مفهوم الشرق الأوسط الكبير- حيز التنفيذ” يكشف الخفايا والأسرار في صياغة واقع سياسي واجتماعي جديد في المنطقة
تاريخ النشر: 27th, October 2025 GMT
خليل المعلمي
إنها المنطقة الأكثر اهتماماً في العالم وعليها تحاك المؤامرات وتصاغ المخططات منذ مئات السنين، وحتى في العصور الوسطى حين كانت المنطقة مركزاً للحضارة العربية الإسلامية، فمنذ تلك الفترة والهجمات الغربية تتوالى على المنطقة فكانت الحملات الصليبية المتتالية جزءاً من هذه الهجمات، ومن لا يعرف فإن حجم المؤامرة على المنطقة العربية وما حولها والتي اطلق عليها منطقة الشرق الأوسط منذ ما يقارب القرن، مخطط مدروس وكبير ومتجذر منذ الصراع بين الدولة العثمانية والدول الأوروبية، فقد سعت هذه الدول بعد اجتماعات عدة فيما بينها للوصول إلى ضرورة اسقاط الدولة العثمانية، ومن ثم إضعاف هذه المنطقة وتقسيمها إلى دويلات متناحرة ليسهل استنزاف ثروات أبنائها والسيطرة عليهم سياسياً واقتصاديا واجتماعيا، فكانت الحملات الاستعمارية المتكررة خلال القرون الماضية، حتى سقوط الدولة العثمانية، وتم تقسيم المناطق العربية بين بريطانيا وفرنسا وهي الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، ليس ذلك فحسب بل قامت هذه الدول بالتخطيط لزراعة جسم غريب داخل هذه المنطقة لتظل في دوامة من الصراع مع هذا الكائن الغريب والذي بالتأكيد لن تقبله دول وشعوب المنطقة.
وما نجده الآن من صراعات وإنشاء جبهات مقاومة للاستعمار الجديد ومقاومة للكيان الغاصب والذي أعلن عن تسميته برعاية غربية بحتة “اسرائيل”، كل ذلك حصيلة ما صنعته مؤامرات الغرب من السيطرة على القرار السياسي العربي والاستيلاء على ثرواته النفطية والمعدنية، والعمل على زرع الخلافات بين دول المنطقة ودعم وتشجيع قوى ضد أخرى، بالطبع مع الدعم الكامل معنوياً ومادياً وبأحدث الأسلحة للكيان الصهيوني المزروع، حتى أصبحت المنطقة من أكثر المناطق الملتهبة في العالم.
لقد استمر الاشتغال على الشرق الأوسط بتدخلات غربية وفي ظل مقاومة مستمرة بطريقة أو بأخرى من قبل الشعوب والأنظمة العربية القائمة، حتى بدأت فكرة الاشتغال على الشرق الأوسط الجديد، وبدأ يظهر هذا المصطلح في التسعينيات حيث صدر في العام ١٩٩٤م كتاب “الشرق الأوسط الجديد” لمؤلفه شمعون بيريز الذي يعد أحد منظري وأقطاب السياسة الإسرائيلية، وفي مضمون هذا الكتاب حديث عن التغيرات التي يمكن أن تحدث في الشرق الأوسط الجديد من وجهة النظر الإسرائيلية، وفي بداية الألفية الجديدة بدأ الحديث عن الشرق الأوسط الجديد، وأصبح المصطلح متداولاً إعلامياً وسياسياً.
وحول ذات الموضوع صدر في موسكو عام 2013م، كتاب (مفهوم “الشرق الأوسط الكبير” حيز التنفيذ) لمؤلفه شاريبوف أورال زياتوديـنوفـيتش، أستاذ العلوم السياسية والباحث في معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية.
ومن أجل زيادة الوعي بالمؤامرات التي لا تزال تحاك ضد المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط فقد أعادت الهيئة العامة للكتاب، إصدار الكتاب مترجماً إلى العربية مؤخراً، ترجمه إلى العربية الأستاذ أحمد سنان الجابري، حيث جاء في 371 صفحة من القطع المتوسط.
وأشار الأديب عبدالرحمن مراد رئيس الهيئة العامة للكتاب إلى أن أهمية الكتاب تكمن في كونه بحثاً معمقاً، ورؤية ثاقبة تغوص في تفاصيل الأشياء، وتكشف الكثير من الخفايا والأسرار، التي في الغالب تغيب عن الرأي العام، وتحاول تفسير كل ما يحدث خلال العقد الثاني من الألفية الجديدة، وبيان آثارها وأسبابها الموضوعية، والرؤى والاستراتيجيات التي يتبناها النظام الدولي في صياغة واقع سياسي واجتماعي جديد في منطقة الشرق الأوسط، التي تضم، فضلاً عن الجغرافيا العربية، تركيا، إيران، أفغانستان، وباكستان.
وأوضح أن الكتاب يتناول فكرة المصطلح، ومراحل تنفيذها بمناقشة بعض التفاصيل المهمة، والنشاط السياسي والدبلوماسي الأمريكي، لإعداد المجتمع الدولي الجديد.
ونوه مراد إلى أن هيئة الكتاب حرصت على ترجمة هذا الكتاب وإصداره ليعرف القارئ كل تفاصيل ما يحدث اليوم، وما حدث بالأمس، ليكون على وعي كامل بالأهداف والغايات من وراء ما يحدث، سواء للصهيونية العالمية، أو للنظام الدولي، الذي تقوده أمريكا.. مؤكدا أن العرب والمسلمين اليوم يخوضون حرب وجود على الجغرافيا، ودلائل ذلك حاضرة في تفاصيل الحياة اليومية، وقد يجد القارئ إشاراتها ورموزها في محتوى هذا الكتاب.
مصطلح جديد.. وسياسة جديدة
يوضح المترجم أن مفهوم “الشرق الأوسط الجديد” و”الشرق الأوسط الكبير” هو مصطلح أطلقته إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش على نطاق جيواقتصادي وجيواستراتيجي واسع.
يشمل هذا النطاق المنطقة العربية كلها بالإضافة إلى تركيا، الكيان الصهيوني، إيران، أفغانستان وباكستان، وقد أطلقت الإدارة الأمريكية هذا المصطلح في إطار مشروعها الذي يسعى إلى تشجيع ما تسميه الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، في المنطقة، وتم الإعلان عن نص المشروع في 2004م.
وقال: لا يستطيع أحد المجادلة في أن فكرة “الشرق الأوسط الجديد” نبعت من تخطيط ومصادر إسرائيلية، وقد كان التصريح لأول مرة بدون مواربة عن هذا المخطط من قبل وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس من تل أبيب، وإن عمليات زعزعة الأمن واشعال الفوضى في النظم السياسية التي تحدث في المنطقة تعتبر من العوامل الرئيسية في استقرار الوضع الداخلي في إسرائيل.
أهمية الشرق الأوسط
في مقدمة الكتاب يؤكد المؤلف أن أهمية منطقة الشرق الأوسط في السياسة العالمية تكمن في أنها واحدة من المناطق المعقدة من الناحية الجغرافية للعالم الحديث، لها أهميتها الدولية في مجالات السياسة، الطاقة والنقل والعلاقات التجارية.
ويسلط الضوء على الأهمية الجيوسياسية والاقتصادية للخليج والشرق الأوسط ويستخدم البيانات الإحصائية لموارد الطاقة للتدليل على الأهمية العظيمة للمنطقة بالنسبة للقوى الغربية عامة والولايات المتحدة بشكل خاص، وبسبب ذلك وأسباب أخرى يرى المؤلف أن منطقة الشرق الأوسط صارت أكثر توتراً، ويقدم هنا ملخصاً للأوضاع الداخلية للبلدان موضوع الدراسة “اقتصادياً وسياسياً، واجتماعياً، وجغرافياً”.
الثورة الإيرانية والأفغانية
يضم الكتاب قسمين رئيسيين حيث يتضمن القسم الأول العقد الأول من القرن الحادي والعشرين والمرحلة الأولى لتنفيذ مفهوم “الشرق الأوسط الكبير” في إطار “الخليج العربي الكبير”.
ويحتوي القسم الأول على ستة فصول، يتحدث المؤلف في هذا الفصل عن التوغل التحضيري لجزء من القدرات العسكرية الأمريكية في منطقة الخليج العربي في العقود الأخيرة من القرن العشرين بسبب الثورات في أفغانستان وإيران، وكذا تجديد عرض منطقة الخليج العربي في العلاقات الدولية في بداية القرن الحادي والعشرين، وبدء الولايات المتحدة الأمريكية والناتو فترة الأنشطة الاستعمارية في المنطقة، انطلاقاً من الأعمال الإرهابية المأساوية في 11 سبتمبر 2001م، في الولايات المتحدة الأمريكية.
أما الفصل الثاني فقد خصصه المؤلف عن الأحداث الجارية في أفغانستان وهي تحت حكم طالبان، واعتبار ذلك الهدف الأول للانتقام الأمريكي.
العدوان على العراق
فيما استعرض في الفصل الثالث التنكيل النهائي بالخصم السياسي في الجمهورية العراقية وهو نظام صدام حسين، حيث بدأت الولايات المتحدة الأمريكية بنشاط دبلوماسي لتحضير المجتمع الدولي لدعم العدوان الأمريكي ضد العراق، ومواقف الإدارة الرئاسية الأمريكية على المسرح العالمي عشية الهجوم المسلح على العراق، حتى شنت العدوان على العراق في ربيع 2003م، وقدم المؤلف توصيفاً للاستعدادات العسكرية الأمريكية وبين حجم القوات وتسليحها بما فيها تلك التي رابطت في كردستان وجنوب العراق، وتلك التي كانت منتشرة بالفعل في القواعد الأمريكية في دول الخليج.
واستعرض في الفصل الرابع تنامي الإمكانات الاقتصادية والتطورات العسكرية والتكنولوجية لإيران التي تعتبر الخصم الاستراتيجي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وتطرق إلى تطور العلاقات الروسية الإيرانية من مختلف الزوايا والاتجاهات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والنووية، وكذا المواقف المشتركة على المسرح الدولي من مختلف القضايا.
جدل العلاقات السعودية الأمريكية
وشغلت العلاقات السعودية الأمريكية الفصل الخامس من الكتاب، حيث وصفها المؤلف بأنها علاقات متناقضة في بعض أوجهها، ويشوبها الشكوك باستمرار، فمن حيث التبعية السعودية للغرب فلا جدال في الحاجة السعودية للحماية الغربية والأمريكية خاصة، لقد أضرت الأسعار المنخفضة للنفط بمستوى المعيشة في السعودية وتدنت المداخيل مقارنة بما كان سائداً من قبل.
فيما تناول المؤلف في الفصل السادس العلاقات الأمريكية ومجلس التعاون الخليجي والتي تقوم على معادلة البترودولار.
تدخلات مباشرة
وفي القسم الثاني من الكتاب فقد حدده للفترة من بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين 2011 – 2013م، مع استمرار تطبيق مفهوم “الشرق الأوسط الكبير”- وتوسيع العمليات المسلحة الغربية إلى دول مختارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وتضمن هذا القسم ثلاثة فصول استعرض في الأول دور الناتو وتداخلاته في تغيير النظام السياسي للجماهيرية الليبية، وفي الفصل الثاني استعرض المعركة الداخلية والخارجية على سوريا، وخصص الفصل الثالث الحديث عن جمهورية إيران الإسلامية وتأثير العامل التوسعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
برلماني: مصر بقيادة الرئيس السيسي رسخت مفهوم السلام القائم على القوة والعدل
قال النائب أحمد حافظ، عضو مجلس الشيوخ عن حزب حماة الوطن، إن التحولات التي يشهدها الإقليم تؤكد أن مصر أصبحت الرقم الأصعب في معادلة الشرق الأوسط، مشيرًا إلى أن القيادة السياسية برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي نجحت في إعادة صياغة مفهوم الدور المصري، بحيث يجمع بين القوة والاتزان، وبين المبادئ الثابتة والقدرة على التحرك الفعّال في أوقات الأزمات.
وأوضح عضو مجلس الشيوخ، أن السياسة الخارجية المصرية خلال العقد الأخير لم تكن رد فعل للأحداث، بل كانت رؤية استباقية تُبنى على الثقة والمصداقية، لافتًا إلى أن القاهرة استطاعت أن تستعيد موقعها كقلب للعالم العربي ومحور للتفاهم بين الشرق والغرب، وأن تكون حلقة الوصل التي تسعى إليها القوى الكبرى حين تبحث عن الاستقرار الحقيقي في المنطقة.
وأكد عضو مجلس الشيوخ أن الرئيس السيسي أعاد تعريف مفهوم السلام في المنطقة، فلم يعد سلام الضعفاء أو التنازلات، بل سلام الإرادة والعقل، سلام يستند إلى حماية الأمن القومي المصري والعربي في آن واحد، موضحًا أن هذا التوجه جعل مصر تتعامل مع قضايا غزة وليبيا والسودان وسوريا بمنهج شامل يوازن بين الحلول الإنسانية والسياسية، دون الانزلاق إلى فوضى أو مواجهات عسكرية.
وأشار النائب أحمد حافظ، إلى أن الموقف المصري من الأزمة الفلسطينية تحديدًا برهن على أن القاهرة لا تبحث عن دور شكلي، بل تتحرك من منطلق مسؤولية تاريخية تجاه الشعب الفلسطيني، مؤكدا أن تحركات مصر لوقف إطلاق النار وإعادة الإعمار وفتح الممرات الإنسانية جاءت امتدادًا لسياسة ثابتة تقوم على حفظ الحقوق وحماية الأرواح وصون استقرار الإقليم بأكمله.
وشدد النائب أحمد حافظ على أن ما تحقق من إنجازات دبلوماسية خلال السنوات الأخيرة يعكس نجاح القيادة المصرية في تحويل التحديات إلى فرص، وإعادة بناء شبكة علاقات دولية متوازنة تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، مؤكدًا أن العالم اليوم بات يتعامل مع مصر باعتبارها شريكًا موثوقًا وفاعلًا رئيسيًا في صياغة مستقبل المنطقة.