أكد الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن الشباب هم الثروة الحقيقية للأمة، وسر قوتها، وعنوان مستقبلها، موضحًا أن الإسلام نظر إلى الشباب باعتبارهم السواعد التي تبني الحضارات وتقيم العمران، وأنهم القوة الصلبة التي تذود عن الأوطان وتدافع عن الكرامة.

 

مفتي الجمهورية يلقي محاضرة بعنوان “منهج التعامل مع الإلحاد والملحدين”

جاء ذلك خلال كلمة فضيلته في مؤتمر "المجتمع المدني والشباب العربي .. شركاء لرفع التحديات" الذي عُقد تحت شعار معًا نرفع التحديات، والذي نظمه مجلس الشباب العربي للتنمية المتكاملة تحت رعاية جامعة الدول العربية ووزارة الشباب والرياضة.

وأشار فضيلته إلى أن الله تعالى مدح الفتية في كتابه الكريم، فقال سبحانه: ﴿نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى﴾ [الكهف: 13]، وهي إشارة إلهية تؤكد أن الإيمان إذا سكن قلوب الشباب صاروا قدوة في الثبات والعزيمة، لا تغريهم شهوة ولا تضلهم قوة، مؤكدًا أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للشباب مكانة عظيمة في ديننا الحنيف، إذ قال عليه الصلاة والسلام: «إن الله ليعجب من الشاب ليست له صبوة»، ووعد من نشأ منهم في طاعة الله بظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله كما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وشاب نشأ في عبادة ربه». 

النبي صلى الله عليه وسلم استعان بالشباب في بناء دولته المباركة

وأضاف فضيلة المفتي، أن النبي صلى الله عليه وسلم استعان بالشباب في بناء دولته المباركة، فغرس فيهم حب الوطن، ورباهم على الإخلاص والبذل والعمل الجاد، فكان منهم قادة حملوا راية الدعوة ودافعوا عن الدين بوعي وبصيرة ومن هؤلاء الشباب الذين أضاءوا سماء الإسلام: أسامة بن زيد الذي ولاه النبي قيادة جيش فيه كبار الصحابة وهو لم يتجاوز العشرين من عمره، وزيد بن ثابت الذي كان كاتب الوحي وجامع القرآن الكريم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ومصعب بن عمير الذي حمل راية الدعوة في المدينة،  فكان أول سفير في الإسلام، وعبد الله بن عباس الذي لقب بترجمان القرآن لجمعه بين العلم والفهم وهو في مقتبل العمر، وغيرهم من النماذج المشرقة التي تثبت أن الشباب إذا أُحسن إعدادهم صاروا صناع حضارة وبناة مستقبل

وأوضح فضيلة المفتي أن دار الإفتاء المصرية تسير على هذا النهج النبوي، فتعطي الشباب عناية خاصة في برامجها ومبادراتها، وتعمل على تعزيز وعيهم الديني والوطني، ومواجهة التحديات الفكرية والاجتماعية التي تعترض طريقهم مؤكدًا أن الدار تتبنى المنهج الأزهري الوسطي في معالجة قضايا الشباب، وتعمل على صياغة الفتاوى بلغة عصرية دقيقة تتناسب مع فكرهم وثقافتهم، كما تحرص على تأهيل المفتين ورفع وعيهم بالواقع المعاصر حتى تكون الفتوى متسقة مع الواقع غير منفصلة عنه، مشيرًا إلى أن من أبرز التحديات التي تواجه الشباب اليوم، هو الفكر الإلحادي والتيارات اللادينية التي تحاول التشكيك في الثوابت الدينية، إلى جانب التطرف والإرهاب اللذان شوهَا صورة الدين واستغلا مشاعر الشباب باسم الدين لتحقيق أغراض هدامة0

وبين فضيلته، أن دار الإفتاء المصرية واجهت هذه التيارات بخطاب علمي رصين، يجمع بين الحجة العقلية والبيان الشرعي، من خلال الإصدارات والبرامج والدورات التي تُعنى بتصحيح المفاهيم وتفنيد الشبهات، كما أطلقت الدار مبادرات توعوية عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، منها مبادرة  فتوى في دقيقة و  اعرف الصح  و الرد على الإلحاد  تلك المبادرات التي تستهدف تبسيط المفاهيم الدينية وتصحيح الصور المغلوطة، مما يعزز الوعي ويحمي الشباب من الانخداع بالدعوات الهدامة، موضحًا أن وعي الشباب هو الركيزة الأساسية في بناء الأوطان، وأن الأمم لا تنهض إلا بسواعد أبنائها، داعيًا الشباب العربي إلى التمسك بالقيم الأصيلة والانفتاح على العصر بروح متوازنة تجمع بين الإيمان والعلم والعمل وقال فضيلته: علينا أن ندرك أن بناء المستقبل لا يكون إلا بسواعد الشباب الواعي، الذي يعي دينه ووطنه، ويعمل من أجل نهضته، فالشباب هم أمل الأمة وسر نهضتها، وبدونهم لا تقوم حضارة ولا تُبنى دولة

وشدد فضيلة مفتي الجمهورية، على أن من أشد ما يهدد وعي الشباب اليوم هو استغلال الجماعات المتطرفة لعاطفتهم الدينية، وتوظيفها لخدمة أغراضها الخاصة وقد وقع بعض الشباب فريسة لهذه الجماعات التي أساءت فهم النصوص الدينية وحرفتها عن مقاصدها الشرعية لخدمة مصالحها الضيقة، فمارست أعمالًا إجرامية في حق الأوطان والأمة الإسلامية، وشوهت صورة الإسلام السمحة في العالم، وأذكت نيران الإسلاموفوبيا في الغرب، حتى صار كثير من الناس يربطون ظلمًا بين الدين والإرهاب، وهو من أبطل الباطل وأبعده عن روح الإسلام الذي جاء رحمة للعالمين.

ولفت فضيلته إلى أن دار الإفتاء المصرية أولت هذا الملف الخطير عناية كبيرة، فحصرت جميع مسائل وقضايا التطرف والإرهاب، ودرستها دراسة علمية وشرعية دقيقة، وأصدرت بشأنها فتاوى معتدلة ومؤصلة، كانت سببًا – بفضل الله – في عودة كثير من الشباب الذين انخدعوا بتلك الأفكار، وأسهمت في استقرار الوطن وتماسك بنيانه كما أطلقت الدار مبادرات توعوية لمواجهة الفكر المتطرف، منها إنشاء مركز سلام لدراسات التطرف، ومرصد الفتاوى التكفيرية، وإدارة الوعي السلوكي، وهي مؤسسات فكرية وعلمية تقوم برصد وتحليل خطابات الجماعات المتشددة، وتفنيد شبهاتها، وتقديم خطاب بديل راقٍ يرسخ الاعتدال، ويربط بين الإيمان الصحيح والانتماء الوطني الصادق

وتابع فضيلة المفتي أن من القضايا الخطيرة التي واجهتها الدار في ميدان الشباب كذلك: قضية التعصب والتشدد الفقهي، التي تبنتها بعض الجماعات المعاصرة، فحرصت على إحياء تلك الظاهرة البائسة في الفكر والمجتمع، وأرادت أن تلزم الناس بقول فقهي واحد لا يجوز العدول عنه، متجاهلة سعة الشريعة ومرونتها وقد بين فضيلة المفتي أن هذا التشدد مناقض لروح الإسلام، إذ قال الأئمة الكبار: «اختلاف العلماء رحمة بالأمة»، وذكر أن الأئمة الأربعة – أبا حنيفة ومالكًا والشافعي وأحمد – لم يتعصب أحد منهم لرأيه، بل كانوا يرون أن الحق يدور مع الدليل حيث دار، وهو ما يؤكد أن التعصب الفقهي انحراف عن منهج العلماء، وأن الجهل هو السبب الرئيس في هذه الانحرافات الفكرية.

وأضاف فضيلته أن دار الإفتاء قد تصدت لهذه الظاهرة بالعلم والحكمة، ووجهت الشباب إلى المنهج القويم في التعامل مع الخلاف الفقهي، مؤكدة أنه لا تعصب في الفقه، ولا تشدد في الاختلاف، ولا إنكار على المخالف ما دام رأيه لا يصادم نصًا قطعيًّا في الثبوت أو الدلالة، مستشهدة بقول الإمام الشافعي: «رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب» كما أكدت الدار أن حمل الناس على قول فقهي واحد مخالف لسنة الله في خلقه، ولطبيعة الاختلاف الإنساني الذي أقره القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم﴾ [هود: 118-119]

ثم انتقل فضيلة المفتي إلى التأكيد على أن وعي الشباب لا يقتصر على الجانب الديني فقط، بل يمتد إلى إدراك قضايا الوطن المعاصرة وفهم التحديات التي تواجهه فقد أوضح أن الدولة المصرية مرت خلال السنوات الماضية بمرحلة دقيقة من تاريخها الحديث، استهدفت فيها الجماعات المتطرفة كيان الدولة ذاته، واستغلت وسائل التواصل الاجتماعي لترويج الشائعات وبث الفتن بين أبناء الوطن وقد كانت دار الإفتاء المصرية في مقدمة المؤسسات التي تصدت لهذه المحاولات، فعملت على رصد القضايا المثارة على مواقع التواصل، وردت عليها بالحجة والبرهان، مستخدمة خطابًا وطنيًا عقلانيًا يربط بين الدين وحماية الدولة، موضحًا أن دار الإفتاء لم تكتف بالردود النظرية، بل استخدمت الوسائل نفسها التي استخدمها المتطرفون في نشر باطلهم، فأطلقت حملات رقمية بعدة لغات، وامتلكت أكثر من ست عشرة صفحة رسمية على فيسبوك، وحسابات على تويتر وإنستجرام ويوتيوب وتيليجرام وتيك توك، مستخدمة أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي في إعداد المحتوى الإفتائي والتوعوي، لتخاطب عقل الشباب ووجدانهم بلغتهم المعاصرة، وتقدّم الدين في صورته المشرقة الرحيمة ومن أبرز مبادراتها في هذا المجال حملة  اعرف_الصح، ومبادرة  فتوى_في_دقيقة، ومشروع الفتوى الذكية الذي يوظف الذكاء الاصطناعي لتقديم إجابات دقيقة تراعي التخصص والمقام

كما تناول فضيلته جانبًا آخر من جهود دار الإفتاء في توعية الشباب بقضايا الأسرة والزواج، مؤكدًا أن بناء الأسرة هو لبّ بناء المجتمع، وأن الشباب هم عماد استقرارها فقد أدركت الدار أن الأسرة المستقرة هي الحصن الأول أمام الانحرافات الفكرية والاجتماعية، ولذلك أطلقت برامج تأهيلية للشباب المقبلين على الزواج، وقدمت خدمات متخصصة في الإرشاد الأسري والنفسي، أبرزها خدمة الإرشاد الزواجي التي تهدف إلى حل المشكلات بين أفراد الأسرة، والحد من النزاعات الزوجية، والتقليل من نسب الطلاق، إضافة إلى تدريب الشباب على مفاهيم الحياة الزوجية السليمة، واختيار الشريك المناسب، وبناء أسرة ناجحة متماسكة

واختتم فضيلة المفتي كلمته بالتأكيد على أن هذه الجهود جميعها تصب في هدف واحد، هو بناء وعي الشباب العربي وتأهيلهم ليكونوا سواعد بناء وحماة فكر وجنود وعي وانتماء وقال فضيلته: إن الشباب هم طاقة الأمة التي بها تصان العقيدة وتحيا القيم وتقوم الحضارة، فإذا وُجهت هذه الطاقة الوجهة الصحيحة عمرت الأرض بالخير والحق والعدل، أما إن أُهملت أو أُسيء توجيهها فإن الخطر لا يقتصر على الأمة وحدها، بل يمتد إلى مستقبل الإنسانية كلها  

تأتي هذه الكلمة في إطار حرص دار الإفتاء المصرية على ترسيخ مبادئ الوسطية والاعتدال، وتعزيز قيم الانتماء والوعي الوطني، من خلال مشاركاتها العلمية والفكرية في المحافل المحلية والدولية، وتعاونها المستمر مع المؤسسات الدينية والفكرية والثقافية حول العالم لنقل خبراتها الرائدة في صناعة الفتوى الرشيدة، وتأهيل الكوادر الشابة، ومواجهة الأفكار المتطرفة بخطاب ديني مستنير يجمع بين الأصالة والمعاصرة، ويواكب متطلبات العصر بلغة علمية رصينة ومنهجية رشيدة0

حضر اللقاء معالي الأستاذ الدكتور أشرف صبحي وزير الشباب ورئيس المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الشباب والرياضة العرب، ومعالي الدكتورة مايا مرسي وزيرة التضامن الاجتماعي ورئيس المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب، ومعالي السفير الدكتور خالد المنزلاوي الأمين العام المساعد ورئيس قطاع الشؤون السياسية بجامعة الدول العربية، وسماحة الشريف السيد محمود الشريف نقيب السادة الأشراف، والدكتورة مشيرة أبو غالي مؤسس ورئيس مجلس الشباب العربي للتنمية المتكاملة، والدكتور مفيد شهاب وزير التعليم العالي الأسبق، واللواء إسماعيل الفار مساعد وزير الشباب، وعدد من ممثلي الدول العربية والشخصيات العامة والقيادات الشبابية.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: مفتي الجمهورية هيئات الإفتاء الإسلام الحضارات الكرامة النبی صلى الله علیه وسلم دار الإفتاء المصریة مفتی الجمهوریة أن دار الإفتاء الشباب العربی فضیلة المفتی وعی الشباب الشباب هم

إقرأ أيضاً:

مفتي الجمهورية يلقي محاضرة بعنوان “منهج التعامل مع الإلحاد والملحدين”

ألقى الأستاذ الدكتور  نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، كلمة تحت عنوان“منهج التعامل مع الإلحاد والملحدين” بأكاديمية الأزهر العالمية لتدريب الأئمة والوعاظ ضمن فعاليات دورة “تنمية المهارات الدعوية” المخصصة للسادة وعّاظ الأزهر الشريف.

مفتي الجمهورية يختتم زيارةً رسمية ناجحة إلى ماليزيا لتعزيز التعاون الديني والعلمي مفتي الجمهورية: التراث الإسلامي أساس للاجتهاد في الفتوى وصيانة لمصلحة الأمة

جاء ذلك بحضور الأستاذ الدكتور حسن صلاح الصغير، رئيس أكاديمية الأزهر العالمية لتدريب الأئمة والوعاظ، تناول فيها الأسس الفكرية والمنهجية للتعامل مع قضايا الإلحاد، موضحًا أن المواجهة الفكرية لهذه الظاهرة لا تكون بالمصادمة أو الإقصاء، وإنما بالفهم العميق، والحوار البنّاء، والعرض الحكيم لقيم الإيمان ومقاصد الشريعة.

وأشار مفتي الجمهورية، إلى أن الملحدين ليسوا على فكر واحد أو تصور موحّد، وأن الداعية الواعي ينبغي أن يُدرك اختلاف منطلقاتهم الفكرية والنفسية، ليتمكن من تفنيد شبهاتهم بالحجة والدليل، ومخاطبتهم بالحكمة والموعظة الحسنة، مستندًا في ذلك إلى منهج الأزهر الشريف القائم على الاعتدال، والتوازن بين العقل والنقل.

كما نوّه إلى أن العصر الرقمي وما يشهده من انفتاح معرفي واسع قد أتاح انتشار بعض الأفكار الإلحادية عبر الفضاء الإلكتروني، مما يستدعي إعداد الداعية إعدادًا علميًّا وفكريًّا متكاملًا يجمع بين التمكن الشرعي والوعي المعاصر لمواجهة هذه التحديات بوعي ومسؤولية.

وفي ختام اللقاء، عبّر السادة الوعّاظ المشاركون عن سعادتهم البالغة بهذه المحاضرة، مثمّنين حضور فضيلة مفتي الجمهورية وحرصه على الالتقاء بهم ومشاركتهم الحوار، مؤكدين أن اللقاء أضاف لهم رؤى جديدة وأساليب مؤثرة في معالجة قضايا الفكر والإيمان، وقد حرصوا في ختام الفعالية على التقاط الصور التذكارية مع فضيلته تقديرًا لمكانته العلمية وشخصه الكريم.

مقالات مشابهة

  • مفتى الجمهورية: بناء المستقبل لا يكون إلا بسواعد الشباب الواعي الذي يتمسك بدينه ويعي قيمة وطنه ويعمل من أجل نهضته
  • افتتاح المتحف المصري الكبير.. وزير الشباب: يجسد رؤية القيادة السياسية في بناء الجمهورية الجديدة
  • مفتي الجمهورية يلقي محاضرة بعنوان “منهج التعامل مع الإلحاد والملحدين”
  • مفتي عام المملكة ينوّه بدعم القيادة لجهاز الإفتاء ويُثني على جهود الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ رحمه الله
  • مفتي الجمهورية يختتم زيارةً رسمية ناجحة إلى ماليزيا لتعزيز التعاون الديني والعلمي
  • مفتي الجمهورية يغادر العاصمة الماليزية كوالالمبور عائدًا إلى القاهرة
  • ما ضابط الإسراع الذي يؤثر على صحة الصلاة؟.. الإفتاء تجيب
  • مفتي الجمهورية: العلاقات بين مصر وماليزيا تمثل أنموذجا فريدا للتعاون القائم على الاحترام
  • مفتي الجمهورية: التراث الإسلامي أساس للاجتهاد في الفتوى وصيانة لمصلحة الأمة