تسود حالة من القلق الواسع في الأوساط الاقتصادية الأميركية، إذ أظهر تقرير موسّع نشرته وكالة بلومبيرغ أن معنويات المستهلكين في الولايات المتحدة "انخفضت إلى مستويات شبه قياسية من التشاؤم"، في ظل مزيج قاتم من التضخم المتصاعد، وارتفاع البطالة، وتسريحات جماعية، وحرب تجارية عالمية، إلى جانب أطول إغلاق حكومي في تاريخ البلاد.

ووفقا لبيانات جامعة ميشيغان، تراجع مؤشر ثقة المستهلكين الأولي لنوفمبر/تشرين الثاني بمقدار 3.3 نقاط ليصل إلى 50.3 نقطة، مقتربا من المستوى الأدنى المسجل في يونيو/حزيران 2022 عند 50 نقطة، وهو أضعف قراءة منذ بدء السجلات عام 1978. وذكرت بلومبيرغ أن القراءة الجديدة جاءت أدنى من توقعات جميع الاقتصاديين تقريبا، باستثناء تقدير واحد فقط في استطلاعها الأخير.

أما مقياس "الظروف الاقتصادية الحالية"، فقد انخفض 6.3 نقاط ليصل إلى مستوى قياسي متدن عند 52.3 نقطة، مع تصاعد القلق بشأن تداعيات المواجهة السياسية في واشنطن التي أدت إلى شلل حكومي غير مسبوق.

تدهور في توقعات الوظائف

وأشار التقرير إلى أن مجلس الاحتياطي الفدرالي في نيويورك أظهر في استطلاعه الشهري أن نظرة الأميركيين لسوق العمل ازدادت قتامة، إذ ارتفعت توقعات البطالة للشهر الثالث على التوالي، مع تقدير المستهلكين احتمالا متوسطا بنسبة 43% لارتفاع معدل البطالة خلال العام المقبل، وهي النسبة الأعلى منذ أبريل/نيسان الماضي.

لكن الجانب الإيجابي الوحيد، وفق بلومبيرغ، تمثل في انخفاض توقعات التضخم على المدى القريب، إذ تراجعت توقعات المستهلكين لارتفاع الأسعار العام المقبل إلى 3.2% في أكتوبر/تشرين الأول، مقابل 3.4% في سبتمبر/أيلول.

ارتفاع البطالة والتضخم يضاعفان التشاؤم ويدفعان المستهلكين لتقليص إنفاقهم الشهري (رويترز)الإغلاق الحكومي يفاقم الأزمة

وأوضحت بلومبيرغ أن الأزمة السياسية الراهنة زادت المشهد الاقتصادي سوءا، مشيرة إلى أن "المواجهة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري حول موازنة الرعاية الصحية والإنفاق الاجتماعي دفعت البلاد إلى أطول إغلاق حكومي في تاريخها".

إعلان

وعرض الديمقراطيون، وفق التقرير، "تنازلا جزئيا" بخصوص مهلة قانون الرعاية الصحية (أوباما كير) لإنهاء الأزمة، لكن الجمهوريين رفضوا العرض، مما أدى إلى استمرار تعطيل المساعدات الغذائية لملايين الأميركيين.

وأصدر قاضٍ فدرالي أمرا بإعادة العمل الكامل ببرنامج المساعدات الغذائية الفدرالي الذي يوفّر الغذاء لـ42 مليون أميركي، لكن محامي الرئيس دونالد ترامب قدّموا طعنا قضائيا لتجنب تمويل البرنامج بالكامل، في وقت حذّر فيه محللو وول ستريت من أن تعليق المساعدات "قد يُلحق ضررا مباشرا بسلاسل التوريد لمتاجر التجزئة الكبرى خلال موسم الأعياد" بنهاية الشهر الجاري.

كما نقلت بلومبيرغ عن محللين قولهم إن "الميزانية الضريبية الجديدة التي أقرها الجمهوريون خلال الصيف قلّصت فعليا المساعدات الغذائية لملايين الفقراء والمعاقين"، مما ضاعف الأعباء على الأسر ذات الدخل المنخفض التي تواجه أيضا تضخما مدفوعا بالرسوم الجمركية وارتفاعا في البطالة.

تراجع شركات السلع الأساسية والزراعة

وذكرت بلومبيرغ أن مؤشرات الأسهم المرتبطة بالسلع الأساسية تراجعت بنسبة 0.4% منذ بداية العام، في حين ارتفع مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بنسبة 14%. وقال إيريك كلارك، كبير مسؤولي الاستثمار في أكوفست غلوبال أدفايزرز: "ثلثا المستهلكين الأميركيين سيواصلون البحث عن السلع الأقل سعرا وتأجيل الإنفاق غير الضروري ومحاولة البقاء".

وفي قطاع الزراعة، نقلت الوكالة عن غيريت ماركس، الرئيس التنفيذي لشركة سي إن إتش إندستريال –إحدى كبرى الشركات المصنعة للمعدات الزراعية في العالم– قوله إن "الغموض التجاري المتواصل وغياب اليقين في الاقتصاد الزراعي الأميركي يحدان من إنفاق المزارعين على المعدات الجديدة".

وأشار التقرير إلى أن مشتريات الصين الأولى من فول الصويا الأميركي هذا الموسم رفعت أسعار العقود الآجلة إلى أعلى مستوى في أكثر من عام، لكن بلومبيرغ أكدت أن "حجم المبيعات المقبلة سيحدد إذا ما كان القطاع الزراعي سيتمكن من التعافي فعليا الأشهر المقبلة".

مؤشرات الأسهم الاستهلاكية تتراجع رغم مكاسب مؤشر "ستاندرد آند بورز" خلال العام الجاري (رويترز)الأزمة السياسية تتعمّق

وأضافت بلومبيرغ أن وزارة العدل الأميركية تواجه "عاصفة من الانتقادات" بعد ما وصفه الديمقراطيون وخبراء القانون بـ"تسييس غير مسبوق لمؤسسة يفترض استقلالها"، على خلفية القضايا المرفوعة ضد الرئيس دونالد ترامب ومسؤولين فدراليين سابقين.

وأكد التقرير أن مكتب المدعي العام في جنوب فلوريدا "أعاد هيكلة طاقمه استعدادا لتحقيقات موسعة أمام هيئة محلفين كبرى تستهدف مسؤولين سابقين في وزارة العدل".

وأوضح أن ترامب، الذي وُجّهت إليه 4 لوائح اتهام في قضايا متعددة تتعلق بمحاولة البقاء في السلطة بعد هزيمته في انتخابات 2020 وتسريب أسرار عسكرية وتزوير سجلات مالية، "يحظى الآن بدعم قانوني من الحكومة في مساعيه لإلغاء إدانته في قضية المدفوعات غير القانونية لممثلة الأفلام الإباحية المرتبطة بحملته الانتخابية لعام 2016".

ولفتت بلومبيرغ إلى أن الأزمة السياسية والاقتصادية الأميركية "تتحول تدريجيا إلى أزمة ثقة شاملة"، مؤكدة أن "تشاؤم المستهلكين يعكس عمق الانقسام السياسي وضعف قدرة المؤسسات الاقتصادية على امتصاص الصدمات المتلاحقة".

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات بلومبیرغ أن إلى أن

إقرأ أيضاً:

تعثر محاولة جديدة لإنهاء الإغلاق الحكومي وملايين الجوعى الأميركيين على المحك

من جديد تعثرت في مجلس الشيوخ الأميركي الجمعة محاولة إنهاء الإغلاق الحكومي، حيث لم يحصل مشروع القانون الجديد على الأصوات اللازمة لتمريره.

بدأ الإغلاق الحكومي في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إثر خلاف بين الجمهوريين والديمقراطيين حول بنود في الميزانية.

وأدى هذا الإغلاق لتوقف صرف رواتب مئات الآلاف من الموظفين الفدراليين، وأحدث فوضى في النقل الجوي وقطاعات أخرى وأدى إلى وقف المساعدات الغذائية عن ملايين الفقراء الأميركيين.

وقد حصل مشروع القانون الجديد على 53 صوتا مؤيدا، منهم 3 ديمقراطيين، مقابل 43 معارضا، أي أقل من الـ60 صوتا اللازمة لإقراره في المجلس الذي يهيمن عليه الجمهوريون.

من جانبه، دعا الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعضاء مجلس الشيوخ إلى البقاء في واشنطن لحين التوصل إلى اتفاق ينهي الإغلاق الحكومي الذي اتهم الديمقراطيين بفرضه.

كما حث كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي على "التصدي للمماطلة التشريعية في مجلس الشيوخ".

وقد صوت معظم الديمقراطيين ضد المشروع بدعوى أنه يمنح الرئيس دونالد ترامب صلاحيات واسعة لحجب رواتب بعض العاملين، بينما اختار ترامب بالفعل دفع رواتب العسكريين وضباط الهجرة، مهددا بحرمان فئات أخرى من الأجور.

وفي بورصة وول ستريت، هبط مؤشر ناسداك لشركات التكنولوجيا وسط مخاوف المستثمرين من تداعيات الإغلاق على الاقتصاد.

المعونات الغذائية

في سياق متصل، علّقت المحكمة العليا في الولايات المتحدة الجمعة قرارا قضائيا صدر في وقت سابق، يلزم إدارة الرئيس دونالد ترامب أن تدفع للولايات تكاليف برنامج للمعونات الغذائية خلال فترة الإغلاق الحكومي، في إجراء موقت قد ينعكس سلبا على ملايين الأميركيين.

وكانت وزارة العدل قدمت التماسا إلى المحكمة العليا في وقت سابق الجمعة، قالت فيه إن الكونغرس هو السلطة الوحيدة المخولة بحل هذه الأزمة.

إعلان

واعتبرت أن المحكمة التي أصدرت القرار "رأت في الاغلاق الحكومي الراهن عمليا إجازة لإعلان الإفلاس الفدرالي، ونصّبت نفسها أمينة مهمتها اختيار الفائزين والخاسرين الباحثين عن الحصول على جزء من الموارد الفدرالية القليلة الباقية" خلال فترة الإغلاق.

ومنذ إغلاق مؤسسات الحكومة الفدرالية بسبب خلافات مستمرة حول الميزانية بين الجمهوريين والديمقراطيين في الكونغرس، أعلنت إدارة ترامب أنها لن تتمكن من تمويل "سناب" للمعونات الغذائية، وهو أول توقف للبرنامج منذ إنشائه قبل 6 عقود.

وأعرب مسؤولون ديمقراطيون عن غضبهم من قرار المحكمة العليا وعزم إدارة ترامب تعليق تمويل البرنامج.

وتقول إدارة ترامب إن البرنامج يعاني من نقص في التمويل في ظل الإغلاق الحكومي بسبب عدم الاتفاق على ميزانية جديدة وتقاذف مسؤولي الحزبين الاتهامات بالمسؤولية عن هذا المأزق.

ويتلقى واحد من كل 8 أميركيين تقريبا إعانات غذائية من الحكومة الأميركية في إطار برنامج "سناب"

مقالات مشابهة

  • معتز الفحل: أكثر من 100 ألف شخص قتيل ومفقود خلال الحرب في السودان
  • تعثر محاولة جديدة لإنهاء الإغلاق الحكومي وملايين الجوعى الأميركيين على المحك
  • روسيا أكبر اقتصاد في العالم بأدنى معدل بطالة
  • أسعار زيت «عباد الشمس» ترتفع لأعلى مستوى منذ 2022
  • البطالة في أميركا عند أعلى مستوى خلال 4 سنوات
  • هآرتس: إسرائيل تجند روبوتات الدردشة لتحسين صورتها بين الأميركيين
  • من واشنطن: ما سر زهران ممداني في جذب الأميركيين إليه؟
  • تناقض تصريحات رونالدو حول الفوز بكأس العالم
  • ارتفاع أرباح هارلي ديفيدسون للدراجات النارية الفارهة