صراحة نيوز-بقلم: المحامي حسام العجوري

إن استمرار النهج المالي القائم على الاستدانة ورفع المديونية دون إنتاج حقيقي أصبح وصفة مؤكدة لبطء النمو وربما لانهيار اقتصادي محتمل. لذلك، فإن إعادة النظر في السياسة النقدية الأردنية ضرورة وطنية، وليست خيارًا مؤجلًا.

إن فكرة ربط الدينار الأردني بالقمح أو مجموعة من السلع الإنتاجية الوطنية – كالقمح، الزيت، الفوسفات، والطاقة الشمسية – تشكل نقلة فكرية نحو تحويل العملة إلى رمز يعكس قيمة الإنتاج الحقيقي لا مجرد احتياطي الدولار.

فالقمح يمثل الأمن الغذائي، والفوسفات يمثل الثروة الطبيعية، والطاقة تمثل المستقبل. حين تكون العملة مرتبطة بهذه القيم الإنتاجية، تصبح قوة الدينار انعكاسًا لقوة الأرض والعمل لا لقوة الدولار.

من هنا، يمكن للدولة أن تطبع خمسة عشر مليار دينار أردني، ولكن ليس لإغراق السوق بالسيولة الاستهلاكية، بل لتمويل مشاريع زراعية، حيوانية، دوائية وصناعية إنتاجية، ضمن نظام رقابي صارم يضمن أن كل دينار مطبوع يقابله مشروع حقيقي على الأرض، يخلق عملاً ويزيد الإنتاج والصادرات. هذا ليس تضخمًا نقديًا، بل استثمار إنتاجي يعيد الدورة الاقتصادية للحياة.

اليوم، البنوك التجارية الربوية تفتح أبوابها لتمويل شراء السيارات أو بناء المجمعات السكنية، لكنها تغلقها أمام المزارع الذي يريد حفر بئر، أو المستثمر الذي يريد إنشاء مصنع غذائي. أما صندوق الإقراض الزراعي، فهو غير قادر على تلبية احتياجات المزارعين للمشاريع الاستثمارية الضخمة، إذ لا تتجاوز القروض غالبًا عشرة آلاف دينار، وهو مبلغ لا يكفي حتى لحفر بئر واحد أو شراء نظام ري حديث.

النتيجة أن رأس المال الوطني اتجه نحو البناء لا الإنتاج، ونحو الإسمنت لا الزراعة، ونحو الاستيراد لا التصدير. هذه غفلة اقتصادية كارثية، وزاد عليها تقصير وزارة الزراعة في عدم زراعة الزيتون والأشجار الحرجية، ما أدى هذا العام إلى نقص في الزيت وارتفاع أسعار الزيتون بشكل كبير، وهو ما يهدد الأمن الغذائي والاقتصادي للمواطنين.

التجارب العالمية أمامنا واضحة:

الولايات المتحدة خلال أزمة كورونا طبعت أكثر من ثلاثة تريليونات دولار ضمن ما يعرف بـ”التيسير الكمي” (Quantitative Easing)، لتحفيز الإنتاج وحماية سوق العمل.

الاتحاد الأوروبي واليابان ساروا على النهج نفسه، ونجحا في منع الانكماش الاقتصادي.
فلماذا لا يحق للأردن، ضمن رقابة محكمة، أن يطبع خمسة عشر مليار دينار ويوجهها لمشاريع إنتاجية وطنية تعيد التوازن بين العملة والإنتاج؟

لقد آن الأوان لإنشاء بنوك حكومية متخصصة، مثل:

بنك الزراعة الحكومي لتوفير التمويل اللازم للمزارعين والمشاريع الزراعية الكبرى.

بنك الصناعة الحكومي لتمويل المصانع والمشاريع الصناعية الاستراتيجية.

بنك الدواء الحكومي لتمويل الصناعات الدوائية والأبحاث الطبية.

هذه البنوك ستستفيد من الفوائد والأرباح لصالح ميزانية الدولة بدل أن تذهب إلى البنوك الربوية والأجنبية، وهو ما يعزز الاقتصاد الوطني ويعيد الدورة النقدية إلى الإنتاج المحلي.

لقد آن الأوان لعقد اجتماع وطني واسع يضم خبراء السياسة النقدية وخبراء الاقتصاد والإنتاج، لوضع تصور جديد يعيد هيكلة الاقتصاد الأردني على أسس إنتاجية لا استهلاكية، والبدء فورًا في مشاريع استراتيجية زراعية وصناعية، إلى جانب مشروع تحلية مياه البحر الأحمر الجاري تنفيذه، واستغلال آبار خان الزبيب، وجلب محطات تنقية المياه، ودمج الطاقة المتجددة.
فالمطلوب هو مشاريع تنفذ وتنتج.

انظروا إلى مصر اليوم، التي تسعى لتصبح سلة غذاء الشرق الأوسط عبر التوسع الزراعي والصناعات الغذائية. بينما نحن نُنفذ مشروع تحلية مياه البحر الأحمر لتعزيز الأمن المائي والاقتصادي للأردن، مع الاستفادة من آبار خان الزبيب وجلب محطات تنقية المياه لضمان توفير مياه نظيفة مستدامة للزراعة والصناعة.

لقد فشلت الحكومات المتعاقبة في خفض الدين العام الذي تجاوز 46 مليار دينار، وكل حكومة تأتي ترفع الدين أكثر دون نتائج ملموسة. استمرار هذا النهج يعني أننا نسير بخطى ثابتة نحو أزمة مالية حقيقية، تهدد قيمة الدينار وتضعف قدرة الدولة على الإنفاق والخدمات.

إن النظريات الاقتصادية الحديثة، من كينز إلى المدرسة النقدية الجديدة، تؤكد أن الاستثمار في الإنتاج هو الطريق الأضمن لتعافي الاقتصاد، لا التقشف ولا رفع الضرائب. كما أن تجارب دول مثل الصين والهند وتركيا أظهرت أن النمو الحقيقي يبدأ عندما تصبح السياسة النقدية في خدمة الزراعة والصناعة، لا في خدمة البنوك الربوية أو المقاولات العقارية.

نحن بحاجة إلى سياسة نقدية وطنية مستقلة وشجاعة، تربط قيمة الدينار بقدرة الأردن على الإنتاج لا بالدولار، وتضخ سيولة إنتاجية محكمة بمقدار خمسة عشر مليار دينار، تموَّل مشاريع تخلق عملاً، وتنتج غذاءً، وتصنع دواءً، وتبني اقتصادًا قائمًا على حدالقيمة الحقيقية لا القروض.
كما نحن بحاجة إلى مشاريع استراتيجية زراعية وصناعية، وتحلية مياه البحر الأحمر، واستغلال آبار خان الزبيب، وجلب محطات تنقية المياه، والطاقة المتجددة، بالإضافة إلى إنشاء بنك الزراعة الحكومي، بنك الصناعة الحكومي، وبنك الدواء الحكومي، لتصبح الفوائد والأرباح لصالح الحكومة والاقتصاد الوطني بدل البنوك الربوية والأجنبية .

المصدر: صراحة نيوز

كلمات دلالية: اخبار الاردن الوفيات أقلام مال وأعمال عربي ودولي منوعات الشباب والرياضة تعليم و جامعات في الصميم ثقافة وفنون نواب واعيان علوم و تكنولوجيا اخبار الاردن الوفيات أقلام مال وأعمال عربي ودولي نواب واعيان تعليم و جامعات منوعات الشباب والرياضة توظيف وفرص عمل ثقافة وفنون علوم و تكنولوجيا زين الأردن أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام

إقرأ أيضاً:

تفاصيل اجتماع وزيرة العمل مع وزير الاقتصاد الرقمي الأردني

بحثت وزيرة العمل الفلسطينية إيناس عطاري، مع وزير الاقتصاد الرقمي والريادة الأردني سامي سميرات، سبل التعاون المشترك بين البلدين في مجالات الابتكار، وريادة الأعمال، وتنمية المهارات الرقمية لدى الشباب والنساء.

واطلعت عطاري خلال زيارتها، اليوم الأحد، العاصمة الأردنية عمّان، وبرفقتها وفد من الوكالة البلجيكية للتعاون الإنمائي، على التجربة الأردنية الرائدة في مجال التحول الرقمي، بما في ذلك الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي لعام 2023، وعدد من المبادرات الريادية التي تنفذها وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة الأردنية كبرنامج Qissa Tech الموجه للنساء، وبرنامج Hafez لدعم الخريجين، إضافة إلى مشاريع تطوير المهارات المتقدمة والتقنيات المزودة بالذكاء الاصطناعي.

وبحث الطرفان فرص التعاون والشراكة في مجالات الريادة الخضراء، والعمل الحر الرقمي، والابتكار الزراعي، والصناعات الإبداعية، وأهمية تنظيم برامج تدريب وتبادل معرفي ومسابقات "هاكاثون" مشتركة لتطوير الحلول الرقمية بين الشباب في البلدين.

وشددا على أهمية تعزيز الاستثمار في دعم الشركات الناشئة، ومنحها التسهيلات اللازمة لتمكين بيئة الابتكار، إلى جانب مقترح إطلاق برنامج مشترك لتشجع الريادة والابتكار بين الشباب الفلسطيني والأردني، يشمل التدريب المهني ودعم التعاونيات وبناء شراكة استراتيجية وطويلة الأمد مع وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة الأردنية، ما يسهم في دعم التحول الرقمي وتعزيز فرص التشغيل لدى الشباب الفلسطيني.

بدوره، أكد سميرات عمق العلاقات الأخوية التي تجمع الشعبين الشقيقين، مبدياً استعدادهم للتعاون الكامل في تطوير برامج رقمية من شأنها مساعدة الشباب الرياديين، وتعزيز جهود التنمية وتمكين الشباب وإيجاد فرص عمل لهم.

في السياق، افتتحت العطاري، مؤتمر "الريادة بلا حدود: حوار استراتيجي فلسطيني- أردني"، والذي يهدف إلى تعزيز التعاون في مجالات الريادة والابتكار وتبادل الخبرات بين البلدين، بالرعاية والشراكة ما بين وزارة العمل ووزارة الاقتصاد الرقمي والريادة الأردنية، ورعاية سميرات، وحضور سفير الاتحاد الأوروبي لدى المملكة الأردنية بيير–كريستوف شاتزيسافاس، ومديرة الوكالة البلجيكية للتعاون الدولي في الأردن وفلسطين هايدي دي باو، والمستشار السياسي في السفارة البلجيكية ناثان راسكينيه، بمشاركة ذوي الاختصاص من البلدين وعدد من ممثلي المؤسسات الداعمة لريادة الأعمال.

وأكدت أن هذا الحوار يشكل فرصة حقيقية لتبادل التجارب بين الأردن وفلسطين في دعم الرياديين الشباب وتمكين المرأة اقتصاديا، مشيرة إلى أن الزيارات الميدانية التي قام بها الوفد الفلسطيني إلى عدد من المؤسسات الأردنية أظهرت نموذجا ناجحا يحتذى به في تطوير بيئة الأعمال وربط التعليم المهني بريادة الأعمال، مؤكدة حرص الحكومة الفلسطينية على مواصلة التعاون مع الأردن في مجالات الريادة والمهارات الرقمية.

وأشارت إلى أن الريادة ليست رفاهية اقتصادية بل ضرورة وطنية لتجاوز الأزمات وخلق فرص عمل للشباب، ومعدلات البطالة في فلسطين بلغت 52%، منها 85% في قطاع غزة ، و32% في الضفة الغربية.

وأضافت العطاري أن المرأة الفلسطينية تشكل نحو 36% من رواد الأعمال في فلسطين، وهي نسبة تفوق المعدل الإقليمي، ما يعكس إصرارها على المساهمة الفاعلة في تنمية الوطن رغم التحديات.

وتطرقت إلى جهود وزارة العمل وصندوق التشغيل في دعم الريادة والتشغيل، وأسفرت البرامج المنفذة خلال العامين الماضيين عن توفير أكثر من 15 ألف فرصة تشغيل، وتدريب أكثر من 9 آلاف شاب وشابة على مهارات ريادة الأعمال والعمل الذاتي والمهارات الرقمية.

كما استعرضت نموذج التعاون الناجح من خلال برنامج YEP الذي نفذ بدعم من Enabel وبالشراكة مع وزارة العمل الفلسطينية وذراعه التنفيذي صندوق التشغيل، والذي مكّن مئات الشباب من إطلاق مشاريع ريادية صغيرة ومتوسطة، وربطهم بشبكات التمويل وحاضنات الأعمال، إلى جانب تنفيذ برامج تدريب نوعية في مجالات مهنية وإبداعية متعددة.

في سياق متصل، أشارت العطاري إلى جهود الوزارة في تطوير المنصة الوطنية للتشغيل المبنية على الذكاء الاصطناعي والمدعومة من الحكومة البلجيكية، والتي تهدف إلى مواءمة مهارات الباحثين عن عمل مع احتياجات السوق المحلي والإقليمي، في إطار التحول الرقمي ودعم التشغيل المستدام، لأن الوزارة تنظر إلى الريادة باعتبارها مكوّنا أساسيا من منظومة التشغيل الوطني، ووسيلة لتعزيز الابتكار وتحفيز الاقتصاد المحلي، بما ينسجم مع أهداف التنمية المستدامة.

بدوره، قال سميرات إن الأردن، بتوجيهات ملكية، قطع خطوات واثقة في بناء بيئة ريادية محفزة للابتكار جذبت كبرى شركات التكنولوجيا العالمية وأسهمت في تعزيز مكانة المملكة كمركز إقليمي لريادة الأعمال.

من جهته، أكد تشاتزيسافاس دعم الاتحاد الأوروبي لمشروع تمكين الشباب الاقتصادي في فلسطين (YEP) لتعزيز منظومة ريادة الأعمال الإقليمية، من خلال الاستعانة بتجربة الأردن وإمكاناته الرائعة.

من جانبها، قالت دي باو، إن تنظيم هذا اللقاء يأتي في إطار دعم التعاون الإقليمي لتطوير منظومات ريادة الأعمال في المنطقة، مؤكدة التزام الوكالة بمواصلة دعم المبادرات التي تجمع بين الابتكار والتعليم المهني وريادة الأعمال الشاملة.

وشهدت الفعالية جلستين حواريتين تناولتا التجارب الريادية عبر الحدود وربط التعليم المهني بريادة الأعمال، بمشاركة خبراء من الوزارات والجامعات والقطاع الخاص في الأردن وفلسطين، إلى جانب عرض أول للمنصة الفلسطينية الجديدة للتشغيل عبر الذكاء الاصطناعي.

واختتمت أعمال الفعالية بالتأكيد على أهمية استمرار الحوار الأردني–الفلسطيني في مجالات الابتكار وريادة الأعمال وبناء شراكات عملية تُسهم في دعم الشباب وتمكينهم من تحويل أفكارهم إلى مشاريع إنتاجية مستدامة.

المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين المجدلاوي: إعطاء الشعب الفلسطيني حقه هو الحل الاستراتيجي والنهائي لإنهاء الصراع مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى حماس ترد على تصريحات أميركية حول مزاعم “نهب شاحنة مساعدات” الأكثر قراءة شهيد في غارة إسرائيلية استهدفت مركبة شرق لبنان إسرائيل: المستشارة القضائية ترفض قانونا يوقف محاكمة نتنياهو الحكومة الإسرائيلية: سنحتفظ بالسيطرة الأمنية الكاملة على قطاع غزة محدث: ريال مدريد يفوز على برشلونة ويوسع الفارق بصدارة الدوري عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • تفاصيل اجتماع وزيرة العمل مع وزير الاقتصاد الرقمي الأردني
  • خبير اقتصادي يحذر: الدين العام للأردن يقترب من 48 مليار دينار ويثقل كاهل كل مواطن
  • متبقيات المبيدات ينظم ورشة عمل لمنتجي ومصدري الفراولة
  • البنك الأردني الكويتي يحقق 117 مليون دينار أرباحاً صافية
  • السياسة النقدية… عش الدبابير السوداء
  • مصدر حكومي:استدعاء وزير التربية من قبل النزاهة لسرقته 21 مليار دينار جراء عقود فاسدة
  • وزير الاستثمار يزف بشرى عن الاقتصاد المصري
  • استقرار سعر الدينار الكويتي بنهاية تعاملات اليوم الخميس في البنوك المصرية
  • بولاط: المقاولون الأتراك أنجزوا مشاريع بـ36.5 مليار دولار في العراق