عربي21:
2025-12-14@23:23:45 GMT

الولايات المنقسمة العربية

تاريخ النشر: 29th, October 2025 GMT

رأى المراقبون في سقوط مدينة الفاشر في دارفور بيد «قوات الدعم السريع» تكريساً لتقسيم السودان بين غرب واقع تحت سيطرة القوات المذكورة ووسط وشرق واقعين تحت سيطرة الجيش السوداني، ناهيك من زعامات أخرى محلية. وتنضاف حالة السودان إلى حالات تقسيم أخرى تكرست خلال الأعوام العشرة المنصرمة، بحيث غدا المشهد العربي في وضع كان يجوز أن نقول عنه إنه «يُرثى له» لو لم يتضمن الرثاء، بالمعنى المعهود للتعبير، مديحاً بالمرثي.

فلننتهز هذه المناسبة لتأمل سريع في المسار التاريخي الذي وصل بنا إلى الوضع الراهن.

في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، تسارع حصول الدول العربية على استقلالها وهي تنضم تباعاً إلى جامعة الدول العربية، التي تأسست قبل تأسيس منظمة الأمم المتحدة بقليل، في زمن اتسم بما حملته هذه الأخيرة من وعد بتصفية الإرث الاستعماري. غير أن الدول العربية الفتية ما لبثت أن صُدمت بترافق نهاية الانتداب البريطاني في فلسطين مع قيام دولة الاستعمار الاستيطاني الصهيونية في خاصرة المشرق العربي. وجاءت نكبة 1948 والهزيمة العربية التي تكرست باستيلاء دولة إسرائيل على أربعة أخماس مساحة فلسطين بين البحر والنهر، لتحفّز صعود القومية العربية التي غدا جمال عبد الناصر نجمها وبطلها. وقد تجسّد حلم الوحدة العربية الذي عبّر عنه الزعيم المصري في قيام الوحدة بين مصر وسوريا في عام 1958 تحت تسمية الجمهورية العربية المتحدة.

لكنّ الحلم اصطدم بالفشل وسريعاً ما حلّ الانفصال محلّ الوحدة: كان ذلك في عام 1961. أما التجذّر الإقليمي الذي شهدته حقبة الستينيات، فقد سدّدت له الدولة الصهيونية ضربة قاضية في «حرب الأيام الستة». وشهد عام 1970 استكمال ذلك المنعطف بتصفية المقاومة الفلسطينية في الأردن، بعد أن شكّل صعودها أقوى ردّ إقليمي على هزيمة 1967.

كما شهد العام ذاته إطاحة حافظ الأسد بيسار حزب البعث، وشهد وفاة عبد الناصر نفسه. فانتقلت المنطقة العربية في السبعينيات من العصر القومي إلى العصر النفطي، لا سيما بعد ارتفاع أسعار النفط وبالتالي مداخيله على خلفية «حرب أكتوبر» لعام 1973، التي قادها أنور السادات، مفكك الناصرية، وحافظ الأسد. وقد أصاب الانحطاط ما تبقّى من الحركة القومية العربية، وصولاً إلى المسخ الكاريكاتوري للدعوة القومية العربية الذي جسّده معمّر القذافي. وتحت شعار «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة»، أشرف النظامان البعثيان في بغداد ودمشق على سياسات طائفية أفضت إلى تفكيك كل من المجتمعين العراقي والسوري بدل صهرهما في دولة عربية واحدة.

في هذه الأثناء، فإن الارتداد من «الاشتراكية العربية» إلى النيوليبرالية المدفوعة من واشنطن، وعودة الولايات المتحدة الأمريكية إلى السيطرة العسكرية المباشرة على المنطقة بدءاً من حربها على العراق في عام 1991، أمران ساهما في مراكمة عناصر أزمة إقليمية بنيوية، اقتصادية واجتماعية وسياسية.

وقد انفجرت الأزمة في عام 2011 فيما عُرف باسم «الربيع العربي»: للمرة الأولى في تاريخ المنطقة الحديث، عدا استثناءات نادرة سابقة، جاءت المبادرة من الجماهير واتخذت شكل انتفاضات عارمة. لكن عقوداً من القمع مصحوباً بالإحباط السياسي جعلت الساحات الإقليمية خالية من بدائل قادرة على تجسيد أماني الجماهير في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وعلى قيادة التغيير المطلوب.

أما النتيجة التي وصلنا إليها فهي بالتأكيد أسوأ ما عرفه تاريخ المنطقة الحديث. انتقلنا من الجمهورية العربية المتحدة إلى ما يمكن تسميته الولايات المنقسمة العربية، مع أربع دول عربية يترسخ فيها التقسيم، هي ليبيا واليمن والسودان وسوريا، ودولتين على أبواب التقسيم الطائفي، هما العراق ولبنان (ولا شك في أن التحول الذي شهدته سوريا خلال العام المنصرم من شأنه تحفيز المنحى التقسيمي في البلدين الأخيرين). أما الدولة الصهيونية، فبعد أن شنّت على سكان غزة أول حرب تتصف بكافة معالم الإبادة الجماعية في تاريخ حروبها، وإذ هي تكرّس هيمنتها على كامل الأراضي الفلسطينية وهضبة الجولان السورية، شرعت في قضم تدريجي لمزيد من الأراضي السورية واللبنانية.

وقد بلغت ذروة قوتها الإقليمية بعد أن ألحقت ضربات مؤلمة بمنافستها الإقليمية الرئيسية، إيران. وحيث أدّت هذه الضربات إلى إضعاف نفوذ إيران الإقليمي، الذي كان ولا يزال عاملاً أساسياً في التقسيم الإقليمي الطائفي، أتاح الأمر في المقابل تعزيز نفوذ تركيا، التي ينجم عن تدخلها في سوريا والعراق وليبيا والسودان مفعول تقسيمي هو أيضاً.

هذه الأوضاع الكارثية تزيد من عمق الهوة التي تفصل بين شعوب إقليمية مصابة بالإفقار من جراء التحولات الاقتصادية المحلية والعالمية، كما من جراء الحروب والأزمات في الحالات الخصوصية المذكورة أعلاه وهي الأخطر بالطبع، هذا من جهة، ومن الجهة الأخرى دول بلغت مداخيلها مستويات فائقة للغاية، ليس لسبب سوى لأنها نعمت بموارد عظيمة من المحروقات في أراضيها مقارنةً بعدد سكانها، وهي تجيّر قسماً كبيراً من مداخيلها «الفائضة» لمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية بوجه خاص.

وتشير الهوة المذكورة إلى ما كان يمكن أن يكون الوضع عليه لو تحقق حلم الوحدة العربية في إطار اتحادي ديمقراطي، وجمعت دولة عربية موحدة بين الموارد والشعوب وقواها العاملة، بما خوّلها أن تقف في صفّ القوى العالمية العظمى. ويكفي هذا الحلم بذاته لتفسير حرص القوى الإمبريالية العالمية، وحرص دولة الاستعمار الصهيوني، وحرص القوى الإقليمية الطامحة إلى السيطرة على المنطقة العربية، حرصها جميعاً على إحباط المشروع الوحدوي العربي والإسهام في زرع الفتنة والتقسيم في المنطقة.

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه السودان الدول العربية السودان الدول العربية الفاشل سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة مقالات مقالات صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی عام

إقرأ أيضاً:

قوة متعددة الجنسيات في قطاع غزة.. الولايات المتحدة تكشف التفاصيل

أعلنت الولايات المتحدة عن موعد عقد مؤتمر دولي لبحث خطط تشكيل قوة متعددة الجنسيات في قطاع غزة، في إطار الجهود الرامية إلى إرساء الاستقرار في القطاع، جاء ذلك في تقرير عرضته فضائية العربية.

استشهاد فلسطيني بنيران جيش الاحتلال في جباليا شمال قطاع غزةدلياني: إسرائيل تواصل إبادة أهالي غزة تحت غطاء وقف إطلاق النارقوة دولية داخل قطاع غزة 


وقال مسؤولان أمريكيان إن القيادة المركزية الأمريكية ستستضيف المؤتمر في العاصمة القطرية الدوحة يوم 16 من الشهر الجاري، بمشاركة دول شريكة، لوضع تصور شامل لإنشاء قوة دولية تتولى مهام أمنية واستقرار ميداني في غزة.


وأوضح المسؤولان، في تصريحات لوكالة «رويترز»، أن أكثر من 25 دولة من المتوقع أن ترسل ممثلين عنها للمشاركة في المؤتمر، الذي سيتضمن جلسات نقاش حول هيكل القيادة، وآليات العمل، وقضايا لوجستية وسياسية مرتبطة بالقوة المزمع تشكيلها.

واشنطن تستعجل المرحلة الثانية في غزة

وبحسب وكالة رويترز، فإن الولايات المتحدة تعمل على خطة تهدف إلى نشر القوة الدولية في أقرب وقت، رغم امتناع عدد من الدول حتى الآن عن إرسال جنود للمشاركة في هذه المهمة، لكون القوة ليست مخوّلة بمواجهة حماس مباشرة.

موعد عمل القوة الدولية

وقال السفير باتريك ثيروس، الدبلوماسي الأمريكي الأسبق، إن قوة الاستقرار الدولية المزمع نشرها في قطاع غزة قد تبدأ مهامها في وقت مبكر من الشهر المقبل، وفق ما تنقله الإدارة الأمريكية عن مسؤولين أكدوا أن عدة دول أبدت اهتمامها بالمساهمة في هذه القوة.

طباعة شارك الولايات المتحدة غزة قطاع غزة وكالة رويترز

مقالات مشابهة

  • صنعاء.. القوة التي تعيد نحت خارطة المنطقة
  • دولة فلسطين تدين الهجوم الذي وقع في سيدني الأسترالية
  • مجموعة أممية تطالب بالإفراج عن ناقلة النفط التي احتجزتها الولايات المتحدة في الكاريبي
  • عبر الخريطة التفاعلية.. ما أهمية المنطقة التي وقع فيها كمين تدمر؟
  • الأمن السيبراني في المنطقة العربية
  • سماء المنطقة العربية تشهد مساء اليوم زخة شهب التوأميات
  • قوة متعددة الجنسيات في قطاع غزة.. الولايات المتحدة تكشف التفاصيل
  • رويترز: الولايات المتحدة تسعى لنشر قوات دولية في غزة مطلع العام المقبل
  • إجلاء عشرات آلاف السكان جراء فيضانات في الولايات المتحدة وكندا
  • إسرائيل تبلغ الولايات المتحدة بأنها ستتحرك بنفسها لنزع سلاح حزب الله في لبنان