إلى أين يتجه سوق السندات الخضراء عالميًا؟
تاريخ النشر: 12th, November 2025 GMT
بيشينس أوكبيكي بول / ترجمة- أحمد القرملاوي -
يشهد سوق السندات الخضراء تطورًا متزايدًا مع ظهور اتجاهات جديدة ترسم ملامح مستقبله، من أبرزها تنوع الجهات المصدِرة للسندات وتوسُّع القطاعات المستفيدة منها، ما يعكس جاذبيتها المتزايدة والاعتراف بدورها الإيجابي على البيئة والمجتمع. الاتجاه الآخر يتمثل في تطور الأُطُر التنظيمية للسندات الخضراء، حيث يسعى المصدِرون لتعزيز الشفافية والمصداقية وضمان النزاهة للمستثمرين.
وبرغم الزخم الإيجابي، يواجه السوق عددًا من التحديات التي تعيقه عن النمو، منها غياب المعايير والتعريفات الموحَّدة لتصنيف السندات الخضراء، ما يزيد من مخاوف «الغسيل الأخضر»، أي الادعاء الكاذب بشأن الأثر البيئي للمشروعات. لذا يلزم وَضْعُ معايير دقيقة وإجراءات صارمة لتعزيز موثوقية السوق. ثمة تحَدٍّ آخر هو قلة المشاريع المتاحة للاستثمار، خاصة في الأسواق الناشئة والقطاعات المؤثرة بيئيًّا. وبرغم ارتفاع الطلب على السندات الخضراء، لا يزال العرض محدودًا بالنظر إلى المشاريع التي تستوفي متطلبات المخاطر والعوائد. ويمكن للحكومات والمؤسسات التمويلية سد فجوة العرض والطلب عن طريق بناء القدرات وتقديم التمويل التحفيزي. فيما تُعتبر العقبات التنظيمية وعدم توحيد السياسات أكبر التحديات على الإطلاق، إذ تتفاوت القواعد الضريبية ومُتطلبات الإفصاح من دولة لأخرى، ما يؤثر على كفاءة السوق. لذا فإن توحيد الأُطُر التنظيمية وتعزيز الشفافية عامل حاسم في تأسيس بيئة جاذبة للاستثمار في السندات الخضراء.
وبرغم هذه التحديات، ثمة مساحات هائلة للابتكار في التمويل المستدام، منها تطوير أدوات مالية جديدة تواكب تحديات الاستدامة المعاصرة، كأن يُتيح «التوريق الأخضر» تحويل الأصول البيئية لأوراق مالية قابلة للتداول، ما يعزز السيولة ويوسِّع قاعدة المستثمرين، كما يتنامى الاهتمام بدمج عوامل البيئة والمجتمع والحوكمة (ESG) في قرارات الاستثمار، بتوظيف استراتيجياتٍ مثل «الاستثمار المؤثِّر»، و«الاستثمار الموضوعي»، تحقق التوازن بين العائد المالي والقيمة الاجتماعية والبيئية.
كما تمثل الشراكات بين الحكومات والمؤسسات المالية ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص الركيزة الأساسية لتعزيز الابتكار في التمويل المستدام؛ مبادرات على غرار «فرقة عمل الإفصاح المالي الخاص بالمناخ» (TCFD)، و«مبادئ الاستثمار المسؤول» (PRI)، و«أهداف التنمية المستدامة»(SDGs)، حيث تخلق أُطُرًا للتعاون والعمل الجماعي في مواجهة التحديات العالمية. كما أن التعاون الدولي بين الأمم المتحدة والبنك الدولي والبنوك الإقليمية عامل أساسي في توحيد القواعد التنظيمية وتسهيل الاستثمار عبر الحدود، ودعم الدول في تطوير سياسات تمويل أخضر تتماشى مع الأهداف العالمية للاستدامة.
ماهية السندات الخضراء
وقد برز مفهوم «السندات الخضراء» في العقد الأخير كإحدى الأدوات المالية المخصصة لبناء منظومة التمويل المستدام، وثبُت أنها وسيلة عظيمة الفائدة والفعالية في توجيه الاستثمار نحو المشروعات ذات التأثير الإيجابي على البيئة. وهي ببساطة أوراق مالية تُخصص عوائدها لصالح تمويل المشروعات البيئية، مثل الطاقة المتجددة، ورفع كفاءة استهلاك الطاقة، والزراعة المستدامة، وإدارة التلوث والنفايات، والنقل النظيف. وتتميز هذه السندات بالتزامها الواضح بتحقيق الأهداف البيئية وتطبيق معايير صارمة تضمن شفافية استخدام العوائد ومساءلة المسؤولين، ما جعلها تجذب شريحة متزايدة من المستثمرين الذين يسعون لتحقيق أرباح مالية ذات أثر إيجابي على البيئة، جامعين بين الربحية والمسؤولية البيئية.
وتُعد السندات الخضراء من أهم أعمدة التمويل المستدام، كونها تدمج المعايير البيئية والمجتمعية والحوكمة في القرارات الاستثمارية. فيما يشمل التمويل المستدام أدوات متعددة، منها الاستثمار والإقراض والتأمين، بهدف تحقيق نموٍّ اقتصادي مسؤول ومتوازن، وتوجيه الموارد المالية نحو أنشطة ذات آثار بيئية واجتماعية إيجابية، مثل: مواجهة التغيرات المناخية، وتقليص الفجوة الاجتماعية، واستدامة الموارد الطبيعية.
وتبرز أهميتها في الدور الحيوي الذي تلعبه في سد فجوة التمويل المطلوب لتحقيق التحول إلى اقتصاد أخضر منخفض الكربون. فالتحديات المناخية تمثل تهديدًا وجوديًّا للحياة على الأرض، وتتطلب استثمارات ضخمة في مجالات الطاقة النظيفة، والنقل المستدام، والبنية التحتية الخضراء. غير أن آليات التمويل التقليدية غالبًا ما تقف عاجزةً أمام هذه المتطلبات. هنا يظهر دور السندات الخضراء كأداة تمويلية فعالة في توجيه رؤوس الأموال نحو المشروعات المستدامة.
وعبر توفير التمويل اللازم للمشروعات الصديقة للبيئة على نطاق أوسع، تساهم السندات الخضراء في نشر التقنيات النظيفة، وتقليل الانبعاثات، والحفاظ على الموارد الطبيعية. كما أنها تُمكِّن القطاع الخاص من لعب دور محوري في تمويل البنية التحتية المقاوِمة لتغيرات المناخ، مما يعزز التعاون بين القطاعين العام والخاص، ويعظِّم أثر المبادرات الحكومية الهادفة للتنمية المستدامة.
وتُعد السندات الخضراء أدوات دَيْنٍ مالية مخصصة لتمويل المشروعات والأنشطة ذات الفوائد الإيجابية على البيئة والمناخ. وفي مقابل السندات التقليدية التي تُستخدَم في تمويل المشروعات بصرف النظر عن أثرها البيئي، تُطرَح السندات الخضراء بهدفٍ محددٍ هو دعم الاستدامة البيئية، ما يخُصُّها بدور مهم في منظومة التمويل المستدام.
وقد برزت فكرة السندات الخضراء مع بدايات الألفية، وكان البنك الأوروبي للاستثمار (EIB) هو أول جهة تُصدر سندات خضراء عام 2007. ومنذ ذلك الحين، شهدتْ سوق السندات الخضراء نموًّا متسارعًا نتيجة تزايد الطلب على الاستثمارات المسؤولة اجتماعيًّا، وتعاظُم الحاجة لمواجهة التغيرات المناخية. واليوم، تمثل السندات الخضراء قطاعًا متناميًا في سوق السندات العالمي في العديد من القطاعات الاستثمارية والجغرافيات المتنوعة.
وللسندات الخضراء سماتٌ تميزها عن السندات التقليدية، أهمها هو تخصيص العوائد لتمويل المشروعات البيئية، حيث تلتزم الجهة التي تُصدر هذه السندات –مثل الحكومات والبلديات والمؤسسات المالية- بالإفصاح عن كيفية استخدامها ونوع المشاريع التي ستمولها والأثر البيئي المتوقع. هذه الشفافية هي ما يعول عليه المستثمرون في تقييم مصداقية السندات الخضراء لاتخاذ قرارات استثمارية واعية. ومن سماتها البارزة أيضًا التزامها بالمبادئ والمعايير الدولية للتمويل الأخضر. ترسم هذه المبادئ إطارًا يضمن نزاهة السوق وشفافيته، ويعزز الثقة في إصدار السندات الخضراء، حيث يُطلب من الجهة المصْدِرة الالتزام بهذه المبادئ والحصول على اعتماد أو تقييم خارجي يؤكد مصداقية الأثر البيئي للمشروعات التي تمولها. أما بخصوص العوائد المالية وشروط التمويل، فغالبًا ما تكون السندات الخضراء مماثلة للسندات التقليدية من حيث المخاطر ومستويات العائد، ما يجعلها جذابة للمستثمرين الباحثين عن استثمارات مسؤولة دون التضحية بالعائد المالي.
وتغطي المشروعات المموَّلة عبر السندات الخضراء طيفًا واسعًا من الأنشطة البيئية والمناخية، ما يعكس شمولية مفهوم التنمية المستدامة. وتُعد مشروعات الطاقة المتجددة أبرز المستفيدين، وتشمل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية والحرارية الأرضية، حيث تُسهم مجالات الطاقة هذه في خفض الانبعاثات الكربونية. كما تشكل البنية التحتية للنقل النظيف قطاعًا رئيسًا يُموَّل عبر السندات الخضراء، وتشمل الاستثمار في المركبات الكهربائية، وشبكات النقل العام، وتصميم المدن الصديقة للمشاة. تساعد هذه المشروعات في الحد من التلوث وتخفيف الزحام وتحسين جودة الحياة الحضرية.
فضلًا عن ذلك، تدخل السندات الخضراء في تمويل مشروعاتِ رفع كفاءة استهلاك الطاقة، مثل تحديث المباني وتطوير آليات الصناعة والأجهزة والمعدات بهدف تقليل استهلاك الطاقة. وتُعد هذه المشروعات أساسية في جهود الحد من الانبعاثات وتعزيز القدرة التنافسية الاقتصادية، وتمتد إلى مشروعات أخرى مثل: إدارة المياه المستدامة، وبرامج إعادة التدوير وإدارة النفايات، ومبادرات التشجير ومشروعات التكيُّف مع التغيرات المناخية. ويَظهر من هذا التنوع كيف يربط مفهوم التنمية المستدامة بين الجوانب البيئية والاجتماعية والاقتصادية في إطار شامل.
أطر تنظيمية
ثمة أُطُر تنظيمية ومعايير دولية تَحكُم إصدار السندات الخضراء، لضمان الاتساق والمصداقية في السوق المالية. تحدد هذه الأُطُر ضوابط الشفافية والإفصاح، وتوجه الجهات المُصدِرة للالتزام بأفضل الممارسات العالمية في تحديد الأهداف البيئية والإفصاح عن النتائج. إن وجود هذه المعايير الموحَّدة يسهم في تعزيز ثقة المستثمرين وضمان استخدام رؤوس الأموال في تحقيق التحول نحو اقتصاد أكثر استدامة وعدالة بيئية.
وتُعد مبادئ السندات الخضراء (GBP) الإطارَ العام لتنظيم إصدار السندات الخضراء والإفصاح عنها. وقد وضعتها الرابطة الدولية لسوق المال (ICMA) بهدف توحيد الممارسات بين الجهات المصدِرة والمستثمرين. تغطي هذه المبادئ مجالات رئيسة تشمل: تقييم المشروعات، وتوظيف العوائد، والإفصاح الدوري، وعمليات التحقق والمراجعة الخارجية، لضمان الشفافية والمصداقية في السوق. وإلى جانب هذه المبادئ، ظهرت معايير أخرى مثل «معيار السندات المناخية» و«تصنيف الاتحاد الأوروبي للأنشطة المستدامة» (EU Taxonomy)، بهدف تحديد أهلية المشروعات ومعايير تقييم آثارها البيئية. تساعد مثل هذه الأُطُر في توحيد مفهوم المشروعات الخضراء وتعزيز الشفافية وثقة المستثمرين في السندات.
وقد تبنت الحكومات في العديد من الدول حوافز وتشريعات تشجع على إصدار السندات الخضراء، مثل الإعفاءات الضريبية أو تخفيض متطلبات رأس المال، حيث تهدف هذه الإجراءات لتحفيز المؤسسات المالية على تمويل المشروعات ذات العائد البيئي. كما أصبح الإفصاح الإلزامي عن معلومات البيئة والمجتمع والحوكمة (ESG) شرطًا مفروضًا على الشركات المقيَّدة في العديد من البورصات والمؤسسات المالية، ما يعزز الشفافية والمساءلة.
وبوجه عام، تمثل هذه الأُطُر التنظيمية والمعايير ركيزة أساسية لتطوير سوق السندات الخضراء وضمان نزاهتها، إذ توفر محددات وحوافز واضحة للجهات المُصدِرة والمستثمرين، وتُسهم في دمج مبادئ التمويل المستدام في النظام المالي الدولي، وتوجيه رأس المال نحو أهداف الاستدامة البيئية.
تحليل أداء
ويُعد تقييم أداء السندات الخضراء بالمقارنة بالسندات التقليدية أمرًا محوريًّا للمستثمرين الذين يسعون إلى دمج معايير الاستدامة في استثماراتهم، وقد تباينَتْ نتائج الدراسات حول هذا الجانب، فمن ناحية، يرى أنصار السندات الخضراء أنها تُحقق عوائد مالية مماثلة أو أفضل من السندات التقليدية، خصوصًا على المدى البعيد، وتشير أبحاث «مبادرة السندات المناخية» (CBI) إلى أن هذه السندات غالبًا ما تتمتع بمخاطر ائتمانية أقل وقدرة أكبر على الصمود أمام التقلبات المناخية والبيئية، ما يمنحها جدارة ائتمانية أعلى واحتمالات خسارة أقل، كما أدى الطلب المتزايد من المستثمرين إلى ارتفاع أسعارها، ما يمكِّن جهات الإصدار من الحصول على تكلفة اقتراض وهوامش فائدة أقل بالمقارنة بالسندات العادية.
وعلى النقيض، يرى المشككون في فائدة السندات الخضراء أن ثمة مقايضات إجبارية بين الأهداف البيئية والعوائد المالية، فقد تواجه هذه السندات قيودًا في السيولة، أو مشاكل في التسعير، أو ارتفاعًا في تكاليف الإصدار والمعاملات، فتقِلُّ جاذبيتها لدى المستثمرين، كما أن غياب المعايير الموحَّدة للإفصاح يثير المخاوف من «الغسيل الأخضر» وتوجيه التمويل لمشروعات ذات أثر بيئي محدود.
ولعمل تقييم شامل لأداء السندات الخضراء، يلجأ الباحثون إلى التحليل الكَمِّي، الذي يشمل دراسة الأحداث، وتحليل التراجع، وعمل سيناريوهات للمحافظ الاستثمارية، بحيث تُقاس العوائد بالمخاطر والتقلبات والعلاقة مع الفئات الأخرى. يساعد هذا التحليل في رصد الاتجاهات التي تحدد مدى جاذبية السندات الخضراء كخيار استثماري في فترات مختلفة وأسواق متنوعة.
وتجدر الإشارة إلى أن فهم علاقات المخاطر والعوائد في استثمارات السندات الخضراء هو أمر أساسي للمستثمرين الساعين لتحقيق التوازن بين الأهداف المالية والاعتبارات البيئية. فالسندات الخضراء -شأنها شأن السندات الأخرى- تتعرض لتنويعة من المخاطر تشمل: مخاطر الائتمان، ومخاطر أسعار الفائدة، ومخاطر صعوبة التسييل، والمخاطر البيئية. يُسهم تحليل المخاطر ومدى تأثيرها على أداء السندات الخضراء في تمكين المستثمرين من اتخاذ قرارات مدروسة وإدارة المحافظ بفعالية. وتبرز مخاطر الائتمان كأكبر التحديات المرتبطة بالسندات الخضراء، نظرًا لاحتمالية تعثُّر الجهة المصدِرة عن السداد أو تراجع تصنيفها الائتماني مع مرور الوقت. ورغم أن السندات الخضراء قد تستفيد من تحسُّن جدارتها الائتمانية بفضل توافُقها مع الأهداف البيئية، فإن ذلك لا يعني حَصانَتها ضد المخاطر المالية، فقد تواجه الجهات المصدِرة صعوبات نتيجة متغيرات تنظيمية، أو اضطرابات سوقية، أو عوامل متعلقة بالمشروعات، ما يؤثر على إمكانية وفائها بالتزاماتها تجاه المستثمرين.
أما مخاطر أسعار الفائدة، فتشير لتأثير تقلُّبات أسعار الفائدة على أسعار السندات. فالسندات الخضراء -حالها حال السندات التقليدية- تتأثر بتفاوت معدلات الفائدة، خاصة السندات طويلة الأجل. وعليه، قد يستخدم المستثمرون استراتيجيات وقائية للمحافظة على رأس المال وأداء المَحافظ. في حين تُعد مخاطر صعوبة التسييل من أهم عوامل تقييم السندات الخضراء، إذ تشير إلى مدى سهولة أو صعوبة بيع وشراء السندات في الأسواق الثانوية، دون تأثير بالغ على قِيَمها السوقية. قد تُواجه بعض السندات الخضراء صعوبةً في التسييل، خاصةً في الأسواق الناشئة أو أثناء التقلُّبات السوقية الحادة. لذا يتوجَّب على المستثمرين تقييم إمكانية التسييل وتكاليفه بعناية فائقة، لضمان تنفيذ عمليات البيع والشراء بكفاءة وتكلفة معقولة. أما المخاطر البيئية فتتعلق باحتمالية التأثير السلبي للأحداث والتطورات البيئية على الأداء المالي للسندات الخضراء. فالمشروعات التي تموِّلها قد تكون عرضة لمخاطر الكوارث الطبيعية أو تغيُّر السياسات البيئية أو تحولات الطلب في الأسواق. لذا ينبغي العناية بتقييم هذه المخاطر لحماية رأس المال المستثمَر.
يوظِّف الباحثون أدوات تحليلٍ كَمِّية متقدمة لتقييم المخاطر، مثل «تحليل القيمة العُرضة للخطر» (VaR)، و«اختبارات الضغط»، و«تحليل السيناريوهات»، و«محاكاة مونت كارلو». تساعد هذه الأدوات في وضع سيناريوهات متعددة لتقدير الخسائر المحتمَلة نتيجة الأزمات، وبالتالي قياس «المرونة المالية» لمَحافِظ السندات الخضراء. كما أن دمج معايير البيئة والمجتمع والحوكمة (ESG) في أنظمة إدارة المخاطر يُعزز من دقَّتها وفعاليَّتها، ويمكِّن المستثمرين من تحقيق عوائد مالية أكثر استدامة نتيجةَ تعديلها لاستيعاب المخاطر المحتمَلة.
اتجاهات السوق
شَهِدَ قطاع السندات الخضراء نموًّا متزايدًا خلال الأعوام الأخيرة، نتيجةَ ارتفاع الطلب على الاستثمار المستدام والحاجة لمواجهة التغيُّرات المناخية. ويساعد تحليل اتجاهات السوق في فهم ديناميكية هذا النمو، بما يشمل توجُّهات المستثمرين وحجم الإصدارات وتوزيعها السوقي والجغرافي.
تكشف بيانات «مبادرة السندات المناخية» (CBI) عن حجم الإصدارات العالمية للسندات الخضراء، الذي بلغ مستويات قياسية في عدد الجهات المصدِرة مثل الحكومات والمؤسسات المالية والبلديات، فيما تستحوذ قطاعات الطاقة المتجددة والنقل المستدام والمباني الخضراء والمرونة المناخية على النصيب الأكبر من التمويل الأخضر. وتشير اتجاهات السوق إلى تطوُّر منظومة التمويل المستدام، حيث صار المستثمرون أكثر ميلًا لإدراج اعتبارات البيئة ضمن استراتيجياتهم الاستثمارية. كما ساهمت الأُطُر التنظيمية -مثل سياسات التمويل الأخضر ومتطلبات الإفصاح- في تعزيز ثقة المستثمرين، وعززت الحوافز الضريبية من إقبال المستثمرين على هذه الأدوات.
وتلعب العوامل الاقتصادية والاجتماعية دورًا متممًا لتفسير هذا النمو، فثمة عوامل تؤثر على تكلفة رأس المال، مثل أسعار الفائدة ومعدلات التضخم والنمو الاقتصادي، فيما يشكل الرأي العام والضغط المجتمعي ونشاط المستثمرين حوافز تُوجِّه رأس المال نحو المشروعات المستدامة. ومن الضروري استيعاب هذا المزيج من العوامل التنظيمية والاقتصادية والاجتماعية للتوصُّل لرؤية شاملة لمواصلة نمو سوق السندات الخضراء، وتعاظُم دورها في تحقيق التحوُّل نحو اقتصاد أكثر استدامة.
أثر عوامل البيئة والمجتمع والحوكمة (ESG)
لعوامل البيئة والمجتمع والحوكمة (ESG) دور حاسم في تحديد أداء السندات الخضراء، كما أنها تؤثر على رؤية المستثمرين للعوائد والمخاطر. وبدَمْجِ هذه العوامل في عملية اتخاذ القرارات الاستثمارية، تُصبح المحافظ الاستثمارية أكثر استدامةً واستقرارًا، ويتمكن المستثمرون من اكتشاف الفرص وإدارة المخاطر وتحقيق الأهداف طويلة الأجل. تشمل هذه العوامل البيئية: تغيُّر المناخ، ونُدرة الموارد، والتلوث، وقلة التنوع الحيوي، وتدهور النظام البيئي. وحيث يتم تقييم المشروعات المموَّلة بالسندات الخضراء بناءً على أثرها البيئي وإنتاجها للنفايات واستهلاكها للمياه وغيرها من العوامل البيئية، فإن تقييم الأداء البيئي يتطلب وجود أُطُر دقيقة للقياس، ومنهجيات موحَّدة، وشفافية في الإفصاح، لضمان مصداقية البيانات وقابليتها لعَقْدِ المقارنات.
أما العوامل الاجتماعية فتركز على أثر الاستثمارات المموَّلة بالسندات الخضراء على الأفراد والمجتمع بمختلف فئاته. حيث يتم تقييم المشروعات بناءً على أثرها الاجتماعي، وشموليتها، واحترامها لحقوق الإنسان، ومدى تفاعلها مع المجتمع. يحتاج مثل هذا التقييم لحوار شامل مع كل الأطراف المعنية، فضلًا عن الالتزام بمعايير حقوق الإنسان. أما عوامل الحوكمة فتشمل السياسات وآليات الرقابة التي تعتمدها الجهات المصدِرة للسندات الخضراء. وفي وجود حوكمة قوية، يمكن ضمان الشفافية والمساءلة العادلة والنزاهة في إدارة المشروعات.
يستخدم الباحثون أدوات تحليل متنوعة لتقييم أثر عوامل البيئة والمجتمع والحوكمة (ESG) على أداء السندات الخضراء، منها «نظام التقييم والتكامل»، و«الفرز الاستثماري»، و«الاستثمار المؤثر». وعن طريق دمج هذه العوامل في تحليل المَحافِظ، يمكن للمستثمرين تحديد السندات عالية الجودة وتقليل المخاطر البيئية والاجتماعية، كما يُسهِم التفاعل بين الجهات المصدِرة وصناع السياسات والمجتمع المدني في تعزيز السلوك المسؤول للمؤسسات ودعم أجندة الاستدامة. إجمالًا، يستلزم تحليل أداء السندات الخضراء منهاجًا متعدد الأوجُه، يوازن بين العوائد المالية والمخاطر وفهم اتجاهات السوق وأثر عوامل البيئة والمجتمع والحوكمة ESG، بحيث يدعم التمويل المستدام ويُوجِّه رؤوس الأموال نحو الاستدامة البيئية.
بيشينس أوكبيكي بول، باحثة نيجيرية متخصصة في المشتريات المستدامة وإدارة سلاسل الإمداد. يُركِّز عملها البحثي على كيفية تحقيق المؤسسات للتوازن بين الأخلاقيات والكفاءة الاقتصادية. شاركت في تأليف دراسات حول لوجستيات الرعاية الصحية وممارسات الاقتصاد الدائري.
المجلة العلمية المفتوحة للعلوم والتكنولوجيا
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: إصدار السندات الخضراء سوق السندات الخضراء والمؤسسات المالیة السندات الخضراء م التمویل المستدام الأهداف البیئیة تمویل المشروعات للسندات الخضراء أسعار الفائدة أکثر استدامة ن المستثمرین هذه السندات هذه المبادئ الجهات الم فی الأسواق على البیئة استدامة ا ل السندات رأس المال هذه الأ التی ت کما أن
إقرأ أيضاً:
«مدبولي» يدعو المستثمرين إلى ضخ المزيد من الاستثمارات في مصر
دعا الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، المستثمرين إلى ضخ المزيد من الاستثمارات في مصر، معربًا عن ثقته في دور القطاع الخاص في تعزيز العلاقات الاستثمارية بين مصر ودول التعاون الخليجي، مشيرا إلى أنه تم اتخاذ العديد من الاجراءات لتمكين القطاع الخاص.
وأوضح خلال فعاليات «منتدى الاستثمار والتجارة المصري الخليجي» أن المنتدى يعقد في وقت تشهد فيه مصر طفرة في كافة المجالات، بما يتسق مع الأهداف المصرية الطموحة حيث قامت مصر ببناء أكثر من 20 مدينة جديدة والتي تتبع جميعها بمعايير الاستدامة والتطور التكنولوجي.
وأكد أن الدولة المصرية عملت على تقديم العديد من الحوافز واتخاذ العديد من الاجراءات الامر الذي كان محل تقدير من مختلف الهيئات الدولية مشيدا بالاقتصاد المصري، مشيرا إلى أن منتدى الاستثمار والتجارة المصري الخليجي، يعكس الثقة المتبادلة بين الجانبين والاهتمام المشترك بالفرص المتاحة
اقرأ أيضاًالرئيس السيسى يؤكد التزام مصر الراسخ بتعزيز مكانتها كوجهة جاذبة للشركات العالمية
رئيس الوزراء: مصر تشهد طفرة تنموية شاملة منذ 10 سنوات
مدبولي: دول مجلس التعاون الخليجي من أهم شركاء مصر على الصعيدي التجاري والاستثماري