تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا مضمونه: ما حكم الشرع في الجلوس في الأماكن التي يتم فيها تعاطي المخدرات؟

وأجابت دار الإفتاء عن السؤال قائلة: يَحْرُمُ شرعًا الجلوسُ في الأماكن التي يتمّ فيه تعاطي المخدرات، وينبغي على عامة الناس تقديم النصيحة خالصة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم- كما أرشد إلى ذلك الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم؛ من أجل المساهمة في مواجهة تجارة هذه المواد المخدرة والقضاء على أوكارها.

بعد انفصال كريم محمود عبد العزيز عن زوجته.. هل يقع الطلاق أونلاين أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟ما حكم الاشتراك في صندوق الزمالة بالشركات؟.. الإفتاء تجيبما حكم إخراج الزكاة في صورة بطاطين؟.. الإفتاء: يجوز بشرطينما حكم تشجيع أحد الفرق في لعبة كرة القدم؟.. الإفتاء: جائز بشروط

حكم مجالسة أهل المعاصي
كرّم الله الإنسانَ ونأى به عن مواطن الرَّيب والمَهانة، وامتدح عباده الذين تجنبوا مجالس اللهو واللغو؛ فقال سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ [المؤمنون: 2]. وقال جل شأنه: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ [الفرقان: 72]. وقال تعالى: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ﴾ [القصص: 55].

وروى أبو داود في "سننه" عن ابن عمر رضي الله عنهما قوله: "نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْجُلُوسِ عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ".

والمستفاد من هذه النصوص أنه يحرم مجالسة مقترفي المعاصي أيًّا كان نوعها؛ لأن في مجالستهم إهدارًا لحرمات الله، ولأن من يجلس مع العُصَاة الذين يرتكبون المنكرات يتخلَّق بأخلاقهم السيئة، ويعتادُ ما يفعلون من مآثم؛ كشرب المُسْكِرات والمخدرات، كما يجري على لسانه ما يتناقلونه من ساقط القول، ومن أجل البُعْدِ بالمسلم عن الدنايا وعن اعتياد ارتكاب الخطايا كان إرشاد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للمسلمين في اختيار المجالس والجليس في قوله: «إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً». رواه البخاري ومسلم.

فالجليس الصالح يهديك ويرشدك ويدلُّك على الخير وتَرَى منه المحامدَ والمحاسنَ، وكلّه منافع وثمرات، أما الجليس الشرير فقد شبهه الرسول صلوات الله وسلامه عليه بنافخ الكِيرِ يضرُّ ويؤذي ويُعْدِي بالأخلاق الرديئة ويَجْلِب السيرة المذمومة، وهو باعثُ الفساد والإخلال ومُحَرِّك كل فتنة ومُوقِد نار العداوة والخصام.

وفي هذا الحديث الشريف دعوة إلى مجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم، وفيه النهي عن مجالسة أهل الشر والبدع والفُجَّار الذين يجاهِرُون بارتكاب المنكرات وشُرْب المُسْكِرات والمُخَدِّرات؛ لأن القرينَ يُنْسَبُ إلى قرينه وجليسه، ويرتفع به وينحدر، وتهبط كرامته بدناوة من يجالسهم، ولقد تحدث القرآن الكريم عن قرناء السوء وحذر منهم ومن مجالستهم وأخبر أنهم سوء وندامة في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا﴾ [النساء: 38].

حكم الجلوس في أماكن تعاطي المخدرات
إذا كان الجليس يقتدي ويهتدي بجليسه وبمجلسه فإن في جلوس الإنسان التقيّ البعيد عن المآثم والشبهات في مجالس الإفكِ والشربِ وتعاطِي المخدرات- ضررًا يؤذيه ويُرْدِيهِ في الدنيا بالمهانةِ وانتزاعِ المهابة عند عارفيه من أقارب وأصدقاء؛ لأن المخدرات -كما نقل العلامة ابن حجر المكي في "فتاواه الكبرى" (4/ 234، ط. المكتبة الإسلامية)-: [فيها مضارُّ دينية ودنيوية؛ فهي تُورِث الفكرة، وتُعَرِّض البدن لحدوثِ الأمراض، وتُورِث النسيان، وتصدّع الرأس، وتُورِثُ موت الفجاءة واختلالَ العقل وفساده، والسُّلَّ والاستسقاء وفساد الفكر، وإفشاء السر، وذهاب الحياء، وكثرة المراء، وانعدام المروءة، وكشف العورة، وعدم الغيرة، وإتلاف الكسب، ومُجَالسة إبليس، وتركَ الصلاة، والوقوعَ في المُحَرَّمات، واحتراقَ الدم، وصُفْرة الأسنان، وثُقب الكَبِد، وغشاء العين، والكسل، والفشل، وتُعِيدُ العزيز ذليلًا والصحيح عليلًا، إن أكلَ لا يشبع، وإن أُعْطِي لا يقنع] اهـ. بتصرف يسير.

ومن هنا كان على الإنسان أن ينأى عن مجالس الشرب المُحَرّم؛ خمرًا سائلًا أو مخدرات مطعومة أو مشروبة أو مشمومة، فإنها مجالسُ الفسق والفساد وإضاعة الصحة والمال، وعاقبتها الندم في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ [الزخرف: 36].

حكم مصاحبة متعاطي المخدرات
إن مصاحبة هؤلاء المارقين على الدين الذين يتعاطون هذه المهلكات إثم كبير؛ لأن الله قد غضب عليهم وعلى مجالسهم؛ قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ [الممتحنة: 13]، وفي مصاحبة هؤلاء ومجالستهم معاداة المولى سبحانه وتحدٍّ لأوامره؛ فقد نهى عن مَودَّة العُصَاة: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [المجادلة: 22].

وهؤلاء قد استغرقوا في مجالسهم المُحَرّمة المليئة بالآثام، فالجلوس معهم مشاركة فيما يرتكبون ومودة معهم، مع أنهم غير جديرين بهذه المودة لعصيانهم أوامر الله ورسوله، واستباحتهم ما حرم الله ورسوله؛ أولئك حزب الشيطان، مَنْ جلس معهم فقد رَضِي بمُنْكرِهِم وأقرّ فعلهم، والمؤمن الحق مأمورٌ بإزالةِ الباطل متى استطاع، وبالوسيلة المشروعة، فإنْ لم يستطع فعليه الابتعاد عن مجالس المنكرات؛ ففي الحديث الشريف في "صحيح مسلم" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ».

ففي هذا الحديث النبوي دعوة إلى مكافحة المنكرات، ومنها هذه السموم المخدرات بعد أن بان ضَرَرُهَا وشاع سوءُ آثارها، وكانت عاقبة أمرها خُسْرًا للإنسان وللمال، بل وفي المآل، فمَنْ كان له سلطة إزالة هذه المخدرات والقضاء على أوكارها وتُجَّارها كان لزامًا عليه بتكليف من الله ورسوله أن يَجِدَّ ويجتهدَ في مطاردة هذه الآفة، ومن لم يكن من أصحاب السلطة فإن عليه واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيُبَيِّنُ للناس آثارها المُدَمّرة لنفس الإنسان وماله.

إبلاغ السلطات عن أماكن تعاطي المخدرات
من الأمر بالمعروف إبلاغُ السلطات بأوكار تُجَّارِها ومُتَعَاطِيها، فالتَّستُّر على الجريمة إثم وجريمة في حق الأمّة وإشاعة للفحشاء فيها، وجميع الأفراد مطالبون بالأمر بالمعروف، وبالإرشاد عن مرتكبي هذه المنكرات ومُرَوِّجي المخدرات، إذ هذه هي النصيحة التي أمر بها الرسول صلوات الله وسلامه عليه في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن تميم الداري رضي الله عنه: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لله وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ».

وفي الحديث الذي رواه النسائي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغيِّرُوهُ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابِهِ».

والنصيحةُ لأئمة المسلمين؛ أي: للحُكَّام بالإرشاد ومعاونتهم على منع المنكرات والآثام؛ لأنهم القادرون على تغييرها بالقوة، فلا تأخذنا رحمة في دين الله إذ التَّسَتُّر على هذه الآثام إعانة لمُرَوِّجِيها على الاستمرار في هذه المهمة الخبيثة.


وبناء عليه: فإنَّ المجالس التي تُعَدُّ لتعاطي هذه المخدرات مجالسُ فسق وإثم، الجلوسُ فيها مُحَرَّم على كل ذي مروءة يحافظ على سمعته وكرامته بين الناس وعند الله، وأنَّ على الكافة إرشاد الشرطة المختصة لمكافحة تجارة هذه السموم القاتلة والقضاء على أوكارها، وأن هذا الإرشاد هو ما سماه الرسول الأكرم بالنصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.

طباعة شارك الجلوس في الأماكن التي يتم فيها تعاطي المخدرات المخدرات الإفتاء حكم مجالسة أهل المعاصي حكم الجلوس في أماكن تعاطي المخدرات حكم مصاحبة متعاطي المخدرات إبلاغ السلطات عن أماكن تعاطي المخدرات

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: المخدرات الإفتاء صلى الله علیه وآله وسلم ی المخدرات قال تعالى الجلوس فی رضی الله ى الله ع ما حکم

إقرأ أيضاً:

علي جمعة: من أراد عمارة الدنيا فلا بد أن يعلم قوانينها وسنن الله الجارية فيها

قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف عبر صفحته الرسمية على فيس بوك انه شاع في عصرنا أن نرى جهالاتٍ كثيرة، ونشهد خروجًا غير معقول عن المنطق وعن التفكير السليم، وكل ذلك يرجع إلى أمرين:

الأمر الأول: "الجهل" الذي صار مع مضيّ الزمن جهلًا مركّبًا؛ إذ يعتقد أحدهم أنه على حق، بينما هو في الحقيقة ليس على شيء.

الأمر الثاني: "الكذب"؛ حيث يكذبون على أنفسهم، ويكذبون الحقَّ كذلك.

عايز المرتب يكفي ويزيد؟.. عليك بهذا العملكرامات حافظ القرآن الكريم.. أمور ترفع قدركيزيد الرزق وينجيك من أعدائك.. النبي أوصى بهذا العمل13 دعاء تمحو ذنوبك كلها.. رددها بعد الصلاة وانسى أمرها

وأشار إلى أن كل ما نراه من انحراف واضطراب، أساسُه الجهل. ويتعجّب كثير من الناس من أن بعض من يصلي ويصوم يكون أقلَّ إدراكًا للواقع، وأقلَّ قدرة على عمارة الدنيا من الذين لا يؤمنون أصلًا. لماذا؟

لأن أولئك قد علموا وأدركوا حقيقة ما يتعاملون معه ـ وإن لم يكونوا مسلمين ـ أما هؤلاء فلم يدركوا.

إذن؛ الجهل والجاهلية هما وراء كلِّ تخلفٍ وانهيارٍ وفسق، بل يكشف الله لنا أنهما وراء كل كفر.

فالجهل بما نتعامل معه هو "المشكلة الأساسية"؛ فمن أراد عمارة الدنيا فلا بد له أن يعلم قوانينها وسنن الله الجارية فيها، ومن أراد أن يتعلم الشريعة فعليه أن يتعلمها وألا يجهلها، ومن أراد أن يؤمن بالله فعليه أن يفهم حقيقة الكون وقضيته الكبرى.

قال تعالى: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ﴾ [يونس: 39]؛ فهم لم يُدرِكوا العلم إدراكًا كاملًا.

وهنا إشارة إلى قضية أخرى؛ وهي أننا قد نعرف بعض العلم ونجهل بعضه، ثم نكمل ما ينقص من أذهاننا. ولذلك أُمرنا بالتخصص، كما قال تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43].

لا يُحيط الإنسان بعلم ما بين السماء والأرض، لكن الله جعل لكل جانب ولكل مجال "أهلَ ذكرٍ" يتخصصون فيه ويتبحرون فيه؛ ولذلك نسأل أهل الذكر، كلٌّ في مجاله.

وقوله تعالى: ﴿يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ﴾ يشير إلى الإحاطة التي نسميها اليوم "التخصص".

وليس المطلوب أن يكون الإنسان كمن يقطف زهرة من كل بستان، بل أن يحيط.

والإحاطة تقتضي:

- العلم بقواعد التخصص،

- وضبط أحكامه ومصطلحاته،

- وقراءة كتبه،

- والتعلم على يد شيخٍ أو أستاذٍ متعمق في هذا الفن.

هذا هو المنهج الذي عرفته البشرية؛ لذلك رأينا الجامعات، ورأينا المدارس، ورأينا الأستاذ والتلميذ، وكل ذلك من أجل الوصول إلى "الإحاطة".

طباعة شارك علي جمعة الأزهر التفكير السليم الجهل الكذب

مقالات مشابهة

  • فتاوى| بعد انفصال كريم محمود عبد العزيز عن زوجته.. هل يقع الطلاق أونلاين أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟.. حكم الجلوس في أماكن يتم تعاطي المخدرات فيها.. ما حكم الاشتراك في صندوق الزمالة بالشركات؟
  • انخفاض تعاطي المخدرات لأقل من 1% بعد تطبيق قانون فصل المتعاطين
  • رونالدو: السعودية لديها أماكن جميلة وأحب قضاء الوقت فيها
  • ما حكم الاشتراك في صندوق الزمالة بالشركات؟.. الإفتاء تجيب
  • هل مؤخر الصداق يحق للمرأة إذا توفي زوجها؟.. الإفتاء تجيب
  • هل الدعاء على الظالم يعيد الحق؟.. أمينة الفتوى تجيب
  • علي جمعة: من أراد عمارة الدنيا فلا بد أن يعلم قوانينها وسنن الله الجارية فيها
  • ما حكم سفر المرأة للعمرة مع ابن زوجها؟.. الإفتاء تجيب
  • هل يقع الطلاق من خلال الكتابة في الرسائل الإلكترونية؟.. الإفتاء تجيب