مسقط- في وقت يتصاعد فيه الاهتمام العالمي بالاستدامة والحد من الانبعاثات الكربونية، تسعى سلطنة عُمان إلى ترسيخ حضورها ضمن الدول التي تتبنى نهجا متكاملا للبناء الأخضر والمدن المستدامة.

ولم يعد هذا التوجه خيارا تنمويا فحسب، بل صار جزءا أصيلا من رؤية "عُمان 2040″، التي تهدف إلى بناء اقتصاد متنوع قادر على المنافسة عالميا، ومنسجم في الوقت ذاته مع الالتزامات الدولية المرتبطة بالمناخ والتنمية المستدامة.

الدليل الوطني يضمن بيئة عمرانية آمنة ومستدامة بتكاليف أقل (الجزيرة)نحو الاستدامة

أصبحت المباني الخضراء في السلطنة جزءا من سياسة حضرية شاملة تدعمها التشريعات الحكومية وتحفزها السوق العقارية، مع تزايد إقبال المؤسسات والمستثمرين على اعتماد الاستدامة ضمن أولوياتهم.

وفي خطوة نوعية نحو توحيد الممارسات الهندسية، أطلقت وزارة الإسكان والتخطيط العمراني في فعالية "أكتوبر العمران"، قبل أيام، دليل اشتراطات ومتطلبات البناء في سلطنة عُمان، وهو أول مرجع وطني للبناء يجمع بين 6 أدلة رئيسة تغطي مختلف التخصصات الفنية والبيئية في قطاع البناء.

وتقول المهندسة سارة بنت صالح الهنائية من الوزارة -في حديثها للجزيرة نت- إن الدليل يستند إلى أسس علمية تراعي الخصائص الطبيعية والمناخية لعُمان، بما يضمن بيئة عمرانية آمنة ومستدامة بتكاليف أقل، مضيفة أنه "يسهم في رفع تصنيف السلطنة ضمن المؤشرات الدولية الخاصة بالمدن المستدامة".

وقد أُعد الدليل بالتعاون مع مجلس الكود الدولي "آي سي سي" (ICC)، ليتلاءم مع الظروف المناخية لعُمان، ومن المقرر أن يبدأ التطبيق التجريبي خلال 2026/2027، تمهيدا للإلزام الكامل بحلول عام 2030.

ويشمل الدليل مجموعة من الأدلة، أبرزها:

دليل كفاءة الطاقة والاستدامة، الذي يحدد معايير المباني الموفّرة للطاقة. الدليل الميكانيكي لأنظمة التهوية والتكييف والتدفئة. دليل التمديدات الصحية وشبكات المياه، لضمان جودة التشغيل. دليل الصرف الصحي، لمعالجة المياه بطرق آمنة ومستدامة. الدليل يمثل امتدادا لمبادئ النظام الأساسي للدولة الذي ينص على حماية البيئة ومنع التلوث (رويترز)الحياد الصفري

ويعد الدليل الوطني لكفاءة الطاقة والاستدامة إحدى الأدوات التنفيذية المهمة للإستراتيجية الوطنية للحياد الصفري، ويسهم في خفض الانبعاثات من قطاع الإنشاءات، أكثر القطاعات استهلاكا للطاقة.

إعلان

كما ينسجم مع أهداف "رؤية عُمان 2040" في محوري البيئة المستدامة والمدن الحيوية، من خلال تعزيز الكفاءة والابتكار في البناء وتشجيع الاستثمار في البنية التحتية الخضراء، ويمثل امتدادا لمبادئ النظام الأساسي للدولة الذي ينص على حماية البيئة ومنع التلوث.

ويضع هذا الكود الحد الأدنى من المتطلبات الخاصة بالمباني الموفّرة للطاقة من خلال أحكام إلزامية وأخرى قائمة على الأداء، ويرتكز على مبادئ عامة تتيح استخدام مواد جديدة وتصاميم مبتكرة، ويُطبّق على فئات مختلفة من المباني.

وقد تم إعداد كود كفاءة الطاقة والاستدامة العُماني إصدار 2025 استنادا إلى الكود الدولي للمحافظة على الطاقة "آي إي سي سي" (IECC) لعام 2021 مع تضمينه بعض التعديلات المحلية.

المباني الخضراء مسار عُمان نحو مدن ذكية واقتصاد منخفض الكربون (وكالة الأنباء العمانية)الحفاظ على الطاقة

ويرتكز الكود على مبادئ تهدف إلى الحفاظ على الطاقة دون زيادة غير مبررة في تكاليف البناء، وعدم تقييد استخدام المواد أو الأساليب الجديدة، وعدم منح أفضلية لأنواع معينة من مواد أو طرق التشييد، كما يحرص على ضمان تكامل الأكواد العُمانية وتناسقها الفني.

ويُعد الكود وثيقة تصميمية أساسية يُرجع إليها قبل مرحلة البناء لتحديد المعايير والمتطلبات الفنية حسب نوع المبنى، كما يغطي جميع جوانب استخدام الطاقة في المباني.

ويُستخدم أيضا في برامج الالتزام الطوعي بمجالات الاستدامة وكفاءة الطاقة ومقاومة الكوارث، وقطاع التأمين وتأهيل الكفاءات الهندسية وتقييم المنتجات ومواد البناء، وفي المناهج الأكاديمية مما يجعله مرجعا وطنيا لنشر ثقافة البناء المستدام.

وفي السياق ذاته، أطلقت هيئة البيئة في وقت سابق نظام "روزنة" الوطني للمباني الخضراء، الذي يُقيّم الأبنية وفق 7 معايير تشمل: الطاقة، والمياه، والمواد، وجودة البيئة الداخلية، والابتكار، وإدارة المرافق، ويمنح شهادات لتشجيع المؤسسات العقارية على الالتزام بمعايير الاستدامة.

المواد المدورة أثبتت كفاءتها في مشاريع عدة (الجزيرة)الاقتصاد الدائري

لا يتوقف مفهوم البناء الأخضر عند تقليل الأثر البيئي، بل يتوسع ليغذي مفهوم الاقتصاد الدائري، الذي يقوم على إعادة استخدام الموارد، وتقليل الهدر، وتحويل المخلفات إلى مواد إنتاجية، إذ تتجه عُمان إلى دمج المواد المعاد تدويرها في مشاريع البنية التحتية، خصوصا في المرادم الهندسية.

ويقول المهندس في شركة بيئة سعد الحوسني إن نفايات الهدم والبناء تُنقل إلى مواقع إعادة التدوير، وتُفرز لإزالة المعادن والخشب، ثم تُكسر ميكانيكيا وتُنخل لاستخراج الركام المعاد تدويره، مع إزالة بقايا المعادن باستخدام الفواصل المغناطيسية.

ويضيف الحوسني -في حديثه للجزيرة نت- أن هذه المواد تخضع لفحوصات دقيقة للتأكد من مطابقتها للمواصفات، مبينا أنها أقل تكلفة بنسبة تتجاوز 80% مقارنة بالمواد الخام الطبيعية.

وأوضح أن شركة بيئة تراقب جودة المواد المعاد تدويرها، مشيرا إلى أن هذه المواد أثبتت كفاءتها في مشاريع عدة، أبرزها الخلية الثانية في مردم صحار الهندسي، حيث شكّلت 50% من إجمالي المواد المستخدمة (نحو 65 ألف متر مكعب) من مخلفات الهدم والبناء المعاد تدويرها.

إعلان

ويُعد هذا المشروع الأول من نوعه في السلطنة، إذ وظف مخلفات البناء في إنشاء السدود وطبقات الحماية وقنوات تصريف المياه، مما خفّض التكاليف بنسبة تفوق 80% مقارنة بخيار شراء التربة الطبيعية، ووفّرت الخطوة حلا بيئيا مبتكرا يحد من تراكم النفايات في المرادم، ويقلل البصمة الكربونية الناتجة عن عمليات النقل والاستخراج.

وأوضح الحوسني أن الدراسة التي سبقت التنفيذ هدفت إلى استبدال التربة الطبيعية بمخلفات البناء، وأثبتت التحليلات الهندسية ثبات السدود واستقرارها باستخدام هذه المواد.

وتُظهر التجربة أن إعادة تدوير مخلفات البناء يمكن أن تصبح موردا إستراتيجيا لمشاريع البنية التحتية، خاصة مع وجود 11 مردما هندسيا في السلطنة، وخطط للتوسع السنوي، مما يخلق طلبا متزايدا على مواد الردم المستدامة.

من جهته، يشير المهندس في شركة تنمية نفط عُمان فهد المحروقي إلى أن تطبيق مفاهيم البناء الأخضر يعود بفوائد مباشرة على الأفراد والمؤسسات، "فهو ينشّط الاقتصاد، ويضيف قيمة للصناعة الوطنية، ويحافظ على الموارد الطبيعية".

وأضاف للجزيرة نت أن هذه التقنيات "تحسن جودة الهواء الداخلي، وتستفيد من الضوء الطبيعي والتهوية الطبيعية، وتقلل استهلاك الطاقة"، كما أن المباني المستدامة لها قيمة سوقية أعلى وقبول لدى المستهلكين.

مدينة يتي المستدامة (وكالة الأنباء العمانية)منتدى البناء الأخضر

وفي السياق، يشكّل المنتدى الوطني للبناء الأخضر والمدن المستدامة الذي استضافته عُمان في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي علامة فارقة في مسار التحول العمراني المستدام، إذ جمع نخبة من الخبراء وصنّاع القرار والمطورين العقاريين وممثلي القطاعين العام والخاص لمناقشة مستقبل البناء الأخضر في البلاد.

وركّز على تعزيز التكامل بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص لتسريع تبنّي تقنيات التصميم الحضري المستدام، وتطوير مواد بناء صديقة للبيئة، واعتماد أنظمة ذكية لإدارة المرافق والطاقة والمياه.

ورافق المنتدى معرض متخصص عرض أحدث الحلول في مجالات العزل الحراري، وأنظمة الإضاءة الموفّرة للطاقة، وتقنيات المباني منخفضة الانبعاثات، وحلول المدن الذكية وأسهم في صياغة توصيات عملية تعزّز قدرة السلطنة على الوصول إلى الحياد الصفري بحلول عام 2050.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات البناء الأخضر

إقرأ أيضاً:

تجارة الأردن: الأردن من الدول الرائدة بمجال الاتصالات

صراحة نيوز- أكد ممثل قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في غرفة تجارة الأردن، المهندس هيثم الرواجبة، أن مشاركة الأردن في معرض “جيتكس جلوبال 2025” الذي اختتم مساء امس الجمعة في دبي تمثل فرصة استراتيجية لتعزيز حضور الشركات الأردنية المتخصصة في هذا القطاع على المستوى الدولي.
وأضاف، إن المعرض الذي شارك فيه 6800 شركة تقنية و 2000 شركة ناشئة من 180 دولة وفر منصة مثالية للشركات الأردنية لعرض أحدث حلولها الرقمية وتقنيات الذكاء الاصطناعي، والإطلاع على أفضل الممارسات العالمية التي تسرع من وتيرة التحول الرقمي.
وأوضح الرواجبة، أن الأردن أصبح اليوم من بين الدول الرائدة في منطقة الشرق الأوسط في مجال الاتصالات والتكنولوجيا، حيث شهد القطاع تقدماً ملموساً في البنية التحتية الرقمية، وتوسع الشركات المتخصصة في حلول البرمجيات والذكاء الاصطناعي، ما يعكس قدرة الشركات الأردنية على المنافسة إقليمياً ودولياً.
وأكد أن الشركات الأردنية الصغيرة والمتوسطة تمثل العمود الفقري لهذا القطاع المزدهر، حيث تمكنت من تطوير منتجات وخدمات مبتكرة تلبي احتياجات الأسواق العالمية، وتساهم في تعزيز التوظيف وبناء القدرات الوطنية في مجال التكنولوجيا والتحول الرقمي، ما يجعل الأردن أنموذجاً ناجحاً في الابتكار وريادة الأعمال.
وأشار إلى أن المشاركة في “جيتكس جلوبال 2025” تمثل خطوة مهمة نحو تعزيز دور الأردن في خارطة الابتكار العالمية وتشجيع الشركات الوطنية على الانفتاح على الأسواق الإقليمية والدولية والمساهمة الفاعلة في صياغة مستقبل رقمي مستدام وواعد.
يُذكر أن “جيتكس جلوبال” ركز في دورته الـ45 على حلول تطوير البنية التحتية للذكاء الاصطناعي وتسريع وتيرة الابتكار العالمي وتعزيز الحوار الدولي حول السياسات والتشريعات الداعمة للتنمية المسؤولة في اقتصاد الذكاء الاصطناعي المتنامي.” الذي اختتم مساء امس الجمعة في دبي تمثل فرصة استراتيجية لتعزيز حضور الشركات الأردنية المتخصصة في هذا القطاع على المستوى الدولي.
وقال الرواجبة في بيان اليوم السبت، إن المشاركة في هذا الحدث العالمي تمثل فرصة حقيقية أمام الشركات الأردنية لتبادل الخبرات وبناء شراكات استراتيجية وتوسيع آفاق التعاون مع كبرى الشركات العالمية، بما يعزز القدرة التنافسية للقطاع التكنولوجي بالمملكة.
وأضاف، إن المعرض الذي شارك فيه 6800 شركة تقنية و 2000 شركة ناشئة من 180 دولة وفر منصة مثالية للشركات الأردنية لعرض أحدث حلولها الرقمية وتقنيات الذكاء الاصطناعي، والإطلاع على أفضل الممارسات العالمية التي تسرع من وتيرة التحول الرقمي.
وأوضح الرواجبة، أن الأردن أصبح اليوم من بين الدول الرائدة في منطقة الشرق الأوسط في مجال الاتصالات والتكنولوجيا، حيث شهد القطاع تقدماً ملموساً في البنية التحتية الرقمية، وتوسع الشركات المتخصصة في حلول البرمجيات والذكاء الاصطناعي، ما يعكس قدرة الشركات الأردنية على المنافسة إقليمياً ودولياً.
وأكد أن الشركات الأردنية الصغيرة والمتوسطة تمثل العمود الفقري لهذا القطاع المزدهر، حيث تمكنت من تطوير منتجات وخدمات مبتكرة تلبي احتياجات الأسواق العالمية، وتساهم في تعزيز التوظيف وبناء القدرات الوطنية في مجال التكنولوجيا والتحول الرقمي، ما يجعل الأردن أنموذجاً ناجحاً في الابتكار وريادة الأعمال.
وأشار إلى أن المشاركة في “جيتكس جلوبال 2025” تمثل خطوة مهمة نحو تعزيز دور الأردن في خارطة الابتكار العالمية وتشجيع الشركات الوطنية على الانفتاح على الأسواق الإقليمية والدولية والمساهمة الفاعلة في صياغة مستقبل رقمي مستدام وواعد.
يُذكر أن “جيتكس جلوبال” ركز في دورته الـ45 على حلول تطوير البنية التحتية للذكاء الاصطناعي وتسريع وتيرة الابتكار العالمي وتعزيز الحوار الدولي حول السياسات والتشريعات الداعمة للتنمية المسؤولة في اقتصاد الذكاء الاصطناعي المتنامي.

مقالات مشابهة

  • عجمان.. مبادرات رائدة لحماية البيئة والموارد الطبيعية
  • الأمم المتحدة: الحوثيون يواصلون احتجاز موظفينا في صنعاء بعد مداهمة إحدى المباني الأممية
  • «قناة السويس» يحصد 5 شهادات دولية لاعتماد البناء الأخضر لفروعه
  • ضبط مواطن لإشعاله النار في غير الأماكن المخصصة لها في محمية طويق الطبيعية
  • التربية تعلن الدليل الإرشادي للامتحان التكميلي للتوجيهي 2025
  • وزير الإسكان يشدد على التصدي بكل حسم لحالات مخالفات البناء بالمدن الجديدة
  • بالفيديو... حريق في أحد المباني في سدّ البوشرية
  • تجارة الأردن: الأردن من الدول الرائدة بمجال الاتصالات
  • «طاقة أبوظبي» توقع مذكرة تفاهم مع «جوجل كلاود» لتعزيز التعاون بمجال الابتكار والتحوّل الرقمي