قيادي جنوبي يفضح العليمي وبن بريك ويكشف عن جرعة سعرية جديدة غير معلنة بـ عدن
تاريخ النشر: 25th, October 2025 GMT
الجديد برس| خاص| تصاعدت، السبت، الانتقادات في أوساط النخب الجنوبية لما يجري في مناطق سيطرة التحالف جنوبي اليمن، عقب تسجيل جرعة سعرية جديدة وارتفاع الأسعار رغم إعلان حكومة عدن تثبيت سعر الصرف. وسلّط عدد من القيادات الجنوبية الضوء على عمليات النهب المنظم التي تمارسها الفصائل الموالية للتحالف، وأبرزهم هاني علي سالم البيض، نجل الرئيس الجنوبي الأسبق، الذي نشر مقطع فيديو يُظهر سائق شاحنة نقل ثقيل يعرض سندات قبض مالية من نقاط تفتيش متعددة تديرها تلك الفصائل على طول الخطوط في المحافظات الجنوبية.
المصدر: الجديد برس
كلمات دلالية: الجبايات انهيار اقتصادي جرعة سعرية حكومة عدن عدن هاني البيض
إقرأ أيضاً:
من سرق البيض؟!
الطليعة الشحرية
يبدو أنَّ بيضًا كثيرًا فقس هذا العام، لكن ليس في المزارع وحدها؛ بل في أذهاننا الإدارية أيضًا، حين كشف جهاز الرقابة الإدارية والمالية للدولة عن توزيع مزارع دواجن حديثة لـ26 ألف كرتون بيض مجاني بقيمة 415 ألف ريال دون آلية منظّمة، قد يضحك البعض ساخرين: إنه مجرد بيض!
لكن الحقيقة أنَّ المسألة لم تكن عن البيض؛ بل عن الفلسفة التي يُدار بها المال العام فـ"بيضة اليوم" ليست سوى مثال رمزي على خللٍ مزمن في إدراك مفهوم الأمانة والملكية العامة. عندما يُوزّع المورد بلا نظام، تُكسر أولى قواعد الدولة الرشيدة أن المال العام ليس بيضة يُقشّرها من شاء، بل أمانة في عشّ الوطن كلّه. وهكذا، من تحت قشرة بيضةٍ واحدة، خرجت أسئلة كبرى؛ كيف نُدير مواردنا؟ ولمن نمنحها؟ وبأيِّ فلسفة نحميها من العشوائية والهوى؟
إدارة المورد العام ليست مسألة محاسبية أو إجرائية فحسب، بل هي قضية فلسفية عميقة تمسّ معنى الدولة ووظيفتها الأخلاقية في خدمة المجتمع. فالمال العام ليس مجرد "إيرادات ونفقات"، بل مرآة لعلاقة السلطة بالمواطن، ومعيار لمدى نضج الوعي الوطني والضمير المؤسسي. وفي زمن تتسارع فيه مشروعات التنمية وتتعاظم متطلبات الشفافية، تصبح فلسفة إدارة المورد العام هي العقد الأخلاقي والاقتصادي الذي يربط الدولة بمجتمعها.
المورد العام أمانة لا ملكية الفلسفة الصحيحة تبدأ من مبدأ بسيط لكنه جوهري: "الدولة لا تملك المورد العام، بل تديره نيابة عن الشعب". هذه الرؤية تحوّل الحكومة من مالك إلى وكيل أمين، وتجعل كل مسؤول خاضعًا لمبدأ الولاية لا التصرّف. في الفكر الإداري الإسلامي، المال العام هو "مال الله في أيدي عباده"، وفي الفلسفة المدنية الحديثة، هو “رأسمال الأمة المشترك”. هذا المبدأ يقطع الطريق على النزعات الشخصية أو السياسية في استخدام المال، ويجعل كل قرار مالي خاضعًا لمعيار، هل يخدم المصلحة العامة؟، هل يرضي جهة أو فردًا أو جماعة ضغط.
العدالة في التوزيع لا المساواة الشكلية إدارة المورد العام ليست توزيعًا حسابيًا متساويًا، بل تحقيقًا للعدالة الاجتماعية والاقتصادية. العدالة تعني أن تُوجَّه الموارد إلى من يحتاجها، وأن يُكافأ من يستحقها، وأن تُدار الثروة الوطنية بطريقة تقلّص الفوارق وتمنع الاحتكار لا أن تعمّقها. ولذلك فإن أي انحراف - كمنح امتيازات لمجموعة محددة أو توزيع دعم دون معايير - هو خلل فلسفي قبل أن يكون مخالفة مالية. فالمال العام يُفترض أن يوحّد المجتمع، لا أن يقسّمه إلى طبقات مستفيدة وأخرى مهمّشة.
وإذا اتفقنا على أنَّ الكفاءة والاستدامة هدفان لا ينفصلان فإن الفلسفة الرشيدة ترى في المورد العام أداة استثمار لا مجرد أداة إنفاق. كل ريال يُصرف يجب أن يُحقق أعلى عائد اجتماعي واقتصادي ممكن، ويُوجَّه لما يرفع جودة الحياة ويقوّي الاقتصاد الوطني. والكفاءة هنا لا تعني التوفير فقط؛ بل القدرة على تحويل المال إلى قيمة مستدامة. فالمشروع الذي يستهلك موارد ضخمة دون أثر دائم، هو إخلال بمعنى الكفاءة مثلما هو إخلال بالأمانة. لذلك، السؤال الأهم في كل قرار مالي يجب أن يكون؛ هل هذا الإنفاق يُضيف قيمة حقيقية للمجتمع؟ أم أنه مجرّد تكرار لخطط شكلية تُنفق ولا تُنتج؟
الشفافية والمساءلة هما روح المورد العام فلا نزاهة بلا شفافية، ولا شفافية بلا مساءلة. المال العام يحتاج إضاءة دائمة، لأن الفساد لا يعيش إلّا في الظلام. الشفافية لا تقتصر على نشر أرقام الموازنات؛ بل تعني أن يعرف المواطن كيف تُدار ثرواته، ولمن تُوجَّه، وماذا تحقق. وتقوم فلسفة الشفافية على مبدأ المشاركة؛ "المواطن شريك في الرقابة لا متفرج على الإنفاق".
لهذا فإنَّ نشر تقارير الأجهزة الرقابية- كما فعل جهاز الرقابة الإدارية والمالية في تقرير 2024- ليس ترفًا إعلاميًا؛ بل حق مدنيّ وواجب وطني يعيد للمجتمع سلطته الأخلاقية على المال العام. الضمير المؤسسي والرقابة الذاتية حتى أكمل الأنظمة القانونية لا تكفي إن غاب الضمير المؤسسي.
القانون يضبط السلوك، لكن الضمير يحرس النية. إدارة المورد العام تتطلب ثقافة مؤسسية تُقدّس المال العام وتتعامل معه باعتباره رمزًا للوطن، لا رصيدًا للمؤسسة. وهنا تتجلّى الحكمة في المقولة المنسوبة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لو أن شاةً ضاعت بشطّ الفرات، لخشيت أن يسألني الله عنها." فهي ليست مبالغة دينية؛ بل فلسفة إدارية خالدة تقول: "كل مورد عام مسؤولية شخصية أمام الله والمجتمع".
من الفساد الكبير إلى الفساد الصغير الخلل في إدارة المورد العام لا يبدأ من العقود المليونية؛ بل من التساهل في التفاصيل الصغيرة مثل هدية غير مبرّرة، مكافأة دون ضابط، صرف بلا آلية. كما في حالة "البيض المجاني" التي رصدها تقرير الرقابة؛ حيث يؤدي ضعف التنظيم إلى تشويه العدالة وتضخيم الأسعار حتى يتحمل المواطن عبء العشوائية. وهكذا يتحوّل الخطأ الإداري إلى خلل فلسفي في إدراك معنى المال العام.
نحو ضمير وطني للمورد العام الفلسفة الصحيحة لإدارة المورد العام يمكن تلخيصها في معادلة بسيطة "أمانة + عدالة + كفاءة + شفافية + ضمير = نزاهة مستدامة".
إن تطبيق معادلة النزاهة المستدامة على مستوى المسؤولين لا يتحقق بالشعارات أو الخطابات؛ بل من خلال تحويل هذه القيم إلى نظام إداري عملي يقيد السلطة بالمسؤولية، ويحوّل المنصب العام إلى ولايةٍ لا إلى امتياز.
تبدأ الأمانة حين يُدرِك المسؤول أن ما تحت يده أمانة لا ملكية، فيخضع ماله وسلوكه وأداؤه للمساءلة. ويتحقق ذلك من خلال إقرار الذمم المالية العلنية، وربط تولي المناصب بأداء القسم على حماية المال العام، وإدراج بند (الأمانة في إدارة المورد (ضمن تقييم الأداء القيادي. بهذه الخطوات تنتقل الأمانة من الوجدان الفردي إلى الالتزام المؤسسي.
أما العدالة فتتحقق حين تصدر القرارات وفق معايير موضوعية لا شخصية، وهذا يتطلب إنشاء لجان مراجعة مستقلة داخل كل جهة حكومية تراقب قرارات التعيين والترقية والمكافآت، واعتماد أنظمة إلكترونية للفرص المتكافئة تمنع المحاباة، وإلغاء التفويضات الفردية غير المنضبطة، بذلك تتراجع ثقافة “الشِلَلِيَّة” ويُعاد الاعتبار لمعيار الجدارة والكفاءة.
وتأتي الكفاءة لتربط المسؤول بالنتائج لا بالمظاهر؛ فيُقاس أداؤه بناءً على الأثر الحقيقي لقراراته في المجتمع والاقتصاد، لا على عدد الاجتماعات والتصريحات. ويتعزز ذلك بتطبيق مبدأ "العائد الاجتماعي" في المشروعات العامة، ونشر تقارير أداء ربع سنوية شفافة تُظهر الإنجاز الفعلي، وعندها يصبح المسؤول قائدًا للأثر، لا واجهة للمنصب.
ثم تأتي الشفافية لتكون صمام الأمان لكل المراحل السابقة؛ فهي تحول العمل العام من "غرفة مغلقة" إلى فضاء مفتوح أمام الرقابة والمجتمع. ويتحقق ذلك بنشر العقود الحكومية الأساسية وموازنات المشاريع إلكترونيًا، وتمكين الإعلام والأجهزة الرقابية من الوصول إلى البيانات غير السرية، وإنشاء مركز وطني للشفافية والمساءلة ينسق بين الجهات ويعزز حق المواطن في المعرفة، فحيثما وُجد الضوء، يختفي الفساد.
وأخيرًا.. لا تكتمل المعادلة إلا بـ"الضمير المؤسسي"، وهو الإيمان الداخلي بأن الوظيفة العامة رسالة أخلاقية قبل أن تكون سلطة تنفيذية لذلك يجب أن يخضع المسؤولون لدورات إلزامية في الأخلاق الإدارية، وأن تُكرّس ثقافة القدوة من الأعلى إلى الأدنى، وأن تُنشأ آليات آمنة للإبلاغ عن التجاوزات داخل المؤسسات دون خوف أو تمييز. فالقوانين تضبط السلوك، لكن الضمير هو من يحرس النية.
وهكذا، حين تتكامل الأمانة مع العدالة، وتتضافر الكفاءة مع الشفافية، ويتوّجها ضمير حيّ، تتكوّن بيئة نزاهة مستدامة يكون فيها المسؤول حارسًا للمورد العام لا مستهلكًا له، وشريكًا في بناء الثقة لا عبئًا على النظام. عندئذ فقط تصبح الحوكمة ثقافة يومية لا عقوبة لاحقة، وتصبح الدولة قادرة على الوقاية من الفساد قبل اكتشافه، فتتحول الإدارة العامة من سلطة إلى أمانة، ومن موقع نفوذ إلى خدمة للوطن والإنسان.
حين يُدار المورد العام بروح الأمانة والعدالة والشفافية، تتحول الإدارة إلى رسالة لا وظيفة، والإنفاق إلى استثمار لا هدر، والرقابة إلى شراكة لا مطاردة. فالمورد العام ليس مجرد أرقام في ميزانية، بل ضمير وطني حيّ يتجسّد في كل ريال يُصرف وكل قرار يُتخذ.
لكن ما حدث مع "البيض المسروق" يذكّرنا بأن بعض المسؤولين ما زالوا يظنون أن المال العام قنّ دجاج مفتوح يحق لكل من يمر أن يلتقط منه ما يشاء؛ فالخلل لم يكن في البيض ذاته، بل في الفكر الذي سوّغ بيعه أو منحه دون حساب. ولو أدرك هؤلاء أن كل بيضة خرجت من ذلك القنّ دون ضابط كانت تكسر ثقة الناس قبل أن تُكسر قشرتها لأيقنوا أن الفساد لا يبدأ من الملايين، بل من بيضةٍ صغيرةٍ وابتسامةٍ مُتواطئة.
إنَّ الدولة التي تُحسن إدارة مواردها لا تبني خزائن ممتلئة فقط؛ بل قلوباً ممتلئة بالثقة، وحين يصبح كل مسؤول أمينًا على الوطن قبل أن يكون موظفًا فيه، لن نحتاج إلى أجهزة رقابة تبحث عن البيض المفقود؛ لأن الضمير نفسه سيكون الحارس الذي يمنع السرقة قبل أن تقع، ويحافظ على العشّ قبل أن يفرغ من بيضه.
رابط مختصر