عربي21:
2025-11-21@05:08:19 GMT

العراق: عندما ينقلب القضاء على السلطة!

تاريخ النشر: 21st, November 2025 GMT

في كتابه «روح القوانين»، يشير مونتيسكيو إلى مبدأ الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، والتوزيع المتوازن للسلطة بينها، وإلى ضمان استقلالية كل منها عن الأخرى، وأن هذا الفصل هو الأساس الذي تقوم عليه النظم الديمقراطية الحديثة.

لذلك أكد على ضرورة تفعيل الرقابة بين هذه السلطات الثلاثة «Power should be a check to power»، من خلال منح كل واحدة منها «سلطة الردع» لمنع السلطة الأخرى من اتخاذ القرارات الأحادية وتنفيذها، أو شل صلاحيات واختصاصات السلطة الأخرى، يقول مونتسكيو: «يجب استخدام السلطة لكبح السلطة.

ولمنع هذا الاستغلال من الضروري، بحكم طبيعة الأمور، أن تكون السلطة رادعة للسلطة»، وأن احتكار أي من هذه السلطات للسلطة عموما، يمهد لاحلال الاستبداد والطغيان محل الدستور أو القانون، لأن طبيعة النفس البشرية عبر القرون أثبتت أن الاستبداد قرينة الاستئثار بالسلطة. وأنه ليس هناك «طغيان أعظم من ذلك الذي يرتكب تحت ذريعة القانون وباسم العدالة».

في العراق لم يتعلم المشرعون درس مونتسكيو ولا أي درس آخر؛ فقد عمدوا إلى ضمان الرقابة المتبادلة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من خلال مواد دستورية عديدة، لكنهم أغفلوا تماما رقابة السلطتين التشريعية والتنفيذية للسلطة القضائية! فقد أعطى الدستور حصانة مطلقة للمحكمة الاتحادية عندما عد قراراتها «باتة وملزمة للسلطات كافة»، حتى وإن كانت تنتهك أحكام الدستور بشكل واضح، أو كانت مسيسة وغير مهنية!
كما أن الدستور عطل أي إمكانية للسلطة التشريعية من الرقابة على السلطة القضائية، حين قصر هذه الرقابة على «السلطة التنفيذية»حصرا! وقد تواطأ الجميع على «تعطيل» أي إمكانية لرئيس الجمهورية من الرقابة على السلطة القضائية عبر الاختصاص الحصري الذي منحه إياه الدستور من خلال عبارة «السهر على حماية الدستور»، وتتعاملوا مع هذه العبارة بوصفها «جملة زائدة» لا محل لها من السلطة!

ثم جاء قانون «مجلس القضاء الأعلى»، الذي شٌرع عام 2017 ليكرس هذه «السلطة المطلقة»، فأصبح مجلس القضاء الأعلى ذي سلطة مطلقة غير خاضعة لأي رقابة أو مساءلة!

على مدى السنوات الماضية تحدثت كثيرا عن عشرات القرارات القضائية التي صدرت عن المحكمة الاتحادية العليا، ومجلس القضاء الأعلى التي انتهكت موادا دستورية صريحة وغير قابلة للتأويل، أو تلاعبت بنصوص قانونية غير قابلة للتأويل، في سياق تواطؤ جماعي، حيث استخدم الفاعلون السياسيون الشيعة تحديدا للمحكمة الاتحادية كأداة سياسية، أو بسبب تحول مجلس القضاء الأعلى، أو بالأحرى رئيسه، إلى فاعل سياسي، يجير القرارات القضائية لغايات سياسية وزبائنية دون وازع!

ليتوج هذا المسار المنحرف إلى انقلاب صريح على الدستور أولا، وعلى السلطتين التشريعية والتنفيذية من خلال قرار صدر يوم 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025 عن المحكمة الاتحادية العليا (التي عادت مرة أخرى إلى «إقطاعية» رئيس مجلس القضاء الأعلى، بعد محاولة تمرد فاشلة قام بها رئيسها السابق، قبل أن يطرد من موقعه بشكل مهين) حيث قررت أن « يوم الاقتراع العام لانتخاب مجلس النواب الجديد يعني انتهاء ولاية مجلس النواب السابق وانتهاء صلاحيته في سنِّ القوانين وأعمال الرقابة على أداء السلطة التنفيذية من الناحية الفعلية، وتحول صلاحيات مجلس الوزراء من الصلاحية الكاملة إلى الصلاحية المحدودة في تصريف الأمور اليومية»، وأن أي إجراء «تتخذه السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية، المتمثلة بمجلس الوزراء، يجب أن يدخل ضمن مفهوم تصريف الأمور اليومية، وإلا فلا سند له من الدستور والقانون، وتُعد آثاره معدومة».

والواقع أن القرار هو انقلاب صريح وخطير يضرب عرض الحائط نص المادة 56 بفقرتيها الأولى التي نصت على أن ولاية مجلس النواب هي «أربع سنوات تقويمية، تبدأ بأول جلسة له، وتنتهي بنهاية السنة الرابعة»، وهذا يعني أن نهاية الدورة الانتخابية تنتهي في 8 كانون الثاني/ يناير 2026 وليس في «يوم الاقتراع»! وأنه ليس هناك سند من الدستور لتعطيل صلاحيات مجلس النواب بأي حال من الأحوال! والثانية التي نصت على أن «يجري انتخاب مجلس النواب الجديد قبل خمسةٍ وأربعين يوماً من تاريخ انتهاء الدورة الانتخابية السابقة»، وذلك يعني أن «يوم الاقتراع» لا يمكن أن يكون نهاية لولايته، لأن النص يميز بين يوم الاقتراع وبين نهاية الدورة الانتخابية بشكل صريح غير قابل للتأويل!

كما أن هذا القرار يعطي للمحكمة الاتحادية العليا دون سند من الدستور، سلطة حل مجلس النواب، في مخالفة للمادة 64/ أولا من الدستور التي نصت على أن الصلاحية هي حصرية لمجلس النواب بحل نفسه عبر الأغلبية المطلقة لعدد الأعضاء، لأن الدستور حدد آليتين حصرا لتحويل الحكومة إلى حكومة تصريف الأمور يومية/ تصريف أعمال: الأولى في حال تصويت مجلس النواب بسحب الثقة من مجلس الوزراء (المادة 61/ ثامنا/ د) أو في حال حل مجلس النواب لنفسه (المادة 64/ ثانيا) وبالتالي فإن قرار المحكمة الاتحادية بتحويل مجلس الوزراء إلى حكومة تصريف أمور يومية، يعني عمليا حل مجلس النواب!

الفضيحة الأكبر هنا، أن لا أحد في السلطة التشريعية، وهي السلطة الأعلى في الدولة بموجب الدستور، أو السلطة التنفيذية، تجرأ على رفض هذا القرار، أو حتى الاعتراض عليه، بسبب طبيعة السلطة المطلقة التي يمتلكها رئيس مجلس القضاء الأعلى، والمستمدة ليس من النصوص فقط، بل من الموقع السياسي الذي يحظى به، بوصفه وريثا للسلطة التي كان يتمتع بها أبو مهدي المهندس فيما يتعلق بالعلاقة مع إيران؛ وبالتالي سطوته على القوى الشيعية الرئيسية، وبسبب سلطته المطلقة على القضاء؛ بما فيه المحكمة الاتحادية العليا، و تمكنه من استخدامهما بطريقة اعتباطية اعتمادا على وضعه السياسي، وبالتالي سطوته على القوى السنية والكردية!

السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، وعلى الجميع وعيُ هذه البديهية من أجل إعادة هيكلة السلطة القضائية بأكمها، والتطبيق الحرفي لما ورد في المادة (89) من الدستور التي تتحدث عن سلطة قضائية تتكون من 5 مؤسسات قضائية منفصلة هي: مجلس القضاء الأعلى، والمحكمة الاتحادية العليا، ومحكمة التمييز الاتحادية وجهاز الادعاء العام، وهيئة الأشراف القضائي، فضلا على المحاكم الاتحادية الأخرى، لضمان عدم تعارض المصالح وضمان الرقابة على القضاء ومحاسبته عندما يرتكب انتهاكات دستورية أو قانونية، وإلا فالدولة الاستبدادية هي البديل!

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه العراق العراق انتخابات البرلمان العراقي مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المحکمة الاتحادیة العلیا التشریعیة والتنفیذیة مجلس القضاء الأعلى السلطة التنفیذیة یوم الاقتراع مجلس الوزراء مجلس النواب الرقابة على من الدستور من خلال

إقرأ أيضاً:

عسلاوي: تمكين المواطن من القضاء الدستوري ضمانة قوية لحماية حقوقه الأساسية

إنطلقت اليوم الثلاثاء أشغال الملتقى الدولي، الموسومة بحق الافراد باللجوء الى القضاء الدستوري. المنعقد بجامعة أحمد بن يحي الونشريسي بولاية تسمسيلت

حيث تشرف على الملتقى العلمي الذي تستمر أشغاله ليوم غد الأربعاء. رئيس المحكمة الدستورية، ليلى عسلاوي، وبحضور السلطات المحلية لذات الولاية.

وخلال الافتتاح أكدت رئيسة المحكمة الدستورية ليلى عسلاوي، أن اختيار موضوع ” حق الأفراد في اللجوء للقضاء الدستوري كآلية لحماية الحقوق والحريات “. يعكس التحولات التي تعرفها بلادنا نحو ترسيخ دولة القانون. وجعل المواطن في صلب العملية الدستورية. حيث أن تمكينه من الوصول إلى القضاء الدستوري، يمثل ضمانة قوية له لحماية حقوقه الأساسية وضمان سمو الدستور في حياته اليومية.

كما أشارت رئيسة المحكمة الدستورية، إلى أن القضاء الدستوري، يعدّ إحدى الركائز الأساسية في صيانة الحقوق والحريات، وتعزز مبدأ سمو الدستور. مشدّدة على أن تكون العدالة الدستورية فضاءً مفتوحاً أمام وعي المواطن وثقافته القانونية. لا أن تبقى شأنا مؤسساتياً مغلقاً. ذلك لأن الدستور لا ينظر إليه كنص يقرأ في المناسبات، بل كعقد ثقة بين الدولة والمجتمع.

كما أضافت عسلاوي، أن انعقاد المؤتمر في جامعة تيسمسيلت. يحمل رسالة واضحة مفادها أن التفكير في القضايا الكبرى لا يقتصر على العاصمة. بل يشمل ويعنى به كل مناطق الجزائر.

وبالمناسبة ذكّرت رئيسة المحكمة الدستورية، بالتاريخ البطولي لولاية تيسمسيلت. واستحضار اسم رمز الجامعة، العلّامة أحمد بن يحيى الونشريسي، كشخصية جزائرية فذّة. أسهمت في إثراء العقيدة المالكية وفي ميدان العلم والمعرفة.

div>

إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور

إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور

مقالات مشابهة

  • متى يجوز اتخاذ أي إجراء جنائي ضد عضو مجلس النواب
  • رئيس محكمة النقض يزور فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر
  • رئيس مجلس القضاء الأعلى يزور فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر
  • شيخ الأزهر: القضاة ركيزة أساسية في إرساء العدالة وبسط الأمن
  • شيخ الأزهر يستقبل أعضاء مجلس القضاء الأعلى
  • مجلس القضاء الأعلى: نقدِّر دور شيخ الأزهر وجهوده في نشر السلام وبيان الصورة الصحيحة عن الإسلام
  • شيخ الأزهر لمجلس القضاء الأعلى: القضاة ركيزة أساسية في إرساء العدالة
  • مجلس القضاء الأعلى: إجراء مباراة لتعيين أربعين قاضياً متدرجاً
  • عسلاوي: تمكين المواطن من القضاء الدستوري ضمانة قوية لحماية حقوقه الأساسية