أحداث كركوك.. خلفيات حزبية وسياسية وراء المواجهات وتمسك شعبي بـأهمية التعايش
تاريخ النشر: 3rd, September 2023 GMT
سلطت الأحداث التي شهدتها كركوك خلال اليومين الماضيين الضوء على عمق الخلافات الحاصلة بين بعض الأحزاب والمكونات السياسية، وطرحت تساؤلات عن خلفياتها وأسبابها الحقيقية.
وقتل أربعة أكراد على الأقل وأصيب 16 شخصا آخرون، السبت، حين اندلعت صدامات خلال تظاهرات في مدينة كركوك متعددة الاتنيات في شمال العراق، حيث فرضت السلطات حظرا للتجول بعد أيام عدة من التوتر.
وضمت التظاهرات سكانا أكرادا من جهة وآخرين من العرب والتركمان، وشهدت صدامات رغم وجود قوات الأمن، وفقا لفرانس برس.
وأكد مسؤول أمني في كركوك لفرانس برس "توقيف" نحو 31 "متظاهرا" بينهم خمسة مسلحين.
ماذا حدث؟وتشهد كركوك توترا منذ أسبوع، علما أنها موضع نزاع تاريخي بين الحكومة المركزية في بغداد وسلطات إقليم كردستان في الشمال، وفقا للوكالة الفرنسية.
والاثنين الماضي، نظم محتجون من المجموعتين العربية والتركمانية اعتصاما قرب المقر العام لقوات الأمن العراقية في محافظة كركوك، إثر معلومات مفادها أن رئيس الحكومة، محمد السوداني، أمر قوات الأمن بتسليم هذا المقر إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي سبق أن شغله.
وعصر السبت، احتشد متظاهرون أكراد بدورهم وحاولوا الوصول إلى المقر العام، وفق مراسل لفرانس برس في كركوك.
ويوضح الصحفي العراقي من كركوك، شيركو رؤوف، في حديثه لموقع "الحرة" أن "السبب الذي دفع الحكومة الاتحادية في بغداد لإعطاء مقر العمليات المتقدمة إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، يعود إلى اتفاقية قبل تشكيل حكومة السوداني".
وتركز الصراع على مبنى في كركوك كان يستخدم كمقر للحزب الديمقراطي الكردستاني من قبل، لكن الجيش العراقي استخدمه كقاعدة منذ 2017، وفقا لرويترز.
وكانت الحكومة المركزية تعتزم إعادة المبنى إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني في بادرة حسن نية، لكن العرب والتركمان الرافضين للخطوة نصبوا مخيما أمام المبنى للاحتجاج في الأسبوع الماضي.
وذكرت الشرطة أن العنف اندلع عندما اقتربت مجموعة من المحتجين الأكراد من المخيم، السبت.
أسباب الرفض العربي والتركمانيفي المقابل، يشدد محمد سمعان، عضو المكتب السياسي والمتحدث الرسمي باسم الجبهة التركمانية العراقية، على أن "المتظاهرين هم المكونين العربي والتركماني، لكن بعضهم يمثلون الأحزاب ولكن هناك مجموعة من المواطنين الرافضين لتسليم المبنى".
وعن أسباب رفض تسليم المبنى، يقول سمعان، في حديثه لموقع "الحرة"، إن "من حق الحزب الديمقراطي الكردستاني أن يقوم بمزاولة العمل السياسي في كركوك كونه مسجلا ضمن قانون الأحزاب، لكننا نرفض تسليم هذا المبنى التابع للحكومة الاتحادية وقامت وزارة الدفاع بدفع مبالغ طائلة لترميمه وتسليمه لقيادة العمليات المشتركة".
وأوضح سمعان أن "الخوف من أن يكون تسليم المبنى تمهيدا لدخول قوات البيشمركة لكركوك التي تعتبر جغرافيا خارجة عن حدود الإقليم"، مشددا على "أهمية التعايش وبأن كركوك لجميع العراقيين".
وأشار إلى أن "المادة 343 من الدستور حددت الحدود الجغرافية للإقليم المتمثلة بأربيل والسليمانية ودهوك، والقوات هي بمثابة حرس حدود تابعة لمنظومة الدفاع العراقية ووظيفتها حماية الحدود الجغرافية للإقليم لا لكركوك".
وأكد رعد سامي العاصي، وهو عضو وناشط سياسي ضمن العشائر العربية في كركوك على أن "أغلب المتظاهرين من المدنيين والسكان"، مشيرا إلى أن "بعض الأحزاب تستغل التظاهرة، خاصة أننا مقبلون على انتخابات (مجالس المحافظات)".
وتساءل رؤوف أيضا "لماذا في هذا الوقت بالذات ولماذا قبيل انتخابات مجالس المحافظات؟ إذا النتيجة هو أن ما حصل يدخل ضمن النطاق السياسي".
سلسلة أحداثوتقع كركوك، وهي محافظة غنية بالنفط في شمال العراق بين إقليم كردستان العراق الذي يتمتع بالحكم الذاتي والمناطق التي تسيطر عليها الحكومة المركزية. وكانت بؤرة لبعض أسوأ أعمال العنف في البلاد في فترة ما بعد سقوط تنظيم داعش.
وسيطرت قوات كردية على مدينة كركوك بعد طرد تنظيم داعش منها في عام 2014، لكن الجيش العراقي أبعدها في عام 2017.
وأكد رؤوف أن "هذا المقر كان في السابق قبل عام 2017 للحزب الديمقراطي الكردستاني، وفيما بعد أصبح مقرا لقيادة العمليات المشتركة العراقية".
وعندما تولى السوداني السلطة العام الماضي، عمل على تحسين العلاقات بين حكومته والحزب الديمقراطي الكردستاني.
لكن السكان العرب والأقليات مثل التركمان، الذين قالوا إنهم عانوا في ظل الحكم الكردي، احتجوا على عودة الحزب الديمقراطي الكردستاني، وفقا لرويترز.
خلفية سياسية بحتةويرى رؤوف، أن ما حدث يرجع إلى خلفيات سياسية، وليس مجرد تحرك لمواطنين عاديين.
ويقول إن "من قاموا بنصب الخيام وإغلاق طريق كركوك - أربيل من العرب والتركمان لا يمثلون الأهالي، بل هم أشخاص متحزبين عائدين لأحزاب تركمانية وعربية سنية وشيعية".
وأضاف أنه "في المقابل الكرد الذين شاركوا في المظاهرات هم ليسوا مواطنين عاديين، بل مدفوعين من قبل أحزاب كردية، وما حصل يعتبر أمرا سياسيا بحتا بامتياز".
وأوضح أن "التعايش السلمي بين العرب والتركمان والكرد في كركوك قائم بعيدا عن الأحزاب، والكركوكيون الأصليون يدركون جيدا أن كركوك لكل أهلها".
عملية عسكريةوفي 2014، سيطر الحزب الديمقراطي الكردستاني والبيشمركة، أي قوات الأمن في إقليم كردستان، على المنطقة النفطية في كركوك قبل أن يطردا منها في خريف 2017 إثر عملية عسكرية للقوات العراقية، ردا على استفتاء لم ينجح على انفصال إقليم كردستان عن العراق، وفقا لفرانس برس.
واتهم الرئيس السابق للإقليم، مسعود بارزاني، في رسالة، السبت، المتظاهرين العرب والتركمان قائلا "قامت مجموعة من قطاع الطرق ومثيري الشغب بقطع الطرق بين أربيل وكركوك بحجة منع افتتاح مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني في كركوك".
وأضاف "لا يسمحون للمواطنين بممارسة حياتهم اليومية وخلقوا وضعا متوترا وخطرا لسكان كركوك".
وتابع "من المثير للدهشة أن القوات الأمنية والشرطة في كركوك لم تتمكن في الأيام القليلة الماضية من منع الفوضى والسلوك غير القانوني للذين قطعوا الطريق، أما اليوم فقد تم استخدام العنف ضد الشباب الأكراد والمتظاهرين في كركوك".
من جهته دعا رئيس حكومة إقليم كردستان، مسرور بارزاني، "رئيس الوزراء الاتحادي إلى التدخل الفوري للسيطرة على هذا الوضع غير المقبول". وأضاف "نهيب بالمواطنين الأكراد المضطهدين في كركوك ممارسة ضبط النفس والابتعاد عن العنف".
حلحلةوطالب السوداني، بـ"تشكيل لجنة تحقيق"، متعهدا في بيان "محاسبة المقصرين الذين تثبت إدانتهم في هذه الأحداث وتقديمهم للعدالة لينالوا جزاءهم العادل".
وأمر بفرض حظر تجول في المدينة لمنع تصاعد العنف. ودعا في بيان أصدره مكتبه "جميع الجهات السياسية والفعاليات الاجتماعية والشعبية إلى أخذ دورها في درء الفتنة والحفاظ على الأمن والاستقرار والنظام في محافظة كركوك"، بالإضافة إلى "الشروع بعمليات أمنية واسعة في المناطق التي شهدت أعمال شغب لغرض تفتيشها بالشكل الدقيق".
وذكر بيان لمحافظة كركوك أنه بعد اتصال هاتفي مع السوداني "أعلن محافظ كركوك، راكان سعيد الجبوري، التريث في إخلاء مقر العمليات في كركوك". ولفت البيان إلى أن "المتظاهرين قرروا سحب الخيم وإنهاء اعتصامهم وفتح الطريق".
وأكد السوداني خلال اتصال هاتفي، مساء السبت، مع رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، "تكثيف العمل المتكامل من أجل تفويت الفرصة على كل من يعبث بأمن مدينة كركوك واستقرارها".
كما بحث السوداني في اتصال آخر مع رئيس إقليم كردستان العراق، نيجيرفان بارزاني، الأوضاع في محافظة كركوك، وجرى "التشديد على أهمية عدم إتاحة المجال أمام أي عناصر غير مسؤولة، تستهدف النسيج الاجتماعي للمحافظة"، بحسب المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء.
التحقيقات جاريةوفي تعبير عن الموقف الرسمي العراقي، أكد مدير العلاقات والإعلام في محافظة كركوك، مروان العاني، أن "ما جرى في الأمس (السبت) خاضع لتحقيق حسب رؤية وتوجيه رئيس مجلس الوزراء".
وقال في حديثه لموقع "الحرة" إن " التحقيق يهدف لمعرفة تفاصيل ما جرى وتقديم حقائق وأدلة وبراهين".
وتابع "الآن الوضع آمن ومستقر، وحظر التجوال رفع بشكل كامل، وهناك انتشار للقوات الأمنية في عموم مدينة كركوك".
وأشار إلى أن "خيم الاعتصام أزيلت وطريق أربيل كركوك أعيد فتحه، والحركة أصبحت طبيعية"، وذلك بعد أن اتخذت السلطات قرارا يقضي بتأجيل تسليم المقر للحزب الديمقراطي الكردستاني.
وعادت الحياة الطبيعية تدريجيا في كركوك مع ساعات الصباح الأولى باستثناء الأحياء الشمالية المحيطة بمقر العمليات، وذلك بالتزامن مع وصول تعزيزات عسكرية من بغداد إلى كركوك، وفقا لمراسل "الحرة".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: الحزب الدیمقراطی الکردستانی فی محافظة کرکوک إقلیم کردستان مدینة کرکوک قوات الأمن فی کرکوک إلى أن
إقرأ أيضاً:
“مصطلح التعايش” بوابة الاختراق: كيف تسلل المشروع الصهيوني إلى قلب العالم الإسلامي؟
يمانيون / تقرير/ طارق الحمامي
في الوقت الذي كانت فيه الأمة الإسلامية تنادي بالتعايش والتسامح، وتفتح الأبواب للحوار والانفتاح، كان الكيان الصهيوني يعيد ترتيب أوراقه، ولكن هذه المرة ليس عبر الحروب العسكرية التقليدية، بل من خلال عمليات استخباراتية منظمة، تهدف إلى اختراق الدول من الداخل، وتفكيك المجتمعات، وتمزيق الولاء الديني والوطني، تمهيدًا للهيمنة الناعمة ، وقد شكّل مصطلح “التعايش” بوابة مهمة لهذا الاختراق، حين استُخدم كمظلة لزرع العملاء ونشر الأفكار المشوشة، وتحويل قضايا الأمة إلى نزاعات داخلية، في الوقت الذي تغلغل فيه الموساد وأذرعه إلى عمق كل دولة عربية وإسلامية، دون أن يُسمع له صوت ولا يُشم له رائحة، في بداية تحركاته ،
بتناول هذا التقرير مفهوم “التعايش” كأداة اختراق استخباراتي ، وتحليل النموذج الإيراني كأحد أبرز نماذج الاختراق الصهيوني ، وكشف أدوات وأساليب التجنيد والتسلل داخل الدول العربية والإسلامية وتنبيه المجتمعات الإسلامية بأن معركتنا مع العدو الصهيوني لم تعد فقط عسكرية أو سياسية، بل أصبحت استخباراتية ناعمة وشاملة، تتطلب وعيًا فكريًا، وجهدًا مؤسسيًا أمنيًا، وسلوكًا جماهيريًا يقظًا ومنضبطًا
المشروع الصهيوني: اختراق من الداخل تحت لافتة “التعايش”بدأت الاستخبارات الصهيونية، منذ عقود، في تبني استراتيجية الاختراق الفكري والثقافي، بجانب الاختراق الأمني التقليدي، فعملت على، تجنيد شبكات عملاء محلية عبر الدعم المالي والإعلامي والمنظمات غير الحكومية، تم تجنيد أفراد من داخل المجتمعات الإسلامية، بعضهم بدافع المال، وبعضهم بدافع “التحرر والانفتاح”، مما ساعد في تشكيل جيل مقطوع الصلة بهويته العقائدية وكذلك من خلال زرع الأفكار الغربية المسمومة تحت شعار حقوق الإنسان وحرية الرأي، تم تمرير أجندات هدفها نزع الأمة من منطلقاتها الإيمانية والجهادية ، ومن خلال التغلغل داخل المؤسسات حيث كُشفت في السنوات الأخيرة خلايا صهيونية وصلت إلى مواقع حساسة في عدد من الدول الإسلامية، تتواصل بشكل مباشر مع أجهزة المخابرات الأجنبية، وعلى رأسها الموساد.
نموذج إيران اختراق ذكي ومعقديُعد اختراق إيران مثالًا صارخًا على قدرة الكيان الصهيوني على التسلل إلى أنظمة محصنة أمنيًا. فقد شهدنا في السنوات الأخيرة:
اغتيالات غامضة لعلماء نوويين: مثل الشهيد محسن فخري زادة، والتي كشفت لاحقًا عن وجود خلايا تجسس على أعلى المستويات.
استخدام عملاء مزدوجين من الداخل الإيراني.
اختراق شبكات الكاميرات والمراقبة كما حدث في منشأة نطنز النووية ،
هذا يؤكد أن العدو لا يعتمد فقط على الاختراق العسكري، بل يُجند جيوشًا من الجواسيس والعملاء عبر الإعلام والثقافة، وحتى التكنولوجيا.
كيف تحولت الأنظمة العربية إلى جنود لإسرائيل؟لم تعد العلاقة بين بعض الأنظمة العربية والكيان الصهيوني علاقة “سلام” بالمعنى السياسي المألوف، بل تطورت – وفق معطيات الواقع – إلى ما يمكن تسميته بـ”التحول إلى أدوات استخباراتية وأمنية” تخدم المشروع الصهيوني بشكل مباشر.
من التطبيع إلى التجنيد: مع توقيع اتفاقيات “أبراهام” بين عدد من الدول الخليجية والكيان الصهيوني (الإمارات، البحرين، المغرب، السودان)، انتقلت العلاقات من التطبيع الاقتصادي إلى التعاون الاستخباراتي والعسكري ،
أمثلة بارزة: الإمارات تستضيف مركزًا إلكترونيًا للأمن السيبراني بالتعاون مع شركات إسرائيلية مثل NSO Group، المصنعة لبرمجية “بيغاسوس” التي تم استخدامها ضد معارضين عرب ومسلمين.
البحرين وقعت اتفاقيات أمنية مباشرة مع “الشاباك” و”الموساد” تحت غطاء “مكافحة الإرهاب”، ما يفتح الباب لتبادل المعلومات عن شخصيات إسلامية معارضة في المنطقة.
المغرب نسق مع الموساد لتوفير قاعدة عمليات في إفريقيا ضد مصالح المقاومة، وفقًا لما كشفه تقرير موقع “Axios” الأمريكي (2022).
الإعلام العربي في خدمة الصهيونية:تحول بعض الإعلاميين العرب إلى أبواق للمشروع الصهيوني من خلال ترويج الرواية الصهيوينة عن “حق اليهود في الأرض” ، ومن خلال تشويه رموز المقاومة، وشيطنة المقاومة في غزة ولبنان واليمن ووصف التطبيع بالـ”واقعية السياسية” والتقارب مع إسرائيل بأنه “فرصة للسلام”.
مشاركة عسكرية غير مباشرة:شاركت بعض الأنظمة العربية في تنسيق استخباراتي إقليمي مع العدو الصهيوني وأمريكا لاستهداف المقاومة في اليمن وسوريا والعراق ، وتم توفير المجال الجوي لطائرات العدو في بعض العمليات السرية في إيران .
التحول الأخطر: عندما يصبح أبناء الأمة عيونًا للعدو ، هذا التحول لا يعني فقط خيانة على مستوى الأنظمة، بل يعني تجنيد بعض النخب والمثقفين العرب لتبرير الكيان الصهيوني أمام الشعوب ، اختراق المجتمع من خلال الفن، والمناهج، والإعلام لتقبّل العدو الإسرائيلي كشريك طبيعي.
من تحرير فلسطين إلى التحالف مع الصهيونية… لماذا انقلب الموقف العربي؟في واحدة من أكثر التحولات خطورة في التاريخ المعاصر، انتقل جزء كبير من الأنظمة العربية من رفع شعار “تحرير فلسطين” إلى التحالف مع العدو الصهيوني، بل ومعاداة الداعم الأول للمقاومة: الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
هذا التحول لم يكن عفويًا، بل خضع لعدة عوامل متداخلة منها سقوط المشروع القومي وغياب البديل بعد فشل تجربة القومية العربية في تحرير فلسطين وهزيمة 1967، تراجعت شعارات المقاومة لتحل محلها سياسات “السلام مع إسرائيل”، كما في: ( كامب ديفيد (1979) بين مصر وإسرائيل – أوسلو (1993) بين منظمة التحرير والاحتلال – اتفاقيات أبراهام (2020) التي شرّعت التطبيع ) ، هذه الانعطافة سمحت للكيان الصهيوني بتوسيع نفوذه داخل العواصم العربية نفسها.
صعود المقاومة الإسلامية واستقلالها عن الأنظمةلمّا ظهرت قوى مثل حزب الله في لبنان، وحماس في فلسطين، وأنصار الله في اليمن، وهي قوى لا تأتمر بأوامر الأنظمة الرسمية، بدأ النظر إليها كـ”خطر داخلي” بدلًا من كونها رأس حربة ضد العدو الصهيوني ، وهنا ظهرت إيران كالداعم العقائدي واللوجستي لهذه القوى، فبدأت حملة تشويه شاملة ضدها ، وكنقطة تحول كانت حرب تموز 2006 أول حرب يُتهم فيها حزب الله بـ”جرّ لبنان إلى حرب”، رغم أنه كان يتصدى للعدو الصهيوني.
الإعلام العربي الممول من الخليج… والانقلاب في البوصلةلعبت قنوات مثل العربية، سكاي نيوز، الشرق، MBC، وحتى بعض الصحف الخليجية دورًا خطيرًا في تصوير المقاومة كـ”أداة إيرانية” وشيطنة إيران واتهامها بالسعي للهيمنة على الدول العربية ، وتقديم إسرائيل كـ”شريك للسلام”، وإيران كـ”عدو مشترك”.
الخوف من النموذج الثوري الإيرانيما تخشاه الأنظمة العربية أكثر من السلاح الإيراني هو النموذج الثوري المستقل القائم على السيادة الوطنية الكاملة ، وطرد الهيمنة الأمريكية ، ودعم المستضعفين والمقاومة ، هذا النموذج يرعب الأنظمة العميلة التي تستمد بقاءها من واشنطن وتل أبيب، لذلك أصبح من الطبيعي أن تتحالف هذه الأنظمة مع العدو الصهيوني ضد إيران.
الاستثمار الصهيوني في الانقسام المذهبي
من أبرز أدوات تحويل العداء هو التحريض المذهبي، حيث تم تصوير إيران بأنها “العدو الشيعي الصفوي”، في مقابل “العرب السنة”، وكأن الصراع عقائدي، وليس صراعًا ضد احتلال واستكبار.
يؤكد الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي على أنه يوم أن تترك الأمة قضية فلسطين وتدخل في عداوات مذهبية، فقد نفذ اليهود إلى قلبها.”
وهو ما أكده السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي أن “العدو الحقيقي هو أمريكا وإسرائيل، وأي انشغال بعدو غيرهم هو ضياع للوجهة، وانحراف عن القرآن.”
من هم المؤهلون لمواجهة الصهيونية؟ رؤية قرآنية دقيقة
وسط الكم الهائل من الشعارات والتصريحات، يظل السؤال الأهم: من الذي يمتلك الأهلية الحقيقية لمواجهة الخطر الصهيوني؟ هل هم أصحاب القوة العسكرية فقط؟ أم الدول الغنية؟ أم من يرفعون شعارات التحرير؟ القرآن الكريم قدّم الإجابة بوضوح تام، حين ربط الفلاح الحقيقي في مواجهة الأعداء بصفات مخصوصة ، قال الله تعالى:
(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْـمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْـمُفْلِحُونَ ) من سورة آل عمران- آية (104)
الفلاح مشروط بالإيمان الكامل واليقينالقرآن حدّد صفات الفئة التي تستحق وصف “المفلحون”، أي الناجحون في المعركة المصيرية ضد الباطل، وهم: ( الذين يؤمنون بالقرآن كمنهج عملي، والذين يؤمنون بجميع الرسالات الإلهية، ومنهج الأنبياء في مواجهة الطغاة والذين يوقنون بالآخرة، فلا يُشترون بثمن قليل، ولا يُخيفهم الموت أو الترغيب) ، هذه الصفات هي التي تؤهل الفرد أو الأمة لخوض المعركة ضد الكيان الصهيوني، لأنها معركة عقائدية بالدرجة الأولى، كما أشار الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه .
لماذا لا يفلح غيرهم؟القرآن الكريم لم يقل: “وأولئك من الفالحين”، بل قال: “أولئك هم المفلحون”، أي الحصر والتخصيص، وبهذا يُفهم:
أن من لا يحمل هذه الصفات، فمهما كانت قوته أو خطابه، لن يُفلح في مواجهة العدو.
أن مواجهة الصهيونية ليست مجرد موقف سياسي، بل تتطلب عقيدة قرآنية، ويقينًا بالآخرة، وفهمًا للعدو كما وصفه الله.
نماذج من الواقعأنصار الله : استمدوا مشروعهم من القرآن، وواجهوا العدوان والتحالف الصهيوني الأمريكي من منطلق يقيني، فكانوا من أكثر القوى فعالية في ضرب أدوات المشروع الصهيوني في المنطقة.
حزب الله: واجهوا إسرائيل عام 2000 و2006 وهم يحملون إيمانًا وعقيدة واضحة بالمنهج القرآني والجهاد.
في المقابل، سقطت أنظمة وحركات رفعت شعار فلسطين، لكنها خذلتها عند أول مواجهة، لأنها كانت تفتقر للقاعدة الإيمانية القرآنية.
خطورة التفرق والاختلاف… وكيف يستفيد العدو الصهيوني من تمزق الأمة؟إن أخطر ما تواجهه الأمة الإسلامية اليوم ليس فقط الترسانة العسكرية الصهيونية، بل التمزق الداخلي والفرقة والاختلاف بين مكوناتها الفكرية والمذهبية والسياسية، وهي أرضية ذهبية يستثمرها العدو الصهيوني بأقصى ما يمكن.
وقد حذر القرآن الكريم من هذا الانقسام، لأنه سبب رئيسي في الهزيمة والخذلان: “وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ” (الأنفال: 46)
فالعدو الصهيوني لا يحتاج دائمًا إلى قنابل أو طائرات، بل يكفيه أن يرى الأمة تتنازع، ليحقق أهدافه دون إطلاق رصاصة ،ومن أبرز أوجه استغلال العدو للفرقة:
نوع الاختلاف كيف يستفيد العدو؟المذهبي (سني / شيعي) يُحرّض فئة ضد الأخرى ويمنع الوحدة في وجه العدو المشترك
السياسي (محور المقاومة / محور التطبيع) يستخدم المطبعين لتخوين المقاومين، والعكس
الجغرافي (قطري / قومي) يعمق الشعور بالانعزال ورفض المصير المشترك
في 2006، هاجمت إسرائيل حزب الله، وبدلًا من أن تتوحد الأمة، خرجت أصوات عربية تتهم المقاومة بأنها “مغامرة” غير محسوبة.
في 2023، خلال العدوان على غزة، امتنع كثير من الإعلام العربي الرسمي حتى عن استخدام كلمة “العدو”، مفضلًا مصطلحات غامضة مثل “الطرف الآخر” ، كل هذا نتيجة مباشرة لفرقة الأمة، وانشغالها بالعداوات الجانبية.
الوحدة واجب شرعي وعقائديالوحدة بين المسلمين ليست خيارًا سياسيًا، بل فرض إلهي وأمر قرآني صريح: “إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ” (الأنبياء: 92) ، “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا” (آل عمران: 103)
كيف نواجه هذا التحدي؟يقدم الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي، والسيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، رؤية متكاملة لمواجهة هذه الحرب الاستخباراتية والفكرية، تقوم على عدة أسس:
الوعي أولاً: كما أكد الشهيد القائد: “العدو يعمل على تغييب وعي الأمة حتى يسهل اختراقها من الداخل”. لذا، فإن أول خطوة للمواجهة هي تعزيز وعي الشعوب تجاه خطورة الحرب الناعمة والاختراق الفكري.
تحصين الهوية الإيمانية: أكد السيد القائد عبد الملك الحوثي مرارًا أن العدو يستهدف العقيدة والهوية أولًا، ولذا فإن التحصين الفكري والديني، من خلال التربية القرآنية والمسار التربوي الجهادي، يمثل الحصن المنيع أمام هذه الاختراقات.
كشف العملاء والمرتبطين بالمشروع الصهيوني: من المهم كشف المتعاونين مع الكيان الصهيوني أو الدائرين في فلك التطبيع والمخابرات الأجنبية، وعدم التهاون معهم تحت أي مسمى.
الخاتمة:الحرب اليوم ليست فقط على الجبهات، بل هي في الإعلام، في التعليم، في الفكر، وفي أجهزة الأمن. وإن مواجهة هذا المشروع الصهيوني الخبيث، لا تكون إلا بتبني مشروع مضاد، مستمد من القرآن، ومن رؤى القادة الأحرار الذين كشفوا حقيقة العدو، وفي مقدمتهم الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي، والسيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي.
العدو لا يرحم، ولا ينتظر، وإن التأخر في المواجهة الفكرية والأمنية، يعني مزيدًا من الاختراق، ومزيدًا من السقوط في مستنقع العمالة والضياع.