باريس تطوي صفحة من ماضيها.. وداع أخير لرمز فرنسي شهير
تاريخ النشر: 6th, November 2025 GMT
أعلنت شركة النقل العام في باريس عن التوقف النهائي عن بيع تذاكر المترو الورقية التقليدية، بعد استخدامها لأكثر من 125 عاما.
ويأتي القرار ضمن عملية انتقال تدريجية نحو التذاكر الإلكترونية وبطاقات السفر الذكية، في إطار تحديث شامل لأنظمة النقل في العاصمة الفرنسية.
وانتهى بيع التذاكر الورقية رسميا، الأربعاء، في خطوة تمثل المرحلة الأخيرة من تقليص نقاط بيع التذاكر الورقية.
وكانت الشركة قد ألغت قبل عامين بيع "حزمة العشر تذاكر"، التي كانت تباع بسعر مخفض وتعد خيارا مفضلا لدى السياح.
وأوضحت الشركة أن من لا يزال يحتفظ بتذاكر ورقية غير مستخدمة يمكنه استعمالها حتى العام المقبل، كما يمكنه استبدالها لاحقا.
وقالت الشركة إن إلغاء التذاكر الورقية، التي ظهرت لأول مرة مع افتتاح خط المترو الأول في باريس قبل 125 عاما، يهدف إلى تقليل الأثر البيئي الناتج عن تصنيع وإعادة تدوير التذاكر الورقية، إضافة إلى تسهيل حركة الركاب وتحسين تجربة السفر عبر وسائل النقل العام.
وكانت الشركة قدرت في بداية عملية التحول أن عدد التذاكر الورقية المباعة سنويا تجاوز 500 مليون تذكرة، كانت تنتهي غالبا في القمامة أو تلقى في الشوارع.
المصدر: سكاي نيوز عربية
كلمات دلالية: ملفات ملفات ملفات التذاكر الإلكترونية باريس فرنسا أمن فرنسا علم فرنسا التذاكر الإلكترونية باريس أخبار فرنسا
إقرأ أيضاً:
في وداع إسكندر حبش والروائح
ربما لموت كاتب أو مترجم قرأتُ له شكل الرائحة. هي وحدها التي تستثير أبعد الذكريات، والأحداث، لكأنما تتجسد أمامك، كأنك وللمرة الأولى توشك على الإمساك بشعور ما، تقبض عليه وتقول ها هو ذا. يغمرني مناخ آخر، زمنٌ آخر فور أن أشمَّ.
هذا ما أحسستُ به عندما تلقيتُ خبر وفاة إسكندر حبش، لكنها مختلفة هذه المرة؛ إذ إنه يَكتبُ أسبوعيًا بجانب عمودي هذا، يراجع أحيانًا كتبًا لم تتُرجم بعد، أكون قد عرفتها قبل ذلك لأنني سمعتُ بها، أو هي لكاتب أحبُ أعماله وأتابع جديد إصداراته، وأُعجب بسرعة التقاطه لها خصوصًا وأنها لم تترجم للعربية. عندما فازت هانغ كانغ بنوبل للآداب العام الماضي 2024 كان قد استعاد مقالةً له كُتبت عن أعمالها قبل ذلك، كان هناك يحرسُ الأدب، يحبه، ومولع به حتى النهاية.
كنتُ سعيدة للغاية أن إسكندر حبش خصَّ جريدة بلادي بكتابة أسبوعية، وسعيدة أيضًا لوعي من يقفون خلف قرار كهذا، وكنتُ سعيدة بلا شك أنني أكتبُ بجانب عموده. قبل بضعة أسابيع، لم يُنشر مقالي الأسبوعي، فسألتُ أحد الزملاء المسؤولين عن الصفحة الثقافية عن سبب عدم نشره، فقال لي سقط سهوًا بسبب خطأ ما، لكنه ليس مقالك وحدك، مقال إسكندر حبش أيضًا وآخرين.
استعدتُ مع خبر الوفاة ذلك الشتاء البارد في 2012، حينما كنتُ طالبة في جامعة الكويت. عندما استعرتُ بالصدفة من مكتبة الجامعة مجموعة شعرية مترجمة بعنوان «أن تكون شاعرًا» لياورسلاف سيفرت، فتحتها على أمل معرفة معنى أن يكون المرء شاعرًا، حينها لم أجرؤ على مجرد تخيل أن أكتب الشعر يومًا، أحببت قراءته فحسب، بل أنني أدين للشعر بكل ما مررت به من تغيير وتحول فكري.
كنتُ في ذلك الحين قد أسستُ مع أصدقائي مجموعة لقراءة الشعر، قرأنا بيان حداثة الشعر العربي لأدونيس، ومن بعده سوزان برنارد، وتطرفنا في خياراتنا، التي نفرّت منا المنافحين عن الشعر العربي العمودي، والذي لم يكن معنا مشكلةٌ معه، أدونيس نفسه رأى في شعرائه حداثة في كثير من قصائدهم، لكن المشكلة كانت تكمن فيما تدعو إليه حداثة الشعر من حداثة في المجالات الأخرى، الدين والاقتصاد وغيرها. وُصمنا لهذا، وأقصينا. كنا خمسة فقط، أنا الفتاة الوحيدة بينهم، وغير الكويتية الوحيدة بينهم أيضًا. سُرعان ما انتشر الخبر عن المجموعة، لتضم مكتبة آفاق بفرعها في مجمع التلال بالشويخ الذي لم يعد له وجود، وفودًا من محبي الشعر، أعداد تزيد كل مرة، نقرأ نزيه أبو عفش، قاسم حداد، محمود درويش، وديع سعادة، يا الله على هذا الأخير، إذ أصبح «موضة» بين الشباب في الكويت آنذاك، انتهى الأمر بدعوته لمساء في المكتبة بدعوة من مجموعتنا التي كبرت، و«شبكت» مع مثقفين مهمين في الكويت، ساهمت في إرواء عطشنا في استضافة الكُتاب الذي لا حيلة لطلبة جامعيين لاستضافتهم.
أعلن قسم الأدب العربي في جامعة الكويت عام 2013 عن مناظرة حول الحداثة في الشعر بين فريقين أحدهما معها وآخرون يعارضونها تمامًا. انتشر الإعلان في الكويت، شاركه كُتاب متحققون عبر حساباتهم في تويتر وفيس بوك وانستغرام، كنتُ في الفريق مع صديقي الكاتب مبارك كمال، الذي صدرت له مؤخرًا رواية قصيرة ساحرة بعنوان: «انتحار بطيء» وهي عن أيام الجامعة أيضًا. معنا في الخلفية صديقنا الشاعر جابر النعمة الذي كان يكتب القصيدة العمودية ويعرف بحور الشعر بمجرد سماعها وهو ما كان مدهشًا بالنسبة لفاشلة مثلي في فهم وتعلم أي شيء حول ذلك. أما قسم الأدب العربي بكلية الآداب بجامعة الكويت فأنا لم أدرس فيه إلا مقررًا إلزاميًا، عن الأدب العربي القديم بداية 2011، ودرسني فيه أستاذ يهوى عُمان، حتى أنه تزوج عمانية، كان في نهاية الخمسينات من عمره، غضبَ مني لأنني كنتُ ارتدي الخمار وقتها، ورأى ذلك غريبًا بالنسبة لما يعرفه عنا. مررتُ في ذلك الوقت بتحولات فكرية عنيفة، كنتُ مترددة كما ينبغي لشابة في ذلك العمر حسبما أعتقدُ الآن، إلا أنني كُنت أعرف معنى القصائد التي يطرحها في صالة تضم حوالي ١٥٠ طالبة ولا أستطيع حفظها.
في ذلك الصباح الذي جرت فيه المناظرة راجعنا كتاب «فاتحة لنهاية القرن» لأدونيس، كما أعدنا قراءة كتابه «الهويات غير المكتملة: في الدين والإبداع والسياسة والجنس. أعدنا قراءة موسيقى الحوت الأزرق (الهوية، الكتابة، العنف) وكنتُ متأثرة بهذين العملين جدًا، أما جابر فكان يغضب لمجرد التفكير في أحد يشكك في شعرية شاعر «تاريخ يتمزق في جسد امرأة» ويحفظه، وينبهنا، احفظوا هذا واسألوهم كيف لا يكون هذا شعرًا. وعلى الرغم من أن أدونيس لم يكن موضوع مناظرتنا إلا أنه صار كذلك لوحده، إذ هاجم الفريق الآخر من شاعر وشاعرة لم يعودا موجودين الآن بحسب علمي أدونيس مستخدمين أطروحة «أدونيس منتحلًا» لكاظم جهاد. أما الحجة الثانية، فكانت أننا نريد حظوة امتياز أن نكون شعراء دون أن نمتلك موهبة الشعر ولا المعرفة بقواعده، أننا لم نكن أكثر من حُساد. والحجة الأخيرة، أننا تدميريون، نكره ثقافتنا ونريد قتلها، ملاحدة، غربيون ويريدون تغريبنا جميعًا والنافذة المفتوحة لهم هي: الشعر.
ألم أقل لكم أن موت شاعر قد يؤتي ثماره في استعادة هذه الذكريات. حتى أن جسمي اقشعر الآن، رغبة في استعادة قراءة ما كتبه أدونيس الذي دُعي إلى عُمان 2015 لمهرجان الشعر الذي أقامته صحيفة أثير حينها، وقد عملتُ فيها صحفية لستة أشهر، وقد كلفني مدير التحرير الشاعر عبدالله العريمي آنذاك ولمعرفته محبتي لأدونيس بالاهتمام بجدوله، والبقاء معه، أخذته بالفعل لكل مواعيده بسيارتي، جلستُ معه طويلًا، ودارت بيننا أحاديث ربما أشاركها في وقت آخر، طلب مني الإعلاميون موعدًا لمقابلته، كنتُ مسؤولة عن ترتيب هذا، رفضتُ بعض الدعوات، ورتبتُ واحدة لعاصم الشيدي رئيس تحرير جريدة عمان الآن، وسليمان المعمري رئيس قسم البرامج الثقافية في إذاعة سلطنة عمان، وأتذكرهما جالسين على الأرض قريبًا من غرفته في فندق هرمز، يُحضران الأسئلة، ويتناقشان حول الحوار الذي يتطلعان إليه.
أريد أن أعود لإسكندر حبش، أشعر بأنني لم أفعل شيئًا سوى استغلال اسمه لعرض كل ما كتبته هنا. لكنه فعلًا مرتبط في ذهني بذلك كله، إذ إن «أن تكون شاعرًا» كان العمل الشعري الأول الذي قرأته مترجمًا، وقد هزني عميقًا في فترة صعبة من حياتي، غير رؤيتي عن الشعر، أي غير رؤيتي عن العالم والحياة كما أسلفت. كان الغلافُ بلون بنفسجي باهت، صادرا عن دار المدى بطبعة نوبل الخاصة بهم والتي وللأسف الشديد تنازلوا عنها مؤخرًا مع إعادة طباعة أعمالها. افتتاحية تلك المجموعة:
«وهبني القدر
هذا الشقاء الناعم
أن أكون
شاعرًا...»
فاتسلاف شولك
وفي مقدمة حبش للمجموعة وهي طويلة وساحرة، يكتب عن الصفات التي لازمت سيفرت المولود عام 1901 من شجاعة وحرية في الروح، كان ابن كاثولكية متحمسة ومناضل اشتراكي. غادر رغمًا عن إرادة والديه المولع بهما مدرسته الثانوية ليخصص وقته بالكامل للشعر والثورة الاشتراكية، إلا أنه لم ينجُ عام 1950 من هجوم عنفي من الماركسيين إذ أخذت عليه ماضيه الطليعي وعدم التزام شعره بمتطلبات الواقعية الاشتراكية.
مقطع القصيدة الأولى في المجموعة «أن تكون شاعرًا»:
«علمتني الحياة، منذ زمن طويل
أن أجمل الأشياء
التي يمكن منحنا إياها:
الموسيقى والشعر
إذا استثنيا الحب بالطبع»
وفي آخر مقطع:
«ذاك هو قدري
ركضتُ خلفها ــ حتى انقطعت أنفاسي ــ
حياتي كلها»
قررتُ أن أقيم طقس حِداد على من ترجم هذه المجموعة الشعرية الساحرة، وقرأت له بعد ذلك ترجمته لفرناندو بيسوا، وعرفني على واحدة من كاتباتي المفضلات التي كتب عنها هنا بجانب عمودي وهي آني آرنو، المرة الأولى التي قرأت لها كانت عبر رواية «احتلال» بتوقيع حبش. قرأت مارغريرت درواس أول مرة في «العاشرة والنصف ليلًا في الصيف» ، كثافات» لدو بيرتو، و«قبل أن تدخل ايثاكا» لدو نداردي كلها بترجمته، أما وقد كنت مولعة في 2012 بمنيف في مدن الملح فقد قرأت حوارًا معه وكتابة عنه في كتاب «النسيان» لحبش، وقرأت لحبش «لا أمل لي بهذا الصمت» الذي وبالمناسبة قد مررتُ أصابعي ليلة أمس على المقاطع التي حددتها بقلمي الملون. كل هذه الأعمال مثل الرائحة تستثير لديّ زمنا آخر وأماكن صارت قصية الآن.
أقمتُ طقس حداد بقراءة «أن تكون شاعرًا» لمرة أخرى، هي الثالثة حسبما أذكر، على أمل أن أكتب عنها لوحدها، دون استدعاء آخرين، سوى سيفرت، وإسكندر حبش. عندما تلقيت خبر موت هذا الأخير، دخلت موقع جريدة عمان الصفحات السابقة، عدتُ للأربعاء الماضي، ثم الأربعاء التي سبقتها، بحثًا عنه، ولم أجده هناك، لكنني اليوم بكتابة مقالة طويلة، ربما أخذتُ من مساحة عموده التي لم تعد هنا، ليست بجانبي أبدًا.