لوفيغارو: هذه أسباب غياب مأساة السودان عن الاهتمام الدولي والإعلامي
تاريخ النشر: 9th, November 2025 GMT
قالت صحيفة لوفيغارو إن المجازر التي تضرب السودان لا تحظى بتغطية إعلامية ولا بإدانات تتناسب مع حجم الكارثة، خلافا للحرب على غزة التي تثير موجات من التظاهر وردود الأفعال والانقسامات العميقة داخل المجتمعات الغربية.
وتساءلت الصحيفة الفرنسية في تقرير بقلم جان دوريو: لماذا هذه المجازر التي تتزايد فظاعتها مع كل شهادة تنقلها المنظمات غير الحكومية، ومع سيل الصور المروعة التي غزت وسائل التواصل الاجتماعي منذ سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، لا تولد سوى استنكار خافت، بل صمتا لامباليا؟
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2سجن راكيفت.. جحيم سري تحت الأرض لاعتقال الفلسطينيين في الظلام ودون تهمةlist 2 of 2خبير أمني إسرائيلي يحذر: نحن نفقد الشباب الأميركي إلى الأبدend of list
واستغربت الكاتبة أن حربا دامية خلفت أكثر من 150 ألف قتيل و12 مليون نازح تظل شبه غائبة عن الرأي العام الدولي والإعلام، في وقت تحصل فيه الحربان في أوكرانيا وغزة على تغطية واسعة وتفاعلات سياسية وشعبية قوية.
وفي سعيها لتفسير هذا الغياب، ذكرت الكاتبة أن حرب السودان الحالية بدأت بعد اندلاع القتال بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وهما جنرالان كانا حليفين قبل أن يتحولا إلى خصمين يتنازعان السيطرة على البلاد وثرواتها.
صراع على المال والسلطةويرى محللون أن السبب في خفوت هذه الحرب السودانية إعلاميا ودوليا يعود إلى غياب البعد الأيديولوجي أو الاستعماري فيها، بحيث لا يمكن تصنيفها ضمن خطاب "المقاومة ضد الاستعمار" الذي يثير عادة حماسة الشارع العالمي، والذي يفسر الدعم الواسع لفلسطين باعتبارها "ضحية دولة استعمارية" هي إسرائيل.
أما الصراع في السودان فليس أيديولوجيا -كما يوضح الباحث مارك لافيرني- بل هو صراع على المال والسلطة والموارد، كما أنه ليس مواجهة بين ظالم ومظلوم بالمعنى الرمزي الذي يجذب التعاطف الجماهيري.
وأشارت الكاتبة إلى أن الطابع الأيديولوجي هو ما يجعل مأساة غزة حاضرة بقوة في النقاش العالمي، ويرى المحامي والكاتب غيوم غولنادل أن الاهتمام الإعلامي بغزة مرده إلى "افتتان خاص بكل ما هو يهودي"، أما السودان ففيه "مسلمون يقتلون مسلمين آخرين"، ومن ثم لا تثير المأساة الاهتمام نفسه، لأن "الموت لا يصبح مهما إلا حين يحدث صدى عاطفيا جماعيا ضمن قالب محدد".
إعلانوفي هذا السياق، نبهت الكاتبة إلى أن مفهوم "الإبادة الجماعية" الذي يستدعى اليوم في الحديث عن غزة يغيب تماما عن النقاش حول دارفور، رغم أن الوقائع الميدانية -بحسب تقارير الأمم المتحدة وجامعة ييل- تشير إلى مدنيين يقتلون على جنبات الطرق، ورجال يحرقون أحياء، وأطفال يتجولون بلا أهل على أطراف مخيمات اللاجئين، ونساء مسكونة بالصدمات صامتات على الاغتصاب.
ترى الكاتبة أنه ومن الناحية الجيوسياسية، فلا يمثل السودان رهانا إستراتيجيا كبيرا للدول الغربية -كما تقول الصحيفة- خصوصا بعد تراجع النفوذ الفرنسي في أفريقيا وتحول الاهتمام الأوروبي نحو الحدود الشرقية حيث تدور الحرب الأوكرانية.
وخلصت الكاتبة إلى أن الحسابات الجيوسياسية تلعب دورا مهما، منبهة إلى أن الحرب في أوكرانيا تمسّ أوروبا مباشرة، لأن ذلك البلد جار للاتحاد الأوروبي ومرشح للانضمام إليه وإلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أما السودان فبعيد جغرافيا وإستراتيجيا عن المصالح الأوروبية.
وبهذا، يجد السودان نفسه خارج دائرة الضوء، غارقا في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية المعاصرة، وسط صمت دولي وإعلامي يكاد يكون تاما.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات إلى أن
إقرأ أيضاً:
إبراهيم شعبان يكتب : من غزة للسودان .. النزوح والخيام والمأساة
الفظائع والأهوال التي ارتكبتها قوات الدعم السريع التي يقودها حميدتي في الفاشر، والموثقة عبر تقارير دولية، تشير إلى أن "مغول السودان" بدأوا حربًا جديدة، وأن الصراع بين قوات الدعم السريع من جهة، وقوات الجيش السوداني من جهة ثانية، ليس فقط بهدف قطع طرق الحرب والسيطرة على المدن الاستراتيجية وتضييق الحصار على الطرف الآخر، ولكنه عنف ممنهج وآلة جبارة للقتل والمجازر ارتكبتها قوات الدعم السريع في الفاشر بدعم من داعميها العرب!!
نعم، فليس خافيًا أن قوات الدعم السريع تتلقى تمويلاً وأسلحة عبر أطراف عربية ودول خليجية معروفة، وهذه جريمة منقطعة النظير، ففي الوقت الذي يجب فيه على الدول العربية والخليجية التدخل لوقف الصراع الدموي العبثي في السودان نراها تغذي الحرب.
المحزن في المأساة أن طرفي الحرب في السودان ربما لا يعرفان أن نحو 41 مليون سوداني يدفعون فاتورة من أرواحهم وكرامتهم ونسائهم وأطفالهم وحياتهم نتيجة هذا الصراع العبثي داخل بلد أفريقي فقير. فالسودان، شئنا أم أبينا، ورغم مساحاته الزراعية وثروته الحيوانية، بلد فقير، ولا يعقل أن يكون جزاء البؤساء من سكانه الذين وقعوا تحت أنياب ذئاب بعضها مأجور من الخارج، أن تفتت وتُدمر حياتهم بهذا الشكل. وليس معقولاً ولا مقبولاً أن تتحول الدول العربية إلى مادة مسرحية مرعبة في العالم كله، فلا توجد منطقة في العالم تحدث فيها هذه الانتهاكات والأعمال الإجرامية، وبها قتل ودمار وخراب، مثلما هو حادث في المنطقة العربية.
علاوة على أن الصراعات العبثية التي اندلعت في غزة، نتيجة قرار فردي غير مدروس من حركة حماس أدت لتكبيد الفلسطينيين ثمنًا فادحًا وعقودًا قادمة ضائعة، أو الحرب في السودان عقب "الربيع الأسود" الذي هبّ عليه، أعادت إلى الذاكرة مشاهد الخيام الشهيرة لآلاف يعيشون في العراء خلال الأربعينيات هربًا من الهاجاناة الصهيونية.
اليوم، الجميع يهرب من شيطان حرب يطارد أرواح الناس لمجرد حسابات خاطئة لدى بعض الخونة والمأجورين.
وتُظهر بيانات منظمة الهجرة الدولية، أن نحو 81 ألف سوداني، نزحوا من مدينة الفاشر ومحيطها بولاية شمال دارفور منذ أواخر أكتوبر، بعد سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة وارتكابها انتهاكات مروعة ضد المدنيين. معظم النازحين افترشوا العراء داخل محلية الفاشر أو لجأوا إلى مخيمات مكتظة في قولو وكورما وطويلة، في ظل انعدام الأمن، ونقص حاد في الغذاء والمياه والرعاية الصحية.
وقد حذرت شبكة أطباء السودان، من تدهور الأوضاع الإنسانية وتفشي سوء التغذية والأوبئة، في ظل غياب شبه تام للمساعدات الطبية، وتعرض قوافل الإغاثة للنهب على أيدي الميليشيات المسلحة، ما جعل الوضع كارثيًا بكل المقاييس.
الأكثر رعبًا ما كشفه مختبر الأبحاث الإنسانية بجامعة ييل الأمريكية، من صور أقمار صناعية تُظهر عمليات دفن جماعي في الفاشر بعد سيطرة قوات حميدتي عليها.
تحليل الصور، أظهر وجود آليات ثقيلة في محيط المستشفى التعليمي ومناطق سكنية مدمرة، مع تغيرات في لون التربة وبقع داكنة توحي بمحاولات لطمس آثار الدماء والجثث. التقرير أكد أن ما يحدث "ليس دفنًا طارئًا"، بل عملية ممنهجة لإخفاء الجرائم ومنع فرق التحقيق الدولية من الوصول إلى الأدلة.
إنها نسخة مكررة من فظائع دارفور في مطلع الألفية، حين أُبيدت قرى كاملة تحت شعارات قبلية وخطابات كراهية، والعالم وقتها اكتفى بالمشاهدة. واليوم، بعد عقدين، تعود المشاهد ذاتها: جثث في الشوارع، أطفال يبحثون عن ذويهم، ونساء يُغتصبن كجزء من أدوات الحرب النفسية.
ووسط هذه الفوضى، يبدو الموقف العربي متناقضًا. فبدل أن تتوحد الجهود لوقف نزيف الدم، تُتهم أطراف عربية بتمويل وتسليح الميليشيات المتورطة في جرائم حرب. إنها مأساة أخلاقية قبل أن تكون سياسية، تعكس خللاً عميقًا في بنية الوعي العربي الرسمي، الذي بات يرى في الحروب بالوكالة وسيلة لتصفية الحسابات على أراضي الآخرين.
وكما تُركت غزة تواجه مصيرها تحت القصف والتجويع، تُترك السودان اليوم يغرق في الفوضى. الاثنان يتقاسمان المشهد ذاته: خيام تملأ الأفق، أمهات يبحثن عن دواء، وأطفال ينامون في العراء ينتظرون معجزة لن تأتي.
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أطلق تحذيرًا صارخًا من أن الحرب في السودان قد "تخرج عن السيطرة". الفاشر، التي كانت ملاذًا للمدنيين، تحولت إلى مقبرة جماعية، والأُبيض — عروس الرمال — باتت هدفًا جديدًا لطموحات الميليشيات.
لكن ما بين بيانات الإدانة ومشاهد النزوح، لا أحد يتحرك فعليًا. المجتمع الدولي يبدو مشلولًا، والعواصم الكبرى تحسب موازينها الجيوسياسية أكثر مما تحسب عدد الجثث الملقاة في الشوارع من السودانيين.