد أن يصبح ذلك الساحل كله خاضعا لكم.

وبفضل قلعتي ظفار وشحر، سيتسنى لكم التحكم بتجارة مسقط وعدن وبتجارة مكة برًا وبحرًا، ولأن ملك قشن يحب البرتغاليين جدا، وفارسٌ مقدام ورزين في الآن نفسه، فمن الممكن أن نتحكم بقلعة عدن المهمة جدا بمصاريف قليلة… ويسمح هذا التحكم بفتح باب واسع في وجهنا يوصلنا إلى القاهرة الكبرى وكل الأراضي المقدسة وإلى سوريا وشمال أفريقيا.

يعتقد الراهب المذكور أن القدرة الإلهية ساقته إلى تلك الجهة بعد غرق مركبه ليتسنى لنا جني هذه الفوائد الجمة، ولكي تصبحوا يا جلالة الملك متحكمين في بلاد الإسلام وتتمكنوا من القضاء على تلك الملة المحمدية التي ملأت الدنيا.

ويلتمس ملك قشن المذكور أن تقبلوه حليفا… إنه يرجوكم أن تأمروا نائبكم بالهند بمده بأسطول حربي وببعض الضباط ليشرفوا على تدريب جيشه الذي يفتقر إلى الخبرة، سيكون بإمكان ذلك الأسطول الحصول على غنائم مهمة في مضيق مكة”!

ولاحظ عزيزي القارئ في هذه الرسالة كيف أن انتشار الإسلام بشكل كبير كان يفقد البرتغاليين والإسبان التعاطف، ويضعف من وجودهم ويخيفهم، بعدما عانى الأهالي كثيرًا من ويلات سيطرتهم قرابة قرن ونصف، وتمعنوا جيدا في محاولتهم قدر الإمكان خنق مكة وتجارتها من خلال احتلال ظفار وعدن، والقضاء على أي مقاومة فيها لتحقيق أهدافهم التي يفصحون عنها في كل حين، ولكن المقاومة كانت مستمرة للخلاص منهم رغم كل الظروف القاسية التي كان يعاني منها أجدادنا.

المصدر: صحيفة أثير

إقرأ أيضاً:

“حلحلة كافة العقبات التي تواجه الكليات”.. وكيل جامعة كردفان يتفقد مجمع كلية التربية ومركز دراسات السلام والتنمية

تفقد الدكتور عثمان السيد عدلان وكيل جامعة كردفان برفقة الدكتور حيدر احمد علي عميد شؤون الطلاب والدكتور مجذوب السيد والدكتور منتصر حامد مدير مركز دراسات السلام والتنمية والدكتورة أمل خليل نائب مدير مركز دراسات السلام تفقدوا مجمع كلية التربية ومركز دراسات السلام والتنمية بجامعة كردفان .من جانبه قدم وكيل الجامعة التهاني لكل الأساتذة والعاملين بمناسبة عيد الأضحي المبارك وأبان أن عيد الأضحى مناسبة دينية عظيمة تتسامى فيها روح المحبة والتسامح والأخاء والقيم الأنسانية النبيلة متمنيآ ان ينعاد على الجميع والبلاد أكثر أمنآ وأستقرارآ .وأكد الدكتور عثمان السيد وكيل الجامعة علي أستقرار العملية التعليمية مبينآ ان إدارة الجامعة تسعى لإنجاح كل الخطط الموضوعة .وأشار لسعي إدارته لحلحلة كافة العقبات التي تواجه الكليات والمراكز داعيآ الجميع للعمل بروح الفريق الواحد وتغليب المصلحه العامة على الخاصة.سونا إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الحوثي يوجه رسالة إلى الدول التي “تستبيح” إسرائيل أجواءها ويؤكد: عملياتنا العسكرية مستمرة
  • “حزبية وطائفية وعرقية، ودينية وجهوية”.. رئيس الوزراء يلخص المشكلات التي يعاني منها الوطن ويطرح المعالجات
  • “شات جي بي تي” يكتب بدلًا منك.. لكن هل دماغك يدفع الثمن!؟
  • “حلحلة كافة العقبات التي تواجه الكليات”.. وكيل جامعة كردفان يتفقد مجمع كلية التربية ومركز دراسات السلام والتنمية
  • يوسف عبدالمنان يكتب: كادقلي تحتضر
  • من نشوة القصف إلى فخ الاستنزاف.. كيف وقعت “إسرائيل” في فخ الحرب التي أرادتها؟
  • اليوم الثالث من تصحيح أوراق “البيام” ..هذه هي النقاط التي تحصل عليها التلاميذ
  • “عميل على ظهر صاروخ إلى تل أبيب”.. القصة الكاملة وراء الصورة التي أربكت مواقع التواصل
  • أغنيتان جديدتان تدعمان سفينة “مادلين” وكسر الحصار عن غزة
  • ما علاقة القاعدة التي استهدفتها إيران اليوم بأخطر “قضية تجسس” داخل “إسرائيل”؟