الصين تخفف قيودها على المعادن النادرة وسط ضغوط أمريكية وتوترات تجارية
تاريخ النشر: 7th, November 2025 GMT
الجديد برس| اقتصاد| قالت مصادر إن الصين بدأت وضع نظام تراخيص جديد للمعادن الأرضية النادرة من شأنه تسريع وتيرة الشحنات، لكن من المستبعد أن تصل بكين إلى حد التراجع الكامل عن قيود التصدير كما تأمل واشنطن. وذكر مصدران أن وزارة التجارة أبلغت بعض مصدري المعادن الأرضية النادرة أنهم سيتمكنون من التقدم بطلب للحصول على تصاريح جديدة مبسطة في المستقبل، وأنها أصدرت قائمة بالوثائق التي ستكون مطلوبة في إحاطات صناعية.
المصدر: الجديد برس
كلمات دلالية: اقتصاد دولي الحرب التجارية الصين المعادن الولايات المتحدة المعادن الأرضیة النادرة نیسان الماضی
إقرأ أيضاً:
فوضى سياسة ترامب التجارية تجاه الصين
يعرف دونالد ترامب تمام المعرفة، وهو مقاول عقارات، مفاتيح النجاح الثلاثة في هذا القطاع، وهي: الموقع ثم الموقع ثم الموقع. ويتبين أن للجغرافيا السياسية ثلاثة مفاتيح للنجاح هي: النفوذ ثم النفوذ ثم النفوذ. لكنه ليس نفوذ عالم العقارات (الناجم عن الديون) الذي يطيب لترامب. وإنما هو نفوذ جيوسياسي، أي قوة تفرض بها إرادتك على خصمك.
حينما ننظر إلى ترامب من هذه الزاوية نرى أنه قد نجح في تحقيق وقف لإطلاق النار في غزة بما اكتسب من نفوذ على كل من إسرائيل وحماس فأحسن استغلاله. لكنه فشل في تحقيق وقف لإطلاق النار في أوكرانيا لأنه أبى أن يستغل ما له من نفوذ على الروسي فلاديمير بوتين الذي بدأ هذه الحرب. أما محاولات ترامب لتوظيف نفوذ الرسوم الجمركية تقليلًا لصادرات الصين الصناعية إلى أمريكا ـ وهي ضرورية اليوم أكثر من ذي قبل ـ فلم تحقق مكاسب تذكر وذلك إلى حد كبير بسبب الطريقة الفوضوية التي اتبعها ترامب في فرض هذه الرسوم.
كدأبه، احتفى ترامب بلقائه الأخير مع الرئيس الصيني شي جين بينج باعتباره نجاحًا مؤزرًا، فقد حقق اثنتي عشرة درجة على مقياس من صفر إلى عشرة، على حد تعبيره. وواقع الأمر أن كل ما فعله ترامب في هذه القمة هو أنه استلّ نفسه من حفرة مع الصين كان هو بنفسه من حفرها قبل أشهر قليلة. فالأسواق ـ مثلما أشارت صحيفة وول ستريت جورنال ـ قابلت الاتفاقية بـ«فتور» لأنها «في الغالب تستعيد الوضع الذي كان سائدا في مايو الماضي».
فلو أنكم تسجلون النتائج بأنفسكم، سترون أن ترامب أصاب ضربة من ثلاث، أي نسبة .333. وهذا في كرة القاعدة يصل بالفريق إلى مباراة النجوم الاستعراضية، أما في لعبة الأمم فإنه يهبط بك إلى دوري الدرجة الثانية.
لكن لماذا نسبة .333؟ لنركز على الصين التي تمثل لأمريكا اليوم أهم قضية جيوستراتيجية وجيواقتصادية.
يجب أن يبدأ أي تحليل للصين بحقيقة أنه نتيجة للدمار الناجم عن انفقاء فقاعة السكن الصينية في السنوات القليلة الماضية، خسر ملايين الصينيين مبالغ مالية كبيرة وباتوا مثقلين بالديون. وليس غريبًا أنهم يقلصون إنفاقهم. وقد بلغني أن كثيرا من المطاعم التي رأيتها شبه خاوية في بكين وشنغهاي حينما كنت هناك في مارس الماضي قد ساء حالها اليوم أكثر من ذي قبل.
وهكذا باختصار، يعاني ثاني أضخم اقتصاد في العالم من انهيار في الاستهلاك المحلي، ولذلك يقل استيراد الصينيين أيضا من الخارج. ولا يأتي رد بكين على ذلك تحفيزا للاستهلاك المحلي ـ بإعطاء الناس شيئًا يتجاوز الحد الأدنى من الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية ـ وإنما بتمويل بناء المزيد من المصانع لتصدير السلع إلى أرجاء العالم.
ومثلما كتب أحد زملائي في التايمز من الصين وهو كريس بكلي هذا الأسبوع فإنه «قبل أيام من لقاء الرئيس ترامب في كوريا الجنوبية، بدأ الرئيس الصيني شي جينبنج المرحل التالية من الاستراتيجية بعيدة المدى للمنافسة مع الولايات المتحدة والغرب». وتوضح الخطة «أن بكين تريد مضاعفة» التصنيع على الرغم من «تخوف شركائها التجاريين من تقويض صادرات الصين المتزايدة لصناعاتهم».
وهذا طيش تام من جانب الصين. ومثلما كتب زميل آخر من بكين هو كيث برادشر في يناير الماضي فإن الصين بالفعل «تنتج ثلث السلع المصنعة في العالم» أي ما يتجاوز إنتاج «الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية وبريطانيا مجتمعة».
ولذلك فإن ترامب يستجيب لمشكلة حقيقية. لكنه كدأبه في أكثر الأحيان يصر على الرد الخاطئ للمسألة الصحيحة. فلكي يكون لرسومه الجمركية نفوذ حقيقي لا بد أن تكون جزءا من استراتيجية كبيرة هادئة، لكن استراتيجية المسارعة بالنيران التي ينتهجها ترامب هي أبعد ما يمكن عن ذلك.
وللمبتدئين أقول إنكم إن كنتم تريدون التأثير في الصين، فلا تفعلوا هذا صاخبين عشوائيين لأن هذا سوف يحرج زعماء الصين ويثير غضبهم. وإنما هي المفاوضات السرية الطويلة.
ثانيا، إذا كنتم ستهددون بكين بعقوبات اقتصادية، فخير لكم أن تعلموا ما يمكنها أن تهددكم به. وبرغم أنني لا أستطيع التأكيد، لكنني أشك في أن ترامب بدأ يعلن رسومه الجمركية الجديدة على الصين دون أن يسأل أي خبير عما لو أن الصين قادرة على الثأر بأي طريقة ذات شأن، بعيدا عن إيقاف مشتريات فول الصويا الأمريكي.
أفترض أن ترامب لم يطرح هذا السؤال، لأنه لو علم حقا أن لدى الرئيس شي سلاحا اقتصاديًا يمكن أن يبز رسوم ترامب عشر مرات، لكان من أقصى درجات الحماقة أن يفرض معدل رسوم هائلا يبلغ 145% على جميع واردات الصين مثلما فعل ترامب في إحدى اللحظات.
كان ذلك السلاح هو سيطرة الصين على 69% من الحصة السوقية لتعدين العناصر الكيميائية السبعة عشر المعروفة باسم العناصر الأرضية النادرة، و92% من حصة تكرير هذه العناصر، و98% من تصنيع المغناطيسات القائمة على العناصر الأرضية النادرة، وفقاً لتقديرات بنك جولدمان ساكس. والعناصر الأرضية النادرة تستعمل في جميع أنواع التقنيات، لكن المغناطيسات القائمة على العناصر الأرضية النادرة ضرورية لأغلب محركات المركبات الكهربائية وأشباه الموصلات والهواتف الذكية وأجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي والطائرات المسيرة والرادارات والطائرات المقاتلة والصواريخ وتوربينات الرياح البحرية.
ولو أن الصين مضت قدما في قرارها بتقليص صادرات المعادن الأرضية النادرة ردا على رسوم ترامب الجمركية، لكان بإمكانها إبطاء أو إغلاق التصنيع في أرجاء أمريكا والعالم.
حينما ألقى شي تلك الورقة على الطاولة، تقلص نفوذ ترامب بصورة حادة. وسرعان ما كلف وزير الخزانة بإقناع الصين بتأجيل قيودها على صادرات المعادن الأرضية النادرة لمدة عام في مقابل عرض رسوم جمركية أمريكية أقل كثيرا وتأجيل بعض الحظر الجديد على صادرات التكنولوجيا الفائقة إلى بكين.
وذلك كان النسخة الجيوسياسية من مقولة مايك تايسون الشهيرة بأن كل امرئ تظل لديه خطة إلى أن يتلقى لكمة في فمه.
أخيرا، أكرر أن ترامب كان محقا في فرض رسوم جمركية على الواردات الصينية في ولايته الأولى، والآن أيضا، لأن الصين لم تمارس التجارة بنزاهة. وهي ترغم الشركات الأمريكية على منافسة مصانع صينية مدعومة دعمًا كبيرًا من الحكومة، وتنتج بكثافة سلعا للتصدير. ويمكن للرسوم الجمركية الموقوتة أن تكون نافعة في توفير مساحة للمصنعين الأمريكيين يطورون فيها صناعات بديلة محلية. ولكن من أجل ذلك لا بد من وجود استراتيجية شاملة، وهذا ما يفتقر إليه ترامب.
في الوقت الذي تحاول فيه الشركات الأمريكية منافسة صادرات الصين المتقدمة في مجال التصنيع، يزيد ترامب في حقيقة الأمر صعوبة توظيف العمال ذوي المهارات العالية من الخارج على الشركات الأمريكية. فقد فرض رسوما جمركية تزيد من تكاليف الخامات المستخدمة في صناعة الصلب على مصنّعينا، وقلل من التمويل الحكومي للأبحاث اللازمة لنا لمنافسة الصين، ناهيكم بالتقدم عليها، وفرض رسومًا جمركية على كل حلفاء أمريكا الأساسيين تقريبا، برغم أننا بحاجة إلى دعمهم لخلق نفوذ على الصين من خلال عمل جماعي. فهي استراتيجية مفككة تماما.
وبعد، فقد يكون لشي نفوذ اليوم، لكنه أيضا يلعب لعبة خطيرة. فبلجوئه إلى الخيار النووي في التجارة ـ بمعنى أن يهدد بتقييد صادرات المعادن الأرضية النادرة ـ يخيف شي بقية العالم ويحفز الولايات المتحدة ودولًا كبيرة أخرى على بدء برنامج مكثف لإيجاد بدائل لهذه الصادرات الصينية الحيوية. وسوف يستغرق ذلك وقتا طويلا، لكن العملية نفسها بدأت.
وبصفة أعم، لن يسمح العالم للصين بالاستحواذ على جميع وظائف التصنيع، وبخاصة وقد بدأ الذكاء الاصطناعي في تقليل عمل الياقات الزرقاء والبيضاء. فالصين تعرِّض نفسها لردة فعل عالمية حقيقية.
وفي ضوء أهمية العلاقة الأمريكية الصينية في إدامة السلام والرخاء النسبيين بين القوى العظمى في العالم منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، ينبغي على واشنطن وبكين أن يجريا حوارا طويلا وهادئا، وليس حربا تجارية صاخبة بعيدة المدى سوف تنتهي إلى خسارة الاثنتين.
ولو أننا مقبلون حقا على قطع هذه العلاقة، فيا إلهي، كم سنفتقدها بعد زوالها.