بعد الإزالة، اضطر كثير من السكان إلى مغادرة المنطقة، بينما لجأ آخرون إلى أطراف الحي، أو أقاموا مساكن مؤقتة في العراء..

التغيير: كمبالا

كان المشهد قاسيًا، في حي مانديلا جنوب الحزام بالعاصمة الخرطوم، صباح الثامن والعشرين من أكتوبر الماضي، وقف أبو مزمل صامتًا أمام منزله الذي تهدم بالكامل بعد أن اجتاحته الجرافات مع قوات عسكرية يزيد عدد أفرادها على ألف جندي، يحملون الأسلحة والخراطيش، صرخات الأطفال، غبار الركام، وصوت الأوامر يعلو على بكاء النساء.

انهارت غرفة على طفلتين أثناء عمل إحدى الجرافات

الدمار كان شاملًا، والجرافات واصلت عملها بلا توقف، بينما انتشرت القوات المدججة بالسلاح في أرجاء الحي، مانعة السكان من الاقتراب أو إنقاذ ما تبقى من متاعهم. وسط الفوضى، انهارت غرفة على طفلتين أثناء عمل إحدى الجرافات، ما أدى إلى وفاتهما في الحال.

يروي أبو مزمل لـ«التغيير» أنه لم يتمكن حتى من جمع حاجياته، وسط شتائم واتهامات وجهها الجنود للسكان بأنهم “أجانب” أو” متعاونون مع الدعم السريع” أو ” شفشافة”. ويقول إن حي مانديلا يضم أكثر من 11 ألف أسرة، أغلبهم نازحون من دارفور وجبال النوبة والجنوب منذ تسعينيات القرن الماضي، يعيشون على أراضٍ كانت في الأصل معسكرات نزوح منذ عامي 1991 و2003. ويؤكد أن السلطات لم تُخطرهم مسبقًا بموعد الإزالة، ولم توفر لهم بدائل سكنية.

بيتنا لم ينجُ رغم أن إخوتي في الجيش

لم يكن أبو مزمل من الخارجين عن القانون أو المعتدين على أراضٍ حكومية، بل ينتمي إلى أسرة عرف عنها الانضباط والالتزام، إذ يخدم ثلاثة من أشقائه في صفوف الجيش، أحدهم فقد حياته في كردفان، وآخران ما زالا في شندي بولاية نهر النيل. ومع ذلك، لم يشفع لهم هذا الانتماء، فبيتهم أُزيل كما أُزيلت بيوت الآخرين، دون رحمة، أمام الحملة التي اجتاحت الحي مع الفجر لتسقط المنازل على رؤوس ساكنيها.

وثائق حيازة موروثة

ويرى أن الاتهامات التي وجهت إليهم بأنهم “غرباء” أو “عناصر متمردة” ما هي إلا مبررات لسياسة تستهدف تهجير سكان جنوب الحزام وتشريدهم من أراضيهم بغير وجه حق. ويشير إلى أن السكان يمتلكون مستندات حيازة صادرة من إدارة تنمية الريف تثبت وجودهم القانوني، إلى جانب وثائق موروثة عن الأجداد، لكن السلطات تجاهلتها خلال الحملة التي وصفها بأنها «إزالة مقنّعة للهوية».

ويضيف أن الحكومة كانت قد شجّعتهم في السابق على البقاء، ووعدت بتنظيم الحيازة وتوفير الخدمات، بل استخدمت أصواتهم في الانتخابات المتعاقبة. كما أن السلطات فتحت في عام 2022 قرعة لتنظيم منطقة مانديلا، لكنها لم تنفذ أي خطوة لاحقة بسبب فشلها في توفير التعويضات، ما اعتبره السكان دليلاً على غياب النية الحقيقية لتنظيم السكن.

بعد الإزالة، اضطر كثير من السكان إلى مغادرة المنطقة، بينما لجأ آخرون إلى أطراف الحي، أو أقاموا مساكن مؤقتة في العراء. ويستبعد أبو مزمل أن تكون الحملة استهدفت إثنية محددة، مشيرًا إلى أن المنطقة تضم نحو 10 إثنيات مختلفة، من بينها (نوبة أنغولا) التي تكاد كل أسرة فيها تضم أفرادًا يخدمون في الجيش، ومع ذلك لم تسلم من الهدم. ويرى أن الدولة تتعامل مع سكان المنطقة باعتبارهم «بؤرة للمشكلات» أو مصدرًا للاضطرابات.

ويقول إن مناطق أخرى مثل قلب الأسد والوحدات تضم منازل أقيمت على أراضٍ مملوكة لأشخاص آخرين، وتم توزيعها بطريقة غير منظمة، وصُنفت لاحقًا كأراضٍ عشوائية، ما يعني أن سكانها لن يحصلوا على تعويضات أو حماية قانونية من الدولة.

من مانديلا إلى عطبرة.. امتداد الحملة شمالًا

لم تتوقف الإزالات عند الخرطوم. ففي عطبرة بولاية نهر النيل، تكرّر المشهد، حيث نفذت السلطات حملات واسعة لإزالة منازل السكان بدعوى مكافحة الظواهر السالبة وتنظيم السكن العشوائي. لكن هذه الإجراءات، بحسب مراقبين وناشطين حقوقيين، أعادت إلى الواجهة ما يُعرف شعبيًا بـ«قانون الوجوه الغريبة»، الذي يتضمن تمييزًا غير معلن ضد سكان ينحدرون من غرب السودان ودارفور وجبال النوبة.

وبحسب منشور للناشط حسن عمر العطبراوي بتاريخ 16 سبتمبر، استهدفت الحملة المشتركة أحياء الوحدة والجكو والطراوة وبنك وفلسطين، وأسفرت عن إزالة مبانٍ ومساكن عشوائية، إضافة إلى تدمير أدوات لتصنيع وتخزين المشروبات المحلية. وأكدت اللجنة الأمنية في عطبرة أن الحملة ستستمر حتى إزالة جميع الأحياء المصنفة كعشوائية، رغم انتقادات السكان الذين اعتبروا أن الإزالات تمت دون توفير بدائل سكنية أو دعم إنساني للأسر المتضررة.

يقول هاني، أحد سكان عطبرة في حديث مع «التغيير»، إن حي الطراوة نشأ نتيجة نزوح السكان من الخرطوم وأم درمان ومدني خلال موجات النزوح السابقة، على أطراف حي الوحدة وضواحي مايو، وكان عبارة عن رواكيب ومبانٍ بسيطة، وأحيانًا محلات خمور ومخدرات. ويضيف أن الحي تحوّل مع الوقت إلى مصدر مشكلات أمنية، ما دفع بعض أبناء عطبرة للمطالبة بإزالته.

ويشير إلى أن جزءًا من حي الوحدة كان قد خُطط وتم توزيع الأراضي فيه رسميًا، بينما ظل الجزء الآخر عشوائيًا بلا خدمات أو بنية تحتية. وبعد الإزالة، لم تقدّم السلطات أي تعويض أو معالجة للسكان، ومعظمهم ليسوا من أبناء عطبرة الأصليين، بل أُعيدوا إلى مناطق قدومهم في الخرطوم وأم درمان دون ترتيبات بديلة، ما تسبب في ازدحام الميناء البري، وتأزم أوضاعهم المعيشية.

إحياء قانون الوجوه الغريبة

يوضح المحامي دفع الله إبراهيم نورين أن هذه الإجراءات ترافقها تطبيقات ضمنية لما يُعرف بـ«قانون الوجوه الغريبة»، وهو قانون غير مكتوب يُستخدم لتبرير استهداف سكان من أصول غرب السودان ودارفور وجبال النوبة، خصوصًا في المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية أو العسكرية.

ويقول في مقابلة مع (التغيير) إن السكان الذين أُجبروا على النزوح لم يحصلوا على تعويضات أو بدائل معيشية، وإن ما يحدث يمس حرية التنقل والاستقرار، ويعكس سياسات تحمل دلالات سياسية واجتماعية تهدد النسيج الوطني، وتزيد احتمالات الانقسام.

هذه الإجراءات ترافقها تطبيقات ضمنية لما يُعرف بـ«قانون الوجوه الغريبة»

محامي

ويضيف نورين أن القانون غير الرسمي يُستخدم لتقييد حركة الأفراد بناءً على أصولهم العرقية أو مناطقهم، تحت غطاء سياسي لإزاحة سكان محددين دون ضمانات أو بدائل، ما يفضي إلى تداعيات إنسانية جسيمة.

ويشير إلى أن حملات الإزالة تنفذ بسرعة وبمهل قصيرة للإخلاء، وسط حضور أمني مكثف، ودون أي ترتيبات إيوائية، ما اضطر كثيرون للنزوح إلى العراء أو الاحتماء بمنازل أقاربهم.

وأكد  أن ما يجري ليس مجرد إزالة لأحياء غير منظمة، بل هو ممارسة ذات أبعاد سياسية وقانونية تمس حقوق الإنسان والحريات الأساسية، قائلاً إن “قانون الوجوه الغريبة يُطبّق بوجهه الخفي كأداة سياسية وأمنية تنكر حقوق المواطنين المهجّرين، دون أي تعويض أو بدائل، ما يجعل القضية ملفًا حقوقيًا وإنسانيًا بالغ الحساسية في ولاية الخرطوم، خصوصًا في جنوب الحزام.”

الوسومجنوب الحزام جنوب الخرطوم حرب الجيش والدعم السريع حملات الإزالة مدينة عطبرة

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: جنوب الحزام جنوب الخرطوم حرب الجيش والدعم السريع حملات الإزالة مدينة عطبرة جنوب الحزام أبو مزمل إلى أن

إقرأ أيضاً:

كاميرات جديدة تراقب كل مخالفة تلقائياً من الحزام إلى السرعة

صراحة نيوز- أعلن المدير التنفيذي للمرور في أمانة عمان الكبرى، المهندس محمد الجدوع، عن خطة لتركيب أكثر من 5500 كاميرا مراقبة في العاصمة بحلول عام 2026، ضمن مشروع شامل لتطوير منظومة الرقابة المرورية وتعزيز السلامة على الطرق.

وأكد الجدوع في حديث إذاعي أن الأمانة بدأت فعليًا بتركيب الجزء الأول من 2500 كاميرا، التي ستغطي التقاطعات والأنفاق والجزر المرورية، وستكون متصلة مباشرة بمركز التحكم المروري لتسهيل إدارة الحركة بالتعاون مع إدارة السير.

وأشار إلى أن النصف الثاني من عام 2026 سيشهد طرح عطاء لتركيب 3000 كاميرا إضافية، مخصصة لرصد المخالفات مثل عدم ارتداء حزام الأمان، استخدام الهاتف أثناء القيادة، تغيير المسرب المفاجئ، الوقوف في الأماكن الممنوعة، وتجاوز السرعة المقررة.

كما أوضح الجدوع أن المشروع سيتضمن تقنية جديدة لرصد معدل السرعة بين نقطتين، لتقليل التلاعب بالسرعات بعد تجاوز الكاميرات الثابتة، وسيتم تطبيقها على الشوارع الطويلة مثل شارع الأردن وطريق الحزام والطريق المؤدي إلى المطار، مستفيدين من تجارب ناجحة في دول مجاورة.

وأضاف أن 67 كاميرا رادار ستُركب بداية العام المقبل لرصد السرعة مباشرة، بالإضافة إلى كاميرات على الإشارات الضوئية لرصد التجاوزات والوقوف الخاطئ.

وعن الكاميرات الحالية في الشوارع الفرعية، بين الجدوع أنها تابعة لمركز القيادة والسيطرة، وبعضها للأمن العام، بينما البعض الآخر لرصد المخالفات.

وأكد أن هذه الخطوة تأتي ضمن مشاريع “عمان مدينة ذكية”، والتي تشمل إنشاء مركز رئيسي لمراقبة الحركة المرورية وربط كافة الكاميرات والخطوط به، ما سيسهم في بناء قاعدة بيانات دقيقة عن أنواع المركبات وعددها، لتحسين إدارة الحركة المرورية بكفاءة أكبر.

مقالات مشابهة

  • وزير الدفاع الإسرائيلي: لن نوقف الهجمات في لبنان .. ولن ننسحب من الحزام الأمني
  • قنابل موقوتة ..تهدد السكان وتتربص بالأطفال
  • الخرطوم تبدأ تفريغ العاصمة من الأجانب غير الشرعيين
  • أزمة لـ محمد صلاح داخل ليفربول بسبب الوجوه الجديدة.. ما القصة؟
  • يعقوبيان تعيد اقتراح قانون علنية الجلسات والشفافية البرلمانية
  • بنوك غزة بلا أموال تاركة السكان فريسة للاستغلال
  • وزيرة التنمية المحلية تتلقى تقريرًا حول نتائج حملة تفتيش مفاجئة بحي جنوب الجيزة
  • كاميرات جديدة تراقب كل مخالفة تلقائياً من الحزام إلى السرعة
  • رحمة محسن أمام النيابة بتهمة الفسق والفجور تثير الجدل في الوسط الفني