د. علي عبدالحكيم الطحاوي يكتب: مصر والاتحاد الأوروبي من الدعم إلى الشراكة الاستراتيجية
تاريخ النشر: 27th, October 2025 GMT
القمة المصرية الأوروبية التي انعقدت في بروكسل في الثاني والعشرين من أكتوبر 2025 جاءت في هذا التوقيت لتؤكد أن الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبي دخلت مرحلة جديدة أكثر عمقًا ونضجًا وأنها لم تعد مجرد علاقات تعاون تقليدية بل أصبحت شراكة استراتيجية تقوم على الندية والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة .
فهذه القمة تمثل امتدادًا طبيعيًا لما بدأ في مارس 2024 حين تم إطلاق مسار الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين لكنها اليوم تترجم على أرض الواقع رؤية الرئيس عبدالفتاح السيسي في بناء علاقات دولية تقوم على المصالح المتبادلة لا المساعدات وعلى التعاون والشراكة لا التبعية .
وأرى أن انعقاد القمة في بروكسل بهذا الزخم السياسي والاقتصادي يعكس إدراك أوروبا المتزايد لمكانة مصر المحورية في المنطقة ودورها كركيزة أساسية للأمن والاستقرار في المتوسط وشريك لا يمكن تجاوزه في معادلات التنمية والطاقة والهجرة ومكافحة الإرهاب .
ولم يكن الإعلان الأوروبي عن دعم يتجاوز سبعة مليارات يورو لمصر مجرد خطوة مالية بل هو اعتراف صريح بصلابة الاقتصاد المصري ونجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تبنته الدولة خلال السنوات الأخيرة واعتراف بثقة أوروبا في قدرة مصر على تحقيق التنمية المستدامة رغم التحديات العالمية .
وفي رأيي ما ميز قمة بروكسل أنها لم تكن احتفالية أو بروتوكولية بل لقاء صريح وشفاف أعاد تعريف مفهوم الشراكة بين الشمال والجنوب فمصر اليوم لا تبحث عن دعم مؤقت بل عن شراكة وتعاون إنتاجي واستثماري حقيقي يخلق فرص عمل ويعزز التصنيع المحلي وينقل التكنولوجيا إلى الداخل المصري ويعزز الاقتصاد المصري .
وأرى خطوات الرئيس السيسي تقوم على تحويل التحديات إلى فرص اقتصادية والانتقال من مرحلة الدعم إلى مرحلة الشراكة المتكافئة التي تبني اقتصادًا قويًا ومستقلًا .
كما أرى أن انضمام مصر رسميًا إلى برنامج الاتحاد الأوروبي للبحث والابتكار العلمي "Horizon Europe" " افق أوروبا بالعربية " يعد إنجازًا علميًا واستراتيجيًا كبيرًا لأنه يعزز من استثمار الدولة في الإنسان المصري ويفتح آفاقًا جديدة أمام العلماء والباحثين المصريين للمشاركة في المشاريع البحثية العالمية .
وأرى هذا الانضمام في تقديري هو أحد أهم وجوه القوة الناعمة المصرية الجديدة التي تجعل من العلم والابتكار وسيلة لتعزيز الحضور المصري على الساحة الدولية وتجسيدًا عمليًا لفلسفة بناء الجمهورية الجديدة التي تضع المواطن المصري في قلب التنمية .
وأيضًا من خلال الإعلان الأوروبي عن شراكة تتجاوز 7 مليارات يورو اعترافًا واضحًا من أوروبا بإن الاقتصاد المصري يسير في طريق التنمية المستدامة .
أما البعد السياسي في القمة فقد برز بوضوح في إشادة القادة الأوروبيين بدور مصر المحوري في تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط ولا سيما في إدارة أزمة غزة بعد وقف الحرب إذ أثبتت مصر أنها صوت العقل والحكمة في ظل التحديات بالمنطقة والصراعات وأنها قادرة على الجمع بين حماية أمنها القومي ودورها كوسيط قوي يسعى إلى تحقيق السلام العادل والدائم .
كما أرى في كلمة الرئيس السيسي بشأن ليبيا أنها تؤكد ثبات الموقف المصري الداعم لوحدة الأراضي الليبية ورفض التدخلات الخارجية وهو ما يعكس دور مصر المسؤول في الحفاظ على أمن واستقرار جوارها الإقليمي .
وفي رأيي إن قمة الاتحاد الأوروبي ومصر لم تكن مجرد اجتماع سياسي بل لحظة تاريخية أكدت أن مصر أصبحت مركزًا استراتيجيًا بين أوروبا وأفريقيا والعالم العربي وأن الاتحاد الأوروبي بات يدرك أن استقرار المتوسط يبدأ من القاهرة .
لذلك ما تحقق من نتائج هو انتصار جديد للدبلوماسية المصرية وتجسيد لقيادة واعية استطاعت أن تحول مصر إلى قوة إقليمية فاعلة وشريك موثوق في الأمن والتنمية والسلام .
لذلك ما خرجت به هذه القمة ليس اتفاقيات على الورق بل هو بداية لمرحلة جديدة سيشعر المواطن المصري بثمارها قريبًا عبر فرص العمل والاستثمارات ونقل التكنولوجيا وهي خطوات تعزز الاقتصاد الوطني وترسخ مكانة مصر كدولة تبني مستقبلها بثقة واقتدار .
ومن هنا فإن قمة الاتحاد الأوروبي ومصر في بروكسل 2025 في رأيي لم تكن مجرد صفحة جديدة في العلاقات المصرية الأوروبية فقط ولكن إعلانًا عن عصر جديد من الشراكة الذكية التي تصنع مستقبلًا مشتركًا أكثر استقرارًا وازدهارًا للعالم من القاهرة إلى بروكسل .
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: القمة المصرية الأوروبية بروكسل مصر والاتحاد الأوروبي الاتحاد الأوروبی
إقرأ أيضاً:
مدير "القاهرة للدراسات": 4 مليارات يورو من الاتحاد الأوروبي تعكس ثقة في الاقتصاد المصري
أكد الدكتور عبد المنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجية والاقتصادية، أن الحزمة المالية البالغة 4 مليارات يورو التي سيتم ضخها في مصر هي خطوة مهمة وتعكس ثقة الاتحاد الأوروبي في الاقتصاد المصري وإمكانياته كأرض خصبة للاستثمار.
وشدد “السيد”، خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامي عمرو حافظ، ببرنامج “كل الكلام”، المذاع على قناة “الشمس”، على أهمية هذا المبلغ قائلاً: "فكرة أن يُضخ لمصر 4 مليارات يورو، هذا معناه أن هذه الجهات تعلم جيدًا أن سوقنا يسمح بأن تُرد هذه الأموال بالفوائد، لأن السوق المصري سوق كبير ويسمح بأن يضخ فيه مبلغ كهذا، فهو أرض خصبة للاستثمار"، مشيرًا إلى أن الاتفاقية تمثل بداية للتعاون الاقتصادي بين مصر والاتحاد الأوروبي.
وأوضح أن الاتفاقية تمثل شراكة استراتيجية شاملة بين مصر والاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 دولة، وهي شراكة لم تحدث من قبل بهذا الشكل بين دولة واحدة ومجموعة دول، متابعًا: "دائماً نسمع عن مؤتمرات وعلاقات بين القارة الأفريقية والاتحاد الأوروبي، أو آسيا والاتحاد الأوروبي، ولكن بين دولة وبين مجموعة دول، هذا لم يحدث من قبل".
ولفت إلى أن الشراكة التي تم توقيعها في مارس 2024 تتضمن عدة قطاعات حيوية، أهمها تمويل المشروعات، حيث يشمل الاتفاق تمويل مجموعة من المشروعات داخل مصر في حدود الـ 4 مليارات يورو، فضلًا عن الطاقة والهيدروجين الأخضر والتركيز على مجالات الطاقة النظيفة، علاوة على دعم قطاع الاتصالات ونقل وتوطين التكنولوجيا، إضافة إلى جعل مصر ممرًا استثماريًا للدول الأوروبية، خاصة دول جنوب البحر المتوسط.
وأكد أن هذه الحزمة ستكون نواة وبداية لجذب مزيد من الاستثمارات، لا سيما مع القطاع الخاص، مشيرًا إلى التمثيل القوي للقطاع الخاص المصري والأوروبي في القمة المصرية الأوروبية الأولى، حيث حضر أكثر من 75 شركة ومستثمر، مما يمهد لتعاون مثمر بين القطاع الخاص الأوروبي والقطاع الخاص المصري.
ولخص الدكتور السيد أهمية الاتفاقية بالإشارة إلى أنها مؤشر قوي على مكانة مصر كـ "بوابة" استثمارية وشريك استراتيجي للاتحاد الأوروبي، ومؤكدًا أن المبلغ المعلن "ليس بقليل" ويعد انطلاقة قوية لتعزيز الشراكة الاقتصادية بين الجانبين.
اقرأ المزيد..