ما حكم توزيع الصدقات عند زيارة المقابر؟.. الإفتاء تجيب
تاريخ النشر: 27th, October 2025 GMT
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا مضمونه: ما حكم توزيع الصدقات عند زيارة المقابر؟
وأجابت دار الإفتاء عن السؤال قائلة: الصدقة عن الميِّت جائزة ومستحبة شرعًا ويصل ثوابها له، ولا حرج أيضًا في توزيع هذه الصدقات عند القبر أو في أي مكان يتوارد عليه المساكين والفقراء وذوو الحاجة؛ لأن الجواز يعمُّ جميع الأزمنة والأحوال والأماكن متى روعيت الضوابط والآداب، وليس ثمة دليلٍ شرعي يدل على تخصيص هذا الجواز، فقصره على زمن دون زمن، أو على حال دون حال، أو على مكان دون مكان يعدُّ تضييقًا لما وسَّعَه الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ويجب الالتزام مع ذلك بآداب زيارة القبور من عدم رفع الصوت، وكذا مراعاة المعايير الصحية والطبية في توزيع الصدقات إن كانت طعامًا أو شرابًا، ونحو ذلك.
مشروعية الصدقة عن الميت ووصول ثوابها إليه
من المقرَّر شرعًا جواز الصدقة عن الميت ووصول ثوابها إليه؛ وقد وردت جملة من الأحاديث النبوية الشريفة تدلُّ على ذلك؛ منها: ما ورد عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها: أنَّ رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا وَأُرَاهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ تَصَدَّقْ عَنْهَا» متفق عليه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ سعد بن عبادة رضي الله عنه توفِّيت أمه وهو غائب عنها، فقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا، أَيَنْفَعُهَا شَيْءٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ» أخرجه البخاري.
يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (5/ 390، ط. دار المعرفة): [وفي حديث الباب من الفوائد: جواز الصدقة عن الميت، وأن ذلك ينفعه بوصول ثواب الصدقة إليه ولا سيما إن كان من الولد، وهو مخصص لعموم قوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم: 39]] اهـ.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: إِنَّ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا، وَلَمْ يُوصِ، فَهَلْ يُكَفِّرُ عَنْهُ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» أخرجه مسلم.
يقول الإمام النووي -عند شرحه للحديث- في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (11/ 84، ط. دار إحياء التراث العربي): [وفي هذا الحديث: جواز الصدقة عن الميت، واستحبابها، وأن ثوابها يصله وينفعه، وينفع المتصدق أيضًا، وهذا كله أجمع عليه المسلمون] اهـ.
وقد أجمع الفقهاء على جواز الصدقة عن الميت ووصول ثوابها للمتوفَّى ولم يُعرف بينهم خلاف فيه.
قال الإمام ابن عبد البر في "التمهيد" (20/ 27، ط. أوقاف المغرب): [أمَّا الصدقة عن الميت فمجتمع على جوازها لا خلاف بين العلماء فيها] اهـ.
وقال الإمام النووي في "المجموع" (5/ 323، ط. دار الفكر): [أجمع المسلمون على أنَّ الصدقة عن الميِّت تنفعه وتصله] اهـ.
وقال الإمام الزيلعي في "تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق" (2/ 83، ط. الأميرية): [الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره عند أهل السنة والجماعة؛ صلاة كان أو صوما أو حجًّا أو صدقة أو قراءة قرآن أو الأذكار، إلى غير ذلك من جميع أنواع البر، ويصل ذلك إلى الميت وينفعه] اهـ.
الرد على دعوى أن توزيع الصدقات عند زيارة المقابر بدعة
لا يستقيم وصف هذا الفعل بالبدعة؛ لكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يفعله، فترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأمرٍ ما لا يدل على عدم جواز فعله، وهو ما استقرَّ عليه عمل المسلمين سلفًا وخلفًا.
وأمَّا الاحتجاج على فاعل ذلك بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» أخرجه مسلم، لوصف فعله بالبدعة؛ فهذا الحديث عام مخصوص، والمراد به غالب البدع ممَّا يخالف الكتاب أو السنة أو الإجماع، إذ ليست كل بدعة مذمومة؛ فقد قسَّم العلماء البدعة إلى خمسة أقسام: واجبة ومندوبة ومحرَّمة ومكروهة ومباحة. ينظر: "شرح النووي على مسلم" (6/ 154).
يقول الإمام البيهقي في "مناقب الشافعي" (1/ 469، ط. مكتبة دار التراث): [حدثنا الشافعي قال: المحدثات من الأمور ضربان: أحدهما: ما أُحدث يخالف كتابًا أو سنة أو أثرًا أو إجماعًا، فهذه البدعة الضلالة. والثانية: ما أُحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا، وهذه محدثة غير مذمومة. وقد قال عمر رضي الله عنه في قيام شهر رمضان: "نعمت البدعة هذه"] اهـ.
وقال حجة الإسلام أبو حامد الغزالي رضي الله عنه في "إحياء علوم الدين" (2/ 3، ط. دار المعرفة): [ليس كل ما أبدع منهيًّا، بل المنهي بدعة تضاد سنة ثابتة، وترفع أمرًا من الشرع مع بقاء علَّته] اهـ.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الصدقات المقابر زيارة المقابر الميت حكم توزيع الصدقات عند زيارة المقابر الصدقة صلى الله علیه وآله وسلم رضی الله عنه ما حکم
إقرأ أيضاً:
ما حكم الصلاة على النبي عند البيع والشراء؟ .. الإفتاء تجيب
حكم الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام عند البيع والشراء، من الأمور التي يكثر البحث عنها خاصة عندما يطلقها الطرفان عند الفصال، فهل تجوز الصلاة على النبي في هذا الموضع.
ما حكم الصلاة على النبي بين البائع والمشتري؟قالت الإفتاء إنه لا خلاف بين أهل العلم في أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرضٌ في العمر مرة، وسنة مؤكدة في كل حين، لا يسعُ المسلم تركها، ولا يَغفُلُهَا إلا مَن لا خير فيه. ينظر: "تفسير القرطبي" (14 /232-233).
الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم عند البيع والشراء أمر مشروع حسن؛ داخل في عموم الأمر المطلق بالصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم؛ ومن المقرر أنَّ "المطلق يقتضي عموم الأمكنة والأزمنة والأشخاص والأحوال"، فلا يجوز تقييد هذا الإطلاق إلا بدليل، وإلا كان ذلك ابتداعًا في الدين بتضييق ما وسَّعه الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
وبالإضافة إلى ما نص عليه الفقهاء من مشروعية الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم في مواضع مخصوصة، منها البيع والشراء؛ قال العلامة المغربي (ت: 1119هـ) في "البدر التمام شرح بلوغ المرام" (10/ 394-403، ط. هجر): [تشرع الصَّلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم في أمور مخصوصة، وهي ستة وأربعون.. الخامس عشر: عند عقد البيع؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «كُلّ أَمرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبدَأ فِيهِ بِحَمْدِ الله والصلاة عَلَيّ فَهُوَ أَقْطَعُ مَمْحُوقٌ مِن كُلّ بَرَكَةٍ»] اهـ.
وقال الحافظ السخاوي في "القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع" (ص: 215، ط. دار الريان للتراث): [(الصلاة عليه عند عقد البيع) وأما الصلاة عليه عند عقد البيع، فقد قال الأردبيلي في "الأنوار" أنه لو قال المشتري بسم الله والحمد لله والصلاة على رسول الله قبلتُ البيع صح، قال: لأن المضر ما ليس من مصالح العقد ولا من مقتضياته ولا من مستحباته، قلت: وهو حسن، ومع ذلك فلا دليل على استحباب الصلاة عند البيع] اهـ. فأفاد ذلك أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند البيع والشراء مشروعة حسنة غير بدعة كما يدعي البعض.
وهذه المشروعية مقيدة بأن يكون ذلك بقصد العبادة واحتساب الأجر وجزيل الثواب، أما إن كان ذلك يُفعل عبثًا أو بغرض شهرة المبيع، وجذب الأنظار، وبيع الأشياء الرديئة؛ فهو مكروه كراهة تحريمية؛ لكونه يُشعِر بعدم التوقير والاحترام للجناب النبوي العظيم.
قال العلامة ابن مازه الحنفي في "المحيط البرهاني في الفقه النعماني" (5 /310، ط. دار الكتب العلمية): [كمن جاء إلى آخر يشتري منه ثوبًا، فلما فتح التاجر الثوب سبح الله تعالى، أو صلى على النبي عليه السلام؛ أراد به إعلام المشتري جودة ثوبه وذلك مكروه، فهذا كذلك، حارس يقول: لا إله إلا الله، أو قال فقاعي عند فتح الفقاع: لا إله إلا الله، أو قال: صلى الله على محمد؛ يأثم؛ لأنه يأخذ لذلك ثمنًا بخلاف العالم إذا قال في مجلس العلم: صلوا على النبي، أو قال الغازي للقوم: كبروا، حيث يثاب] اهـ.
وقال العلامة الموصلي الحنفي في "الاختيار لتعليل المختار" (4/ 179، ط. مطبعة الحلبي): [(ويكره فعله للتاجر عند فتح متاعه)، وكذلك الفقاعي عند فتح الفقاع يقول: لا إله إلا الله صلى الله على محمد فإنه يأثم بذلك لأنه يأخذ لذلك ثمنًا، بخلاف الغازي أو العالم إذا كبر عند المبارزة وفي مجلس العلم لأنه يقصد به التفخيم والتعظيم وإشعار شعائر الدين] اهـ.
وقال العلامة الحصكفي في "الدر المختار" ومعه "حاشية ابن عابدين" (1/ 518، ط. دار الفكر): [وحرامًا عند فتح التاجر متاعه ونحوه] اهـ.
وأضاف العلامة ابن عابدين محشِّيًا عليه: [(قوله وحرامًا إلخ) الظاهر أن المراد به كراهة التحريم، لما في كراهية "الفتاوى الهندية": إذا فتح التاجر الثوب فسبَّح الله تعالى أو صلَّى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم يريد به إعلام المشتري جودة ثوبه فذلك مكروه. وكذا الحارس لأن يأخذ لذلك ثمنًا، وكذا الفقاعي إذا قال ذلك عند فتح فقاعة على قصد ترويجه وتحسينه يأثم.. اهـ] اهـ.
وتابع العلامة ابن الحاج المالكي في "المدخل" (4 /100، ط. دار التراث): [وبعضهم تكون سلعته رديئة فيمدحها ويثني عليها.. وبعضهم يزيد على ذلك فيصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين ندائه على سلعته وبيعها وشرائها] اهـ.
وجاء في "مواهب الجليل" للعلامة الحطاب (1 /18-19، ط. دار الفكر): [(فرع) ذكر ابن ناجي في شرح "المدونة" في كتاب الذبائح أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم تكره عند الذبح وعند العطاس والجماع والعثرة والتعجب وشهرة المبيع وحاجة الإنسان، وذكرها الشيخ يوسف بن عمر إلا شهرة المبيع وذكر بدله عند الأكل.. قال الشيخ أبو عبد الله محمد الرصاع: لما ذكر شهرة البيع، ويلحق هذا عندي ما يصدر من العامة في الأعراس وغيرها، فإنهم يشهرون أفعالهم للنظر إليها بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع زيادة عدم الوقار والاحترام بل بضحك وبلعب] اهـ.
الصلاة على النبي عند البيع والشراءويظهر من هذه النصوص أن مناط المنع الذي قرره الفقهاء في خصوص الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند البيع والشراء دائر مع القصد؛ فيمنع إذا صحبه ما يُشعِر بضد توقير الجناب النبوي الشريف وإجلال مقامه المنيف، من جعل الصلاة على النبي تكأةً للترويج والتدليل على جودة السلع، أما إن جرى اللسان بالصلاة على النبي عند البيع أو الشراء بقصد الذكر والتفاؤل ورجاء البركة واحتساب الأجر الجزيل فلا محل حينئذٍ للقول بالكراهة، بل يتوجه القول بالاستحباب؛ لما تقرر أن "الأمور بمقاصدها".
قال الإمام سحنون المالكي في "العتبية" في المواضع التي يشرع فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم: [ولا يصلى عليه إلا في موضع احتساب أو رجاء ثواب] ينظر: "مواهب الجليل" للعلامة الحطاب (1/ 19).
وهو ممَّا أورده العلامة ابن نجيم الحنفي في "الأشباه والنظائر" (ص:23، ط. دار الكتب العلمية) في سياق نظائر وتطبيقات هذه القاعدة المقاصدية.
فإذا انضاف إلى ذلك قصد البائع أو المشتري إحداث حالة يلفت فيها نظر المستمعين له إلى أن تلهج ألسنتهم أيضًا بالصلاة على النبي؛ فيؤجر على ذلك من حيث فضيلة الذكر في السوق ومواضعِ الازدحام بين الغافلين؛ ولا يخفى ما في ذلك من تحصيل الأجر وكسب الثواب، وإن لم يحصل بيع أو شراء.
وجرى فعل المصريين منذ أمدٍ بعيدٍ على ذكر الله تعالى والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند بيعهم وشرائهم، مبتغين في ذلك رضوان الله سبحانه وفضل الصلاة على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وإن لم يتمّ البيع والشراء؛ قال إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي في "الخواطر" (17/ 10281، ط. مطابع أخبار اليوم) عند تفسير قوله تعالى: ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾ [النور: 37]: [وقد كنا في الصِّغَر نسمع في الأسواق بين البائع والمشتري، يقول أحدهما للآخر: وحِّد الله، صَلِّ على النبي، مدَّح النبي، بالصلاة على النبي، كل هذه العبارات انقرضت الآن من الأسواق والتعاملات التجارية وحَلَّ محلَّها قيم وعبارات أخرى تعتمد على العَرْض والإعلان، بل الغش والتدليس. ولم نَعُدْ نسمع هذه العبارات، حتى إذا لم يتم البيع كنت تسمع البائع يقول: كسبنا الصلاة على النبي، فهي في حَدِّ ذاتها مكسب حتى لو لم يتم البيع] اهـ.