لجريدة عمان:
2025-11-12@18:38:43 GMT

أخطار الدَّوْلَرَة

تاريخ النشر: 12th, November 2025 GMT

عندما عاد دونالد ترامب الى البيت الأبيض كانت هنالك مخاوف على نطاق واسع بأن إدارته ستسعى إلى تقويض الدور العالمي للدولار. لكن اليوم تبدو تلك المخاوف مثل ذكرى بعيدة؛ فالإدارة الأمريكية ترحب بالعملات المستقرة التي ترتكز على الدولار.

إنها عملة رقمية مشفَّرة، ومصممة للمحافظة على قيمة ثابتة لا تتقلَّب، وتعتبرها أمريكا فرصة لتوسيع مجال نفوذ عملتها؛ لأن كل واحدة منها مدعومة بأصل آمن يرتكز على الدولار.

وحسبما جاء في الأخبار يفكر البيت الأبيض فيما إذا كان يلزمه تشجيع البلدان الأخرى على التحول إلى الدولار أو الدولرة. (يُقصد بالدولرة إحلال البلد الدولار الأمريكي محل عملته الوطنية كعملة قانونية رسمية، وهو ما يعني التخلي عن سيادته النقدية كما هي الحال في عدة بلدان كالإكوادور والسلفادور وزمبابوي وتيمور الشرقية، وذلك مقابل استقرار الأسعار والسيطرة على التضخم ـ المترجم).

الفكرة تتعدى الاقتصادات التي تعاني بشدة مثل اقتصاد الأرجنتين، وهي المرشح النموذجي لسياسة الحث على الدولرة؛ فحتى البلدان الكبيرة والغنية أصبحت قلقة منها. لقد حذر المسؤولون ببنك إنجلترا والبنك المركزي الأوروبي من أخطار الدولرة الرقمية (إجراء المعاملات المالية بالدولار الأمريكي في أشكاله الرقمية عبر الإنترنت).

تفوُّق الدولار الأمريكي يقلل سلفا العوائد التي يطالب بها الأجانب للاستثمار في أمريكا بنسبة 1 إلى 2 نقطة مئوية في كل عام. وسيتعاظم هذا «الامتياز المُغالَى فيه» الذي تنفرد به الولايات المتحدة مع تبني المزيد من البلدان للدولار، أو احتفاظ المزيد من الأجانب بالعملات الرقمية المستقرة والمقوَّمة بالعملة الأمريكية.

في الخارج يمكن أن تكون إمكانية الدولرة مصدرًا مفيدًا للانضباط؛ فالدولار يقدم مخزنًا للقيمة للهاربين من التضخم الذي تسببه السياسات الاقتصادية المتراخية، مثلما هي الحال مع الأرجنتينيين العديدين الذي يدخرون أموالهم في عملات صعبة يكدسونها في بيوتهم.

فكلما جعلت العملات المستقرة الدولار متاحًا بقدر أكبر صار من الصعب على الحكومات السيطرة على حركة رأس المال أو التخلص من ديونها من خلال التضخم. والدولرة في بعض البلدان هي السبيل الوحيد لاستقرار الأسعار طويل الأمد؛ فكل من الإكوادور والسلفادور تمتعتا بعد الدولرة بانخفاض التضخم حتى تحت قيادة اليسار الشعبوي.

رغم ذلك؛ على أمريكا عدم اتباع أجندة مؤيدة للدولرة.

في الاقتصادات المستقرة الدولرة غير ضرورية، وهي أيضا تنطوي على تكاليف؛ فالاقتصادات المُدَوْلَرَة تستورد السياسة النقدية للولايات المتحدة بدلا من وضع سياستها النقدية الخاصة بها ما يزيد من صعوبة محاربة الانكماشات (الانكماش الاقتصادي يعني تراجع النمو على الأقل لفترتين على التوالي كل منها تستمر لثلاثة أشهرـ المترجم). ولأن هذه البلدان التي تنتقل إلى الدولار لا يمكنها إيجاد أو طباعة النقود؛ فمن الصعب دعم نظامها المالي مؤقتا في أوقات الأزمات.

التحول إلى العملات المستقرة المقومة بالدولار يمكن أن يكون فوضويًا؛ فهو قد ينطوي على مسارعة المودعين إلى سحب ودائعهم من البنوك والى انهيارات مصرفية، والبلدان على حق في الدفاع عن سيادتها النقدية، وليس من مصلحة أمريكا أن يلومها حلفاؤها في التسبب بالاضطرابات التي ستحدث.

أيضا هنالك جانب مظلم للدولرة بالنسبة لأمريكا؛ فمكانة الدولار هي السبب الرئيسي وراء قدرتها على اتباع سياسة مالية بلا مشكلات مع ديون صافية تساوي 100% من ناتجها المحلي الإجمالي، وعجز في الموازنة بنسبة 6%.

وإذا استخدمت بلدان عديدة الدولار سيعني ذلك تأجيل اللحظة التي سيكون فيها من الضروري للولايات المتحدة ضبط وضعها المالي.

قد يبدو ذلك شيئا جيدًا لك إذا كنت تعمل في وزارة الخزانة الأمريكية اليوم، لكن كلما كدست أمريكا المزيد من الدين كانت الأزمة التي ستقع في نهاية المطاف أشد وبالًا. فأمريكا نفسها يمكن أن تواجه نفس الشيء الذي يخشى منه الآخرون، وهو المسارعة إلى التخلص من عملتها (الدولار)، ولكن على نطاق واسع جدًا.

إصلاح الموازنة يعني عدم الحاجة إلى المزيد من المشترين لسندات الدين الأمريكي؛ فهو يؤدي إلى تجنب خطر الأزمة، ويرجح استمرار مكانة عملة الاحتياط الأمريكية. وسيقود الإصلاح إلى تلافي تناقض صارخ في أجندة ترامب؛ فالنموذج الذي يتسم بارتفاع الدين والدولرة العالمية يعني بالتأكيد تقريبا عجوزات تجارية أكبر، وهي التي يمقتها الرئيس الأمريكي.

تعكس تدفقات رأس المال في جزء كبير منها صورة العجز التجاري. وهذا هو السبب في أن صقور التجارة في الإدارة الأمريكية يتشككون في المكانة العالمية للدولار (يرغبون في تقليص دوره كعملة احتياط).

لكن ما يدعو إلى الارتياح أن معسكر أنصار الدولار داخل الإدارة الأمريكية انتصر.

لم يتعافَ الدولار كثيرًا من الذعر الذي أعقب إعلان ترامب عن رسومه الجمركية الشاملة فيما أسماه «يوم الحرية».

والمستثمرون الآن أشد قلقا من مخاطر التعامل بالدولار دون تحوّط من تقلبات سعر الصرف. بل في لحظة ما كان من الوارد أن تُفرض ضرائب على المستثمرين الأجانب.

لكن ذلك لا يعني أن يبالغ البيت الأبيض في تعزيز وضع الدولار والتشجيع على الدولرة حين لا يكون ذلك ضروريا وغير مرغوب فيه؛ فأفضل طريقة لجعل العملة جذابة هي إدارة الاقتصاد بشكل جيد في الداخل.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المزید من

إقرأ أيضاً:

الإمارات تدين التفجير الذي وقع وسط نيودلهي

 

أدانت دولة الإمارات بشدة التفجير الذي وقع وسط العاصمة الهندية نيودلهي وأسفر عن مقتل وإصابة عشرات من الأشخاص الأبرياء.

وأكّدت وزارة الخارجية، في بيان لها، أنّ دولة الإمارات تُعرب عن استنكارها الشديد لهذه الأعمال الإجرامية، ورفضها الدائم لجميع أشكال العنف والإرهاب التي تستهدف زعزعة الأمن والاستقرار.

كما أعربت الوزارة عن خالص تعازيها ومواساتها لأهالي وذوي الضحايا، ولحكومة الهند وشعبها الصديق، وعن تمنياتها بالشفاء العاجل للمصابين.


مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة تحذّر: ملايين البشر على حافة المجاعة في 16 بؤرة حول العالم
  • 16 بؤرة جوع في العالم منها 4 عربية.. ما هي؟
  • وكالات الأغذية التابعة للأمم المتحدة تحذر من مجاعة كارثية في 16 دولة
  • الدولار يتراجع مع ترقب خفض الفائدة الأمريكية
  • 20 دولة تعيش على الدولرة بينها دولتان عربيتان
  • الاتحاد الأوروبي يتطلع إلى حظر هواوي في شبكات الهاتف المحمول بالدول الأعضاء
  • الإمارات تدين التفجير الذي وقع وسط نيودلهي
  • هل من فرصة لبروز جيل زد عربي؟
  • «آي صاغة»: الذهب يحقق أعلى مستوى في أسبوعين بدعم ضعف الدولار وتزايد رهانات خفض الفائدة الأمريكية