صاحب السمو السيد/ نمير بن سالم آل سعيد

 

مأساة حصلت في ولاية العامرات بتاريخ 19 نوفمبر 2025، بوفاة أسرة كاملة مكونة من 6 أشخاص؛ هم: زوج وزوجة وأربعة من أبنائهم، إضافة إلى جنين في بطن أمه بعمر 8 شهور، وذلك نتيجة لاستنشاقهم غاز أول أوكسيد الكربون أثناء نومهم، فيما قيل إنه ناتج عن تشغيل مولِّد كهربائي بديلًا عن الكهرباء المنقطعة عنهم.

في تلك الليلة هُدِمَت قلوب الكثيرين بهذه الفاجعة، وساد حزن قاتم ليس في العامرات وحسب، وانما في عُمان كلها.

سحابة سوداء خيَّمت على بيت المنكوبين في تلك الليلة والذين راحوا ضحية الأوضاع الإنسانية السيئة التي ما كان ينبغي أن يعيشوها والتي كانت سببًا في فقدانهم. فاجعةٌ أصابتهم في مقتل ولو كانت هناك تدابير أفضل للتعامل مع حالات العوز الإنساني لكان بالإمكان تفادي هذه الكارثة.

وهنا نطرح تساؤلًا: لماذا لا نستحدث مؤسسة "نماء الأسرة" تكون تابعة لوزارة التنمية الاجتماعية يُرصد لها الملايين من الريالات لدعم الأسر المحتاجة، لا سميا تلك التي لديها أطفال دون سن الثامنة عشر. ويكون من مهام هذه المؤسسة أن تنفذ زيارة واحدة كل شهر، لتفقُّد أحوال العائلات المُعسرة والتي من السهل رصدها ومعرفة مقر سكنها من الأحوال المدنية وملفات وزارة التنمية الاجتماعية.

ومثلما تأتي شركات الكهرباء أو المياه لقطع الخدمة عن المشتركين غير القادرين على دفع فواتيرها الشهرية، يمكن لمؤسسة "نماء الأسرة" المقترحة الوصول إلى هؤلاء المشتركين غير المقتدرين، لدعمهم دون اشتراطات تعجيزية أو تعقيدات إجرائية.

على أن يتضمن ذلك تقديم الدعم المالي الفوري وتزويدهم بـ"الراشن" شهريًا، وتوفير الاحتياجات الاخرى المطلوبة لضمان سلامتهم من المعاناة والألم الناتجين عن نقص المال، مع التأكد- من خلال مستشار متابعة اجتماعي لحالتهم- أن هذه الأُسر فعلًا تستحق المساعدة الاستثنائية، وإلّا غرقت من سوء الحال المستمر. كما يمكن معرفة تطور أوضاعهم المعيشية من خلال الزيارات المتكررة لهم، وخاصة الأسر التي تعول أطفال صغار. والتأكد مما إذا ما كان هؤلاء الأطفال لديهم طعام يكفي حاجتهم، أو أن سكنهم نظيف وآمن صحيًا للنوم والإقامة من عدمه، وما إذا كانت خدمات الكهرباء والمياه متوفرة لديهم، وإذا ما كانت هناك أخطار تقع عليهم من أي وضع غير صحي أو شخص في الأسرة.

إنهم أطفال وبحاجة للرعاية والاهتمام، والمعيل المُعسر أو المُسرَّح من عمله لا يستطيع توفير هذا الاهتمام لهم، لذا لا بُد لجهةٍ رسميةٍ أن تزورهم شهريًا تتفقد أحوالهم وتتخذ الإجراءات اللازمة، حتى يقف هؤلاء على أرجلهم براحة وخير، وحتى لا يقع أطفالنا ضحية الألم والمعاناة في وطنهم.

حين يعجز رب الأسرة عن تأمين المياه والكهرباء والمسكن الآمن لأسرته، يتطلب الأمر تدخُّل الجهات المختصة، وتقديم الدعم والمعونة المالية العاجلة، وتوفير الإرشاد الأسري، وتخفيف العبء المعيشي حتى تجاوز الأزمة.

إنَّ صعوبة العيش ليست اختيارًا، والمعيل الذي يقف عاجزًا أمام تلبية متطلبات أسرته ليس مُقصِّرًا دائمًا؛ بل هو إنسان يواجه ظروفًا أكبر من قدرته على التحكم فيها، وهنا تأتي أهمية التدخل الحكومي للإغاثة.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

في وداع ريشة كانت تراقص الحياة

محمد بن سليمان الحضرمي -

رحل الفنان التشكيلي رشيد عبدالرحمن البلوشي (الاثنين، 17 نوفمبر)، عن عمر ناهز ستين عامًا، بعد حياة عاشها مولعًا بمراقصة الريشة، فنان صاخب في صمته، ومدهش في بساطته، وعفوي في أعماله، كان يرسم عن مخيِّلة فنية خصبة بمشاهد من الحياة بريشة واقعية، وتخيَّلها بحس فني تجريدي، وبرحيله تفقد الساحة الفنية في السلطنة واحدًا من بين أبرز الفنانين التشكيليين، خلال العقود الثلاثة الماضية، فقد كان دائم المشاركة في المعارض الفنية، وحازت أعماله على جوائز كثيرة، من بينها «الجائزة الكبرى»، في إحدى المسابقات الفنية التي تنظمها جمعية العمانية للفنون التشكيلية لعام 2002م، وواصل إبداعه الفني في الرَّسم، ليحصد الجائزة التقديرية في بينالي آسيا ببنجلاديش عام 2006م، وختم نجاحاته بحصوله على جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب، فرع الفنون لمجال الرسم والتصوير الزيتي، في دورتها الأولى لعام 2012م، عن لوحته «أرْزاق»، وصفتها الجائزة بأنها تمثل نموذجًا للمدرسة الواقعية التأثيرية، كان رشيد بأعماله المتميزة حصَّاد جوائز، وكان خياله ينمو وذائقته الفنية تصفو، ولعل شغفه بالرَّسم، أثرى فيه الإحساس بجمال الألوان، ولوحة بعد أخرى، يحترف رشيد الرسم التجريدي، ليصبح للوحته لونها الخاص.

وحينما انتشر خبر وفاته على منصات التواصل الرَّقمي، تذكرت الأيام التي جمعتني به في معارض الجمعية الكثيرة، فبحكم عملي الصحفي كنت أذهب إلى تغطية تلك الفعاليات الفنية، واللقاء بالمشاركين، وهم اليوم أصحاب ريشة مبدعة، وقامات فنية كبيرة، كانت تلك المعارض تجمع المشتغلين بالرَّسم والفنون الأخرى، في احتفالية بين الإبداع الفني والفنانين، وخلال تلك المهرجانات والمعارض، ترتبط صداقات منمقة بشيء من الإبهار الفني، بين فنان يقدم لوحته في يوم ميلادها، وآخر يتأمل لوحته بإعجاب، وتشبعه بتغذية بصرية، ويجد في اللوحة تكثيفًا لصور من الواقع، فاللوحة تختزل التفاصيل، وتخبئ الجمال المدهش بين الألوان المتداخلة والمتمازجة.

عرفت رشيد عبدالرحمن إنسانًا صامتًا، بالكاد تشعر بوجوده، كائن خفيف الظل، لا يحلم بشيء في الحياة، أكثر من لوحة يرسمها وعمل فني ينجزه، وقلما يشرح عمله، بسبب التأتأة التي يعاني منها أثناء حديثه، فيما عيناه تبوحان بحديث صامت، أكثر من تمتمات شفتيه، ولكنه بعد محاولات يتدفق فلج الحديث، وتندلق الألوان الجميلة، لتفيض عن اللوحة التي يتحدث عنها، وحينما تمعن النظر إلى لوحته، تجد أنَّ ريشة رشيد تتحدث ببلاغة فنية، تفصح عنها تلك الرموز التي يخبئها في لوحته، وحديث الألوان لديه بالتأكيد أكثر بلاغة في التعبير من حديث اللسان، كانت ريشته تتحدث عنه وتفصح ببوحه وعشقه للرَّسم، وتجاربه الفنية التي يمارسها في أعماله، بين لوحات واقعية وتجريدية وأعمال تركيبية وغيرها، كلها تفصح بمكنون مشاعره وخلجات أفكاره.

إحدى لوحاته الفائزة بالجائزة الكبرى، وكانت عملًا تركيبيًا من خشب محروق، صنع منه تحفة فنية ذات أبعاد ثلاثية، فقد حوَّل رشيد الأشياء المهملة إلى عمل فني مدهش، وكأنه يقول: إن الجمال يمكن أن يكون في الأشياء المهملة كالخشب المحترق، وبقليل من تدخُّل العبقرية الفنية، تصبح لوحته ذات الألوان القاتمة، عملًا فنيًا مبهرًا، تشبه أعمال المدرسة التكعيبية.

ذات يوم: العاشر من أكتوبر 2013م، ذهبتُ إلى قرية «حَرامِل»، الواقعة بين بين قريتي سداب والبستان في مسقط، ومعي ابنتي التشكيلية مريم، عرَّفتها بالقرية الجميلة، الملامسة للنسيم البحري الهادر، قرية «حَرامِل» الجميلة، الموحية والخلابة، ببساطة الحياة فيها، قوارب صغيرة تتناثر كالدُّمَى في الشاطئ، وبيوت بيضاء كأجنحة النوارس، وبين تلك البيوت لاحت لنا لوحة جدارية جميلة، لفنان اختزل مدينته البحرية في جدار البيت، علمت أنها رُسِمَتْ بريشة رشيد عبدالرحمن، فأخذنا نتأملها ونمعن النظر فيها، وتصويرها ضوئيًا، ويبدو أنَّ السنوات سكبت في اللوحة لهيبها الصيفي، حتى أنَّ أجزاء منها تداعت وامَّحت، وكانت ما تزال تلوح في ذات الجدار، لوحة فنان للمدينة البحرية، ارتسمت فيها بيوت بيضاء وقوارب ونوارس، تحلق في سماء القرية، شَكَّلها بدعم من بلدية مسقط لتجميل المدينة، بدت لي اللوحة أشبه بحورية بحر، جفَّتْ زعانفها بعد أن ودَّعت الماء، فقد بهتت فيها اللوحة الألوان، وضاعت نضارتها، لانصهار الصيف الحارق عليها، وانسكاب الماء من عيون السماء.

وخلال السنوات الماضية فقدت الساحة الفنية العمانية أسماء مهمة، رحلت عن الدنيا ولحقت بقافلة الراحلين، فقبل رحيل رشيد، رحل التشكيلي موسى عمر في عام 2023م، تاركًا لوحات «اليَمَام» الخزفية، تهدل في أغصان شجرة الحياة، و«قميص الأحلام» بألوانه الأخاذة، ولوحاته في معرضه المتميز بعنوانه الشعري: «أغنيات للشَّمس»، الملوِّحة بضيائها في نهار أبيض يشبه قلب المحب، ومن مشروع موسى عمر في تجربته الخزفية الخاصة باليَمَام، أهداني صورة لغلاف مجموعتي الشعرية الأولى «في السَّهل يشدو اليَمَام»، الصادرة عن النادي الثقافي، اختزلت ملامح القرية التي رسمتُها شعرًا في مجموعتي.

ورحل الفنان محمد نظام 2022م، مبدع طوابع البريد العُمانية، بين أعوام 1985 - 2014م، أسهم خلالها برسم طوابع بريد في غاية الجمال، سافرت مع رسائل الناس إلى أحبتهم في كل مكان، وُثِّقَ بعضها في كتابين يتناولان تجربة «تاريخ البريد في عُمان»، الذي هو أحد أعلامه وصانعي جمال طوابع البريد فيه.

ورحل النحات القدير أيوب ملنج 2018م، تاركًا بصمته النحتية في أمكنة كثيرة، ما تزال تطل على الحياة بتعرجاتها الرُّخامية البيضاء، وانحناءاتها الملساء، وكأنها طيور بَجَع، وكنت قد أجريت حوارًا صحفيًا معه، تحدث فيه عن شغفه بالنحت، أكثر من الرَّسم على اللوحة، ومن جملة ما قاله: إن رؤوس الجبال أعمال نحتتها الطبيعة بفعل تقادم الأيام، وكلما لاحت لي المنحوتة الجبلية، بمحاذاة الشارع السريع، الشامخة كمُجسَّم عملاق، تذكرني بحديث أيوب ملنج، وكأني أتخيله يعمل على نحت الجبل، ليبدع منحوتة عملاقة، وحقًا فإن نظرة فنية إلى هذا المُجسَّم الجبلي المدهش، يوحي أنه أفخم منحوتة، تتوارى بين الجبال منذ ملايين السنين.

وقبل سبعة عشر عامًا رحل الفنان حسن بن عيسى بورك 2008م، وبرحيله فقدت الساحة فنانًا طموحًا، ملأ المعارض الفنية بلوحاته، من بينها لوحته الشهيرة لفنان يقرع على الطبل، في إحدى الرَّزحات الشعبية العمانية، فقد كان بورك حميمي جدًا مع الموروث الفني الشعبي.

وبين موت هؤلاء الفنانين المؤثرين، والمثرين لحركة الفن التشكيلي الحديثة، اندثرت أعمال فنية كثيرة، فقد غابت أصوات غنائية، صدحت بجمالها الصوتي، وضاعت آلاف المقطوعات من الفنون الشعبية، في الأعياد والمناسبات الاجتماعية، واندثرت فنون أخرى نشأت بين البر والبحر، وبين النخيل والسفن، وبين ألوان الطبيعة في الجبال والسهول، والأودية والمدن القديمة، مثلما ضاعت الكثير من الكنوز الفنية لفنانين مهمين، لعدم وجود مُتحَف خاص بمثل هذه الأعمال، يحفظ تجربة الأجيال الفنية من الضياع.

والحديث عن الفقدانات، يوعز لي أن أذكر مجلة «البرواز» الرَّائعة، والمتخصصة في الفنون البصرية، فقد انطوت صفحاتها بعد أن صدر منها ثلاثة أعداد فقط، الأول في مارس 2010م، والثاني في ديسمبر 2010م، والثالث في يوليو 2013م، رسم ملامحها الشاعر الراحل زاهر الغافري (ت: 21 سبتمبر 2024م)، وكانت هذه الوردة الفنية تمنح قارئها ثقافة في الفن التشكيلي، ولكن لم يُقدَّر لها أن تبقى، فبعد ثلاثة أعداد توقفت عن الظهور، بعد أن أبهجتنا كمولود جميل، عاش طفولة قصيرة.

لقد كانت الشروط الفنية والصحفية تتحقق في مجلة «البرواز»، كانت أشبه بمذاق تسري لذَّته إلى الوجدان، ومن حسن حظي أن أتيحت لي فرصة تحرير عدديها الأخيرين، فكانت لي تجربة أعتز بها، ما تزال ذكراها عالقة في وجداني، كاعتزازي بتجربة التحرير مع نخبة من زملاء العمل الإعلامي وأصدقاء البحث والكتابة، لعددين من مجلة «زوايا ثقافية»، الصادرة عن وزارة التراث والثقافة، خلال النصف الثاني من عام 2006م، متزامنة مع البرنامج الثقافي، لاحتفالية مسقط عاصمة للثقافة العربية.

فيا رشيد عبدالرحمن، ويا رفاقه المنسحبين من الحياة، والرَّاحلين إلى الفردوس البعيد، ستبقى أعمالكم محفورة في الذاكرة الفنية العُمانية، بصمة رائعة أضفت لعالمنا مسحة جمال، وحتى إن ضاعت اللوحات، سيأتي جيل قادم، يكرر اللعبة المُشَوِّقة، بألوان جميلة جديدة، تتشكل من رَحِم البَهاء.

مقالات مشابهة

  • حادثة العامرات.. الحقيقة والشائعة
  • مأساة العامرات.. فاجعة تكشف أوجاعًا أعمق
  • في وداع ريشة كانت تراقص الحياة
  • إسلام سمير: الاتحاد السكندري خسر برحيل محمد مصيلحي
  • إسلام سمير: الاتحاد خسر محمد مصيلحي.. والنني قائد حقيقي لمنتخب مصر
  • الجوازات: 4 اشتراطات ينبغي التأكد منها قبل السفر 
  • قانون الكهرباء الجديد .. حبس سنة وغرامة 100 ألف جنيه هؤلاء
  • بيان من "نماء للتزويد" حول ملابسات وفاة "أسرة العامرات"
  • ائتلاف أولياء الأمور يهنئ أطفال مصر باليوم العالمي للطفل