يمانيون:
2025-10-19@02:06:52 GMT

الغُمَاري لم يمُت

تاريخ النشر: 18th, October 2025 GMT

الغُمَاري لم يمُت

يمانيون| بقلم: مبارك العسالي
بل وُلد في ضمير الشعب والمقاومة، كمدرسة في القيادة الميدانية وهو حيٌّ يُرزَق عن رَبِّه

استشهاد القائد الكبير اللواء الركن محمد عبد الكريم الغماري، رئيس هيئة الأركان العامة، لم يكن مُجَـرّد حدثٍ عسكريٍّ عابر، بل محطة كبرى في مسار الصمود اليمني، ودليل حيّ على أنّ القادة العظام لا يغادرون الميدان حتى آخر نبضة في قلوبهم.

لقد مضى الرجل شهيدًا بعد أن رسم بخطاه في الرمال معالم العزة والسيادة، وترك للأجيال دروسًا في القيادة والإخلاص والانتماء.

لقد شاهدتُ له صورًا عديدة في الميدان؛ لا في القصور أَو المكاتب المكيّفة، بل بين المقاتلين، على تخوم الجبهات وفي بطون الأودية، يحمل جهاز الاتصال في يده وابتسامة الثقة على وجهه.

صوره تلك تختصر معنى القيادة الأصيلة: أن يكون القائد أول من يحضر إلى ساحة الخطر، وآخر من يغادرها.

بين غبار المعركة، ووهج الشمس، وتعب الرفاق، كان الغماري حاضرًا بجسده وروحه، يستمع، يوجّه، يواسي، ويشاركهم الخبز والخطر واليقين بالنصر.

في مقابل ذلك، يطلّ علينا كثير من القادة العرب والمسلمين، تتدلّى من صدورهم النياشين، وتزدحم أكتافهم بالرتب، لكنهم لم يحركوا ساكنًا لنصرة الشعب الفلسطيني أَو نصرة أمتهم في أي ميدان عزٍّ أَو كرامة.

تلك المفارقة الموجعة تكشف الفرق بين من يرتدي البزة العسكرية للعرض، ومن يلبسها عهدًا للدفاع حتى آخر قطرة دم.

الغماري لم يكن زعيمًا استعراضيًّا، بل رجل مبدأٍ وإيمان، يرى في فلسطين قضيته، وفي غزة جزءًا من روحه، وفي صنعاء موقع الدفاع عن الأُمَّــة كلها.

لقد جسّد الشهيد الغماري، طوال مسيرته، مدرسةً في القيادة الميدانية القائمة على الوعي والالتزام العقائدي.

كان يؤمن بأن المعركة في اليمن ليست معركة حدود، بل معركة مصير أُمَّـة تواجه العدوان والاستكبار، وأن النصر في صنعاء هو امتداد للنصر في القدس وغزة.

لذلك كان حضوره في الميدان رسالة عملية لكل جندي ومقاتل بأن القيادة لا تكون إلا بالتضحية والمشاركة لا بالتوجيه من خلف الجدران.

أما على الصعيد الاستخباراتي، فقد شكّل استشهاده ــ والطريقة التي أعلن بها ــ صفعة مدوّية للاستخبارات الأمريكية والصهيونية.

فالعالم فوجئ بأن صنعاء لم تعلن عن استشهاده إلا بعد أسابيع من وقوع الحدث، رغم كُـلّ الضجة والتكهنات التي سبقت الإعلان.

هذا الصمت لم يكن ضعفًا في المعلومة، بل جزءًا من معركة العقول.

لقد أراد الأعداء أن يثبتوا تفوقهم الاستخباراتي، لكنهم وجدوا أنفسهم أمام قيادة تُدير الحرب بعقلٍ باردٍ وإيقاع منضبط، فتفوّق الشهيد حتى بعد رحيله.

لقد أثبت الغماري أنّ المعركة ليست فقط بالبندقية، بل بالمعلومة أَيْـضًا.

فبينما كانت أجهزة العدوّ تتباهى بتقاريرها المتسرّعة، كانت صنعاء تحكم قبضتها على المعلومة، وتختار لحظة الإعلان بما يخدم المعركة لا العدوّ.

وهكذا تحوّل التأخير المقصود إلى فضيحة استخبارية أظهرت هشاشة منظوماتهم وقدرتهم على التضليل أكثر من قدرتهم على الكشف.

لقد برع الغماري في إدارة التوازن بين الهدوء الاستراتيجي والحسم الميداني.

عرف كيف يصنع من الصمت خطة، ومن الغموض سلاحًا، ومن التضحية انتصارًا.

كان يدرك أن الحرب ليست فقط في مواقع الاشتباك، بل في الوعي والإعلام، وفي توقيت الرسائل ودلالاتها.

لذلك، كان الإعلان عن استشهاده بعد أسابيع دليلًا على عمق التفكير العملياتي الذي ما زال يرعب خصوم اليمن.

ومع كُـلّ ما حمله رحيله من ألمٍ وحزنٍ وصدمةٍ وطنية، فقد أعاد استشهاده تشكيل المعادلة في وجدان الأُمَّــة.؛ إذ تحوّل الرجل إلى رمزٍ خالدٍ للثبات والقيادة المخلصة، وأعاد إلى الأذهان صورة القائد الذي يعيش همّ الأُمَّــة، ويقاسم جنوده الخطر والجوع والأمل.

لم يمت الغماري حين سقط جسده، بل وُلد في ضمير الشعب والمقاومة، كقُدوة لا تموت.

إنّ صورته في الميدان ــ بزيّه البسيط، وجهازه اللاسلكي، وابتسامته المشرقة وسط غبار الأرض ــ ستظلّ محفورة في ذاكرة كُـلّ من يؤمن بأن الكرامة لا تُنال بالتصفيق أَو الترف، بل بالموقف والمبدأ.

تلك الصورة وحدها كافية لتكتب مجلدًا عن الفرق بين قادة يصنعون التاريخ وقادةٍ يتفرّجون عليه من وراء المكاتب الوثيرة.

لقد رحل الغماري شامخًا كما عاش، وترك لليمنيين درسًا خالدًا: أن القيادة ليست رتبة على الكتف، بل موقف في القلب، وأنّ النصر لا يُهدى من الخارج بل يُصنع من داخل الميدان.

وسيبقى اسمه شاهدًا على أن دماء القادة المخلصين هي الوقود الذي يشعل جذوة التحرّر والاستقلال والسيادة.

سلامٌ عليه يوم خرج للميدان، ويوم ارتقى شهيدًا، ويوم يُبعث مع الشهداء الصادقين.

#الغماري_شهيد

المصدر: يمانيون

إقرأ أيضاً:

نزع سلاح المقاومة.. غزة ليست بلفاست

بدأ رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر طرح رؤيته لمرحلة ما بعد وقف إطلاق النار في غزة، معلنا استعداد بلاده للقيام بدور قيادي في نزع سلاح حركة حماس، مستندا إلى خبرة بريطانيا في إقناع الجيش الجمهوري الأيرلندي بالتخلي عن سلاحه في أيرلندا الشمالية.

وأكد ستارمر أمام البرلمان أن نزع سلاح غزة خطوة حيوية لضمان استدامة الهدنة بين إسرائيل وحماس، مستشهدا بنجاح تجربة اتفاق الجمعة العظيمة عام 1998 الذي أنهى ثلاثة عقود من العنف الطائفي.

ورغم اعترافه بصعوبة المهمة، شدد ستارمر على أنها ضرورية لتحقيق سلام دائم، مشيرا إلى أن خبرة بلاده في "إخراج السلاح من المعادلة السياسية"، قد تكون نموذجا يحتذى به في الشرق الأوسط.

هذه المقارنة الجريئة أثارت جدلا واسعا حول مدى واقعية إسقاط تجربة أيرلندا الشمالية على صراع معقّد كالصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.

الدروس من تجربة أيرلندا الشمالية

استند نموذج ستارمر إلى تجربة أيرلندا الشمالية التي تُوجت باتفاق الجمعة العظيمة عام 1998، حيث اعترف الاتفاق بالطموحات المشروعة للجمهوريين والوحدويين، وأسس حكومة محلية لتقاسم السلطة.

شمل الاتفاق إصلاحات أمنية وسياسية، منها نزع سلاح الجماعات المسلحة بإشراف لجنة مستقلة برئاسة الجنرال الكندي جون دي تشاستيلين.

ورغم الإرادة السياسية، تعثرت عملية نزع السلاح بسبب انعدام الثقة، ولم يعلن الجيش الجمهوري الأيرلندي (IRA) إنهاء كفاحه المسلح إلا في 2005 (أي بعد 7 سنوات)، بعد خطوات لبناء الثقة ومراقبة دولية لمخازن الأسلحة. وافق (IRA) على وجود شخصيات دولية كمفتشين، وتم التحقق من التخلص الكامل من ترسانة ضخمة من الأسلحة.

الدور البريطاني كان جزءا من صفقة شاملة، حيث خفّضت لندن وجودها العسكري وأزالت الحواجز الأمنية، بالتوازي مع تخلي الجماعات المسلحة عن السلاح. كما قبلت التفاوض مع حزب شين فين، الجناح السياسي للجيش الجمهوري، بعد إدراك الأطراف أن الصراع لا يُحسم بالقوة.

إعلان

هذا الإدراك، إلى جانب إنهاك المجتمعين الكاثوليكي والبروتستانتي من دوامة العنف، مهّد لحلول وسط تاريخية. هكذا تحقق نموذج لنزع السلاح ناجح نسبيا: سلّم المسلحون سلاحهم مقابل مكاسب سياسية وضمانات، وتحولت قوى كانت متمردة إلى أطراف في الحكم المحلي.

لكن هل يمكن استنساخ هذا النموذج في غزة؟ الإجابة تتطلب تحليلا دقيقا لثلاثة أبعاد جوهرية: البعد السياسي، الذي يتعلق بشرعية الأطراف واستعدادها للتفاوض؛ البعد القانوني، المرتبط بالإطار الذي ينظم عملية نزع السلاح؛ والبعد التقني/الأمني، الذي يشمل آليات التحقق وضمانات التنفيذ.

البعد السياسي: نزاع داخلي في بلفاست مقابل تحرر وطني في غزة

من الناحية السياسية، يختلف السياق جذريا بين أيرلندا الشمالية وغزة. فالصراع في أيرلندا كان داخليا ضمن السيادة البريطانية، بينما يمثل صراع غزة وفلسطين مواجهة تحررية ضد احتلال معترف به دوليا بصفته احتلالا.

اتفاق الجمعة العظيمة 1998 تضمن اعترافا سياسيا بالطرف المسلح، إذ أُشرك حزب شين فين في الحكم، وأُقرّ حق تقرير المصير. أما في الحالة الفلسطينية، فالدعوات لنزع سلاح حماس- كما يطرحها ستارمر وغيره – تأتي دون أي ضمانات سياسية أو إشراك للحركة في مستقبل غزة، بل مع توجه لإقصائها بالكامل، رغم أنها فازت بانتخابات 2006، وتدير القطاع منذ أكثر من 15 عاما.

في أيرلندا، ألقى الجيش الجمهوري سلاحه بعد ضمانات سياسية ومكاسب ملموسة، بينما يُطلب من حماس التخلي عن الحكم والسلاح دون مقابل، ما يجعل المقارنة مجتزأة. كذلك، تعاملت بريطانيا مع العنف دون حرب إبادة أو حصار، بينما ردّت إسرائيل على مقاومة حماس بحملة عسكرية مدمرة وحصار خانق، ما يعكس اختلافا جوهريا في إدارة الصراع.

كما أن البنية السياسية للصراعين مختلفة: ففي أيرلندا، كان هناك طرفان محليان واضحان توصلا إلى صيغة توافقية داخل كيان الحكم الذاتي.

أما في فلسطين، فالوضع أكثر تعقيدا، مع انقسام داخلي واحتلال خارجي، ما يجعل أي ترتيبات تخص غزة فقط – كنزع سلاح حماس مقابل إعمار- غير كافية لحل القضية الفلسطينية الأشمل. لذا، فإن استنساخ النموذج الأيرلندي دون معالجة الجذور السياسية للصراع الفلسطيني ينطوي على مخاطرة كبيرة.

البعد القانوني

يتجلى الفارق القانوني بين الجيش الجمهوري الأيرلندي (IRA) وحركة حماس في تعريف كل منهما ضمن الأطر القانونية المحلية والدولية. فقد تعاملت بريطانيا مع الجيش الجمهوري بوصفه تنظيما إرهابيا غير قانوني، حيث حوكم أفراده كمجرمين دون الاعتراف بهم كمقاتلين شرعيين، ولم تُقرّ بوجود نزاع مسلح رسمي في أيرلندا الشمالية.

وحتى خلال مفاوضات السلام، تمسكت بريطانيا بسيادتها القانونية واستخدمت آليات العفو والإفراج المشروط دون منح أي صفة "أسرى حرب". وقد جسّد اتفاق الجمعة العظيمة معادلة "العفو مقابل السلام"، إذ أُفرج عن سجناء الفصائل ضمن تسوية سياسية داخلية دون مساءلة قضائية أو تدخل دولي.

في المقابل، ترى حركة حماس نفسها حركة تحرر وطني تقاوم احتلالا أجنبيا، مستندة إلى مبادئ القانون الدولي الإنساني وقرارات الأمم المتحدة التي تعترف بحق الشعوب الواقعة تحت الاحتلال في النضال لنيل حريتها، بما في ذلك الكفاح المسلح ضمن قيود إنسانية.

إعلان

وقد وسّع البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977 نطاق النزاعات الدولية ليشمل حروب التحرر ضد الاحتلال والسيطرة الاستعمارية، وهو ما ينطبق على الحالة الفلسطينية. ورغم أن إسرائيل لم تصادق على البروتوكول، فإن دولة فلسطين انضمت إليه عام 1989، مما يمنح المقاومة الفلسطينية أساسا قانونيا دوليا.

كما أن حماس فازت بأغلبية مقاعد البرلمان الفلسطيني في انتخابات عام 2006، وتحظى بشعبية واسعة في الوسط الفلسطيني، ما يجعلها طرفا ذا شرعية سياسية واجتماعية، إضافة إلى كونها سلطة أمر واقع في غزة تتحمل مسؤوليات تجاه السكان بموجب القانون الإنساني الدولي.

أما في مسألة المحاسبة، فبينما طُويت صفحة النزاع في أيرلندا عبر العفو العام، يشهد النزاع الفلسطيني تحقيقا من المحكمة الجنائية الدولية في جرائم حرب محتملة تشمل جميع الأطراف، ما يجعل أي تسوية سياسية أكثر تعقيدا، إذ يخشى كل طرف من الملاحقة الدولية مستقبلا. وفي الوقت نفسه، تبقى إسرائيل قوة احتلال قانونيا رغم انسحابها من داخل غزة عام 2005؛ بسبب استمرار سيطرتها على المعابر والمجالين؛ الجوي والبحري، وفرضها الحصار.

وخلاصة القول: يمنح القانون الدولي حماس وضعا مغايرا عن (IRA)، إذ يعترف بحق الشعوب في مقاومة الاحتلال ضمن شروط محددة. لذلك، فإن أي مقاربة لنزع سلاح حماس يجب أن تُبنى على أسس قانونية عادلة تراعي واقع الاحتلال وحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم؛ لأن تجاهل هذه الخصوصية القانونية والسياسية سيجعل أي تسوية ناقصة.

البعد التقني

البعد التقني-الأمني يبرز تباينا جوهريا بين تجربة نزع سلاح الـ(IRA) وحجم وتركيب ترسانة حماس، ويحدد مدى صعوبة تنفيذ عملية قابلة للتحقّق في غزة.

من حيث الترسانة، كان لدى الـ(IRA) مخزون محدود نسبيا تضمن بنادق خفيفة ومتفجرات (Semtex) وبعض القاذفات والذخائر المهربة، وكانت مخابئها محددة نسبيا في الريف وجزيرة أيرلندا ما سهل التحقّق الميداني بعد توافق قيادة الحركة.

في المقابل، تملك حماس ترسانة أكبر ومتنوّعة تشمل آلاف الصواريخ بأنواع ومدى مختلفين، قذائف هاون، طائرات مسيّرة هجومية، أسلحة مضادة للدروع ومخازن موزعة داخل شبكة أنفاق؛ إضافة إلى قدرات صناعية محلية تعيد إنتاج مكوّنات السلاح، ما يجعل الضبط الدائم أعقد بكثير.

بُنية الإخفاء والمرونة الصناعية تزيدان التعقيد: في حين أن مخابئ الـ(IRA)  كانت قابلة للتعقّب والتحقّق بتنسيق محلي وإقليمي، بَنَت حماس نظامَ إخفاءٍ متداخلا، مما يجعل الوصول الآمن إلى مواقع التخزين والتعطيل مستحيلا عمليا دون تعاونها. لذلك أي عملية جمع أو تعطيل للأسلحة في غزة لا تُمثّل مجرد إزالة مخزون موجود، بل مواجهة قدرة متجددة على إعادة التصنيع والاختفاء، ما يفرض حلولا تقنية وأمنية مستمرة وليست مؤقتة.

نجاح نزع السلاح في غزة مشروط سياسيا وأمنيا:

لا بد أولا من إطار سياسي يربط العملية بترتيبات أمنية بديلة لتفادي فراغ. ثانيا، تفويض دولي متعدد الجنسيات بصلاحيات واضحة للدخول والتحقّق وإدارة المخزون، مع تنسيق لوجيستي استخباري مع إسرائيل ومصر لمنع التهريب.

ثالثا، يتطلب الأمر آليات مراقبة دائمة: (بحرية، برية، جوية وعمليات رقابة للمعابر)، وتقنيات كشف وتتبع (رغم محاولات المراقبة السابقة، فإن الوصول الفعلي إلى تلك المواقع ظل محدودا).

رابعا، يجب أن تُرفق عملية نزع السلاح بخطة شاملة تدمج المقاتلين في أجهزة أمنية تقوم على عقيدة وطنية موحّدة، وتفتح أمامهم فرص عمل وتنمية اقتصادية مستدامة.

كما ينبغي اعتماد بروتوكول أمني يضمن سلامة المفتشين والسكان المدنيين، مع وجود آليات شفافة وقضائية تراقب التنفيذ، وتمنع أي تجاوز أو تعطيل للعملية.

الجانب التقني ممكن لكنه غير كافٍ بمفرده؛ نزع السلاح عمل فني وسياسي في آن معا. وغياب حل سياسي جذري أو تعاون القيادة سيؤدي إلى فراغ أمني وانشقاقات أو بروز مجموعات بديلة. لذا النجاح يحتاج إلى توافق سياسي إقليمي ودولي، وتفويض تنفيذي واضح، ومنظومة رقابية وطويلة الأمد مرافقة لبرامج اجتماعية-اقتصادية لإعادة الاستقرار.

إعلان

إن نجاح أي عملية لنزع السلاح يعتمد أيضا على ضمان العدالة الانتقالية، وآليات محاسبة شفافة، ومشاركة مجتمعية واسعة تضمن قبول السكان، مع ضمانات دولية لحماية الحقوق وإعادة بناء مؤسسات أمنية تحظى بشرعية وطنية وطويلة الأمد وتدابير اقتصادية واجتماعية ملموسة ومستدامة.

في الختام.. غزة ليست بلفاست

التجربة الأيرلندية قد تحمل دروسا مفيدة، لكن استنساخ نموذج بلفاست في غزة يواجه اختلافات جوهرية تجعله محفوفا بالمخاطر. فمن ناحية، فإن نزع سلاح طرف مقاوم لا يُحلّ إلا ضمن اتفاق سياسي يُلبّي جزءا مهما من طموح هذا الطرف.

في أيرلندا، جرت تسوية داخل سيادة دولة واحدة أمّنت بدائل سياسية واجتماعية للمقاتلين، بينما في الحالة الفلسطينية يبقى الاحتلال الطويل، وغياب الحقوق الوطنية، والحصار المستمر عناصر مغيّبة إذا اقتصر التركيز على السلاح وحده.

فرض نزع السلاح بالإكراه في سياق استمرار الاحتلال (بكل شروره) سيولّد رد فعل مضادا ويعمّق الرفض الشعبي. لدى الجمهور الفلسطيني، يُنظر إلى السلاح أحيانا كصمام أمان ضد عدوان مستمر؛ لذا الوعود بالإعمار أو المساعدات المادية وحدها لا تكفي لاحتواء المخاوف، أو استبدال الشرعية الشعبية بالقوة المسلحة.

التجارب التاريخية تعلمنا أن نزع السلاح الفعلي عادة ما يتبع اتفاقات سياسية تُعالج الأسباب البنيوية للنزاع، لا يسبقه؛ ومحاولات معزولة لنزع السلاح من دون معالجة جذور المشكلة غالبا ما تؤدي إلى تجدد المقاومة، أو ظهور أشكال مسلحة بديلة.

فيما يخص تجربة منظمة التحرير الفلسطينية، لم يحدث نزع سلاح شامل وقابل للتطبيق داخل مناطق النزاع. فبعد خروج المنظمة من لبنان عام 1982، وانتقال قيادتها إلى تونس، شهدت بنية السلاح الفلسطيني تحولا كبيرا؛ إذ جرى حل أو تقليص بعض التشكيلات العسكرية، بينما أعادت فصائل أخرى تموضعها في الخارج.

وفي الضفة الغربية وقطاع غزة، أدى اتفاق أوسلو عام 1993 إلى إنشاء أجهزة أمنية فلسطينية جديدة، نُقل إليها جزء من المقاتلين ضمن ترتيبات السلطة الناشئة، لكن ذلك لم يؤدِ إلى إلغاء كامل لآليات المقاومة.

مع مرور الوقت، ظهرت أنماط تسليح جديدة لأسباب سياسية وأمنية كثيرة: تصنيع محلي في غزة (كالصواريخ القصيرة المدى)، وتهريب عبر الأنفاق والمعابر، ودعم خارجي وفني سمح بإعادة بناء قدرات قتالية تختلف نوعيا عن ترسانة منظمة التحرير السابقة. وهكذا، أثبتت التجربة أن نزع سلاح قيادة واحدة لا يُنهي الظاهرة المسلحة ما دامت أسبابها الجوهرية قائمة.

غياب ضمانات أمنية متوازنة يمثل عقبة أخرى. إسرائيل تطالب بضمانات ضد الصواريخ والأنفاق، بينما يطالب الفلسطينيون بحماية مدنية، وإنهاء الحصار، ووقف الاعتداءات.

نزع السلاح من دون آليات تحقق وحماية سيترك السكان في وضع هش أمام قوة احتلال متفوقة عسكريا، ما ينهش الثقة في أي ترتيبات دولية.

يمكن الاستفادة من عناصر من تجربة أيرلندا، الوساطة الدولية، التدرج، الإدماج. لكن في غزة، كما في كل نزاع تحرري، لا يُنزع السلاح قبل أن يُستعاد الحق.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • صنعاء تحدد “الاثنين موعداً لتشييع الشهيد الفريق محمد الغماري”
  • نزع سلاح المقاومة.. غزة ليست بلفاست
  • قوات صنعاء: «جاهزون لأي مواجهة» – تصريح دفاعي بعد نعي اللواء الغماري
  • القائم بأعمال وزير الاقتصاد يعزي القيادة الثورية والسياسية باستشهاد اللواء الغماري
  • صحيفة إسرائيلية: أين قتل رئيس أركان الحوثيين "الغماري".. هل في صنعاء أم في ذمار؟ (ترجمة خاصة)
  • مستشار رئيس المجلس السياسي يعزي القيادة الثورية والسياسية باستشهاد القائد الجهادي الغماري
  • "أنصار الله" تعلن مقتل رئيس الأركان العامة لقواتها اللواء محمد الغماري
  • في غارة إسرائيلية..مقتل رئيس هيئة أركان الحوثيين محمد الغماري
  • "الحوثي" تعلن مقتل رئيس هيئة الأركان محمد عبد الكريم الغماري
  • قوات صنعاء تنعي رئيس أركانها اللواء محمد الغماري