أنتيفا حركة يسارية عالمية مناهضة للفاشية
تاريخ النشر: 22nd, October 2025 GMT
تنامى ظهور الحركات المناهضة للفاشية وأحزاب أقصى اليمين في العديد من دول العالم بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1938 تحت اسم "أنتيفا"، ونشطت في دول غربية عدة مثل ألمانيا وإيطاليا وفرنسا والمملكة المتحدة، ولاحقا في الولايات المتحدة الأميركية.
أخذت أنشطة الحركة بالازدياد منذ أوائل القرن الـ21، وتنوعت ما بين الاضطرابات العنيفة والمظاهرات المنظمة والاحتجاجات الإلكترونية لمواجهة فعاليات أحزاب أقصى اليمين.
ويقول المنتمون إلى حركة "أنتيفا" إن تأسيسها جاء رد فعل على انتشار الفاشية وصعود أحزاب أقصى اليمين لا سيما في بعض البلدان الأوروبية والولايات المتحدة.
الفكر والأيديولوجياأنتيفا هي حركة عالمية لا مركزية تتكون من مجموعات وأفراد ذوي ميول يسارية، تجمعهم أيديولوجية مناهضة الرأسمالية والنيوليبرالية -نهج اقتصادي يهدف إلى تعزيز حرية السوق وتقليل دور الدولة في الاقتصاد- والفاشية والنازية وأحزاب أقصى اليمين.
كما تعادي حركة "أنتيفا" النخب السياسية ووسائل الإعلام، وتؤمن بضرورة التعبير عن نفسها عبر تنظيم الاحتجاجات، ويرى أعضاؤها أن منظمتهم ما هي إلا رد فعل طبيعي على تنامي "الاتجاهات اليمينية المتطرفة" في الدول التي ينشطون فيها.
وينظم أعضاء الحركة حملات ضد الأفعال التي يعتبرونها "استبدادية" أو "معادية" للشواذ أو "عنصرية أو معادية للأجانب".
ويسعى المنضمون إليها عموما إلى منع ما يعتبرونها "مجموعات فاشية وعنصرية ويمينية متشددة" من الحصول على منصة لترويج أفكارها، انطلاقا من قناعة بأن إتاحة المجال العلني لمثل هذه الآراء قد تؤدي إلى استهداف الفئات المهمشة، بما في ذلك الأقليات العرقية والنساء.
يتألف اسم "أنتيفا" من جزأين هما "أنتي" التي تعني "العداء"، و"فا" وتعني "الفاشية"، ويعود أصلها إلى اللغة الألمانية، إذ يستخدم اللفظ للدلالة على "النشاط المناهض للفاشية".
ويشير المصطلح إلى مجموعة واسعة من الأشخاص الذين تميل معتقداتهم السياسية نحو أقصى اليسار.
ويرتدي ناشطو "أنتيفا" ملابس سوداء وأغطية للوجه وأوشحة ونظارات شمسية لإخفاء هوياتهم، ويتحركون في مجموعات صغيرة خشية الملاحقة، محاولين لفت الانتباه إلى مواقفهم الداعية للتغيير.
الشعاريستخدم أعضاء حركة "أنتيفا" العلم الأحمر الذي يرمز للثورة البلشفية عام 1917، والعلم الأسود الذي شاع استخدامه أواخر القرن الـ19 وأوائل القرن الـ20 شعارا للحركات التي تنبذ الدولة والرأسمالية.
إعلانكما يستخدم أعضاء الحركة رمز "الأسهم الثلاثة" للتعبير عن معارضة الفاشية، إذ يضعون يدا واحدة للأسفل، ضامين الإبهام والسبابة، بينما يمدون الأصابع الثلاثة الأخرى.
ويكمل ذلك شعار آخر يمثل علمين متداخلين في دائرة، مستوحى من حركة مناهضة الفاشية التي أسسها الحزب الشيوعي الألماني في أوائل ثلاثينيات القرن الـ20.
الهيكل التنظيميلا يوجد هيكل تنظيمي رسمي للحركة نظرا لسريتها العالية، لكنها تتألف من مئات الجمعيات غير المركزية المنتشرة في مختلف أنحاء العالم.
ينظم منتسبو حركة أنتيفا العالمية احتجاجاتهم عادة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت، ويعتمدون على شبكات مشفرة للتواصل.
ويشاركون في الاحتجاجات التي تجري في الدول التي ينشطون بها، كما ينظمون احتجاجات مضادة لتعطيل تجمعات ومسيرات أقصى اليمين.
وعند اشتباك أتباع "أنتيفا" مع متظاهري أقصى اليمين، غالبا ما تنشب أعمال عنف تتضمن الاشتباك بالأيدي واستخدام السكاكين والهراوات والألعاب النارية، إضافة إلى زجاجات المولوتوف والطوب والأنابيب والمطارق والقنابل الحارقة محلية الصنع، وكذلك البالونات المملوءة بالطلاء أو الحبر.
دول تنشط فيهاتنشط حركة "أنتيفا" في دول أوربية عدة وبعض دول أميركا اللاتينية، مما دفع العديد من هذه الدول إلى تصنيفها "حركة إرهابية" وحظر نشاطها.
وفيما يلي أبرز الدول التي تنشط فيها حركة "أنتيفا":
ألمانيا
كان أول ظهور لحركة مناهضة الفاشية تحت اسم "أنتيفا" في ألمانيا بعد أن أسس الحزب الشيوعي الألماني عام 1932 منظمة "العمل المناهض للفاشية" وأطلق عليها اسم "أنتيفا أكتيون"، بهدف مقاومة صعود الحزب النازي، لكنها لم تعمر طويلا.
وبعد انهيار قبضة النازيين على السلطة في ألمانيا أواخر عام 1944، أحيى الاشتراكيون و"الحركة العمالية الألمانية" الحركة وأطلقوا عليها أسماء عدة مثل "حملة مناهضة الفاشية" و"لجان مناهضة الفاشية" و"العملية المناهضة للفاشية"، وعُرفت اختصارا باسم "أنتيفا".
وتكونت الحركة بشكل أساسي من قدامى المحاربين في الحزب الشيوعي الألماني والحزب الاشتراكي الديمقراطي والحركة العمالية، إضافة إلى أعضاء من الأحزاب السياسية الديمقراطية والكنيسة.
وكان الهدف من إعادة إحياء "أنتيفا" هو تأسيس "حركة عمالية مستقلة وغير طائفية تسعى لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء وتوحيد جهودهم".
وقد عزز هذا الشعور السائد في نهاية الحرب العالمية الثانية الاتفاق على أن أهوال النازية كانت نتيجة عدم استقرار الرأسمالية، كما رأى هؤلاء ضرورة إنشاء نظام اقتصادي أساسه المساواة.
وطبعت المنظمة وقتها ميثاقها المؤلف من 12 بندا، طالبت فيه باجتثاث النازيين من جميع الهيئات الإدارية، وتعويضهم بشكل عاجل بـ"مناهضي فاشية أكفاء"، فضلا عن إعادة تأسيس خدمات الرعاية الصحية العامة.
واجهت حركة "أنتيفا" وضعا صعبا عام 1945، بسبب الانقسامات التي ظهرت بين أعضائها. وفي حقبة الحرب الباردة، شكلت الحركة إزعاجا لكل من ألمانيا الغربية (جمهورية ألمانيا الاتحادية)، التي كانت رأسمالية وتحالفت مع الغرب، وألمانيا الشرقية (جمهورية ألمانيا الديمقراطية)، التي كانت نظاما شيوعيا خاضعا لنفوذ الاتحاد السوفياتي.
إعلانقرر المعسكر الغربي التعاون مع ما تبقى من النظام النازي في ألمانيا الغربية، وهو ما أدى إلى تبخر نفوذ حركة "أنتيفا"، وعزز ذلك حظر حكومة ألمانيا الغربية الحزب الشيوعي عام 1956.
في المقابل، سمح الاتحاد السوفياتي لحركة "أنتيفا" بالعمل بحرية نسبية في ألمانيا الشرقية، ثم قلص لاحقا من نشاطها، مما أدى إلى تراجع تأثيرها واستمرار ذلك أكثر من 4 عقود.
وفي منتصف ثمانينيات القرن الـ20، ظهرت "أنتيفا" مجددا في ألمانيا الغربية مع إنشاء فرعها النسوي الرافض لهيمنة الذكور على الحركة.
وفي أعقاب انهيار جدار برلين وتوحيد ألمانيا في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1989، أحيى اليساريون بمن فيهم أنصار فرقة "البانك"، حركة "أنتيفا"، ونظموا مظاهرات في الشوارع ضد الفاشية وتصدوا لأحزاب أقصى اليمين التي أعادت بناء نفسها.
وصنفت الحكومة الألمانية الحركة بأنها جزء من "اليسار المتطرف وعنيفة جزئيا"، وكلفت المكتب الفدرالي بمراقبتها.
وبين عامي 2018 و2020، اتهمت السلطات الألمانية "مجموعة هامرباندي"، المرتبطة بأيديولوجية "أنتيفا"، بتنظيم أنشطة عنيفة أودت بحياة 18 شخصا.
إيطاليا
يرى البعض أن إيطاليا هي مهد الحركة المناهضة للفاشية، إذ ظهرت في عام 1922 العديد من الحركات الرافضة لسياسات الزعيم الإيطالي بينيتو موسوليني.
وفي عام 1921، أُسست حركة "أرديتي ديل بوبيلو" من الشيوعيين والأناركيين -دعاة إلغاء السلطة وتنظيم المجتمع طوعيا- لمواجهة عنف أصحاب القمصان السود، وهم الفاشيون الإيطاليون.
وفي عام 1943، ظهرت مجموعات "البارتيزان" تحت اسم "أنتيفا" وشاركت في حركة المقاومة الإيطالية بهدف مواجهة النازيين والفاشيين.
وبعد القبض على موسوليني و17 من أعوانه وإعدامهم والتنكيل بجثثهم عام 1945، أصبح مبدأ مناهضة الفاشية من أهم المبادئ التي أسست عليها الجمهورية والدستور الإيطالي.
وفي تسعينيات القرن الـ20، نشطت "أنتيفا" في إيطاليا بشكل ملحوظ، ونظمت العديد من الفعاليات المناهضة لأحزاب أقصى اليمين.
وفي يناير/كانون الثاني 2024، أثار مقطع فيديو يظهر مئات الأشخاص المنتمين إلى "جبهة الشباب" -شكلها أعضاء سابقون في الحزب الفاشي عام 1978- يرتدون الأسود ويؤدون التحية الفاشية بشكل جماعي أثناء حفل تأبيني في روما، رد فعل قوي من ناشطي "أنتيفا".
بريطانيافي 4 أكتوبر/تشرين الأول 1936، شهدت المملكة المتحدة مواجهات عنيفة في شارعي كيبل ووايت شرق لندن، إثر تصدي الجماعات المناهضة للفاشية لمسيرة نظمها "الاتحاد البريطاني للفاشيين" بقيادة السير أوزوالد موزلي، مما أدى إلى مقتل العشرات.
وفي العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الـ20، كان لحركة أنتيفا دور بارز في الحياة السياسية البريطانية، ونظمت مظاهرات وفعاليات رافضة لصعود أحزاب أقصى اليمين إلى السلطة، وهو ما دفع الحكومات المتعاقبة إلى محاربتها.
وفي عام 1991، قادت الحركة مظاهرة ضخمة في منطقة بيثنال غرين في لندن، بمشاركة نحو 10 آلاف مشارك، تحت شعار "هزيمة الفاشيين: تقليد عريق في شرق لندن".
وفي العقد الأول من القرن الـ21، هاجمت "أنتيفا" أعضاء أحزاب أقصى اليمين وحزب الاستقلال البريطاني، والمسيرات المؤيدة للناشط اليميني تومي روبنسون.
وفي أغسطس/آب 2018، دعا وزير المالية في حكومة الظل، جون ماكدونيل، إلى إحياء "حملة ثقافية وسياسية على شاكلة رابطة مناهضة النازية"، عقب وقوع هجمات يمينية وعنصرية في المملكة المتحدة.
وفيما يلي أبرز حركات أنتيفا في المملكة المتحدة:
رابطة مناهضة النازيةأسسها "حزب العمل الاشتراكي" عام 1977 بمشاركة بعض النقابات العمالية والشخصيات اليسارية البارزة بهدف معارضة صعود أقصى اليمين إلى الحكم في المملكة المتحدة.
وتمثلت محطاتها الرئيسية في التصدي لمسيرة نظمتها "الجبهة الوطنية" ذات التوجهات اليمينية، بعدما حققت مكاسب انتخابية كبيرة في الانتخابات العامة التي جرت في العام نفسه.
وفي أبريل/نيسان 1979 وقعت اشتباكات في لندن بين أنصار الرابطة و"الجبهة الوطنية"، مما أدى إلى مقتل متظاهر وإصابة نحو 40 آخرين، في حين ألقت الشرطة القبض على 300 شخص.
لم تدم هذه المنظمة طويلا، فحُلت عام 1981، ثم أُعيد إطلاقها عام 1992 بعد تنامي صعود الحزب الوطني البريطاني المنتمي لأقصى اليمين.
بعد ذلك بوقت قصير، أطلق حزب العمال الاشتراكي "الحملة البريطانية ضد العنصرية والفاشية". منظمة "العمل المناهض للفاشية" (إي أف إي)
أسسها عدد من أعضاء "حركة العمل الأحمر" و"حركة العمل المباشر" عام 1985، ونشطت في مواجهة منظمات أقصى اليمين، خاصة "الجبهة الوطنية" و"الحزب الوطني البريطاني".
وفي عام 1991، نسقت المنظمة مع "الحملة ضد الفاشية في أوروبا" احتجاجات ضد زيارة الزعيم اليميني الفرنسي جان ماري لوبان إلى لندن.
استمر نشاط المنظمة حتى نهاية القرن الـ20، ثم تراجع في أوائل العقد الأول من القرن الـ21. شباب الحزب الاشتراكي ضد العنصرية في أوروبا: أسستها جماعات يسارية عام 1992. العمال ضد العنصرية: أسستها أحزاب يسارية عدة عام 1992. التحالف المناهض للعنصرية: تأسس عام 1992، وبعد 11 عاما غير اسمه إلى "الجمعية الوطنية ضد العنصرية"، ودمج نفسه مع منظمة "اتحدوا ضد الفاشية".
فرنسا
إعلانبرزت في فرنسا عدة حركات مناهضة للفاشية وأحزاب أقصى اليمين، ومن أبرز هذه الحركات:
الجماعة المناهضة للفاشية 67أسستها منظمات السياسية ونقابات وجمعيات يسارية فرنسية في ديسمبر/كانون الأول 2021. وتقول الحركة إن هدفها الأساسي هو "إعادة ربط الهياكل اليسارية وتوحيد قواها النضالية لمحاربة اليمين المتطرف".
وترى الحركة أن "الفاشية واليمين المتطرف عدو حقوق العمال والطلاب، وتاريخيا عارضوا النقابات وقوانين العمل، لذلك كان لزاما محاربتهما للحصول على مزايا اجتماعية". حركة جون غارد
أُسست في يناير/كانون الثاني 2018 بمدينة ليون جنوب شرق فرنسا. وفي الفترة من 2019 إلى 2021، أنشأت الحركة 4 أقسام لها في كل من ستراسبورغ وباريس وليل ومونبلييه.
تبنت الحركة شعار "الأسهم الثلاثة"، المستوحى من شعار القسم الفرنسي للأممية العمالية (الحزب الاشتراكي لاحقا) في النصف الأول من القرن الـ20، ويرمز إلى "النضال ضد الرجعية والنازية والستالينية" (نظام سياسي مبني على سيطرة الدولة وقمع المعارضة).
تمثلت أهم أهداف الحركة في "إعادة تنشيط الحركات المناهضة للفاشية في فرنسا، وزيادة التعاون بين الحركات اليسارية المختلفة، وتطوير أدواتها لمواجهة الفاشية ودعم الحركات النسوية المناهضة للفاشية".
وفي سبتمبر/أيلول 2021، اعتدى أعضاء من جماعة "الزواف" اليمينية المتشددة في باريس على رافائيل أرنو، المتحدث باسم حركة أنتيفا في ليون.
وفي أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2021، اشتبك عناصر من الحركة مع أعضاء جماعة "نيميسيس" النسوية، بعد محاولة الأخيرة المشاركة في مسيرة احتجاجية ضد العنف الجنسي في باريس.
وفي 25 فبراير/شباط 2022، تعرض مؤتمر "أنتيفا" في ستراسبورغ، الذي عقد تحت شعار "الخطر الفاشي في فرنسا"، لهجوم من مجموعات تنتمي لأقصى اليمين الفرنسي.
وفي يونيو/حزيران 2024، وقبل الانتخابات التشريعية الفرنسية، انضمت الحركة إلى تحالف الجبهة الشعبية الجديدة في محاولة لمواجهة صعود أقصى اليمين.
وتعرضت الحركة لانتقادات من بعض المناهضين للفاشية لعدم بذلها جهدا كافيا في مناهضة العنصرية، فضلا عن "الترويج للعنف".
وأعلن وزير الداخلية الفرنسي، برونو ريتيلو، في 23 يناير/كانون الثاني 2025، قرار حل الحركة إداريا، وفي 12 يونيو/حزيران من العام نفسه قررت الحكومة الفرنسية حلها نهائيا.
المجر
استلهمت الجماعات اليسارية المجرية تجربة "أنتيفا"، ويعود تاريخها في المجر إلى بداية العقد الرابع من القرن الـ20، عندما نظم الحزب الشيوعي المجري مظاهرة ضخمة عند شعلة "باتياني" ضد اليمين الحاكم في البلاد.
وكانت نقطة التحول المهمة في تاريخ الحركات المناهضة للفاشية المجرية منتصف فبراير/شباط 1942، بتأسيس "اللجنة التذكارية التاريخية المجرية".
وفي 15 مارس/آذار 1942، نظمت الحركات المناهضة للفاشية مظاهرات جماهيرية حاشدة في العاصمة بودابست، ضد مشاركة بلادهم إلى جانب ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، إلا أن السلطات المجرية قمعت الاحتجاجات واعتقلت قادتها وأعدمتهم لاحقا.
وفي يناير/كانون الثاني 1943، نظمت هذه الحركات العديد من الإضرابات احتجاجا على مقتل وأسر نحو 150 ألف جندي مجري في الحرب، مما دفع السلطات المجرية لاتخاذ إجراءات صارمة ضدها.
وفي صيف 1944، انضمت جميع الأحزاب اليسارية إلى الجبهة المجرية (جبهة الاستقلال الشعبية) ضد الاحتلال الألماني للمجر.
برز نشاط "أنتيفا" لاحقا في مواجهة التجمعات والمسيرات السنوية لأقصى اليمين والنازيين الجدد، لا سيما "يوم الشرف"، الذي يكون في بودابست إحياء لذكرى محاولة اختراق ألمانيا النازية للمجر أثناء الحرب العالمية الثانية.
ووضعت حركة "أنتيفا" في المجر العديد من الأهداف، منها ملاحقة الأحزاب الفاشية والمنتمية إلى أقصى اليمين، ومحاربة أعضاء المنظمات والجماعات التي تنشر الفكر والثقافة النازية.
وفي الفترة من 9 إلى 11 فبراير/شباط 2023، اعتدى مجموعة من نشطاء "أنتيفا" على مشاركين في مسيرة لأقصى اليمين في بودابست، مما أدى إلى إصابة 9 أشخاص بجروح خطيرة.
ووجهت الحكومة اتهامات لأعضاء "أنتيفا" من المجر ودول أوروبية عدة بالتسبب في هذه الاعتداءات، ونفذت حملة اعتقالات وملاحقات قضائية بحقهم، أبرزهم الناشطة الإيطالية إيلاريا ساليس، التي فازت بمقعد في البرلمان الأوروبي أثناء احتجازها، مما أكسبها حصانة ودفع السلطات المجرية للإفراج عنها.
إعلانوقد توترات العلاقات الدبلوماسية بين المجر وإيطاليا على خلفية هذه القضية. وبعد عام واحد، انتخبت لعضوية البرلمان الأوروبي، مما أدى إلى إنهاء إقامتها الجبرية في بودابست.
وترى الحكومة المجرية أن "أنتيفا" تشكل "تهديدا خطيرا" للأمن، وأنها مسؤولة عن اعتداءات عنيفة، وعلى خلفية ذلك أصدرت في سبتمبر/أيلول 2025 مرسوما أعلنت فيه الحركة "منظمة إرهابية"، مؤكدة أنها ستطبق على أعضائها أقصى العقوبات.
وفي 20 سبتمبر/أيلول 2025، أرسل وزير الخارجية المجري، بيتر زيجارتو، رسالة إلى رئيسة الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس، طالب فيها بتصنيف أنتيفا "جماعة إرهابية على مستوى التكتل".
بولندا
في 11 نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام، تطلق حركة "أنتيفا" مسيرات مضادة لتجمعات أقصى اليمين التي تُنظم في "يوم الاستقلال البولندي".
وعلى إثر ذلك، دعا حزب "القانون والعدالة" في بولندا عام 2025 إلى تصنيف الحركة "منظمة إرهابية".
إسبانيا
تعود الحركة المناهضة للفاشية في إسبانيا إلى فترة الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939)، وعهد الجنرال فرانشيسكو فرانكو (1936-1975)، وكانت تعمل حينئذ بشكل سري خشية الملاحقة.
ظهرت في إسبانيا مجموعات مسلحة مناهضة للفاشية مثل "جبهة المقاومة الثورية المناهضة للفاشية والوطنية" و"المقاومة المناهضة للفاشية"، وقد صُنفت لاحقا "جماعات إرهابية".
وبعد وفاة الجنرال فرانكو عام 1975، انتعشت الحركة بهدف مواجهة ومنع تنامي نفوذ جماعات وأحزاب أقصى اليمين.
في فترة ثمانينيات وتسعينيات القرن الـ20، برزت "الحركة المناهضة للعنصرية" التي ظهرت على شكل مجموعات محلية صغيرة تأثرت بالطابع الدولي لحركة "أنتيفا".
ركزت هذه المجموعات على المواجهات المباشرة مع مجموعات "حليقي الرؤوس" و"النازيين الجدد" في الشوارع.
وشهد العقد الثاني من القرن الـ21 نشاطا مكثفا لـ"أنتيفا"، خاصة مع صعود حزب "فوكس" المنتمي لأقصى اليمين، والذي ترى الحركة أنه يمثل "تهديدا للديمقراطية والحريات".
تركزت أنشطة الحركة على الاحتجاجات المضادة لمنع التجمعات والمسيرات التي تنظمها الأحزاب والمجموعات القومية والإقليمية المتشددة، إضافة إلى المشاركة في قضايا الذاكرة التاريخية ومناهضة الهجرة.
أيرلندا
أُسست حركة "أنتيفا" في أيرلندا بهدف مواجهة جماعات أقصى اليمين واليمين البديل، مثل الحزب الوطني وحزب الحرية.
وأكد مختصون أيرلنديون أنه لا توجد أحزاب يمينية متطرفة فاعلة في أيرلندا، لكن حركة "أنتيفا" تحدث شكلا من أشكال العمل الوقائي، بهدف "حرمان جماعات اليمين المتشدد الصغيرة من أي مساحة سياسية قبل أن تصبح قوة شعبية أو تهديدا سياسيا أكبر".
وفي عام 2020، أسست قوى يسارية أيرلندية تحالفا "معا" لمحاربة الأحزاب والمنظمات المرتبطة بأقصى اليمين.
هولندا
من أبرز الحركات اليسارية في هولندا، مجموعة "كافكا"، التي تتبنى أفكار "أنتيفا"، ونظمت فعاليات عدة ضد الفاشية وأحزاب أقصى اليمين.
وفي عام 1968، أسست العديد من المنظمات والأحزاب ذات التوجهات اليسارية "الرابطة الهولندية للمقاومين السابقين ومناهضي الفاشية"، بهدف التحذير من عودة الفاشية وهيمنة أحزاب أقصى اليمين، مثل حزب الحرية ومنتدى الديمقراطية.
وفي 29 مارس/آذار من العام نفسه، تصدت حركة "أنتيفا" لاجتماع المصالحة بين الحزب الشيوعي والحزب الديمقراطي في أحد فنادق أمستردام، وأضرموا النار في الفندق، مما أدى إلى إصابة مؤسس الحزب الديمقراطي هانز يانمات إصابة خطيرة أسفرت عن بتر قدمه.
وفي عام 1992، ظهرت جمعية "لن يتكرر أبدا"، التي تعمل على "تعزيز التسامح والضغط على المؤسسات الحكومية ومراقبة ورصد الحوادث العنصرية والمعادية للأجانب التي تنفذها النازية الجديدة والعنصرية والشوفينية القومية (التعصب المفرط لقومية أو وطن)".
وفي 21 مارس/آذار من كل عام، تنظم مجموعات "أنتيفا" مسيرة مناهضة للتمييز في أمستردام، تحت اسم "21 مارس ضد العنصرية".
الولايات المتحدة
تختلف الروايات حول تاريخ ظهور منظمة "أنتيفا" في الولايات المتحدة، فالبعض يرى أن ظهورها الأول كان عام 1987 في مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا، بهدف محاربة "جماعات النازيين الجدد".
ويرتبط ظهور الحركة في أميركا بالقادة الألمان المناهضين للفاشية الذين هاجروا إليها هربا من ألمانيا النازية في ثلاثينيات القرن الـ20، فضلا عن جماعات حليقي الرؤوس التي ظهرت في برلين في سبعينيات وثمانينيات القرن نفسه.
ويرجع المؤرخ الأميركي مارك براي الفضل في ظهور المنظمة إلى "حركة مكافحة العنصرية في الولايات المتحدة"، إذ جال نشطاؤها في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات مع فرق موسيقى "البانك روك" وحليقي الرؤوس لمنع أعضاء جماعة "كو كلوكس كلان" و"النازيين الجدد" من التجنيد، على خلفية "تعصبهم للعرق الأبيض".
وكان شعار أعضاء المنظمة آنذاك "نذهب إلى حيث يذهب اليمين المتطرف"، في إشارة إلى مواجهتهم لنشطاء أقصى اليمين في أي مكان يظهرون فيه.
ويربط جزء من الباحثين الأميركيين ظهور الحركة باجتماع منظمة التجارة العالمية في مدينة سياتل عام 1999، الذي شهد احتجاجات عنيفة أدت إلى تدمير وشغب واسع وسط المدينة.
وفي عام 2013، أسس مجموعة من النشطاء الأميركيين اليساريين "شبكة الشعلة"، بهدف تعزيز التعاون بين المجموعات المنتمية إلى حركة "أنتيفا".
ونمت الحركة بعد انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة في ولايته الأولى عام 2016، ووصفه أعضاؤها بأنه "ديماغوجي فاشي (شخص يستغل الجماهير بالخطاب المتطرف لتعزيز سلطته) يهدد وجود الديمقراطية الأميركية التعددية"، في حين وصفوا أنصاره بـ"الفاشيين".
وبرزت الحركة أكثر عام 2017 بعد سلسلة من الأحداث التي سلطت الضوء على المتظاهرين المناهضين للفاشية، بما في ذلك المواجهات في جامعة كاليفورنيا، ومواجهتهم للمتظاهرين اليمينيين في شارلوتسفيل، فضلا عن احتجاجات "حياة السود مهمة" التي أعقبت مقتل الأميركي من أصل أفريقي جورج فلويد عام 2020.
ألقى الرئيس ترامب ومعه قادة الحزب الجمهوري مسؤولية أعمال العنف والمظاهرات التي وقعت في المدن الأميركية على أعضاء "أنتيفا".
وفي سبتمبر/أيلول 2025، أعلن ترامب تصنيف الحركة "منظمة إرهابية" بعد مقتل الناشط اليميني تشارلي كيرك بإطلاق نار أثناء مشاركته في فعالية بولاية يوتا غرب الولايات المتحدة.
واستنادا إلى بيانات مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية التي تضم 893 حادثة وقعت في الولايات المتحدة بين يناير/كانون الثاني 1994 ومايو/أيار 2020، وصنفت بأنها "هجمات إرهابية"، فإن التهديد الذي شكلته الجهات المرتبطة بحركة "أنتيفا" صغير نسبيا.
وتظهر البيانات أن 75% من هذه الهجمات ارتكبها عناصر من أقصى اليمين، راح ضحيتها 335 شخصا، بينما تقع مسؤولية 25% من هذه الهجمات على منظمات يسارية، وتسببت في مقتل 22 شخصا.
السويد
ظهرت الحركة المناهضة للفاشية في السويد عام 1991، عندما قرر النشطاء وضع حد للمسيرات النازية في ذكرى وفاة الملك السويدي تشارلز الثاني عشر في 30 نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه، ومع ذلك لم تعلن انطلاقتها رسميا إلا في عام 1993.
ركزت الحركة في عملها على المظاهرات الضخمة، ولا سيما تصديها للمسيرات المؤيدة لـ"حركة المقاومة السويدية"، التي تُصنفها السلطات على أنها "نازية" على خلفية عمليات التفجير والقتل التي نفذها مؤسسها كلاس لوند بين عامي 1991 و1993.
وفي أوائل العقد الأول من القرن الـ21، انقسمت حركة "أنتيفا" مع تشكيل الجبهة الثورية، مما أدى إلى تراجع نفوذها.
وفي 30 سبتمبر/أيلول 2017، تجمع أكثر من 10 آلاف شخص في وسط مدينة غوتنبرغ وتصدوا لمسيرة حركة "المقاومة الشمالية".
وفي 25 أبريل/نيسان 2024، اقتحم عدد من الرجال الملثمين مسرحا في ستوكهولم كان يستضيف فعالية مناهضة للفاشية، وأطلقوا قنابل دخان أدت إلى إصابة عدد من الحاضرين.
اليابان
ظهرت حركة "أنتيفا" في اليابان عام 2013، وروجت للانتخابات الرئاسية للحزب الديمقراطي، وشاركت في مظاهرات الحزب الشيوعي الياباني والحزب الديمقراطي الدستوري الياباني ضد الحكومة.
وفي عام 2020، كثفت الحركة أنشطتها وشاركت في احتجاجات عدة، أبرزها رفض إجراءات مواجهة فيروس كورونا ورفض مراجعة قانون مكتب المدعي العام.
وفي العام نفسه، نظمت احتجاجات تحت شعار "حياة السود مهمة" في العاصمة طوكيو، تضامنا مع الاحتجاجات التي شهدتها الولايات المتحدة ضد مقتل الأميركي من أصل أفريقي جورج فلويد على يد الشرطة في مدينة مينيابوليس.
وتنظم "أنتيفا" في اليابان العديد من الفعاليات بين الفينة والأخرى ضد تنامي صعود أحزاب أقصى اليمين.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات الحرب العالمیة الثانیة نوفمبر تشرین الثانی فی الولایات المتحدة ینایر کانون الثانی المملکة المتحدة ألمانیا الغربیة النازیین الجدد الأول من القرن الحزب الشیوعی من القرن الـ21 سبتمبر أیلول لأقصى الیمین ضد العنصریة مما أدى إلى القرن الـ20 العام نفسه فی ألمانیا ضد الفاشیة ما أدى إلى على خلفیة العدید من وفی عام تحت اسم فضلا عن رد فعل فی دول فی عام عام 1992
إقرأ أيضاً:
ميرتس يحدد معالم معركته الانتخابية: حزب البديل الخصم الرئيسي ولا تعاون مع اليمين المتطرف
من المقرر إجراء خمس انتخابات محلية في ألمانيا خلال العام المقبل، بينها اثنتان في شرق البلاد: في ساكسونيا أنهالت وميكلنبورغ فوربومرن. وتُظهر استطلاعات الرأي الحالية أن حزب البديل من أجل ألمانيا قد يحتل المركز الأول في هاتين الولايتين. اعلان
أعلن المستشار الألماني فريدريش ميرتس، الاثنين، أن حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) يمثل "الخصم الرئيسي" في الانتخابات المحلية الخمس المقررة العام المقبل، مُجدّداً رفضه لأي تعاون مع اليمين المتطرف، واصفاً إياه بأنه يهدد أسس الديمقراطية الألمانية.
وجاء ذلك في مؤتمر صحافي عقده في برلين عقب اجتماع داخلي استمر يومين لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU)، اتهم ميرتس حزب البديل من أجل ألمانيا بأنه "يريد علناً تدمير الاتحاد الديمقراطي المسيحي"، مضيفاً: "إنه يريد بلداً مختلفاً".
وأكد ميرتس أن الخلاف مع الحزب اليميني لا يقتصر على "التفاصيل"، بل يمتد إلى "القضايا الأساسية والقناعات السياسية الجوهرية"، مشيراً إلى أن البديل من أجل ألمانيا، المناهض للهجرة والمنتقد للاتحاد الأوروبي والمؤيد لروسيا، يتحدى "القرارات الأساسية" التي قامت عليها الجمهورية الألمانية الديمقراطية منذ نشأتها عام 1949.
Related انتخابات ألمانيا: كيف تفاعل مرشحو المستشارية مع نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة؟الاتحاد الديمقراطي المسيحي في الصدارة ولكن.. 4 دروس أفرزتها انتخابات ألمانياانتخابات ألمانيا: اليمين المحافظ في المركز الأول وهزيمة تاريخية للحزب الاشتراكي بزعامة أولاف شولتز رفض قاطع لأي تعاون مع اليمين المتطرفوجدد ميرتس رفضه القاطع للدعوات التي أطلقها بعض أعضاء حزبه والحزب الشقيق في بافاريا، حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي (CSU)، الأسبوع الماضي، والتي دعت إلى إعادة النظر في استراتيجية "الطوق الأمني" التي اعتمدها الحزبان في مؤتمر عام 2018 لعزل البديل من أجل ألمانيا سياسياً.
وأوضح ميرتس: "سنتمايز بوضوح تام ومن دون أي لبس"، مضيفاً أن "اليد التي لا يكف حزب البديل من أجل ألمانيا عن مدّها إلينا يُراد منها في الواقع تدميرنا"، في إشارة إلى محاولات الحزب اليميني المتطرف بناء جسور تواصل مع المحافظين.
انتخابات محلية حاسمة في الشرق والغربومن المقرر إجراء خمس انتخابات محلية في ألمانيا خلال العام المقبل، بينها اثنتان في شرق البلاد: في ساكسونيا أنهالت وميكلنبورغ فوربومرن. وتُظهر استطلاعات الرأي الحالية أن حزب البديل من أجل ألمانيا قد يحتل المركز الأول في هاتين الولايتين.
وفي غرب ألمانيا، يكتسب الحزب أرضية متزايدة، وقد يحقق نتائج قوية في ولايات بادن فورتمبيرغ وراينلاند بالاتينات وبرلين، حيث يُتوقع أن ينافس على المركز الثاني أو الثالث خلف الاتحاد الديمقراطي المسيحي، في سباق حاد مع الحزب الديمقراطي الاجتماعي (SPD) وحزب الخضر.
فيما لم يصدر عن حزب البديل من أجل ألمانيا أي تعليق على تصريحات ميرتس حتى لحظة إعداد هذا الخبر.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة