أسرار النجاح.. رافينيا يحكي عن الكرة الذهبية والمنافسة والعائلة والإرث
تاريخ النشر: 11th, November 2025 GMT
يحتاج برشلونة إلى رافينيا كما يحتاج الإنسان الطعام، هكذا وصف الصحفي الإسباني ألبرت ماسنو، غياب المهاجم البرازيلي عن فريقه الإسباني بسبب الإصابة لنحو 40 يوما حتى الآن.
حسب الصحفي نفسه فإن رافينيا ليس بارعا في المراوغة، ولا يُعدّ سلاحا فتاكا على الجناح رغم أنه يلعب هناك، لكن دوره داخل الفريق حاسم بفضل ذكائه في استغلال المساحات الحرة، وسهولة إنهائه للهجمات، وسرعته في اللعب، وذكائه الفطري والتكتيكي بشكل عام.
يتميز رافينيا بالروح العالية في الملعب وبالضغط المستمر على المنافس ليصبح من مركز الهجوم أول مراحل الدفاع عن مرمى فريقه، لكنه أكثر ما يخطف به الأنظار هو أنه قد لا يبدو أخطر مهاجم في العالم لكنه مع ذلك بين الأكثر فعالية كما تشير أرقام الموسم الماضي ما بين تسجيل الأهداف وصناعتها.
وبفضل أرقامه ومشاركته بدور فعال في فوز برشلونة ببطولات الدوري والكأس والسوبر في إسبانيا الموسم الماضي، دخل رافينيا قائمة المرشحين لنيل الكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم وحل بالمركز الخامس بعدما رشحه كثيرون للفوز بها أو دخول قائمة المراكز الثلاثة الأولى على الأقل.
وكان هذا الإنجاز/الإخفاق ضمن محاور مقابلة صحفية تناقلتها العديد من المواقع العالمية والصفحات الرياضية على مواقع التواصل، تطرق فيها إلى الكثير مما يعد أسبابا ومظاهر للنجاح في عالم الكرة المستديرة.
الكرة الذهبيةفي ما يخص الجائزة، لم ينكر رافينيا في مقابلته مع مجلة "GQ Hype" أنه شعر بخيبة أمل لعدم فوزه بالكرة الذهبية لعام 2025، حيث قال:
"كانت خيبة أمل شخصية، عندما تُعطي كل هذا الجهد وتعمل بجد كل يوم وتشعر بأنك خضت موسما رائعا، فمن الطبيعي أن تتوقع أن تكون من بين الأفضل، كان إنهاء الموسم في المركز الخامس شرفا لي بالطبع، لكن توقعاتي كانت أعلى".
"في الوقت نفسه، علمني ذلك التواضع والنظرة الواقعية. الكرة الذهبية جائزة فردية، لكن كرة القدم لعبة جماعية. عند النظر لكل ما أنجزته مع برشلونة والبرازيل أدرك كم لدي من أسباب للشكر. هذا يحفزني على الاستمرار في العمل، والنمو، وأتمنى أن تتاح لي فرصة أخرى للمنافسة على القمة في المستقبل".
هل تعتقد أن لديك فرصة أخرى للفوز بالكرة الذهبية؟
رافينها: نعم، بالتأكيد. كرة القدم مليئة بالدورات والفرص، وأعتقد أن أمامي العديد من السنوات لتحقيق أهداف جديدة.
إنهاء الموسم في المركز الخامس كان تجربة رائعة، لكنه أيضًا أظهر لي أن هناك مجالًا للنمو والمنافسة على القمة. كل موسم… pic.twitter.com/cpRYOVzT4c
— FCB World (@forcabarca_ar) November 4, 2025
الأفضل لم يأت بعدالسؤال التالي من المجلة كان حول ما إذا كان يعتقد أن لديه فرصة أخرى للفوز بالكرة الذهبية، وهنا كانت الإجابة درسا مهما:
إعلانرافينيا رد سريعا "نعم، بالتأكيد. كرة القدم مليئة بالدورات والفرص، وأعتقد أن أمامي العديد من السنوات لتحقيق أهداف جديدة".
وأضاف "إنهاء الموسم في المركز الخامس لأفضل اللاعبين كان تجربة رائعة، لكنه أيضا أظهر لي أن هناك مجالا للنمو والمنافسة على القمة، فكل موسم يمثل فرصة جديدة لتقديم أداء متميز، الفوز بالألقاب، والحصول على التقدير. أراه دافعا، لا ضغطا.. أنا أعرف إمكانياتي وكل ما عملت عليه للوصول إلى هنا، وأنا مصمم على الاستمرار في البناء. صراحة، أؤمن أن الأفضل لم يأت بعد".
هل الاستسلام وارد؟وعما إذا كان قد مر بلحظات فكر فيها بالاستسلام، قال رافينيا: نعم، وُجدت هذه اللحظات، في البدايات حين كانت الأبواب تُغلَق، والاختبارات لا تسير جيدا، وحين شعرتُ أنّ الأمور لا تتقدّم، ظهرت لحظاتُ شك وفكّرت أن الأمر ربما ليس لي. لكن في كل مرة فكّرت بالاستسلام، تذكّرت عائلتي وحلمي وأطفال حارتي، ذلك منحني القوة للاستمرار.
وأضاف النجم البرازيلي "اليوم، حين أنظر إلى الوراء، أشعر بالامتنان لأنني لم أستسلم، كل تضحية كانت تستحق".
ما يثير الإعجاب أن رافينيا أسهب خلال الحوار في الحديث عن مسقط رأسه في رستينغا بالبرازيل، وقال إنه مر بلحظات من الشك والدموع وكثير من الأيام التي ظن فيها أنه لن ينجح.
وأضاف "غالبا ما يرى الناس الصورة النهائية: الألقاب والملاعب، لا التضحيات التي قدّمتها عائلتي وقدّمتُها أنا، ولا الليالي الصعبة وضغط الأبواب المغلقة. بالنسبة لي، تلك اللحظات مهمة بقدر الانتصارات، لأنها شكّلت ما أنا عليه اليوم".
وتحدث النجم البرازيلي عن أول ذكرياته مع الكرة قائلا "كنت طفلا في رستينغا ألعب حافيا في الشارع، على أرضية ترابية، أحيانا نستخدم الأحذية لتحديد المرمى، وأحيانا القوارير أو حتى الحجارة، لم يكن هناك شيء منظّم، لكن كانت هناك سعادة وشغف".
أتذكّر صوت الكرة وهي تضرب الأرض، ضحكات أصدقائي، وشعور الحرية حين أراوغ، كانت الكرة أكثر من لعبة، كانت رفيقة وحلما وطريقة للحلم الكبير.
هناك، في تلك الشوارع، بدأتُ أفهم أن الكرة قد تكون حياتي وفرصتي لتغيير الواقع، ليس واقعي وحدي، بل واقع كل من حولي، تلك الذكرى ترافقني حتى اليوم، كلّما دخلت الملعب، يبقى ذاك الإحساس باللعب بفرح وإبداع حاضرا، حتى في أكبر ملاعب العالم.
الأحلام قابلة للتحققأما عن خلاصة هذه الرحلة وما تقدمه من دروس فقد قال رافينيا إن هذا هو أبلغ دليل على أن الأحلام قابلة للتحقّق مهما بدت مستحيلة.
وفي هذا الصدد ركز رافينيا على 3 حقائق:
ما تحقق ليس انتصاري وحدي، بل انتصار عائلتي وأصدقائي وكل من ساندني حين لم يكن هناك شيء. أحمل أصولي بفخر، لأنها تذكّرني كل يوم من أين أتيت ولماذا، لا يمكنني التوقف عن القتال. النجاح بالنسبة لي ليس الوصول فقط، بل إلهامُ الآخرين كي يؤمنوا أنهم يستطيعون هم أيضا.وكما هو حال مسقط رأسه فقد كان للأسرة أيضا نصيب واضح في حوار النجم البرازيلي الشهير، فعندما سئل عن "أفخم" شيء قام به، أجاب بأنه تمكن من شراء منزلين لعائلته أحدهما في البرازيل والآخر في إسبانيا.
إعلانوأضاف رافينيا قائلا "بالنسبة لي، الفخامة ليست الأشياء الغالية فقط، بل الراحة والطمأنينة وإتاحة حياة أفضل لمن أحب، بالطبع أستمتع بأشياء كالسّيارات والموضة والساعات.. لكن لا شيء يوازي شعور رؤية عائلتي بخير وآمنة وسعيدة".
وعن فضل أسرته، قال رافينيا إنها ساعدته على تغيير نظرته إلى الحياة بشكل كامل، "ففي البداية كان كل شيء يرتبط بكرة القدم: الفوز والخسارة يحددان مزاجي وطاقتي، لكن الآن حين أصل إلى البيت ويركض ابني ليعانقني، أدرك أن الحياة أكبر بكثير. طبعا تظلّ الكرة شغفي ومهنتي، لكنها ليست كل شيء".
تُبقيني عائلتي واقعيا، وتذكّرني بما يهم حقا، وتمنحني القوة لأي موقف. تجعلني أرى أنه حتى إن لم تسر الأمور مثاليا في الملعب، فالأهم ينتظرني في البيت.
آمال للابنوعن ابنه الصغير قال رافينيا إنه لن يواجه الصعوبات التي واجهها وسيعيش واقعا مختلفا، "لكني أريده أن ينشأ على القيم نفسها: الاحترام والتواضع والامتنان والعمل الجاد، أريده أن يفهم ألا شيء يأتي بسهولة، وأن يحترم الناس مهما كانوا، وأن تظلّ العائلة والمحبة فوق كل شيء. حتى إن لم يعش الحرمان الذي عشته، أريده أن يعرف قيمة الصلابة واللطف والانضباط".
بريق الشهرة لم يشغل رافينيا عن اللحظات العاطفية، مشيرا إلى أنه يستمتع كثيرا باللحظات البسيطة مع ابنه: اللعب معه في الحديقة، اصطحابه إلى المدرسة، الإفطار معا، رؤيته يكتشف العالم. هذه اللحظات اليومية لا تُقدَّر بثمن.
بالطبع هناك لحظات كبيرة: أخذه إلى الملعب، رؤيته يشاهدني ألعب، الاحتفال بهدف معه، لكن ما أقدّره أكثر هو اليوميات: الرابطة التي نبنيها خطوة خطوة، بين ضحكات وأحاديث ووقت مشترك. أعلم أنّ تلك الذكريات ستبقى معنا دائما.
تقول إن العقل أهم جزء للعب الكرة، فهل ترى صلة بين الذهنية والإصابات؟رافينيا: نعم، بالتأكيد. العقل والجسد مرتبطان تماما. إذا كنت متوترا أو قلِقا أو منهكا ذهنيا فسيعكس جسدك ذلك.
التعافي يصبح أصعب حين لا يكون رأسك بخير. أعتقد أنّ كثيرا من الإصابات لها مكوّن ذهني، سواء من ضغط أو شد أو نقص تركيز.
لذا، العناية بالعقل مهمّة كالعناية بالجسد. كلما كنت أقوى وأهدأ ذهنيا، كان أداؤك أفضل واحتمالات إصابتك أقل.
التعامل مع الانتقاداتالتوازن الهادئ في تصريحات رافينيا امتد أيضا إلى الانتقادات التي قد تطاله سواء من الجماهير أو الإعلام، وقال عنها:
"لا أقول إنها لا تؤثر، لكنني تعلّمت إدارتها أفضل. كانت تؤلمني كثيرا سابقا، أما الآن فأعرف كيف أُصفّيها، أستمع للانتقادات البنّاءة التي تساعدني على التحسن، وأحاول تجاهل السلبية البحتة".
مع النضج والخبرة فهمت أنني لا أستطيع إرضاء الجميع. المهم أن أبقى وفيا لنفسي، أعمل بجدّ، وأعطي كل شيء لفريقي وعائلتي.
دروس الحياةوعندما سئل عما تعلمه من كرة القدم، قال النجم البرازيلي إنها علمته الكثير من الأشياء أبرزها ما يلي:
الصمود والصبر والعمل الجماعي والتواضع. علّمتني أننا نفوز كجماعة، وأن الأمور لا تسير دائما كما نريد. أن علينا احترام الخصوم والزملاء. علّمتني الانضباط، وأن الموهبة وحدها لا تكفي بلا تضحية وعمل جاد. وأكبر درس: أن أكون ممتنا دائما، فالكثيرون لم تتح لهم الفرصة لعيش حلمهم. المنافسة مع لامين جمالوعن المنافسة مع زميله في برشلونة النجم الصاعد بقوة لامين يامال الذي حل ثانيا في سباق الكرة الذهبية، كانت إجابة رافينيا لافتة حيث قال:
"لا هذا التنافس غير موجود، ما يجمعنا حقا هو رغبة متبادلة في تقديم أفضل ما لدينا وتشجيع بعضنا بعضا ومساعدة الفريق على النجاح، نتبادل التحدي على أرض الملعب ولكن دائما بشكل بنّاء، وليس شخصيا، خارج كرة القدم علاقتنا قوية جدا وبعضنا يدعم بعضا داخل الملعب وخارجه".
مجلة "GQ Hype" أشارت إلى اشتهار رافينيا بالاحترافية والانضباط، كأحد قادة برشلونة قبل أن تسأله عما إذا كان يتحدّث مع الأصغر سنا عن الحفاظ على التركيز وتجنّب أنماط حياة قد تضرّ بمسيرتهم، فقال:
إعلان"نعم، أراه جزءا من دوري. أتحدّث كثيرا مع الصغار، أحاول مشاركة تجاربي وشرح أن الموهبة وحدها لا تكفي، وأن التركيز والانضباط هما الفارق على المدى الطويل".
"أريدهم أن يفهموا أن الأخطاء تحدث، لكن المهم هو ردّ الفعل وكيف تتعلّم وتتابع. القيادة ليست قيادة في الملعب فقط، بل أن تكون قدوة وتساند مَن يبدأون طريقهم".
رافينيا يتحدث عن النجاحرافينيا: النجاح بالنسبة لي هو راحة البال. أن أنظر إلى الوراء وأعرف أنني قدّمت أفضل ما لديّ، وأنني شرّفت عائلتي وبقيت وفيا لقيمي.
النجاح هو حب عائلتي واحترام من أعمل معهم، والقدرة على إلهام الآخرين، خصوصا الأطفال الذين يأتون من حيث أتيت، بأن الأمر ممكن.
إن استطعت الجمع بين كرة القدم وإرث إيجابي وحياة شخصية سعيدة، فحينها سأعتبر نفسي ناجحا حقا.
أي إرث تود أن تتركه؟رافينيا: أود أن يُذكر اسمي ليس بما فعلته بالكرة فقط، بل بالإنسان الذي كنته: بشخصي واحترامي وحبي للعبة وبالإلهام الذي تركته للأجيال.
بالطبع أريد أن أتذكر بالألقاب والإنجازات، لكنني قبل ذلك أريد لأطفال "الفافيلا" والأماكن المتواضعة أن ينظروا ويقولوا "إذا نجح، نستطيع أن ننجح نحن أيضا".
ذاك سيكون أفضل إرث يمكن أن أتركه.
الحاضر والمستقبلأخيرا كان رافينيا متعقلا عند الحديث عن المستقبل حيث أجاب قائلا:
"أتمنى الاعتزال في برشلونة، برشلونة نادٍ منَحني الكثير واستقبلني في لحظة مهمة جدا من مسيرتي، وأشعر فيه وكأنني في بيتي، إذا سمحت الظروف فسيكون من دواعي سروري قضاء بقية مسيرتي هنا، أفوز بالألقاب وأساعد اللاعبين الشباب، وأترك بصمة في تاريخ النادي".
لكن رافينيا أكمل قائلا "لكنني أعلم أيضا أن كرة القدم لا يمكن التنبؤ بها، لذلك أحاول أن أعيش الحاضر، في الوقت الحالي ينصبّ تركيزي على تقديم أفضل ما لدي كل يوم بهذا القميص وأترك للمستقبل مساره".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات نجاح النجم البرازیلی الکرة الذهبیة بالنسبة لی کرة القدم کل شیء
إقرأ أيضاً:
العصا الذهبية والأرض الموعودة!
بيرو – حين تلامس أشعة الشمس الأولى مياه بحيرة “تيتيكاكا” الزمردية في الخامس من نوفمبر من كل عام، تستيقظ مدينة “بونو” البيروفية على وقع دقات الطبول وألحان المزامير القديمة.
إنه يوم “بونو”، الذكرى التي تخلد قصة ميلاد إمبراطورية “الإنكا” العظيمة، حيث تختلط الأسطورة بالتاريخ في احتفالية مذهلة وصاخبة.
تقول أسطورة يتناقلها السكان الأصليون بأعين تلمع بالحنين، إن إله الشمس “إنتي”، رأى ذات يوم معاناة البشر الذين يعيشون في وحشية وجهل، فقرر إرسال ابنه، “مانكو كاباك” وشقيقته “ماما أوكلو”، من أعماق بحيرة “تيتيكاكا” المقدسة لينتشلا البشر من ظلمتهم.
حمل “مانكو كاباك” عصا ذهبية سحرية، وأمره والده بأن يبحث عن أرض تسمح لهذه العصا بالغوص في أحشائها بسهولة. “هناك، في ذلك المكان، ستبنيان مملكتكما العظيمة”.
انطلق الشقيقان في رحلتهما عبر الجبال والوديان، يغرسان العصا الذهبية في كل مكان يصلان إليه، لكنها كانت ترفض الغوص. حتى وصلا ذات يوم إلى ضفاف بحيرة “تيتيكاكا”، حيث توجد مدينة “بونو” اليوم في بيرو.
هناك، وفي مشهد سحري، غاصت العصا الذهبية في الأرض الطيبة واختفت عن البصر. أدرك “مانكو كاباك” أنه عثر على الأرض الموعودة. في تلك اللحظة، كما تقول الأسطورة: خرج أسلاف “الإنكا” من البحيرة ليخلقوا العالم والنجوم والبشر الأوائل، ويؤسسوا مدينة “بونو” القديمة، النواة الأولى لإمبراطورية كُبرى.
لم تبق هذه القصة حبيسة الكتب والمخطوطات القديمة، بل تحولت إلى واقع مُعاش في احتفالات يوم “بونو”. يصبح الوادي أكبر مسرح في العالم.
على ضفاف البحيرة، تظهر قوارب “التوتورا” التقليدية المصنوعة من القصب، محمولة على رغوة الأمواج. على متنها، يظهر ممثلو العرض بأزياء متقنة وبراقة تحتبس لها الأنفاس: “مانكو كاباك” بمظهره الملكي حاملا العصا الذهبية، و”ماما أوكلو” بجمالها ورصانتها، و”إنتي” إله الشمس بمظهره الساطع والمتلألئ.
موكب مهيب يشق الطرقات تجسيدا حيا لأسطورة الخلق. يصل الأسلاف الأسطوريون إلى الشاطئ وسط هتافات الجمهور، لتبدأ رقصة الولادة الأولى. تتحول ساحة “بلازا دي أرماس” إلى مسرع للفرح، تزينه الألوان الخلابة من كل جانب. فرق الموسيقى والرقص تملأ الجو بأنغام تحاكي الطبيعة وأرواح الأجداد. الراقصون بأرديتهم المزركشة التي تمثل الطيور والجبال والشمس، يدورون دون توقف، كتعبير عن دورة الحياة والموت والبعث.
لا يقتصر الاحتفال على يوم واحد، بل يمتد لأسبوع كامل. تتحول شوارع “بونو” إلى معرض مفتوح للحرف اليدوية التقليدية، حيث تعرض النساء المحليات سجاداتهن الملوّنة المنسوجة يدويا، والتي تحكي كل منها قصة مختلفة من تراث “الإنكا”.
في الملعب الرئيس للمدينة، تقدم العروض المسرحية التي تروي أساطير أخرى، مثل أسطورة “فيراكوتشا” إله الخلق الذي أغرق العالم ثم خلق بشرا جددا، أو أسطورة “باتشاماما”، أمنا الأرض، التي تمنح الخصوبة والحياة.
عندما تغرب الشمس على بحيرة “تيتيكاكا” في يوم الاحتفال الأخير، لا تنتهي القصة. يبقى صداها في قلوب السكان والزوار. يوم “بونو” ليس مجرد ذكرى، بل هو تأكيد حي على استمرار الهُوية. إنه الجسر الذي تعبر عليه أرواح “الإنكا” من الماضي المجيد إلى الحاضر الحي.
هنا، على هذه الضفاف، لا تزال عصا “مانكو كاباك” الذهبية تغوص في الأرض مرارا في الوحل الطيني، وتُستعاد في مخيلة شعب يرفض أن ينسى جذوره، ويصر على أن تظل أساطيره تتنفس، وترقص وتغني.
المصدر: RT