أعطت الحكومة السورية التي تولت إدارة البلاد بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد عدة مؤشرات على رغبتها بانتهاج سياسية متوازنة قدر الإمكان، والتعاطي بإيجابية مع مختلف الفاعلين الدوليين.
وتهدف الحكومة وفق إعلان الرئيس السوري أحمد الشرع خلال تصريحات صحفية في 13 سبتمبر/أيلول الماضي إلى تحقيق التوازن في علاقاتها وتجنيب البلاد الصراعات الدولية.
وفي إطار العمل وفق مبدأ التوازن، أوفدت سوريا وزير خارجيتها أسعد الشيباني لعقد مباحثات في بكين، بعد أقل من أسبوع على استقبال الرئيس الأميركي دونالد ترامب للشرع في واشنطن.
ويعكس ذلك رغبة الحكومة السورية في الاستفادة من هوامش المناورة التي يتيحها التنافس الصيني الأميركي لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية.
برزت على الساحة الدولية منذ سنوات طويلة التنافسية بين واشنطن وبكين، وكان الرئيس ترامب أعلن خلال فترته الرئاسية الأولى عام 2017 الحرب على الصين، في حين حدد خلفه الديمقراطي جو بايدن عام 2021 الصين منافسا إستراتيجيا للولايات المتحدة، وأكد وجود خطة من أجل مواجهة نشاطها غرب المحيط الهادي.
وبعد مضي قرابة 4 سنوات على إطلاق بكين لمشروع "الحزام والطريق" بمشاركة 150 دولة، الذي يهدف إلى ربط الصين بدول العالم خاصة مع الدول المنتجة للطاقة، والقارة الأوروبية، أعلنت الولايات المتحدة في سبتمبر/أيلول 2023 عن "طريق التوابل" الذي يجمع كبار مصدري ومستوردي النفط في العالم، ليكون منافسا لمبادرة "الحزام والطريق" الصيني.
وفي آواخر عام 2023 توصلت الصين إلى اتفاق شراكة إستراتيجية بينها وبين نظام الأسد، تشمل التعاون الثنائي في مشروع الحزام والطريق، ويندرج ضمنه أيضا مشروع الربط السككي الممتد من إيران إلى سوريا التي تمتلك موانئ على البحر المتوسط قريبة جدا من الأسواق الأوروبية.
إعلانوفي أبريل/نيسان 2025 اتهمت وزارة الخارجية الأميركية شركة "تشانغ كوانغ" الصينية بتزويد جماعة الحوثي بصور أقمار اصطناعية أتاحت للجماعة استهداف سفن أميركية في البحر الأحمر، ضمن الحملة التي أطلقتها الجماعة منذ مطلع عام 2024 تحت عنوان "مناصرة" غزة.
وفي الواقع فإن هذا التطور يعكس امتداد حالة التنافس بين واشنطن وبكين إلى الشرق الأوسط، خاصة على طرق الملاحة الدولية وممرات الطاقة.
ويغري موقع سوريا على البحر المتوسط الصين التي لا توفر الفرص لتطوير علاقاتها مع دول المنطقة، ومن ذلك دخولها على خط الوساطة بين الرياض وطهران التي انتهت بإعلان تطبيع العلاقات بين الجانبين صيف عام 2023.
الأهداف الأميركية بسوريانقلت صحيفة وول ستريت جورنال في تقرير نشرته في أبريل/نيسان الماضي أن قادة الحزب الجمهوري الأميركي لديهم قلق من تراجع نفوذ بلادهم في سوريا على نحو يتيح فرصة لكل من روسيا والصين.
في مطلع أغسطس/آب الماضي أعلن المبعوث الأميركي توماس براك ما عرف بورقة "براك" الخاصة بنزع سلاح حزب الله اللبناني بشكل كامل مع حلول نهاية عام 2025، وهذا يقتضي منع تدفق السلاح إلى الحزب مجددا عبر الأراضي السورية، مما يعني ضرورة التنسيق مع الحكومة السورية.
وبالفعل فقد طورت واشنطن هذا التنسيق مع دمشق بعد ضم سوريا إلى التحالف الدولي لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، كما أعلن براك عقب زيارة الشرع إلى واشنطن أن سوريا ستساعد في تفكيك بقايا الحرس الثوري وحزب الله وتنظيم الدولة.
وأكد الرئيس الأميركي مرارا أن رفع العقوبات عن سوريا تم بناء على طلب تركيا والسعودية وقطر، مما يشير إلى أن جزءا من التعاطي الأميركي الإيجابي مع الملف السوري هو استجابة لرغبة حلفاء واشنطن التقليديين في إطار استعادة زخم التحالف مع هذه الدول بعد الاضطرابات التي شهدتها العلاقات بين واشنطن من جهة وأنقرة والرياض في حقبة الإدارة الديمقراطية.
تبقى مسألة تطوير العلاقة مع دمشق أمرا حيويا لبكين التي لا تزال تبحث عن تطوير مبادرة الحزام والطريق، وهنا تبرز أهمية سوريا التي تمتلك موقعا جغرافيا وموانئ على البحر المتوسط يمكن أن تربط الصين مع تركيا وأوروبا، بالإضافة إلى إمكانية تسهيل وصول الصين إلى دول شمال أفريقيا.
وإضافة لهذا، فقد أكد وزير الخارجية الصيني وانغ يي خلال لقائه نظيره السوري في بكين استعداد بلاده للنظر بإيجابية في المشاركة بإعادة إعمار سوريا، وتبقى الصين من ضمن الخيارات المهمة في هذا المضمار لما تمتلكه من قدرة على إنشاء البنية التحتية، بما فيها شبكات الاتصالات والتكنولوجيا.
وفي سياق آخر، فلدى الصين أيضا مخاوف أمنية من سوريا لا تخفيها، ومصدره مستقبل المئات من المقاتلين الإيغور المنحدرين من إقليم تركستان الشرقية الخاضع لسيطرة الصين، والذين قاتلوا طيلة الأعوام الماضية في سوريا ضد نظام الأسد إلى جانب المعارضة، وهم حاليا جزءا من الجيش السوري الجديد، وبالتالي فإن فتح قنوات التواصل بين الصين وسوريا سيكون ضروريا لبكين من أجل ضمان عدم تشكيل هؤلاء المقاتلين تهديد لها.
إعلانوأكدت التصريحات التي صدرت عن وزير الخارجية السوري بعد زيارته بكين التوصل إلى تفاهمات أمنية مع الصين، إلا أن مصادر رسمية سورية نفت التقارير التي تحدثت عن نية دمشق تسليم المقاتلين الإيغور إلى الصين.
وأكدت مصادر دبلوماسية في دمشق لموقع الجزيرة نت أن بكين تبحث فقط عن ضبط هذه العناصر، وضمان أن دمشق تعمل على دمجهم الكامل وعدم ترك المجال لهم لإقامة معسكرات مستقلة تكون منطلقة لهجمات ضد المصالح الصينية.
يتصف الملف السوري بتعقيدات كبيرة نتجت عن 14 عاما من الصراع وتدخل أطراف دولية عديدة فيه، وقد استمرت هذه التعقيدات إلى مرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد، في ظل بلد مدمر يحتاج إلى مئات مليارات الدولارات من أجل إعادة الإعمار.
ويزيد من صعوبة الأمر استمرار تأثير العقوبات الاقتصادية الغربية والأميركية على تحسين الاقتصاد، بالإضافة إلى بعض القرارات الأممية التي شكلت عائقا أمام تطبيع وضع الحكومة الانتقالية وأشخاصها.
من جهة أخرى، لا تزال بعض الأطراف الدولية تدعم منظومات ما دون الدولة، مما يبطئ عملية توحيد البلاد مجددا تحت سلطة واحدة، على غرار ما تفعله الولايات المتحدة مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، كما أن إسرائيل مستمرة منذ سقوط الأسد في الانتهاكات داخل الأراضي السورية.
ويدفع هذا الواقع السابق الحكومة السورية إلى الانفتاح على الأطراف الدولية بشكل عام من أجل حلحلة هذه التعقيدات.
في آواخر يونيو/حزيران الماضي أمر الرئيس ترامب بتوقيع أمر تنفيذي بإنهاء العقوبات على سوريا، مع إبقائها على الرئيس السوري الشرع ومساعديه وتنظيم الدولة ووكلاء إيران، ثم قادت واشنطن لاحقا جهود إزالة الشرع ووزير الداخلية السوري أنس خطاب من على قائمة العقوبات الأممية.
قرار صوّتت عليه 14 دولة.. الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب خارج قائمة العقوبات الدولية#ألبوم pic.twitter.com/b1n5PLskxm
— قناة الجزيرة (@AJArabic) November 6, 2025
ونجحت زيارة الشرع إلى واشنطن في عقد لقاء مع رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب برايان ماست الذي يصنف ضمن أهم المتحفظين على إلغاء قانون قيصر، مما أعطى دفعة تفاؤل كبيرة حيال إمكانية إلغاء القانون مع نهاية العام الحالي.
من جانب آخر، أشار المبعوث براك في مناسبات عديدة لاندماج قسد ضمن الدولة السورية، كما تسعى واشنطن من أجل التوصل إلى اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل لوقف الانتهاكات الإسرائيلية للأراضي السورية، مما يعزز فرص الحكومة السورية في توفير الاستقرار.
وساهم التعاطي الإيجابي السوري مع الصين ومن قبل زيارة الشيباني إلى بكين، في امتناع الصين عن تعطيل قرار مجلس الأمن الذي صدر في الأسبوع الأول من الشهر الحالي، الذي ينص على إزالة اسم الرئيس أحمد الشرع، ووزير الداخلية أنس خطاب من قائمة العقوبات الدولية، كما أعطت التصريحات الصينية الرسمية مؤشرات على الرغبة في تطوير التعاون الاقتصادي مع دمشق.
ورغم تحقيق دمشق لمكاسب متعددة في ظل التنافس الصيني الأميركي، فإن من المحتمل أن تضيق هوامش مناورة دمشق مستقبلا، لأن واشنطن قد لا تتقبل منح سوريا المزيد من النفوذ للصين.
كما أن الحكومة السورية قد تجد أن مصالحها تقتضي تعزيز التحالف بشكل أكبر مع الولايات المتحدة، نظرا لما تملكه الأخيرة من تأثير سياسي دولي، ونفوذ في المنطقة خاصة على إسرائيل التي تعتبر أبرز تهديد لسوريا في مرحلة ما بعد الأسد، بالإضافة إلى النفوذ العسكري لواشنطن في سوريا، وما تملكه من قدرة على تعزيز وحدة الأراضي السورية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات الحکومة السوریة الحزام والطریق بین واشنطن فی سوریا من أجل
إقرأ أيضاً:
شهداء وجرحى في قصف للطيران الإسرائيلي على بلدة بيت جن السورية
قالت القناة الإخبارية السورية إن هناك شهداء وجرحى في قصف للطيران الإسرائيلي على بلدة بيت جن في ريف دمشق.
قالت مصادر إعلام سورية، اليوم الجمعة، إن قوات الاحتلال اعتقلت 3 شبان خلال توغلها في بلدة بيت جن بريف دمشق.
وأضافت المصادر بأن هناك شهيدان جراء قصف الاحتلال بلدة بيت جن بريف دمشق.
اقرأ أيضًا.. قاضي قضاة فلسطين: مصر أفشلت مُخطط تهجير شعبنا
وأكدت منظمات حقوقية دولية على استشهاد 374 فلسطينيا على الأقل منهم 136 طفلاً في هجمات إسرائيلية منذ وقف إطلاق النار في غزة.
وقالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" إن إسرائيل أخلت مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس من جميع سكانها.
وأضافت الوكالة :"الاحتلال أجبر 32 ألف فلسطيني في الضفة الغربية على النزوح قسراً".
وأفادت هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني، في بيان مشترك امس الخميس، بأن طواقمهما القانونية وثّقت خلال عشرات الزيارات الميدانية في شهر نوفمبر 2025 تصاعداً غير مسبوق في ممارسات التعذيب والتنكيل والتجويع داخل سجون ومعسكرات الاحتلال الإسرائيلي.
وأكد البيان المُشترك أن ما يجري بأنه امتداد لـ"سياسة الإبادة" بحق المعتقلين.
وأوضح البيان أن الانتهاكات تشمل استمرار استخدام الصعق الكهربائي وإطلاق الرصاص المطاطي، إضافة إلى الحرمان من العلاج وتضييق الخناق على الأسرى المرضى والجرحى. كما أشار إلى تفشي واسع لمرض الجرب (السكابيوس) في عدة سجون، مع تسجيل مئات الإصابات بين المعتقلين.
وهاجم مستوطنون يهود، امس الخميس، عددا من المزارعين في منطقة "الدوير" في أراضي بلدة بيت ليد شرق طولكرم.
وأفادت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" بأن أكثر من 15 مستوطناً هاجموا ثلاثة مزارعين بالعصي أثناء قيامهم بقطف ثمار الزيتون وأصابوهم في رؤوسهم، والمزارعون من سكان بلدة الفندقومية بمحافظة قلقيلية.
وأضاف الشهود أن أهالي بيت ليد هرعوا لنجدتهم، ما أجبر المستعمرين على الفرار من الموقع، فيما جرى نقل المصابين بواسطة إسعاف بيت ليد إلى مستشفى رفيديا في نابلس لتلقي العلاج.
وعقب الاعتداء، اقتحمت قوات الاحتلال المنطقة، ونفذت عملية تمشيط واسعة دون التبليغ عن اعتقالات.
وأقدم مستوطنون يهود، امس الخميس، على اقتحام المسجد الأقصى المبارك، بحماية من شرطة الاحتلال الإسرائيلي.
وأفادت محافظة القدس، بأن 1138 مستعمرا اقتحموا المسجد الأقصى على شكل مجموعات متتالية من جهة باب المغاربة، ونفذوا جولات استفزازية، وأدوا طقوسا تلمودية في باحاته.
ومنذ السابع من أكتوبر 2023، شددت قوات الاحتلال الإسرائيلي من إجراءاتها على أبواب المسجد الأقصى، ومداخل البلدة القديمة.
وأكدت وسائل إعلام إسرائيلية أنه لا تقدم في مفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.