الدقم نموذج وطني للاقتصاد منخفض الكربون والمستقبل الصناعي المستدام
تاريخ النشر: 8th, November 2025 GMT
تشهد المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم نموًا متسارعًا في بنية قطاع الطاقة والصناعة؛ حيث تحتضن المنطقة مشاريع كبرى تجمع بين الكفاءة التشغيلية، والالتزام البيئي، والتحول الرقمي، لتُرسم من خلالها ملامح نموذج وطني جديد للاستدامة الصناعية في سلطنة عُمان.
وتقود المنطقة رحلة التحول التي تتبناها سلطنة عُمان نحو اقتصاد منخفض الكربون، الذي يُعيد تعريف مفهوم الصناعة من منظور بيئي وتقني متكامل؛ حيث تقوم شركات الطاقة بدورها في ترجمة مستهدفات «رؤية عُمان 2040» واستراتيجية الحياد الصفري 2050.
في قلب هذا التحول تبرز ثلاثة أركان تشكّل منظومة الاستدامة بالمنطقة، فـمصفاة الدقم (OQ8) تُقدّم نموذجًا للصناعة النظيفة التي توازن بين الكفاءة التشغيلية والمسؤولية البيئية والمجتمعية، بينما تعمل الشركة العمانية للصهاريج (OTTCO) على بناء بنية تحتية ذكية لتخزين ونقل الطاقة تعتمد على التحول الرقمي وخفض الانبعاثات، وتُرسّخ شركة مرافق (Marafiq) مفهوم الاقتصاد الدائري من خلال حلول متقدمة لإدارة المياه والطاقة وتوليد الكهرباء بكفاءة عالية وانبعاثات منخفضة.
«عمان» استطلعت عددا من المسؤولين حول جهود مؤسسات الطاقة والصناعة في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، ودورهم في تعزيز منظومة الاستدامة ودعم مستهدفات التحول الوطني نحو الاقتصاد الأخضر، مع تسليط الضوء على تكامل جهود المؤسسات الوطنية لتضع الدقم في موقع ريادي على خريطة الطاقة والصناعة الإقليمية؛ لتحول الاستدامة إلى واقع تشغيلي وهندسي ملموس يسهم في تعزيز تنافسية سلطنة عمان وجاذبيتها للاستثمار، وتفتح آفاقا أوسع لبناء مستقبل طاقي متوازن بين الإنسان والبيئة والاقتصاد.
صناعة مستدامة
قال المهندس عبدالله العجمي الرئيس التنفيذي لمصفاة الدقم: إن نجاح المشاريع الكبرى يقاس بأثرها الإيجابي على الإنسان والمجتمع والبيئة، مؤكدًا أن مصفاة الدقم استطاعت أن تحقق هذا التوازن منذ بدء تشغيلها الكامل مطلع عام 2024، فقد بلغت طاقتها الإنتاجية القصوى 255 ألف برميل يوميًا، مستفيدةً من كفاءتها التشغيلية العالية وقدرتها على تعظيم الاستفادة من الأصول دون الحاجة إلى توسعات رأسمالية جديدة.
وأشار إلى أن المصفاة صدّرت منذ بدء التشغيل أكثر من 560 شحنة من المنتجات البترولية إلى الأسواق العالمية دون تسجيل أي حوادث تشغيلية، وهو ما يعكس مستوى الجاهزية التقنية والتشغيل الآمن، وفي أغسطس الماضي بلغ معدل الصادرات نحو 295 ألف برميل يوميًا، وهو أعلى معدل تصدير شهري منذ التشغيل الكامل، ما يؤكد استقرار العمليات وثقة الأسواق الدولية في جودة المنتجات العُمانية.
وعلى الصعيد الفني، اجتازت المصفاة اختبار الموثوقية من المقرضين من المحاولة الأولى خلال عشرة أشهر فقط، وهو إنجاز استثنائي على مستوى مشاريع التكرير العالمية، وتعتمد تصميماتها على أحدث وحدات التكرير المتطورة التي تمكّنها من إنتاج مزيج متنوع من المنتجات ذات القيمة العالية مثل الديزل، والنافثا، ووقود الطائرات، وغاز البترول المسال، في حين تشكّل المقطرات الوسطى أكثر من نصف الصادرات بفضل تركيزها على الوقود النظيف ومنخفض الكبريت.
وفي جانب الاستدامة البيئية، أشار إلى تبني الشركة منظومة متكاملة تشمل الطاقة الشمسية وإدارة المياه والنفايات؛ حيث تم تركيب منظومة شمسية على مساحة 47 ألف متر مربع تولّد 6.2 جيجاواط في الساعة سنويًا من الكهرباء النظيفة، وتسهم في خفض الانبعاثات الكربونية، كما تمكنت المصفاة من إعادة استخدام أكثر من 3.4 مليون متر مكعب من المياه خلال عام واحد، وتحويل 85% من النفايات الخطرة إلى طاقة ضمن نهج الاقتصاد الدائري.
وحول الأثر الاقتصادي على السوق المحلي أوضح أن إجمالي الإنفاق على المشتريات المحلية 412.4 مليون دولار أمريكي خلال عام 2024، منها 38.9 مليون دولار للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، كما نفّذت أكثر من 30 مبادرة مجتمعية في مجالات التعليم والبيئة وريادة الأعمال، واستفاد منها أكثر من 31 ألف مستفيد مباشر، وارتفعت نسبة التعمين إلى 67.5 بالمائة، وبلغت ساعات التدريب 22 ألف ساعة خلال عام واحد.
وأكد أن المصفاة أصبحت اليوم نموذجًا للتميّز الصناعي والتشغيل المستدام لتعيد تعريف مفهوم الصناعة نحو مسؤولية أكبر تجاه الإنسان والمجتمع والبيئة، وتعد أحد أكبر مشاريع التكرير الحديثة في الشرق الأوسط حيث تمثل اليوم رمزًا للتحول من الصناعة التقليدية إلى الصناعة المستدامة، وتتكامل فيها التقنيات المتقدمة مع منظومة متكاملة لإدارة الموارد، لتجعل من الدقم منصة استراتيجية لمستقبل الطاقة النظيفة.
تقنيات التحول الرقمي
في المشهد الأوسع لمنظومة الطاقة المتكاملة في سلطنة عُمان، تمثل الشركة العمانية للصهاريج (OTTCO) الذراع اللوجستية الذكية لقطاع التخزين والنقل في الدقم، ومكوّنا أساسيًا في بنية الطاقة الوطنية الحديثة.
فمنذ بدء تشغيل مشروع التخزين في رأس مركز وتشغيل الرصيف النفطي بميناء الدقم قبل أكثر من ثلاث سنوات، استطاعت الشركة أن ترسّخ مكانتها كأحد أنجح نماذج الإدارة المستدامة للبنية الأساسية النفطية في المنطقة.
وقال المهندس علي بن سالم المعمري نائب المدير التنفيذي للتشغيل والصيانة بالشركة العمانية للصهاريج "أوتكو" بأن الشركة تولي الاستدامة أولوية رئيسية في جميع مراحل تطوير وتشغيل مشاريعها، والتجربة التشغيلية أثبتت كفاءة المشروع وقدرته على المواءمة مع المعايير البيئية والتقنية.
وأضاف أن التطور السريع في قطاع التخزين والنقل يتطلب مواءمة مستمرة للتقنيات والمفاهيم الحديثة لضمان جاهزية البنية التحتية المستقبلية، وأن الشركة تعمل على استقطاب استثمارات نوعية وشراكات تقنية تدعم استدامة مشاريعها على المدى الطويل.
وأكد أن التحول الرقمي أصبح ركيزة أساسية في استراتيجية "أوتكو" التشغيلية، حيث يتم تطبيق أنظمة التحكم والمراقبة المتقدمة (DCS) المرتبطة بجميع الوحدات التشغيلية وذلك في منظومة مركزية تتيح إدارة العمليات لحظيًا وتحليل البيانات التشغيلية بدقة عالية، الذي بدوره يعزز كفاءة اتخاذ القرار وسرعة الاستجابة لأي متغيرات تشغيلية، كما تعتمد الشركة على أنظمة الصيانة التنبؤية (PDM) التي تمكن من رصد أداء المعدات والتنبؤ بالأعطال المحتملة ومعالجتها استباقيًا، الأمر الذي يرفع من موثوقية الأصول ويقلل فترات التوقف ويخفض الانبعاثات التشغيلية.
وأشار إلى أن الشركة تتبنى حلولًا متطورة مثل المراقبة الذكية وتحليل البيانات المتقدمة، ضمن ثقافة التحسين المستمر التي تُعد من أبرز سمات بيئة العمل في القطاع، وفي جانب الشراكات الدولية، أوضح أن «أوتكو» وقعت اتفاقية استراتيجية مع شركة «فوباك» الهولندية في مجال تخزين ونقل الهيدروجين الأخضر والمحروقات، والتي تمثل خطوة متقدمة نحو تبادل الخبرات وتطبيق أفضل الممارسات العالمية لتمهيد الطريق نحو تطوير مشاريع مستقبلية في مجال الطاقة النظيفة وتخزين الهيدروجين في الدقم.
وبين أن الشركة تعمل حاليًا على خارطة طريق شاملة لتوسيع مشاريعها واستيعاب المشاريع الاستراتيجية المستقبلية، من خلال الاستخدام الأمثل للبنية التحتية القائمة في ميناء الدقم والاستفادة القصوى من التقنيات الحديثة لتقليل التكاليف التشغيلية وضمان جاهزية المرافق لتلبية احتياجات المرحلة القادمة.
وحول رؤية الشركة المسقبلية قال نائب المدير التنفيذي بأن روية الشركة تتكامل مع توجه سلطنة عمان نحو التحول الطاقي والحياد الكربوني بحلول عام 2050 حيث أشار إلى أن التكنولوجيا والتحول الرقمي هما المسار الأنجح لبناء صناعة نفطية نظيفة ومرنة، وأن التكامل بين الكفاءة التشغيلية وحماية البيئة هو ما سيصنع التميز في المرحلة القادمة.
إدارة ذكية للبنية التحتية
تأتي شركة "مرافق" لتشكّل الضلع الثالث في مثلث الاستدامة بالدقم، من خلال إدارتها الذكية للبنية التحتية للطاقة والمياه، وحرصها على تطبيق مبادئ الاقتصاد الدائري لضمان الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية.
من جانبه أوضح المهندس عبدالله الفارسي مدير عام الاستدامة، أن استراتيجية "مرافق" تقوم على تعزيز استدامة الموارد الطبيعية من خلال توظيف تقنيات خافضة للانبعاثات الكربونية في التوربينات الغازية والبخارية لإنتاج الطاقة الكهربائية، إلى جانب تطوير حلول متقدمة لمعالجة مياه البحر وتحويلها إلى مياه صناعية عالية الجودة تستخدم في عمليات التصنيع البتروكيماوي والتحويلي بالدقم.
وأضاف أن الشركة تبنت منذ المراحل الأولى للمشروع سياسة الاقتصاد الدائري في معالجة مياه البحر؛ لضمان استدامة الموارد البحرية وحماية السواحل، مشيرًا إلى أن وحدات التحلية صُممت لإعادة استخدام المياه عدة مرات داخل النظام الصناعي، مع تطبيق فلترة دقيقة لمياه التصريف وتحويلها إلى مخلفات صديقة للبيئة، كما تعتمد هذه الوحدات على توربينات عالية الكفاءة تستخدم الهواء بدل المياه في عملية تكثيف البخار وإعادة استخدامه، وهي تقنية متقدمة تسهم في ترشيد استهلاك المياه وتعزيز الكفاءة الحرارية للمحطات.
وأشار إلى أن هذه الجهود تأتي ضمن رؤية "مرافق" الرامية إلى تحويل عمليات الطاقة والمياه إلى منظومة مغلقة عالية الكفاءة، تحقق الاستدامة التشغيلية وتخفض الانبعاثات في الوقت نفسه، وفي جانب الخطط المستقبلية، تعمل "مرافق" على تعظيم الاستفادة من البنية الأساسية القائمة لمواكبة النمو الصناعي السريع في الدقم، مع تنويع مصادر الطاقة بين الوقود الأحفوري والمصادر المتجددة؛ لضمان أن تظل كلفة الطاقة والمياه تنافسية وفي متناول المستثمرين.
كما تسعى الشركة إلى تطوير شبكات ذكية وأنظمة لتخزين الطاقة تدعم التحول نحو الطاقة النظيفة وتتيح إدارة الموارد بكفاءة أكبر.
وأكد أن رؤية الشركة تنسجم مع استراتيجية سلطنة عمان للتحول الأخضر، مشيرًا إلى أن المرحلة المقبلة ستركز على دمج مصادر الطاقة المتجددة وتقليل الاعتماد على الغاز الطبيعي تدريجيًا؛ حيث يرى بأن مستقبل الطاقة في الدقم يجب أن يقوم على التكامل بين الكفاءة الاقتصادية والمسؤولية البيئية، والتنمية الصناعية تبنى على أسس الاستدامة الذكية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاقتصاد الدائری التحول الرقمی بین الکفاءة أن الشرکة فی الدقم من خلال أکثر من سلطنة ع إلى أن
إقرأ أيضاً:
مدبولي: عملنا على توفير البنية الأساسية بكل مقوماتها للقطاع الصناعي
أكد الدكتور مصطفي مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، خلال افتتاح مصنع منصور لفلاتر المركبات، أن الدولة حريصة على دفع عجلة الصناعة بتوجيهات الرئيس السيسي.
وأضاف: “عملنا على توفير البنية الأساسية بكل مقوماتها للصناعة، وهذا ما شجع الشركات العالمية والوطنية على التوسع والبدء فى الإستثمار فى مصر، مع إجراءات الدولة لتحفيز هذا الإستثمار”.
وتابع: “صناعة السيارات أصبحت من أولويات الدولة المصرية، والتي تقوم على سلاسل القيمة، ويجب أن يكون مبني على مجموعة من المصانع وخطوط الإنتاج”.
وأشار: “بدأنا نتوسع ونعمق الإنتاج المحلي من العديد من مكونات السيارات ووسائل النقل”.