المسلة:
2025-11-19@10:34:34 GMT

كرسي الحصانة البرلمانية

تاريخ النشر: 19th, November 2025 GMT

كرسي الحصانة البرلمانية

19 نونبر، 2025

بغداد/المسلة: كتب رياض الفرطوسي

منذ أن وُلدت التجربة البرلمانية في العراق بعد عام 2003، ظلّ كرسيّ الحصانة حلماً يراود الطامحين إلى السلطة أكثر مما يستهوي الحريصين على الخدمة العامة. فالمقعد الذي يفترض أن يكون جسراً بين الناس والدولة، تحوّل عند كثيرين إلى حصنٍ شخصي، يدرأ المساءلة أكثر مما يصون المبدأ.

ومع مرور السنوات، بدا أن هذا الكرسي لا يُختبر بقيمته القانونية، بل بما يفعله الجالس عليه من أثرٍ أو خذلان.

الحصانة، في معناها الدستوري، خُلقت لتمنح النائب حرية الكلمة وتكفل له الجرأة في مواجهة الفساد أو التجاوز، لا لتكون جداراً يحول بينه وبين العدالة. لكن حين اختُزلت الفكرة في حماية الأشخاص بدل حماية المواقف، ضعفت ثقة الشارع بممثليه، وتحوّلت جلسات البرلمان إلى مسرحٍ للتجاذب لا ورشةٍ للبناء.

اليوم، والعراق يعيش مرحلة مختلفة من التصحيح وإعادة ترتيب الأولويات، تبدو الحاجة ماسة إلى برلمانٍ يُعيد الاعتبار لدوره الحقيقي. برلمانٍ يُفهم فيه الكرسي لا بوصفه امتيازاً، بل مسؤوليةً تُحاسَب بقدرها. مرحلة يسعى فيها الأداء العام إلى أن يوازي حجم التحديات، وأن تكون العلاقة بين الحكومة والبرلمان قائمة على الشراكة لا الخصومة، وعلى الفعل لا الشعارات.

المرحلة الراهنة تضع الجميع أمام اختبار الوعي: هل يستطيع النائب أن يرتفع فوق الحسابات الضيقة ليكون صوت وطنٍ لا لسان كتلة؟ وهل يمكن للحصانة أن تعود إلى معناها الأول: حصانة للحق لا لمُرتكبه؟

لقد بدأت ملامح عهدٍ جديد تتشكل؛ عهدٍ تُدار فيه الدولة بعقلٍ مؤسسي، وتُقدَّم فيه مصلحة المواطن على صخب المصالح. عهدٌ يُعيد هيبة البرلمان بالتكامل مع مشروع إصلاحي يزرع الثقة من جديد، ويؤمن بأن البناء لا يتم بالصدام بل بالتوازن، ولا يُصان بالحصانة بل بالمسؤولية.

الكرسي البرلماني، إن لم يكن وسيلة لخدمة المواطن، يصبح عبئاً على صاحبه. والحصانة، إن لم تكن لحماية الصدق، تتحوّل إلى قيدٍ يمنع الإصلاح. وما أحوج العراق اليوم إلى من يفهم أن القوة لا تأتي من المنصب، بل من الصدق في استخدامه، ومن الولاء الصامت للوطن لا للضجيج حوله.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

المصدر: المسلة

إقرأ أيضاً:

استكمالُ الحصانةِ مِن ثغورِ المَيْدَانِ إلى حُصُونِ الوَعيِ الشعبيِّ

 

 

بعدَ أن تجلَّتْ معالمُ النصرِ المؤزَّرِ في مسرح العملياتِ الكُبرى، وبعدَ أن اضطلعتْ قواتُنا المسلحةُ الباسلةُ بدورِها المحوريِّ والتاريخيِّ في تحصينِ الثغورِ الجغرافيةِ للوطنِ وكبحِ جماحِ أيِّ غُلُوٍّ خارجيٍّ يسعى لتدنيسِ حياضِه واحتلالِه، وبَعدَ أن أرستْ وزارةُ الداخليةِ وأجهزتُها الأمنيةُ قواعدَ الأمنِ الصُّلبةِ، مُحكِمةً قبضةَ الحديدِ والنارِ على الجبهةِ الداخليةِ، حيثُ سُحقتِ العناصرُ التخريبيةُ واقتُلِعَتْ جذورُ الفتنةِ من مَنابتِها.
لقد تكلَّلَ هذا الجهدُ النوعيُّ بالقبض على خلايا التجسُّسِ المُنظَّمةِ والمُرتبطةِ بالشيطان الأكبر وأجندته الهدّامةِ، ممّا أفضى إلى إجهاض مخططاتِه الجهنَّميةِ في التآمُرِ والزَّعزعة.
إنَّ هذا الاستحقاقَ الأمنيَّ والعسكريَّ المهيب يفرضُ علينا اليوم، كنسيجٍ اجتماعيٍّ مُتراصٍّ وشعبٍ واعٍ ومُدرِكٍ لخطورةِ المرحلةِ، مسؤوليةً مُضاعفةً وواجبًا مُقدَّسًا: وهو الانتقالُ من مرحلةِ الدفاعِ الجغرافيِّ إلى مرحلةِ التحصينِ الذاتيِّ والتدريع المنهجيِّ لبيئتِنا المحيطةِ من مخاطرِ حربِ العدوِّ القادمةِ.
لقد غيَّرَ الصراعُ مع العدوِّ وَجهَهُ بشكلٍ حاسمٍ؛ إذ تحوَّل القتالُ من المدفعيةِ الثقيلةِ إلى المعلومةِ المُبهمةِ، فأصبحَ لزامًا على الفردِ أن يكونَ هو الحارس الأمينَ وخطَّ الدفاع الأخيرِ، مُستشعرًا أنَّ الوَعي هو السلاحُ الأفتكُ في المواجهةِ الشاملة ضدَّ الخطر السَيبرانيِّ والاستخباريِّ الذي يتربَّصُ بنا.
لقد وَلَجنا مرحلةً تَغدو فيها المواجهةُ أشدَّ وَطأةً وأعظمَ رِفعةً في سُلَّمِ المسؤوليةِ، حيثُ تتجلَّى التكنولوجيا الاصطناعيةُ كالبوابةِ الكُبرى لاختراقِ الخصوصياتِ، وإنّها لَفِتنةٌ تُغري، ولكنّها تُخفي جاسوسًا مُترصِّدًا، يُجاورُنا في كلِّ رُكن.
وهُنا يتعيَّنُ أن تكون اليَقظةُ الأمنيةُ درعًا حصينًا، فلا عُذر في الرِّهان على الجَهلِ بحقيقة هذه الأداة ذاتِ الوجهَينِ، فعدمُ الوَعي بخطرِها هو تَبديدٌ لِمَناعةِ الصَّرح.
وعلى الرغمِ من التحالُفِ الكَونيِّ في محاربتِنا، يَتوجَّبُ علينا أن نرقى لمستوى التحدِّي الجسيمِ من خلالِ صَقلِ وَعيِ شعبِنا وأمَّتِنا، وهو عُمدةُ المَسيرةِ والبوابةُ الذهبيةُ التي سنَعبرُ منها إلى التحصينِ المَنيعِ والارتقاءِ الحضاريِّ، وإنَّ تحصينَ كلِّ جبهاتِنا لا يتحقَّقُ إلّا بقوةِ وَعيٍ وحِسٍّ أمنيٍّ يتَّسِمُ بالبَأسِ الشديدِ.
لم تَعُد ميادينُ النِّزال محصورةً في خنادق الحروبِ التقليديةِ، بل امتدَّت لتَخوض صراعًا أثيريًّا يُعنَى بالعقولِ والأسرارِ، وإنَّ الساحةَ المعاصرةَ للصراعِ هي ساحةُ الوَعيِ والمعلومات، والمعركةُ التي نخوضُها اليومَ ليستْ مُجرَّدَ مواجهةٍ عابرةٍ، بل هي تجسيدٌ حاسمٌ لمبدأِ الاستخباراتِ العكسيةِ أو الاستخباراتِ المضادَّةِ، هذه المعركةُ هي اشتباكٌ فكريٌّ ومعرفيٌّ غايتُه تحصينُ الذاتِ وإجهاضُ المخططاتِ الخبيثةِ للعدوِّ التجسُّسيِّ والاستخباريِّ.
إنَّ أولى عَتَبَاتِ النصر تبدأُ بفَكِّ شفرةِ الأجندةِ العدائيةِ واستكشافِ مَكامِن الخطر، فالمواجهةُ اليوم هي بامتيازٍ نِدِّيَّةٌ معرفيةٌ تتطلبُ الإحاطةَ الكاملةَ بطُرق عمل الخصمِ وآلياتِه المُتقَنةِ، ويجبُ علينا تأمُّلُ المشهد بعُمقٍ ثاقبٍ، لفَهمِ كيفَ يقومُ العدوُّ بتنسيقِ خيوطِ مُؤامراتِه وإحكامِ قَبضتِه على المعلوماتِ الحسَّاسةِ، فالأمرُ يتجاوزُ المراقبةَ التقليديةَ لِيُصبحَ تَوغُّلاً مُمنهجًا يستهدفُ صَميمَ كيانِنا العمليِّ والشخصيِّ.
وفي السياقِ ذاته أصبحَ الهدفُ الأسمى للمعركةِ الحاليةِ هو اكتشافُ الوسائل المُستخدَمةِ، سواءٌ كانتْ أدواتٍ عتيقةً متوارَثةً في فُنونِ التجسُّسِ، أو تقنياتٍ ناشئةً ومُبتكَرةً، وإنَّ هذا الكشفَ ليس مُجرَّدَ ردَّ فعلٍ، بل هو جُزءٌ أصيلٌ من استراتيجيةِ الرَّدعِ الاستباقيِّ التي تهدفُ إلى شَلِّ حركةِ العدوِّ قبلَ أن يَتَمكَّنَ من إرساءِ قواعدِه التخريبية.
لقد أصبح الرِّهان الأعظمُ والمُدخل الأخطرُ إلى خصوصيتِنا هو الثورةُ التكنولوجيةُ بحدِّ ذاتِها، وتحديدًا أدواتُ الذكاءِ الاصطناعيِّ التجسُّسيةُ، إنَّ هذه الأدواتِ ليستْ مُجرَّد برامجَ صامتةٍ، بل هي أَذْرُعٌ رقميةٌ مُتغلغِلةٌ تتمتَّعُ بقدرةٍ فائقةٍ على الاختراقِ والتحليل العميقِ للبياناتِ، وحجمُ المعركةِ يَتَعاظَمُ والمسؤوليةُ تَتفاقَمُ كلَّما ازدادَ اعتمادُنا على هذه التقنياتِ.
ويجب أن ننظرَ إلى الجهازِ التكنولوجيِّ الذي نَحمِلُه بينَ أيدينا كـ»جاسوسٍ مُتَنقِّلٍ» كامنٍ في بيوتِنا ومكاتبِنا، هذا الجاسوسُ يعمل بـسُلطةٍ مُطلقةٍ في جمع المعلوماتِ، سواءٌ كُنّا نُدرِكُ عواقبَ استخدامِه أم لا، وأن نحذر هذا المدخلَ التكنولوجيَّ، واخشَ أن تجهل أساليب استخدامِه، سواءٌ كان ذلك بعلمٍ مُبَيَّتٍ أو بِجَهلٍ غيرِ مقصودٍ.
المواجهةُ الآنَ تَتّخذُ بُعدًا كونيًّا ومحليًّا، حيثُ تكونُ في أعلى المستوياتِ العملياتيةِ أو حتى في دائرةِ المُقرَّبين والأهلِ، ممَّن قد يُستخدَمونَ كـبَوّاباتِ عُبورٍ غيرِ واعيةٍ للبياناتِ.
إنَّ الحصنَ المَنيع في هذه الحربِ غيرِ المرئية هو الانضباطُ اللغويُّ وحِكمةُ الصَّمتِ، وإنَّ لُغةَ الحذرِ هي دِرعُنا الواقي ضدَّ التسريب غير المقصودِ، وهُنا يَكمُنُ صَميمُ التكتيكِ الدفاعيِّ، لا تَتحدثْ بما تَعرِفُ مع كلِّ مَن لا تَربطُه صِلةٌ مُباشرةٌ ومُصرَّحٌ بها بِسياقِ الموضوعِ، كلُّ هَفوةٍ لفظيةٍ، كلُّ كلمةٍ منطوقةٍ سَهوًا، سواءٌ كانت داخل سياقٍ مِهنيٍّ دقيقٍ أو خارج حديثٍ عابرٍ، هي بمثابةِ «مادَّةٍ خامٍّ ثمينةٍ» للعدوِّ، هناك دائمًا «المُلتَقِطُ اليَقِظُ» الذي يعملُ بـدهاءٍ وتحليلٍ مُتناهٍ، يلتقِطون هذه الشَّذَرات، يُحلِّلونَ دلالاتها الكامنةَ، ويربطونَها بخيوط المعلوماتِ المُبعثَرةِ، ليتَمكَّنوا في نهاية المطاف من إكمالِ نقاط النَّقص في مهمَّتِهم الاستخبارية.
إنَّ هذه الكلماتِ المُنبعثةِ هي جُسورٌ للعبور يستطيعونَ من خلالِها الوصولَ لأبوابٍ مُحكَمةِ الإغلاق واكتشافِ آخَرينَ يُشكِّلونَ هدفًا لمخططاتِهم، إنّها أهميةُ التأمُّل في المنطوقِ وَوَزْنِ الكلماتِ بميزانٍ من ذَهَبٍ.
وفي الختامِ يَبقى هذا النضالُ الشاقُّ، في لُغتِنا الأكثرِ بساطةً، هو ما يُعرَفُ بـ»الاستخباراتِ العكسيةِ» أو «الاستخباراتِ المُضادَّةِ»، وإنّها ليستْ مُجرَّدَ دفاعٍ، بل هي مُبادرةٌ استراتيجيةٌ تهدفُ إلى إحباطِ، تضليلِ، وتفكيكِ نشاطات أجهزةِ التجسُّس المعادية في معركةِ وَعيٍ شاملةٍ تتطلَّبُ يَقظةً مُتأصِّلةً، وفهمًا عميقًا لتغيُّراتِ العصرِ، وتطبيقًا صارمًا لمبدأِ التحصين اللغويِّ والرقميِّ.
فلنكن جميعًا الحُرّاس الأُمناءَ على سِرِّنا ومستقبلِنا، وكلُّ مِنّا جَبهةٌ لا تُخترَقُ.

مقالات مشابهة

  • استكمالُ الحصانةِ مِن ثغورِ المَيْدَانِ إلى حُصُونِ الوَعيِ الشعبيِّ
  • كتلة الإطار التنسيقي تضم أكثر من نصف مقاعد البرلمان
  • الكنيسة القبطية تحتفل بذكرى جلوس البابا تواضروس الثاني على الكرسي البابوي
  • اباطرة المال فازوا في الانتخابات البرلمانية
  • “الأصوات الموجّهة” تشعل جدل تمثيل المسيحيين والإيزيديين في البرلمان
  • إعلان النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية في العراق
  • شاب يستخدم كرسي متحرك للسرقة ويُسجن ثلاث سنوات
  • الانتخابات البرلمانية المصرية 2025.. حين أصبح الفساد هو المشرّع الوحيد
  • مصدر إطاري:قانون الحشد الجديد سيُقر في الدورة البرلمانية المقبلة