ما حكم القنوت في كل صلاة فجر؟.. الإفتاء تجيب
تاريخ النشر: 26th, October 2025 GMT
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: ما حكم القنوت في كل صلاة فجر؟
وأجابت الإفتاء عن السؤال قائلة: القنوت في فريضة الفجر وغيرها من الفرائض مشروع عند النوازل باتفاق العلماء؛ وذلك من نحو ما تمر به الأمة في هذه الأيام، أما مطلق القنوت فيها، فهو من الأمور الخلافية.
وبينت أن المختار للفتوى أنه سنة مستحبة في كل فجر وجدت نازلة أو لا، ومع ذلك فينبغي أن يترك الناس وما اعتادوا وألفوا، ما دام الأمر واسعًا، فـ"لا ينكر المختلف فيه، وإنما ينكر المجمع عليه"، ولا ينبغي أن تكون مثل هذه الفروع الخلافية بابًا لنشر الفتن والفرقة فيما بين المسلمين.
بيان معنى القنوت
وأوضحت ان القُنوتُ في اللغة يُطلق على معان متعددة منها: الطَّاعة، والسُّكوت، والقيام في الصَّلاة، والإِمساك عن الكلام، وأشهرها الدُّعاء؛ فقد جاء في "تهذيب اللغة" لأبي منصور الأزهري (9/ 65، ط. دار إحياء التراث العربي): [المشهور في اللغة أن القنوت الدعاء.. رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت شهرًا في صلاة الصبح بعد الركوع يدعو على رعل وذكوان] اهـ، ينظر "القاموس المحيط" للفيروزآبادي (ص: 158، ط. مؤسسة الرسالة).
أما القنوت في الاصطلاح: فهو اسم للدعاء في الصلاة، في محل مخصوص من القيام. يُنظر: "الفتوحات الربانية شرح الأذكار النووية" لابن علان الصديقي (2/ 286، ط. جمعية النشر والتأليف الأزهرية).
حكم القنوت في الصلاة عند حلول النوازل
اتفق العلماء على مشروعية القنوت في صلاة الفجر وغيرها من الصلوات عند حلول النوازل وحصول الشدائد، واستدلوا على ذلك بما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: "قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا حين قُتِلَ القُرّاء، فما رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حزِنَ حزنًا قط أشدَّ منه" أخرجه الإمام البخاري.
وأيضًا بما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "قَنَت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شهرًا متتابعًا في الظهر والعصر وَالمغرب والعشاء والصبح، في دبر كل صلاة؛ إذا قال: «سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَه» من الركعة الأخيرة، يدعو عليهم، على حَيٍّ من بني سُلَيم، على رِعْلٍ وذَكْوَان وعُصيَّة، ويؤمِّن مَنْ خلفه، أرسلَ إليهم يدعوهم إلى الإِسلام، فقتلوهم" أخرجه أبو داود، وأحمد، وابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم في "المستدرك" وقال: "هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه".
حكم القنوت في صلاة الفجر
القنوت في صلاة الصبح، اختلف فيه العلماء، والمختار للفتوى أنه سنةٌ نبويةٌ ماضية مندوبٌ إليها شرعًا، وبهذا قال أكثر السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء الأمصار، وهو مذهب المالكية والشافعية.
وخالفهم في ذلك نفر من أهل العلم ومنعوا من شرعية القنوت في الصبح، وزعم نفر منهم أنه كان مشروعًا ثم نُسِخ، وتمسكوا في ذلك بأحاديث توهم النسخ] اهـ.
وقال الشيخ الدردير المالكي في "الشرح الكبير" بحاشية الدسوقي (1/ 248، ط. دار الفكر): [(و) ندب (قنوت) أي دعاء (سرًّا بصبح) (فقط)] اهـ.
وقال العلامة الدسوقي محشِّيًا عليه: [قوله: (وندب قنوت) ما ذكره المصنف من كونه مستحبًّا هو المشهور، وقال سحنون: إنه سنة، وقال يحيى بن عمر: إنه غير مشروع، وقال ابن زياد: من تركه فسدت صلاته وهو يدل على وجوبه عنده. قوله: (أي دعاء) أشار بهذا إلى أن المراد بالقنوت هنا الدعاء؛ لأنه يطلق في اللغة على أمور منها الطاعة والعبادة] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "منهاج الطالبين" (ص: 27): [ويُسنُّ القنوت في اعتدال ثانية الصبح] اهـ.
وقد جاء هذا عن جمع من الصحابة؛ فقال به أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان وابن عباس والبراء بن عازب رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وقال به خلق من التابعين.
أخرج البيهقي عن العوام بن حمزة قال: سألت أبا عثمان عن القنوت في الصبح. قال: بعد الركوع. قلت: عمن؟ قال: عن أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم، وأخرج أيضًا: عن أبي رجاء قال: "صلى ابن عباس صلاة الصبح في هذا المسجد فقنت وقرأ هذه الآية: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]"، وأيضًا: عن عبيد بن البراء عن البراء: أنه قنت في الفجر.
والدليل على ذلك ما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا يدعو عليهم -أي: على قاتلي القراء- ثم ترك، فأمَّا في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا. أخرجه أحمد، وعبد الرزاق، ومن طريقه الدارقطني، والبيهقي، والحاكم في "الأربعين"، والحديث صحيح، وإسناده رجاله موثقون. يُنظر: "مجمع الزوائد" للهيثمي (2/ 139، ط. مكتبة القدسي، القاهرة)، و"المجموع" للنووي (3/ 504، ط. دار الفكر).
وأكدت بناء على ذلك وفي السؤال: القنوت في فريضة الفجر وغيرها من الفرائض مشروع عند النوازل باتفاق العلماء؛ وذلك من نحو ما تمر به الأمة في هذه الأيام، أما مطلق القنوت فيها، فهو من الأمور الخلافية، والمختار للفتوى أنه سنة مستحبة في كل فجر وجدت نازلة أو لا، ومع ذلك فينبغي أن يترك الناس وما اعتادوا وألفوا، ما دام الأمر واسعًا، فـ"لا ينكر المختلف فيه، وإنما ينكر المجمع عليه"، ولا ينبغي أن تكون مثل هذه الفروع الخلافية بابًا لنشر الفتن والفرقة فيما بين المسلمين.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: القنوت القنوت فى صلاة الفجر الإفتاء حكم القنوت في صلاة الفجر القنوت فی صلاة صلى الله علیه حکم القنوت فی صلاة الفجر رضی الله کل صلاة
إقرأ أيضاً:
ما حكم استعمال السبحة في ذكر الله ؟.. الإفتاء تجيب
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا مضمونه: ما حكم استعمال السبحة في الذكر؟
وأجابت دار الإفتاء عن السؤال قائلة: التسبيح بالسبحة جائزٌ، بل ومندوبٌ إليه شرعًا؛ لأنه وسيلةٌ إلى ذكر الله تعالى، والوسائل لها أحكام المقاصد؛ فوسيلة المندوب مندوبة، وقد أقره النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وورد عن الصحابة والتابعين من غير نكير، ولا عبرة بمن يدَّعي بِدْعِيَّتَهُ، ولا ينبغي الالتفات إلى هذه الأقوال التي لا سند لها من عقلٍ أو نقل.
مشروعية استخدام السبحة في الذكر
السبحة هي: الخرزات التي يَعُدّ بها المسبح تسبيحه وذِكرَه، والذكر بالسبحة وغيرها مما يُضْبَطُ به العَدُّ أمر مشروع أقره النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجرى عليه عمل السلف الصالح من غير نكير:
فعن صَفِيَّةَ بنت حيي رضي الله عنها قالت: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَبَيْنَ يَدَيَّ أَرْبَعَةُ آلَافِ نَوَاةٍ أُسَبِّحُ بِهَا، فَقُلْتُ: لَقَدْ سَبَّحْتُ بِهَذِهِ، فَقَالَ: «أَلَا أُعَلِّمُكِ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَبَّحْتِ بِهِ» فَقُلْتُ: بَلَى عَلِّمْنِي، فَقَالَ: «قُولِي: سُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ خَلْقِهِ» أخرجه الترمذي وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أنه دخل مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم عَلَى امْرَأَةٍ وَبَيْنَ يَدَيْهَا نَوًى أَوْ حَصًى تُسَبِّحُ بِهِ فَقَالَ: «أُخْبِرُكِ بِمَا هُوَ أَيْسَرُ عَلَيْكِ مِنْ هَذَا أَوْ أَفْضَلُ؟ قولي: سُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي السَّمَاءِ، وَسُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي الأَرْضِ، وَسُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ مَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَسُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ مَا هُوَ خَالِقٌ، وَاللهُ أَكْبَرُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ مِثْلَ ذَلِكَ» أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه، والنسائي وابن ماجه وصححه ابن حبان والحاكم.
وعن القاسم بن عبد الرحمن قال: "كانَ لأبي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه نَوًى مِنْ نَوَى الْعَجْوَةِ في كِيسٍ، فَكَانَ إِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ أَخْرَجَهُنَّ وَاحِدةً يُسَبِّحُ بِهِنَّ حَتَّى يَنْفَدْنَ". أخرجه الإمام أحمد في "الزهد".
وعَنْ أَبِى نَضْرَةَ الغفاري رضي الله عنه قال: حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ طُفَاوَةَ قَالَ: تَثَوَّيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ بِالْمَدِينَةِ، فَلَمْ أَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم أَشَدَّ تَشْمِيرًا وَلَا أَقْوَمَ عَلَى ضَيْفٍ مِنْهُ، فَبَيْنَمَا أَنَا عِنْدَهُ يَوْمًا وَهُوَ عَلَى سَرِيرٍ لَهُ وَمَعَهُ كِيسٌ فِيهِ حَصًى أَوْ نَوًى وَأَسْفَلُ مِنْهُ جَارِيَةٌ لَهُ سَوْدَاءُ وَهُوَ يُسَبِّحُ بِهَا، حَتَّى إِذَا أَنْفَدَ مَا فِي الْكِيسِ أَلْقَاهُ إِلَيْهَا، فَجَمَعَتْهُ فَأَعَادَتْهُ فِي الْكِيسِ، فَدَفَعَتْهُ إِلَيْهِ. أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه، والنسائي.
وعن نعيم بن المحرر بن أبي هريرة عن جده أبي هريرة رضي الله عنه: "أنه كان له خَيْطٌ فِيه أَلْفَا عُقْدَةٍ، فَلَا يَنَامُ حَتَّى يُسَبِّحَ بِهِ". أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في "زوائد الزهد"، وأبو نعيم في "الحلية".
وروي مثل ذلك عن سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وأبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وأبي صفية مولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والسيدة فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، وغيرهم من الصحابة والتابعين.
قال الحافظ السيوطي رحمه الله في رسالته "المنحة في السبحة" -كما في كتابه "الحاوي للفتاوي" (3/ 2-5، ط. دار الفكر)-: [فلو لم يكن في اتخاذ السبحة غير موافقة هؤلاء السادة، والدخول في سلكهم، والتماس بركتهم، لصارت بهذا الاعتبار من أهم الأمور وآكدها، فكيف بها وهي مُذَكِّرة بالله تعالى؛ لأن الإنسان قل أن يراها إلا ويذكر الله، وهذا من أعظم فوائدها، وبذلك كان يسميها بعض السلف رحمه الله تعالى، ومن فوائدها أيضا الاستعانة على دوام الذكر كلما رآها ذكر أنها آلة للذكر فقاده ذلك إلى الذكر فيا حبذا سبب موصل إلى دوام ذكر الله عز وجل.. ولم ينقل عن أحد من السلف ولا من الخلف المنع من جواز عد الذكر بالسبحة، بل كان أكثرهم يعدونه بها ولا يرون ذلك مكروها] اهـ.
وقد صنف في مشروعية الذكر بالسبحة جماعة من العلماء منهم:
الحافظ السيوطي في "المنحة في السبحة"، والشيخ محمد بن علان الصديقي في "إيقاد المصابيح لمشروعية اتخاذ المسابيح"، والعلامة أبو الحسنات اللكنوي في "نزهة الفكر في سبحة الذكر".
آراء المذاهب الفقهية في استعمال السبحة في الذكر
نصت المذاهب الفقهية الأربعة على مشروعية اتخاذ السبحة والذكر بها، بل واستحباب ذلك:
ففي المذهب الحنفي:
قال العلامة ابن نجيم الحنفي في "البحر الرائق شرح كنز الدقائق" (2/ 31، ط. دار الكتاب) في تقرير النبي صلى الله عليه وآله وسلم التسبيح بالحصا أو النوى: [فلم ينهها عن ذلك وإنما أرشدها إلى ما هو أيسر وأفضل ولو كان مكروها لبين لها ذلك ثم هذا الحديث ونحوه مما يشهد بأنه لا بأس باتخاذ السبحة المعروفة لإحصاء عدد الأذكار إذ لا تزيد السبحة على مضمون هذا الحديث إلا بضم النوى ونحوه في خيط ومثل هذا لا يظهر تأثيره في المنع فلا جرم إن نقل اتخاذها والعمل بها عن جماعة من الصوفية الأخيار وغيرهم اللهم إلا إذا ترتب عليها رياء وسمعة فلا كلام لنا فيه وهذا الحديث أيضًا يشهد لأفضلية هذا الذكر المخصوص على ذكر مجرد عن هذه الصيغة ولو تكرر يسيرًا] اهـ.
وقال العلامة ابن عابدين في حاشيته "رد المحتار" (1/ 651، ط. دار الفكر): [(قوله لا بأس باتخاذ المسبحة) بكسر الميم: آلة التسبيح، ودليل الجواز: ما رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم وقال: صحيح الإسناد، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه دخل مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم عَلَى امْرَأَةٍ وَبَيْنَ يَدَيْهَا نَوًى أَوْ حَصًى تُسَبِّحُ بِهِ فَقَالَ: «أُخْبِرُكِ بِمَا هُوَ أَيْسَرُ عَلَيْكِ مِنْ هَذَا أَوْ أَفْضَلُ؟ قولي: سُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي السَّمَاءِ، وَسُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي الأَرْضِ، وَسُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ مَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَسُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ مَا هُوَ خَالِقٌ، وَاللهُ أَكْبَرُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ مِثْلَ ذَلِكَ»، فلم ينهها النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك، وإنما أرشدها إلى ما هو أيسر وأفضل ولو كان مكروها لبين لها ذلك، ولا تزيد السبحة على مضمون هذا الحديث إلا بضم النوى في خيط، ومثل ذلك لا يظهر تأثيره في المنع، فلا جرم أن نقل اتخاذها والعمل بها عن جماعة من الصوفية الأخيار وغيرهم؛ اللهم إلا إذا ترتب عليه رياء وسمعة فلا كلام لنا فيه] اهـ.
قال الشيخ الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح" (4/ 1601، ط. دار الفكر): [(وَبَيْنَ يَدَيْهَا) الواو للحال (نَوًى) جمع نواة وهي عظم التمر (أو حَصًى) شك من الراوي (تُسَبِّحُ) أي: المرأة (بِهِ) أي: بما ذكر من النوى أو الحصى، وهذا أصل صحيح لتجويز السبحة بتقريره صلى الله عليه وآله وسلم فإنه في معناها؛ إذ لا فرق بين المنظومة والمنثورة فيما يُعَدُّ به، ولا يُعْتَدُّ بقول مَن عَدَّها بدعة، وقد قال المشايخ: إنها سوط الشيطان] اهـ.
وفي المذهب المالكي:
قال القاضي عياض المالكي في "الغنية" (1/ 180، ط. دار الغرب الإسلامي): [وأخبرنا -يعني: الحافظ علي بن المشرف الأنماطي- رحمه الله، فيما كتبه لنا قال: سمعت أبا إسحاق الحبال يقول: سمعت أبا الحسن ابن المرتفق الصوفي يقول: سمعت أبا عمرو ابن علوان وقد رأيت في يده سبحة فقلت: يا أستاذ مع عظيم إشارتك وسَنِيِّ عبارتك وأنت مع السبحة! فقال لي: كذا رأيت الجنيد بن محمد وفي يده سبحة فسألته عما سألتني عنه، فقال لي: كذا رأيت أستاذي بشر بن الحارث وفي يده سبحة، فسألته عما سألتني عنه، فقال لي: كذا رأيت عامر بن شعيب وفي يده سبحة، فسألته عما سألتني عنه، فقال لي: كذا رأيت أستاذي الحسن بن أبي الحسن البصري وفي يده سبحة فسألته عما سألتني عنه، فقال لي: يا بني هذا شيء كنا استعملناه في البدايات ما كنا بالذي نتركه في النهايات، أحب أن أذكر الله تعالى بقلبي ويدي ولساني] اهـ.
وفي المذهب الشافعي:
جاء في فتاوى الحافظ ابن الصلاح (01/ 400، ط. مكتبة العلوم والحكم، بيروت): [مسألة: هل يجوز للإنسان أن يسبح بسبحة خيطها حرير والخيط ثخين؟ فأجاب رضي الله عنه: لا يحرم ما ذكره في السبحة المذكورة والأولى إبداله بخيط آخر. والله أعلم] اهـ.
وجاء في "الفتاوى الفقهية الكبرى" للعلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي (1/ 152، ط. المكتبة الإسلامية): [(وسئل) رضي الله عنه: هل للسبحة أصل في السنة أو لا؟
(فأجاب) بقوله: نعم، وقد ألف في ذلك الحافظ السيوطي؛ فمن ذلك ما صح عن ابن عمر رضي الله عنهما: "رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعقد التسبيح بيده"، وما صح عن صفية رضي الله عنها: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين يدي أربعة آلاف نواة أسبح بهن، فقال: «مَا هَذَا يَا بِنْتَ حُيَيٍّ؟» قلت: أسبح بهن، قال: «قَدْ سَبَّحْت مُنْذُ قُمْت عَلَى رَأْسِك أَكْثَرَ مِنْ هَذَا»، قلت: علمني يا رسول الله قال: «قُولِي سُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ مِنْ شَيْءٍ». وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي: «عَلَيْكُنَّ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّقْدِيسِ، وَلَا تَغْفُلْنَ فَتَنْسَيْنَ التَّوْحِيدَ، وَاعْقِدْنَ بِالْأَنَامِلِ فَإِنَّهُنَّ مَسْئُولَاتٌ وَمُسْتَنْطَقَاتٌ».
وجاء التسبيح بالحصى والنوى والخيط المعقود فيه عقدٌ عن جماعة من الصحابة ومَن بعدهم، وأخرج الديلمي مرفوعًا: «نِعْمَ الْمُذَكِّرُ السُّبْحَةُ»] اهـ.
وقال العلامة محمد بن علان في "الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية" (1/ 285. ط، جمعية النشر والتأليف الأزهرية): [ولهذا اتخذ أهل العبادة وغيرهم السبح. وقال أهل العلم: ينبغي أن يكون عدد التسبيح باليمين. وفي "شرح المشكاة" لابن حجر: ويستفاد من الأمر بالعقد المذكور في الحديث ندب اتخاذ السبحة، وزعم أنها بدعة غير صحيح، إلَّا أن يحمل على تلك الكيفيات التي اخترعها بعض السفهاء مما يمحضها للزينة أو الرياء أو اللعب] اهـ.
وقال العلامة المناوي في "فيض القدير" في شرح «عَلَيْكُنَّ بِالتَّسْبِيحِ» (4/ 355، ط. المكتبة التجارية): [وهذا أصل في ندب السبحة المعروفة وكان ذلك معروفا بين الصحابة] اهـ.
وفي المذهب الحنبلي:
قال الحافظ ابن الجوزي الحنبلي: [إن السبحة مستحبة؛ لِمَا في حديث صفية رضي الله عنه أنها كانت تسبح بنوى أو حصى، وقد أقرها صلى الله عليه وآله وسلم على فعلها، والسبحة في معناها؛ إذ لا يختلف الغرض عن كونها منظومة أو منثورة] اهـ نقله عنه العلامة ابن علان في "الفتوحات الربانية" (1/ 285).
وأفرد العلامة أبو البركات ابن تيمية الحنبلي في "المنتقى" بابًا في مشروعية ذلك؛ فقال: (باب جواز عقد التسبيح باليد وعده بالنوى ونحوه)، ثم ذكر حديث بسرة وسعد وصفية رضي الله عنهم.
وقال الشيخ ابن تيمية الحنبلي في "مجموع الفتاوى" (22/ 506، ط. مجمع الملك فهد): [وَعَدُّ التسبيح بالأصابع سنة؛ كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم للنساء: «سَبِّحْنَ واعقدن بالأصابع فإنهن مسئولات مستنطقات». وأما عَدُّهُ بالنوى والحصى ونحو ذلك فحسن، وكان من الصحابة رضي الله عنهم من يفعل ذلك، وقد رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم المؤمنين تسبح بالحصى وأقرها على ذلك، وروي أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يسبح به] اهـ.
بناءً على ذلك: فالتسبيح بالسبحة جائزٌ، بل ومندوبٌ إليه شرعًا؛ لأنه وسيلةٌ إلى ذكر الله تعالى، والوسائل لها أحكام المقاصد؛ فوسيلة المندوب مندوبة، وقد أقره النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وورد عن الصحابة والتابعين من غير نكير، ولا عبرة بمن يدَّعي بِدْعِيَّتَهُ، ولا ينبغي الالتفات إلى هذه الأقوال التي لا سند لها من عقلٍ أو نقل.