لماذا يكره ترامب شعار «لا ملوك بعد اليوم»؟
تاريخ النشر: 22nd, October 2025 GMT
ترجمة: بدر بن خميس الظفري
يوم السبت الماضي خرج ما بين خمسة إلى سبعة ملايين شخص إلى الشوارع والساحات في مختلف أنحاء الولايات المتحدة من الولايات « الحمراء» (الداعمة للجمهوريين) إلى «الزرقاء» (الداعمة للديمقراطيين) في مظاهرات حاشدة ضد الرئيس دونالد ترامب وإدارته في حدث وُصف بأنه ربما أكبر تظاهرة جماهيرية في تاريخ البلاد ليوم واحد.
ورغم أن واجب الرئيس أن يمثل جميع مواطني بلاده فإن ما قاله ترامب عن هذا اليوم كان كاشفًا لطبيعة رؤيته؛ فخلال حديثه للصحفيين على متن طائرته إير فورس وان قال: إنها مهزلة.
نظرت إلى الناس، ولم أرَ فيهم تمثيلًا لهذا البلد. ورأيت لافتات جديدة تمامًا يبدو أنها مموّلة من سوروس (الملياردير الأمريكي ذي الميول الليبرالية الذي يدعم منظمات المجتمع المدني)، وأتباع اليسار الراديكالي المجانين. نحن نتحقق من الأمر. المظاهرات كانت صغيرة، والناس مختلون.
وفي اليوم نفسه نشر الرئيس على منصة «تروث سوشيال» مقطع فيديو أنتجه الذكاء الاصطناعي يُظهره وهو يقود طائرة حربية ويقصف المتظاهرين بسيول من القاذورات مرتديًا تاجًا على رأسه. هذه ليست مبالغة، بل حدث بالفعل.
أما ما لم يكن صحيحًا فهو رواية الرئيس عن المظاهرات؛ إذ أكدت جميع التقارير أن المحتجين كانوا يمثلون أطيافًا واسعة من المجتمع الأمريكي، وأن تحركاتهم كانت سلمية ومنظمة.
ومن المفيد مقارنة ردّ ترامب هذا بما قاله الرئيس السابق باراك أوباما حين واجه احتجاجات «حزب الشاي» الصغيرة نسبيًا في فترته الأولى. فقد صرّح أوباما عام 2010 قائلًا: «أعتقد أن في أمريكا تقليدًا نبيلًا من الشك البنّاء في السلطة، وهذا أمر جيد.
وهناك أيضًا تقليد نبيل في الحزبين الجمهوري والديمقراطي يقوم على أن الحكومة يجب أن تعيش في حدود إمكاناتها وألا تُثقل كاهل الأجيال القادمة بالديون»، ثم دعا المتظاهرين إلى تحديد مطالبهم بوضوح حتى يمكن العمل على أرضية مشتركة.
قد يظن البعض أن الفارق بين الرجلين مجرد اختلاف في الطباع، لكن المسألة أعمق من ذلك. فحتى الرئيس ريتشارد نيكسون -المعروف بحقده العميق على معارضيه- التقى طلابًا من المحتجين على حرب فيتنام عند نصب لنكولن التذكاري، محاولًا فهم وجهة نظرهم بوصفهم مواطنين لا خصومًا.
أما ترامب فلا يرى نفسه رئيسًا لكل الأمريكيين، بل لقومه وحدهم، أولئك الذين يسكنون ما يسميه «أمريكا ماجا» والمحددة بألوان خريطة الانتخابات الرئاسية لعام 2024. ليست القضية أنه يهتم بمصالح مؤيديه فحسب، بل إنه يُضمر كراهية صريحة لمن يعارضونه.
وقد قال في مناسبة رسمية لتأبين الناشط المحافظ تشارلي كيرك الشهر الماضي: «أنا أكره خصمي ولا أريد له الخير» ما يريده ترامب هو السيطرة، لا الحوار. ولأجل ذلك حوّل الأجهزة الأكثر قسوة في الدولة إلى أدوات لتركيع معارضيه، أو «أعدائه» كما يراهم، وإجبارهم على الخضوع لإرادته. ولهذا خرج الملايين يهتفون تحت شعار «لا ملوك بعد اليوم» رافضين نزعاته السلطوية وأحلامه الملكية.
تحت هذا الشعار اجتمع واحد من كل خمسين أمريكيًا ليعلن رفضه لأساليب الحكم الاستبدادية التي يتبعها الرئيس. ومع أن مؤيدي ترامب يتجاهلون اتهامات السعي وراء سلطة مطلقة، ويتذرعون بمقولة «هوس معاداة ترامب»؛ فإن الوقائع وحدها كافية لإثبات العكس.
فقد أنشأ أجهزة جديدة لملاحقة خصومه، وأبقى جيوشًا في المدن من دون موافقة الكونجرس، وجعل المؤسسة العسكرية فوق المدنية، وقطع طرق التجارة، وفرض الضرائب دون استشارة المشرعين، بل صرف أموال الدولة من دون تفويض برلماني لدفع رواتب الجنود أثناء الإغلاق الحكومي في مشهد يعيد إلى الأذهان ممارسات الملوك المستبدين في أوروبا القديمة.
كل ذلك في سبيل إعادة تشكيل نظام الحكم الأمريكي على صورته هو؛ ليصبح سلطة فردية مطلقة. لقد أدرك معارضوه أنه يسعى إلى قوة تمكنه من سحقهم، ولم يُخفِ هو رغبته في تحويل مؤسسات الدولة ضد الولايات التي تميل إلى الديمقراطيين، ومعاقبة مواطنيها؛ لأنهم لا يصوتون له. ففي حديثه أمام قيادات الجيش مؤخرًا قال: «نحن نواجه غزوًا من الداخل لا يختلف عن الغزو الأجنبي.
إنها حرب داخلية»؛ ولهذا استخدم الحرس الوطني لاحتلال المدن، واستبدل القانون المدني بالأوامر العسكرية، وسخّر أجهزة الأمن الفيدرالية لملاحقة خصومه السياسيين والجامعات والمنظمات التي يصفها بالليبرالية، كما جمّد أموالًا مخصصة للولايات ذات الأغلبية الديمقراطية، وهدد بقطع التمويل عن مدن مثل نيويورك.
وقال في أحد اجتماعات الحكومة: «نحن نقطع فقط برامج الديمقراطيين. أكره أن أقول ذلك، لكنها الحقيقة. سنوقف برامجهم الشهيرة التي لا تروق للجمهوريين». والمفارقة أن هذا الإصرار على معنياقبة الديمقراطيين أضرّ بملايين من أنصاره المقيمين في ولايات كبرى مثل نيويورك وإلينوي وكاليفورنيا غير مدرك أن في مقاطعة لوس أنجلوس وحدها من صوّتوا له أكثر مما في ولاية أوكلاهوما كلها.
ففي نهاية المطاف لا يمكن حكم دولة على أساس «فريقي ضد فريقكم». فالولايات المتحدة لا تنقسم حقًا إلى مجتمعين منفصلين مهما أظهرت الخرائط الانتخابية. فالشعب الأمريكي رغم انقسامه السياسي يعيش في وطن واحد ينهض أو يسقط معًا. ومن ثم فإن سياسة الانتقام التي ينتهجها ترامب تلحق الضرر بالجميع حتى بمن يصفقون له من أنصاره.
وقد كان الهدف المباشر لمظاهرات «لا ملوك بعد اليوم» هو تذكير الرأي العام والنخب السياسية والاقتصادية بأن ما قيل عن «تحول المزاج العام» بعد انتخابات 2024 ليس إلا وهمًا، وأن ترامب، الذي يصوّره البعض رمزًا «للأمريكي الأصيل» ليس سوى سياسي عادي فاقد للشعبية.
لكن قوة الاحتجاج الجماهيري تكمن في أنه وإن كان منظمًا يظل غير متوقع في أثره؛ فلا أحد يعلم من تأثر به أو استلهمه أو تغيّر بسببه.
باستعادتها لرموز الثورة الأمريكية وشعاراتها؛ أعادت هذه المظاهرات تذكير الأمريكيين بأنهم شركاء في مشروع الحكم الذاتي، وأنه لا وجود لانتخابات تمنح أي رئيس سلطة انتزاع هذا الحق منهم. يحتاج ترامب إلى الانقسام ليغذي طموحاته الاستبدادية، ويحقق حلمه الملكي؛ ولذلك يعمل على تمزيق البلاد من الداخل. غير أن تصاعد موجة الرفض الشعبي قد يكون الدليل الأقوى على أن الأمريكيين بدأوا يدركون قوتهم حين يتوحدون في وجه الاستبداد.
جمال بويي كاتب عمود في صحيفة «نيويورك تايمز»، ومراسل سياسي سابق لمجلة «سلايت».
الترجمة عن صحيفة ذا نيويورك تايمز
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
لا ملوك.. حراك أميركي لمناهضة الطغيان والاستبداد
"لا ملوك" هو شعار حركة احتجاجية سلمية في الولايات المتحدة الأميركية تستمد روحها من أسس النظام الجمهوري، الذي بنيت عليه البلاد منذ استقلاها عام 1776 عن الاستعمار البريطاني. وتتلخص رسالة الحركة في معارضة ما ترى أنها "سياسات استبدادية" لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وتقول إنه ليس ملكا وليس فوق القانون، وتدعو للتصدي إلى قراراته "ذات النزعة الفردانية" في إدارة شؤون البلاد.
وُلدت الحركة في الشوارع واستقطبت ملايين المتظاهرين الذين رفعوا اللافتات ورددوا الشعارات والهتافات في كل أنحاء الولايات المتحدة، للتأكيد على وحدة صفوف أبناء البلد "لمحاربة الدكتاتورية".
تؤكد الحركة في موقعها على الإنترنت أن "لا ملوك" ليس مجرد شعار، ولكنه الأساس الذي بنيت عليه أميركا وهي "ليست ملكا للملوك، ولا للطغاة ولا للمستبدين. إنها ملكنا نحن الشعب، الشعب الذي يهتم ويشارك ويناضل من أجل الكرامة وحياة كريمة وفرصة حقيقية. لا عروش، لا تيجان، لا ملوك".
تقول حركة "لا ملوك" إن الهدف من التظاهر في الشوارع هو التنديد والتصدي لما تسميه "تجاوزات ترامب الاستبدادية المتزايدة وفساده"، وقالت إن تلك التجاوزات تتجسد في أمور عدة بينها تكثيف عمليات ترحيل المهاجرين دون مراعاة الأصول القانونية.
وتسعى الحركة لمواجهة قرارات الرئيس ترامب الرامية -كما تقول- لتقليص الرعاية الصحية لذوي الدخل المحدود، والتلاعب بالخرائط الانتخابية لتقوية حظوظ المرشحين في الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة، واهتمام إدارته بمصالح الأثرياء على حساب بقية المواطنين.
وترفض الحركة -التي تقول إنها مؤيدة للديمقراطية وللطبقة العاملة- "سياسات الرجل القوي" التي ينتهجها ترامب، وتتعهد بالنضال من أجل "تمكين المواطنين من التمثيل الذي يستحقونه".
وتعارض الحركة توجهات وسياسات إدارة ترامب في عهدته (2024-2028) وعلى رأسها استخدم أموال دافعي الضرائب للاستيلاء على السلطة، وإرسال قوات فدرالية للسيطرة على المدن الأميركية، والسعي إلى ولاية رئاسية ثالثة و"التصرف وكأنه ملك" وتحدي القضاء.
وتدعو الحركة الأميركيين للتظاهر تعبيرا عن رفضهم وغضبهم إزاء استهداف الحقوق المدنية وحرية التعبير، وارتفاع تكلفة العيش، وتدمير الخدمات الأساسية.
إعلانوتلخص الحركة هدفها العام في "بناء رفض وطني شامل وواضح وسلمي لهذه الأزمة"، وإظهار أن غالبية المواطنين يتحركون لوقف سياسات ترامب.
يقود مظاهرات "لا ملوك" ائتلاف من جماعات أهلية وعمالية وهيئات وتنظيمات نقابية وحقوقية ذات ميول يسارية، وانضمت إليها، وفق موقع الحركة، أكثر من 200 منظمة شريكة في الاحتجاجات.
ومن أهم الهيئات المؤطرة لحركة "لا ملوك"، منظمة "إنديفيسبل" وهي حركة تقدمية لها فروع في جميع أنحاء أميركا، وكذا الاتحاد الأميركي للحريات المدنية وجماعة "بابلِك سيتيزنز" المدافعة عن حقوق الإنسان.
ويضمّ الائتلاف أيضا تنظيمات نقابية، منها الاتحاد الأميركي للمعلمين والاتحاد الدولي لعمال الخدمات، إضافة إلى حركة الاحتجاج الجديدة "50501"، التي انطلقت في وقت سابق من عام 2025 داعية للاحتجاج في جميع الولايات الخمسين.
ومن بين الشركاء الآخرين في الحراك تنظيمات تعنى بحقوق الإنسان والبيئة وقضايا مجتمعية أخرى.
الشعار البصري (اللوغو)يصوّر شعار "لا ملوك" تاجا ذهبي اللون وأحيانا برتقاليا، فوقه علامة "إكس" حمراء، تشير بصريا إلى شطب التاج وترمز إلى رفض "الحكم الملكي الاستبدادي".
ويجسد ذلك التصميم روح الحركة الاحتجاجية المناهضة للحكم الفردي والمعارضة للنزعة الاستبدادية داخل الحكومة الأميركية، وتدعو في المقابل إلى الديمقراطية.
يطلب منظمو مظاهرات "لا ملوك" من المشاركين أن يرتدوا اللون الأصفر للإشارة إلى وحدة الصف والرؤية بطريقة بصرية لافتة، وللانسجام مع الحركات الأخرى المؤيدة للديمقراطية خارج الولايات المتحدة، وتحديدا في أوكرانيا وهونغ كونغ وكوريا الجنوبية.
ويصف المنظمون اللون الأصفر بأنه "رمزنا المشترك"، وبأنه "مشرق وجريء ولا يمكن تجاهله، وهو تذكير بأن قوة أميركا هي مِلك لشعبنا، لا للملوك".
مظاهرات يونيو/حزيرانحشدت الحركة أول مظاهرة لها في 14 يونيو/حزيران 2025، وذلك تزامنا مع عيد ميلاد الرئيس ترامب، الذي شارك في اليوم ذاته في استعراض عسكري بالعاصمة واشنطن.
وفي ذلك اليوم نزل أكثر من 4 ملايين شخص إلى الشوارع وأعلنوا بصوت واحد: "أميركا بلا ملوك"، وطغى صدى تلك المظاهرات على الموكب العسكري للرئيس الذي رفعت أمامه شعارات مناهضة لمساعيه نحو التفرد بالسلطة على الطريقة الملكية.
مظاهرات أكتوبر/تشرين الأولوفي 18 أكتوبر/تشرين الأول 2025، شارك أكثر من 7 ملايين أميركي في أكثر من 2700 فعالية في جميع ولايات البلاد الخمسين، في مظاهرات حاشدة تحت شعار "لا ملوك"، وتحولت إلى حراك وطني متواصل للاحتجاج على الاستبداد وللدفاع عن الديمقراطية.
وانتشرت في تلك الاحتجاجات صور للرئيس ترامب في هيئة ديكتاتور أو زعيم استبدادي يرتدي تاجا، في تعبير واضح عن رفضهم أن يتحول حكمه إلى حكم ملكي مطلق، أو دكتاتوري يفرض سلطته على الشعب الأميركي.
ويختار المنظمون أسلوب التظاهر بشكل موزع ومتناسق في المكان والزمان، بحيث يحتجون في مدنهم وبلداتهم المحلية بدلا من السفر إلى المراكز الحضرية الكبرى، وذلك وفق توقيت كل منطقة لإظهار أن السخط على ترامب موجود في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
إعلان مشروع قانونوقبل أن يتحول شعار "لا ملوك" إلى حراك واسع عام 2025، كان العشرات من أعضاء الكونغرس الديمقراطيين قدموا في الأول من أغسطس/آب 2024 مشروع قانون يحمل الاسم نفسه، يهدف إلى إعادة تأكيد السلطة الدستورية للكونغرس لتحديد مدى التطبيق العام للقوانين الجنائية للولايات المتحدة، ولأغراض أخرى.
ولا يزال "مشروع قانون لا ملوك" قيد التداول والنقاش في المؤسسة التشريعية وجاء في أول بنوده أنه "لا أحد، بما في ذلك أي رئيس، فوق القانون" وأن "للكونغرس.. سلطة تحديد الأشخاص الذين تنطبق عليهم القوانين الجنائية للولايات المتحدة، بمن فيهم أي رئيس".
وجدد مشروع القانون التأكيد على أن "دستور الولايات المتحدة لا يمنح أي رئيس أي شكل من أشكال الحصانة (سواء كانت مطلقة أو افتراضية أو غير ذلك) من الملاحقة الجنائية، ويشمل ذلك الأفعال المرتكبة أثناء خدمته رئيسا".
موقف الجمهوريينردا على مظاهرات 18 أكتوبر/تشرين الأول 2025، شن مسؤولون جمهوريون هجوما على حركة "لا ملوك" ووصفوها بأنها "معادية لأميركا"، في حين نفى الرئيس ترامب أن يكون ملكا.
وقال "أنا لست ملكا، أنا أعمل بجد لاستعادة مجد بلادنا، هذا كل ما في الأمر، أنا لست ملكا على الإطلاق.. أنا أواجه صعوبات جمة قبل أن تتم الموافقة على قراراتي".
وقلل ترامب من شأن تلك المظاهرات وقال "إنها سخيفة"، وإن عدد المشاركين فيها قليل ولا يمثلون الشعب الأميركي، ولمّح إلى أن هناك أطرافا تمولها على رأسها الملياردير جورج سوروس.
وسخر ترامب من المحتجين عبر نشر فيديو تم توليده بتقنيات الذكاء الاصطناعي، يصوّره مرتديا تاجا، ويقود طائرة مقاتلة تحمل عبارة "الملك ترامب".