وثقت تقارير دولية وصور الأقمار الصناعية، إضافة إلى شهادات ميدانية، حملة قتل واسعة نفذتها قوات الدعم السريع في مدينة الفاشر السودانية، بعد سيطرتها عليها، في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في البلاد منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني والقوات الموالية لـ"الدعم السريع" في نيسان/أبريل 2023. 

وأظهرت التحقيقات أن آلاف المدنيين تعرضوا للاعتقال التعسفي والتهجير القسري، كما وقعت عمليات إعدام ميدانية ونكل بالمدنيين على أساس عرقي، وسط تزايد الدعم العسكري الإماراتي للميليشيا، الذي عزز قدرتها على شن هجمات واسعة النطاق واستمرار الحرب رغم تدخلات الوساطات الإقليمية والدولية.



مجازر الفاشر وفضائح الانتشار الميداني
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الثلاثاء تقارير وصورا لمقاتلي قوات الدعم السريع أثناء ارتكابهم مجازر في الفاشر، إضافة إلى مقاطع فيديو توثق مشاهد الرعب التي عاشها المدنيون. وأكدت الصحيفة أن مقاطع الفيديو التي تسربت وأظهر بعضها مقاتلو المليشيا وهم يتفاخرون بقتل المدنيين، تعكس "لمحة مروعة" عن حجم الجرائم المرتكبة.

وبحسب منظمة الهجرة الدولية، فقد نزح نحو 7 آلاف و455 شخصا خلال يوم واحد فقط، ليصل عدد النازحين من الفاشر خلال ثلاثة أيام إلى نحو 33 ألفا و485 شخصا. وتستمر أعداد النازحين في الارتفاع مع تواصل الهجمات، ما يعكس حجم الأزمة الإنسانية الناتجة عن العمليات العسكرية التي شنتها المليشيا بقيادة قوات الدعم السريع.

تظهر مقاطع الفيديو التي وثقتها الصحيفة قيام مقاتلي الدعم السريع بسخرية واضطهاد المدنيين، إذ تم تصوير حشود مذعورة وإطلاق النار عليها عن قرب. وأبرز الشخصيات التي ظهرت في هذه التسجيلات هو العميد الفاتح عبد الله إدريس، المعروف بلقب "أبو لولو"، الذي تفاخر في تسجيل مصور بأنه ربما قتل أكثر من ألفي شخص، وفق الصحيفة.

وأكد عامل إغاثة طلب عدم الكشف عن هويته أن فرقته تلقت روايات متكررة عن فصل رجال وفتيان مراهقين عن عائلاتهم وتعريضهم للضرب والتعذيب وحتى القتل، مشيرا إلى أن عمليات القتل استهدفت المئات، إن لم يكن آلاف المدنيين، على أسس عرقية.

عرض هذا المنشور على Instagram ‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎Arabi21 - عربي21‎‏ (@‏‎arabi21news‎‏)‎‏
الأقمار الصناعية.. أدلة على الفظائع
أظهر تحليل صور الأقمار الصناعية التي أجراها مختبر الأبحاث الإنسانية التابع لكلية ييل للصحة العامة وجود مركبات عسكرية قرب أكوام من الجثث وبقع دماء ضخمة يمكن رؤيتها من الفضاء. 

وكشفت صور التقطتها شركة "بلانيت لابز" عن سلسلة من آثار الحرق تمتد لمسافة ميلين تقريبا من الطريق الرئيسي شمال الفاشر، مع وجود بقع دم جنوب الساتر الترابي الذي أقامته قوات الدعم السريع لعزل المدينة وقطع طرق الهروب.

وقد وثق التحليل خمس حالات على الأقل لتغير لون الأرض إلى الأحمر، ما يتوافق مع بقع دماء هائلة، كما تحققت الصحيفة ومنظمة مركز مرونة المعلومات من ثلاثة فيديوهات تُظهر أكوامًا من الجثث ومركبات محترقة.

عرض هذا المنشور على Instagram ‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎Arabi21 - عربي21‎‏ (@‏‎arabi21news‎‏)‎‏
"مهمتنا القتل فقط"
أظهرت مقاطع الفيديو عدة مشاهد مروعة، منها امرأة ملقاة ميتة وسط أكوام من الجثث، وجنود يجبرون أسرى على مدح قوات الدعم السريع وتشويه سمعة الجيش السوداني قبل إطلاق النار عليهم.

وأكد العميد "أبو لولو" في أحد التسجيلات أنه "لن يرحم أحدا، مهمتنا القتل فقط"، فيما حاول جندي التوسط لإطلاق سراح أحد السكان، لكن دون جدوى.

وأعلنت كيانات طبية وعسكرية في السودان أن آلاف المواطنين قتلوا وفقد آخرون على يد المليشيات، كما اختطف موظفون ومتطوعون وطلبت منهم فديات بملايين الجنيهات السودانية. وقد أدى هذا الوضع إلى انقطاع الاتصال بالعديد من فرق الإغاثة بعد دخول قوات الدعم السريع، بينما بدأ الوسطاء الدوليون تحركات عاجلة لاحتواء الأزمة ومنع تفاقم الصراع.


بدأت حسابات تابعة لمليشيا الدعم السريع، من بينها حسابات لقيادات بارزة مثل المليشياوي «فارس النور»، في توجيه اللوم لمجرم الحرب «أبولولو» واتهامه بالمسؤولية عن الجرائم والانتهاكات المروّعة التي ارتُكبت في مدينة «الفاشر»، زاعمين أن ما حدث لا يمثّل نهج المليشيا.

تفاوتت منشورات عناصر… https://t.co/KxXyN8QKMH pic.twitter.com/M3cqrU8XFF — ذوالكــفـل ® (@HkZuk) October 28, 2025
دور الإمارات في إشعال الصراع
أكدت وكالات استخبارات أمريكية أن الإمارات كثفت هذا العام تزويد قوات الدعم السريع بالأسلحة، بما في ذلك طائرات مسيرة صينية متطورة من طراز CH 95، إضافة إلى أسلحة صغيرة ومدافع رشاشة ومركبات وذخائر. وقد تم نقل هذه الإمدادات عبر مسارات معقدة شملت الصومال وليبيا، في وقت نفت الإمارات سابقا أن تكون الطائرات المرسلة لأي جهات في المنطقة تحمل سوى مساعدات إنسانية.

وجاء الدعم الإماراتي لتعزيز قدرات ميليشيا الدعم السريع بعد فقدانها السيطرة على العاصمة الخرطوم في آذار/مارس 2023، حيث ساعدها على شن هجوم متجدد أسفر عن دمار واسع وتصعيد للأعمال القتالية في شمال دارفور، حيث حاصرت الفاشر لمدة 18 شهرا قبل اقتحامها.

ويرى خبراء أن هذا الدعم يأتي في إطار مشروع إماراتي لحماية مصالح اقتصادية ضخمة في السودان، تشمل السيطرة على موارد الذهب والوصول إلى موانئ البحر الأحمر الاستراتيجية، في حين لم توجه الولايات المتحدة أي إدانات رسمية للإمارات على دورها المباشر في تأجيج الحرب.

عرض هذا المنشور على Instagram ‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎Arabi21 - عربي21‎‏ (@‏‎arabi21news‎‏)‎‏
انتشار مرتزقة الدعم السريع
منذ بداية الحرب، أثير جدل حول مشاركة مجموعات من المرتزقة والمقاتلين الأجانب، على رأسها مجموعة فاغنر الروسية، التي تتعامل مع قوات الدعم السريع منذ عهد الرئيس المخلوع عمر البشير، بالإضافة إلى جماعات مسلحة من تشاد وأفريقيا الوسطى. 

وأفادت تقارير بأن بعض القوات المشاركة في الهجمات على قري السودان ليست سودانية، ولا تتحدث اللغة العربية، مما يعقد جهود السيطرة على الأزمة.

وأشار خبراء الأمم المتحدة في تقرير نشر في حزيران/يونيو 2023 إلى أن قوات الدعم السريع تستخدم منطقة أم دافوق على الحدود بين السودان وأفريقيا الوسطى "مركزا لوجستيا رئيسيا"، وأنها تتحرك بسهولة عبر الحدود بفضل شبكة قديمة أنشئت لهذا الغرض. كما جندت المليشيا عناصر من جماعات مسلحة في أفريقيا الوسطى للمشاركة في القتال داخل السودان.


أبعاد الأزمة الإنسانية
خلفت الحرب منذ نيسان/أبريل 2023 نحو 20 ألف قتيل وأكثر من 15 مليون نازح ولاجئ، وفق تقديرات الأمم المتحدة، فيما قدرت دراسة جامعية أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألف شخص. 

وقد أدى الحصار الطويل على الفاشر وعمليات القتل والتهجير إلى تفاقم الأزمة الإنسانية بشكل غير مسبوق، حيث يعيش السكان المدنيون في ظروف مأساوية، مع انعدام الغذاء والمياه والخدمات الأساسية.

وأكدت المنظمات الإنسانية الدولية أن قوات الدعم السريع ارتكبت "مجازر وانتهاكات جسيمة ضد المدنيين"، بما في ذلك الإعدامات الميدانية والاختطاف والتهجير القسري والتعذيب، كما استخدمت السكان كدروع بشرية في مناطق الحصار، ما يعكس حجم الانتهاكات الواسعة التي ترتكبها هذه المليشيا تحت الدعم العسكري الإماراتي.

عرض هذا المنشور على Instagram ‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎Arabi21 - عربي21‎‏ (@‏‎arabi21news‎‏)‎‏
تحركات دولية محدودة
على الرغم من استمرار الوساطات الإقليمية والدولية، لم يتمكن الوسطاء من إنهاء الحرب أو حماية المدنيين بشكل كامل. وقد حاولت جهات دولية منع تفاقم الصراع، لكن الدعم المستمر لقوات الدعم السريع، خصوصا من الإمارات، أعاق أي جهود فعالة لوقف الهجمات على المدنيين وإعادة الهدوء إلى المنطقة.

ويشير مراقبون إلى أن استمرار النزاع في السودان يعكس فشل المجتمع الدولي في فرض آليات ضغط فعالة على الأطراف المتحاربة، خاصة مع وجود مصالح استراتيجية لدول إقليمية، مثل الإمارات، التي تراعي مصالحها الاقتصادية والسياسية على حساب حياة المدنيين وسلامة البنية التحتية الحيوية في البلاد.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية الدعم السريع الفاشر السودانية الإماراتي السودان الإمارات الدعم السريع الفاشر المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة عرض هذا المنشور على Instagram تمت مشارکة منشور بواسطة قوات الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

جريمة مروعة.. الدعم السريع قتلت كل المرضى بمستشفيات الفاشر

كشفت مصادر طبية سودانية عن مجازر مروعة قامت بها قوات الدعم السريع في مدينة الفاشر خلال الساعات الماضية، راح ضحيتها أعداد كبيرة من المدنيين الضعفاء.

 وقالت شبكة أطباء السودان، الأربعاء، إن "قوات الدعم السريع" عمدت إلى تصفية جميع المرضى والجرحى بمستشفيات مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور غربي البلاد.

وأضافت عبر بيان: "في جريمة بشعة تخالف كل القوانين الإنسانية والأديان السماوية، أقدمت قوات من الدعم السريع أمس (الثلاثاء) على تصفية المرضى والمصابين داخل مستشفيات الفاشر، وقتلت بدمٍ بارد كل من وجدت داخل المستشفى السعودي من مرضى ومرافقين" دون تحديد عدد.

وحذرت الشبكة الطبية المستقلة من أن "المستشفيات بمدينة الفاشر تحولت إلى مجازر بشرية تحت أيدي الدعم السريع التي لا تفرّق بين مقاتل ومريض، ولا بين طفل وطبيب".


وأكدت أن "ما حدث ليس حادثة معزولة، بل حلقة في مسلسل الإبادة الجماعية الممنهجة التي تنفذها الدعم السريع ضد المدنيين بدارفور، وسط صمت دولي مريب ومخزٍ".

وحملت "الدعم السريع وقادتها المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة النكراء"، معتبرة "ما حدث جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية تستوجب الملاحقة والعقاب أمام المحاكم الدولية".

ودعت "الأمم المتحدة، ومنظمة الصحة العالمية، ومجلس الأمن، وكل المنظمات الحقوقية في العالم إلى كسر حاجز الصمت والتحرك الفوري لحماية من تبقّى من الكوادر الطبية والمرضى والمدنيين العزل في الفاشر".

والثلاثاء، طالبت منظمة الصحة العالمية، في بيان، بـ"إطلاق سراح كوادر طبية اختطفوا إثر استهداف تعرض له المستشفى السعودي، المنشأة الطبية الوحيدة التي تواصل عملها جزئيا في مدينة الفاشر".


كما دعت الأمم المتحدة "قوات الدعم السريع" إلى السماح "بممر آمن يتيح للمدنيين مغادرة مدينة الفاشر"، بينما اتهمت القوة المشتركة للحركات المسلحة الداعمة للجيش السوداني في دارفور "الدعم السريع" بقتل 2000 مدني في الفاشر خلال يومي 26 و27 من الشهر الجاري.

ومنذ أيام، تتهم السلطات السودانية ومنظمات دولية وأممية "قوات الدعم السريع بارتكاب مجازر وانتهاكات إنسانية" ضد المدنيين بمدينة الفاشر، بينها إعدامات ميدانية واعتقالات وتهجير، وذلك أثناء اقتحامها منذ الأحد، لمدينة الفاشر التي ظلت تحاصرها لأكثر من عام.

وقتل نحو 20 ألف شخص، فضلا عن أكثر من 15 مليون نازح ولاجئ، جراء الحرب المتواصلة بين الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع" منذ نيسان/ أبريل 2023، وفق تقارير أممية ومحلية، بينما قدّرت دراسة لجامعية أمريكية القتلى بنحو 130 ألفا.

مقالات مشابهة

  • «الشيوعي السوداني» يدين مجازر الدعم السريع ويستنكر انسحاب الجيش
  • مغردون يتساءلون: لماذا يتفاخر عناصر الدعم السريع بقتل المدنيين بالفاشر؟
  • جريمة مروعة.. الدعم السريع قتلت كل المرضى بمستشفيات الفاشر
  • الأمم المتحدة: الدعم السريع يرتكب فظائع وانتهاكات خطيرة في الفاشر وكردفان
  • «صحة دارفور»: مجازر تُرتكب بحق المدنيين في الفاشر
  • مشاهد وصور بالأقمار الصناعة توثق مجازر مروعة بالفاشر
  • رغم الاتهامات بارتكاب جرائم.. مستشار ترامب يدعو الدعم السريع لحماية المدنيين بالفاشر
  • رغم اتهامات بارتكاب جرائم حرب.. مستشار ترامب يدعو الدعم السريع لحماية المدنيين بالفاشر
  • قال إن العالم يراقب .. مسعد بولس: على الدعم السريع فتح ممرات إنسانية و حماية المدنيين بالفاشر