هل يعارض ترامب ضم الضفة الغربية أم توقيته فقط؟
تاريخ النشر: 2nd, November 2025 GMT
بعد مصادقة الكنيست في القراءة التمهيدية على قانون ضم الضفة الغربية المحتلة، صدرت تصريحات أميركية رسمية تؤكد على رفض ذلك، مع إيحاء بأن الولايات المتحدة لن تسمح به، بيدَ أن القراءة المعمقة تشير إلى أن ذلك قد لا يكون دقيقا بالضرورة.
رفض أميركيمنذ احتلاله لها عام 1967، يسعى الاحتلال لفرض سيطرته الفعلية على الضفة الغربية المحتلة وزيادة الاستيطان فيها فيما كان يعرف بـ "الضم الصامت".
وفي الاتفاقية الائتلافية بين نتنياهو وسموتريتش عام 2022، تحدث الأخير عن اتفاق على "التمهيد لفرض السيادة على الضفة الغربية" تاركا ذلك لـ "الوقت المناسب". كما تباهى في يوليو/تموز 2023 بأن الحكومة "تغير البنية التحتية والملكية والقانونية، وتغير الحمض النووي لنظام الاحتلال، ببطء ولكن باحترافية". وفي سبتمبر/أيلول الفائت، دعا إلى أن تعلن "إسرائيل" ضما رسميا لـ82% من مساحة الضفة المحتلة.
في رد على اعتراف أعداد متزايدة من الدول بالدولة الفلسطينية، وفي سعي واضح لمنع تحقق ذلك، وبدفع من أحزاب متطرفة ووزراء في حكومة الاحتلال، صادق الكنيست في الـ22 من الشهر الجاري بالمناقشة التمهيدية على قانون "فرض السيادة" على الضفة الغربية المحتلة، بتأييد 25 نائبا ومعارضة 24.
وفي تعليق فوري على التصويت، قال وزير الأمن القومي- في دولة الاحتلال وأحد أكبر داعمي القرار- إيتمار بن غفير إن "وقت فرض السيادة على الضفة حان الآن".
وقد توالت التصريحات الرسمية الأميركية الرافضة لتصويت الكنيست. حيث أكد ترامب نفسه بأن "إسرائيل لن تفعل شيئا في الضفة الغربية"، مؤكدا أن ذلك "لن يحدث"، ومكررا ذلك ثلاث مرات.
كما حذر وزير الخارجية ماركو روبيو من أن "هذا الاقتراح يعرض خطة الرئيس ترامب للسلام للخطر". بينما جاء التصريح الأكثر حدة من نائب الرئيس جيه دي فانس الذي صادف نقاش الكنيست زيارته "إسرائيل"، حيث وصف التصويت بأنه "مناورة سياسية غبية"، مؤكدا أن ذلك "أزعجه شخصيا"، وأن حكومة بلاده لم تكن راضية عنه.
إعلانتزامُن هذه التصريحات مع زيارات مكثفة لعدد من المسؤولين الأميركيين، بدءا من ترامب نفسه، مرورا بوزير خارجيته روبيو، ونائبه فانس، وليس انتهاء بمبعوثيه ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، أوحى بأن الإدارة الأميركية تفرض ضغوطا كبيرة على حكومة نتنياهو فيما يتعلق بالوضع الميداني في غزة، ومسألة ضم الضفة الغربية ولا تريد أن تترك لها القرار بخصوصهما.
بل دفع ذلك بعض قيادات المعارضة للقول إن ترامب هو من يدير الأمور في "إسرائيل" التي باتت برأيهم "منقوصة السيادة"، خصوصا أن نتنياهو سارع إلى طمأنة الجانب الأميركي بأن مشروع القانون أتى من جانب المعارضة، وأن هدفه "تخريب العلاقات مع الولايات المتحدة"، مؤكدا أن القرار "لن يقر في النهاية".
أوحى كل ذلك بأن للإدارة الأميركية موقفا حاسما ونهائيا برفض ضم "إسرائيل" للضفة الغربية المحتلة، بما يشكل ضمانة لعدم حصول ذلك على الأقل في ظل إدارة الرئيس ترامب. فهل هذا صحيح ودقيق؟
التوقيت والسياقشخصية ترامب، ومواقفه السابقة، وتصريحاته الحالية، وسياق التطورات الأخيرة، تدفع إلى الكثير من الحذر في مقاربة رفضه ضم الضفة الغربية، وتحيل أكثر على موقف ظرفي وسياقي قد يكون مؤقتا ويتغير لاحقا.
فالرجل بات معروفا بتناقض التصريحات وتقلب المواقف بشكل بات يشكل جزءا وثيقا في شخصيته، ما يجعل الركون إلى تصريحاته الحالية ضربا من المغامرة.
كما أن ترامب، الذي قدم لدولة الاحتلال في حربها على غزة دعما غير مسبوق تفاخر به أمام الكنيست، كان قد اعترف بالقدس عاصمة لها ونقل سفارة بلاده لها في 2018، إضافة لاعترافه بضمها مرتفعات الجولان السورية عام 2018. وفي حملته الانتخابية الأخيرة وعد ترامب باعتراف بلاده بضم الضفة الغربية، مشيرا إلى أن "مساحة إسرائيل صغيرة" وتحتاج لأن تتوسع.
في تصريحاته الحالية الرافضة الضمَّ، لا يقدم الرئيس الأميركي صياغات حاسمة بمنع الأمر، وإنما يحذر من فقدان الدعم الأميركي "إذا ما حصل الضم".
بل إن بعض تصريحاته أشارت بشكل مباشر للتوقيت، إذ قال عن الضم "لن يحدث ذلك، لا يمكن القيام بذلك الآن". كما تضمنت تصريحات رسمية أخرى دعوة "إسرائيل" للتحلي بالصبر لقطف الثمار وتحقيق الأهداف التي تريدها، على غرار طلب فانس من نتنياهو "امنح الصفقة فرصة، وأتح لها الوقت لجعل الأمور تتحقق".
فالإدارة الأميركية تتعامل مع حكومة نتنياهو بمنطق "أم الولد" الأدرى منه بمصلحته، والتي تحاول أن تحميه حتى من نفسه (واستعجاله وتهوره) أحيانا، ولذلك فهي ترى مصالح راجحة في عدم ضم الضفة الغربية الآن لعدة أسباب.
في المقام الأول، تريد الإدارة الأميركية تثبيت وقف إطلاق النار في غزة والانتقال للمرحلة الثانية التي كرر ترامب مرارا حاجته للدول العربية في تنفيذها، وخصوصا دعمها لفكرة القوات متعددة الجنسيات في غزة.
ولأنه يدرك الموقف العربي (والإسلامي) الرافض بشدة ضم الضفة الغربية، يخشى الرئيس الأميركي من تأثير ذلك على دعم الدول العربية لخطته، ولذلك فقد أكد في تصريحه الأخير المشار له بأن ضم الضفة "لن يحدث، لأنني وعدت الدول العربية"، وهو ما يؤكد عليه تحذير روبيو من تأثير ذلك على خطة ترامب كما سبق.
إعلانشيء شبيه يمكن ذكره في إطار سعي الإدارة الأميركية لأن يكون الاتفاق الحالي منطلقا لاتفاقات تطبيع إضافية مع بعض الدول العربية والإسلامية، وهو ما يمكن أن يواجه صعوبات حقيقية إذا ما ضمت "إسرائيل" الضفة.
كما أن انفجار الأوضاع في الضفة احتمال قائم في ظل ممارسات الاحتلال فيها خلال حرب الإبادة، وانتقال الزخم من غزة لها فيما بعد وقف إطلاق النار، والتعنت "الإسرائيلي" المستمر بخصوص مستقبل غزة، ورفض تسليمها حتى للسلطة الفلسطينية بما يشكل انسدادا سياسيا إضافيا، ما يجعل مسارا رسميا نحو الضم بمثابة الصاعق الذي يمكن أن يفجر الهدوء النسبي الحالي.
كما أن احتمال التصعيد في المنطقة ضد إيران و/أو لبنان وربما اليمن ما زال قائما، وهو ما لا تعارضه الإدارة الأميركية بل تستخدمه كأداة ضغط على الأطراف المذكورة، فضلا عن استمرار تدفق أسلحتها إلى "إسرائيل" مؤخرا، وبالتالي سيكون قرار الضم عاملا منغصا ومشوشا على المسار ومواقف الدول العربية منه.
أخيرا، فإن الموقف الأميركي الرافض تصويت الكنيست لم يتطرق لعملية الاستيطان المستمرة والتي تغوّلت على الضفة الغربية وقوضت أي إمكانية للدولة الفلسطينية المفترضة مستقبلا، وهو مسار مرشح للتسارع أكثر في ظل المزايدات الانتخابية المتوقعة قبيل انتخابات الكنيست المنتظرة العام المقبل.
وعليه، فعدم الإعلان عن الضم بشكل رسمي و"قانوني" لا ينفي ولا يلغي المسار العملي المستمر باطراد وتسارع في تغيير الوقائع وفرض أمر واقع جديد. وهو ما أشار له حزب الليكود الذي انتقد ما عده "قانونا استعراضيا يهدف للإضرار بعلاقتنا مع واشنطن"، مؤكدا أنه يجب أن "نعزز الاستيطان يوميا بالأفعال وليس بالكلام".
وأشار لنفس المضمون رئيس الائتلاف الحكومي في الكنيست أوفير كاتس، الذي قال إنه "لن تتحقق السيادة الحقيقية بقانون استعراضي للبروتوكول، وإنما بالعمل على أرض الواقع وتهيئة الظروف السياسية المناسبة للاعتراف بسيادتنا، كما حدث في مرتفعات الجولان والقدس".
في الخلاصة، فإن رفض الإدارة الأميركية ضم الضفة الغربية ليس موقفا مبدئيا يبني على الوضعية السياسية والقانونية للضفة ومستقبل القضية الفلسطينية وفرص إقامة الدولة، وإنما لتحقيق أهداف ظرفية ترتبط بشكل أساسي بضمان دعم الدول العربية في تنفيذ المرحلة الثانية في غزة، فضلا عن مسارات التطبيع مع بعضها كما تأمل إدارة ترامب، الذي كان هو نفسه من وعد باعتراف بلاده بضم الضفة في حملته الانتخابية الأخيرة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات الإدارة الأمیرکیة على الضفة الغربیة ضم الضفة الغربیة الغربیة المحتلة الدول العربیة مؤکدا أن وهو ما فی غزة
إقرأ أيضاً:
الأونروا: عنف المستوطنين في الضفة الغربية يتصاعد لأعلى مستوى منذ عقد
صراحة نيوز -أفادت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” بأن عنف المستوطنين في الضفة الغربية وصل إلى أعلى مستوى له منذ أكثر من عقد من الزمن. وأوضحت الوكالة أن الشهر الماضي سجل الأكثر عنفًا منذ بدء توثيق هذه الانتهاكات قبل 12 إلى 13 عامًا، حيث تركزت الهجمات بشكل رئيسي خلال موسم قطف الزيتون، مما أدى إلى منع المزارعين الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم وتهديد مصادر رزقهم.
وأشار تقرير الأونروا إلى استمرار عمليات الطرد القسري للفلسطينيين، خاصة في شمال الضفة الغربية بمخيمات جنين وطولكرم ونور شمس، بالتزامن مع توسع الاستيطان وعمليات تدمير وإخلاء المنازل، ما تسبب في نزوح مئات العائلات. وشملت الانتهاكات رشق الحجارة، وإطلاق النار، وحرق السيارات والممتلكات، وطرد الفلسطينيين من أراضيهم الزراعية.
وحذرت الأونروا من أن غياب التدابير الإسرائيلية الفعالة للحد من هذه الهجمات قد يمهد لمزيد من عمليات الضم الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.