يوفر بيئة داعمة ومحفزة للكوادر الوطنية - 

كتب - فهد الزهيمي

دشنت وزارة الثقافة والرياضة والشباب مساء اليوم فعاليات وأنشطة مهرجان الأشخاص ذوي الإعاقة في نسخته السادسة، والذي يستمر لمدة 3 أيام بمجمع السلطان قابوس الرياضي ببوشر، وأقيم حفل افتتاح المهرجان برعاية معالي الدكتورة رحمة بنت إبراهيم المحروقية وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، بحضور عدد من أصحاب السعادة والمدعوين ووسائل الإعلام، وسيشهد المهرجان مسابقات رياضية متعددة وأنشطة ثقافية مختلفة.

وتسعى هذه النسخة إلى تحقيق مجموعة من الغايات التي تشكل ركائز عمل المهرجان، منها الارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة، وتوفير بيئة داعمة ومحفزة للمواهب، وتعزيز دور الأشخاص ذوي الإعاقة في المجتمع عبر الأنشطة الهادفة والبرامج المتنوعة، بالإضافة إلى فتح مجالات جديدة للمشاركة الخليجية، وتطوير الكوادر الوطنية العاملة في المجالين الرياضي والثقافي من خلال حلقات تدريبية نوعية.

ويبرز البرنامج الثقافي لهذا العام كأحد أهم مكونات المهرجان، إذ يتضمن معرضًا فنيًا شاملًا يضم أعمالًا في الفنون التشكيلية، والخزف، والنحت، والخط العربي، والتصوير الضوئي، والفن الرقمي، إلى جانب دورات متخصصة في إعادة التدوير، والرسم على الوجوه، والتصوير الفوري، والرسم باستخدام برنامج «بروكريت» بطريقة تفاعلية مباشرة تُتيح عرض الأعمال على الشاشة أمام الجمهور. كما سيشهد المهرجان عرضًا مسرحيًا يُقدم في ثاني أيامه، ويحتفي بإبداع المشاركين وقدرتهم على التعبير الفني.

برنامج رياضي هو الأكبر

وعلى الجانب الرياضي، ينظم المهرجان برنامجًا بارالمبيًا كبيرًا، إذ يجمع بين الألعاب الفردية والجماعية، بما فيها ألعاب القوى، وكرة الهدف للمكفوفين، وكرة السلة على الكراسي المتحركة، والريشة الطائرة، والرماية، والبوتشي والبوتشيا، وتنس الطاولة، ورفعات الأثقال، إضافة إلى الألعاب التقليدية والترفيهية والبولينج، ويتم تنفيذ هذه المنافسات في مرافق رياضية مجهزة وفق المعايير الدولية، مع إتاحة الفرصة لمختلف أنواع الإعاقات للمشاركة ضمن فئاتهم المعتمدة. ولتعزيز الجانبين الفني والتنظيمي في الرياضات البارالمبية، تشتمل النسخة السادسة على سلسلة من الحلقات المتخصصة في التحكيم والتصنيف الرياضي وإدارة المسابقات، بمشاركة خبراء دوليين، وذلك في إطار تطوير كوادر عُمانية قادرة على الإشراف على المنافسات باحترافية عالية والارتقاء بمستوى الرياضات المخصصة للأشخاص ذوي الإعاقة.

ويستمد المهرجان قوته من نتائجه السابقة، حيث شهدت النسخة الخامسة 2024 مشاركة أكثر من 3313 مشاركًا من مختلف المحافظات، بالإضافة إلى تنفيذ ثماني حلقات تخصصية وفعاليات ثقافية ورياضية متنوعة أسهمت في رفع مستوى الوعي والتفاعل المجتمعي، كما شهدت الفعاليات المصاحبة حضورًا واسعًا في جميع المحافظات، مع برامج متوازية في المراكز والجمعيات والمؤسسات التعليمية.

مساحة وطنية مشرقة للإبداع

قال سعود بن بدر أمبوسعيدي المدير العام المساعد للمديرية العامة للأنشطة الرياضية بوزارة الثقافة والرياضة والشباب رئيس اللجنة الرئيسية المنظمة للمهرجان: إن المهرجان يشكل مساحة وطنية مشرقة تتسع للإبداع والإرادة وتترجم التزام سلطنة عُمان بتنمية الإنسان وتمكينه دون استثناء.

وأوضح أمبوسعيدي أن سلطنة عُمان تفتح في كل عام نوافذ جديدة للأمل، وترسخ من خلال هذه الفعالية صورة حضارية تؤمن بأن التحديات ليست عائقًا أمام الإبداع، بل حافز لصناعة الإنجازات، وأشار إلى أن المهرجان لا يمثل مجرد حدث رياضي أو ترفيهي، بل يحمل رسالة وطنية تنسجم مع مستهدفات «رؤية عُمان 2040» التي تؤكد مشاركة الجميع في مسيرة التنمية، كما يأتي تنظيم النسخة السادسة من المهرجان السنوي للأشخاص ذوي الإعاقة ليؤكد الدور الذي يؤديه هذا المهرجان سنويًا من تعزيز الدمج المجتمعي وتعزيز مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة في مختلف الأنشطة، حيث جاءت هذه النسخة أكثر شمولية وتنوعًا تلامس طموح المشاركين من حيث عدد الفعاليات المقدمة وتنوعها بالإضافة إلى الحلقات التدريبية التأهيلية المصاحبة والتي خُصصت للكوادر العاملة مع الأشخاص ذوي الإعاقة ويحاضر فيها مختصون دوليًا.

وأضاف سعود أمبوسعيدي: إن فعاليات المهرجان، التي يحتضنها مجمع السلطان قابوس الرياضي ببوشر على مدى ثلاثة أيام، تكشف عن مواهب استثنائية وتقدم قصص إلهام تذيب الفوارق وتبرز قدرات المشاركين، مؤكدًا أن المهرجان يعد منصة مهمة لاكتشاف المواهب ورفد المنتخبات الوطنية البارالمبية، إلى جانب دوره في تعزيز الشراكة بين المؤسسات الحكومية والخاصة والمجتمع المدني لدعم برامج التأهيل والتدريب والرعاية.

كما أكد المدير العام المساعد للأنشطة الرياضية أن إقامة المهرجان يأتي ضمن محاور استراتيجية الرياضة العمانية في رفع ممارسة الأنشطة البدنية والرياضية للأشخاص ذوي الإعاقة للترفيه والصحة والمنافسة وطنيًا ودوليًا، وبما يتماشى كذلك مع محاور «رؤية عُمان 2040» «مجتمع واعٍ متماسك ممكن اجتماعيًا واقتصاديًا خاصة المرأة والشباب وذوي الإعاقة والفئات الأكثر احتياجًا» مشيرًا في الوقت ذاته إلى أنه لضمان وحرص اللجنة على تقديم كافة الدعم والخدمات في المهرجان، فقد قامت اللجنة بالتحضير مبكرًا لهذا المهرجان من أجل أن تكون هذه النسخة من المهرجان أكثر شمولية وملامسة لفئات الأشخاص ذوي الإعاقة متمنيًا أن يخرج المهرجان بالنتائج والأهداف التي رُسمت لتحقيقها في هذا العام مضيفًا أن تنظيم هذه النسخة يأتي استمرارًا لمسيرة تصاعدية بدأت منذ عام 2008، عندما انطلقت أول دورة بمشاركة 1300 مشارك، لتشهد الأعداد ارتفاعًا عامًا بعد عام حتى وصلت إلى أكثر من 3316 مشاركًا في نسخة 2024، ما يعكس نجاح المهرجان وقدرته على التطور والتوسع واستقطاب فئات جديدة من الأشخاص ذوي الإعاقة والمختصين في مختلف المجالات المرتبطة بهم.

وأشار إلى أن المهرجان، منذ انطلاقته عام 2008 وتنقله بين مختلف المحافظات، رسخ حضوره كحدث سنوي ينتظره الجميع؛ لما يحمله من قيم إنسانية ورسائل مجتمعية تعزز الاندماج والتمكين والمشاركة، وختم كلمته بالتأكيد أن الإعاقة ليست غيابًا للقدرة، بل حضور قوي للإرادة مشيدًا بما يقدمه المشاركون من نماذج ملهمة ومعربًا عن ثقته بأن سلطنة عُمان تمضي بخطى ثابتة نحو مستقبل أكثر شمولًا واحتضانًا لجميع أفراد المجتمع.

3 دورات تدريبية متخصصة

من جانب آخر اختتمت فعاليات الحلقات التدريبية الثلاث والخاصة بالتحكيم في الألعاب البارالمبية والأولمبية الخاصة، ضمن المهرجان السنوي السادس للأشخاص ذوي الإعاقة، وسط مشاركة واسعة من الشباب العُماني الراغب في التخصص في الرياضات البارالمبية، وحضور نخبة من الخبراء والمختصين. وقد شكلت هذه الحلقات، والتي أقيمت بمجمع السلطان قابوس الرياضي ببوشر، محطة معرفية مهمة للمشاركين، أسهمت في تطوير مهاراتهم وتعميق فهمهم لدور التحكيم في دعم الرياضيين من الأشخاص ذوي الإعاقة وتمكينهم في مختلف المنافسات. وجاءت إقامة الحلقات التدريبية هذا العام أكثر شمولية وتنظيمًا، مع توسيع نطاقها لتشمل رياضات البوتشيا، وكرة الطاولة، والريشة الطائرة، ما يعكس حرص اللجنة المنظمة على إعداد كوادر تحكيمية مؤهلة وقادرة على الارتقاء بمستوى البطولات المحلية والدولية، وضمن جهود وزارة الثقافة والرياضة والشباب لتعزيز مهارات الكوادر الوطنية ورفع جاهزيتها في إدارة وتنظيم المسابقات الرياضية، بما يواكب التوسع المتزايد في هذه الأنشطة على مستوى المحافظات، وفي أجواء تعكس الالتزام بتطوير الرياضات المخصصة للأشخاص ذوي الإعاقة.

وتضمنت الحلقات التدريبية ثلاثة برامج رئيسية شملت: حلقة تحكيم كرة الطاولة (الأولمبياد الخاص)، وحلقة تحكيم الريشة الطائرة البارالمبية، وحلقة تحكيم رياضة البوتشيا، وسط مشاركة 60 حكمًا من مختصي التربية البدنية، وأخصائيي العلاج الوظيفي، ومعلمي الرياضة المدرسية، والمدربين الرياضيين، إضافة إلى موظفي المجمعات الرياضية وأعضاء الأولمبياد الخاص العُماني. وتخللت الحلقات جلسات تدريبية مكثفة قدمها محاضرون دوليون أكاديميون متخصصون، كما ركزت الحلقات على الدمج بين الجوانب النظرية والتطبيقات الميدانية لضمان رفع كفاءة المشاركين وتمكينهم من تطبيق المعارف المكتسبة في بطولات محلية وإقليمية ودولية مستقبلًا.

وقد تناولت حلقة الريشة الطائرة البارالمبية، والتي قدمها المحاضر المصري طارق فوزي عبدالعزيز، قواعد اللعبة بجوانبها النظرية والعملية، وآليات التحكيم، إلى جانب تدريبات عملية في تجهيز الملاعب وإدارة المباريات. وهدفت الحلقة إلى تأهيل حكام ومدربين جدد في هذه الرياضة، حيث تعد رياضة الريشة الطائرة البارالمبية من الألعاب البارالمبية الحديثة التي أُدرجت في دورة طوكيو 2020، إذ تتطلب دقة عالية وسرعة في الاستجابة، وقد خُصصت الحلقة لتدريب المشاركين على قوانين اللعبة، وإجراءات التحكيم، وتجهيز الملاعب، إضافة إلى اختبار تحريري لتقييم جاهزيتهم. واستهدفت الحلقة العاملين في مجال تدريب وتحكيم ألعاب الإعاقة الحركية وطلبة التربية البدنية ومعلمي الرياضة المدرسية، ويقدم الحلقة المحاضر أحمد محمد مشعل.

أما حلقة البوتشيا فشهدت مشاركة واسعة من المختصين والمعلمين، وقدمها الحكم الدولي الدكتور وسام الجميلي، حيث تضمنت استعراضًا لآخر تحديثات قوانين اللعبة، وطرق فحص المعدات والكرات القانونية، ومحاكاة كاملة لإجراءات غرفة النداء وتطبيقات عملية في الميدان. وهدفت الحلقة إلى إعداد قاعدة وطنية من الحكام المؤهلين وإتاحة الفرصة لنشر اللعبة في مراكز الوفاء الاجتماعية. وقد عكست هذه الحلقات التدريبية حرص وزارة الثقافة والرياضة والشباب على تمكين العاملين في مجال رياضة الأشخاص ذوي الإعاقة، وتطوير البيئة الداعمة لهم، بما يسهم في تحسين جودة البرامج الرياضية وتعزيز المشاركة المجتمعية لهذه الفئة، ضمن رؤية شاملة تهدف إلى تطوير الرياضات البارالمبية والأولمبية الخاصة في سلطنة عمان.

نشر الوعي المجتمعي

وبعد ختام الحلقات التدريبية، وصفت المشاركة خديجة النجادية تجربتها في حلقة تحكيم البوتشيا بأنها «ثرية ومميزة بكل المقاييس» مشيرة إلى أن المهرجان أتاح لها التعرف على أحدث الأساليب والمعايير الدولية في الرياضات البارالمبية. وأوضحت النجادية أن الحلقات أسهمت في نشر الوعي المجتمعي بأهمية هذه الرياضات وقدرتها على إبراز إمكانات الأشخاص ذوي الإعاقة مؤكدة أن اختيارها للبوتشيا جاء لأنها «رياضة دقيقة تمنح اللاعبين مساحة حقيقية لإبراز مهاراتهم، وتحتوي على تفاصيل تحكيمية ممتعة ومحفزة». كما رأت أن مستقبل البوتشيا في سلطنة عمان واعد للغاية، مع توقعها لتوسع قاعدة اللاعبين وارتفاع عدد الحكام المؤهلين في السنوات القادمة.

أما عبدالرحمن الخالدي فأكد أن تجربته كانت «مميزة ومثرية»، إذ فتحت له الحلقات آفاقًا لفهم أعمق لدور الحكم في إدارة المنافسات بعدالة وتنظيم. وبين أن اختياره لرياضة البوتشيا جاء لكونها تجمع بين الدقة والتركيز والتكتيك مشيرًا إلى طموحه للاستمرار في التحكيم البارالمبي والحصول على شهادات متقدمة تمهيدًا للمشاركة في البطولات الخارجية. وحول تقييمه لهذه النسخة، قال الخالدي: «إنها الأكثر احترافية وتنوعًا» مقارنة بالسنوات الماضية، سواء من حيث التنظيم أو عدد المشاركين أو التفاعل الجماهيري.

تجربة ثرية وملهمة

بينما أكد أحمد المقبالي أن مشاركته كانت «تجربة ثرية وملهمة»، مكنته من التعرف على تفاصيل القوانين وآليات فحص الأدوات والتحقق من بيانات اللاعبين. وأشار إلى أن اختيار البوتشيا جاء بسبب بعدها الإنساني والمهاري، فهي رياضة تعتمد على الدقة والتخطيط أكثر من القوة البدنية، ما يجعلها مساحة عادلة للأشخاص ذوي الإعاقة لإبراز قدراتهم. ولفت المقبالي إلى أن النسخة السادسة تميزت بتطوير ملحوظ في المحتوى والتنظيم وجاهزية الفرق التطوعية معتبرًا أن التحكيم البارالمبي مسار سيواصل تطويره عبر الدورات المتقدمة والسعي للاعتماد الدولي.

من جانبها، عبرت فاطمة البلوشية عن امتنانها للتجربة، ووصفتها بأنها «ثرية وملهمة»، حيث أتاحت لها اكتساب معرفة دقيقة بمعايير التحكيم الحديثة. وأشارت إلى أن الحلقات التدريبية أسهمت في تعزيز الحضور المجتمعي للرياضات البارالمبية وتصحيح المفاهيم الخاطئة حول قدرات الرياضيين. ورأت أن مستقبل البوتشيا في سلطنة عمان يسير نحو مزيد من الانتشار بفضل البرامج التدريبية وارتفاع مستوى الاهتمام الرسمي.

بينما ذكر مجد السليمي أن الحلقات أسهمت في توسيع معرفته بالفئة المستهدفة من الأشخاص ذوي الإعاقة، وتوضيح القوانين الميسرة وآليات تصنيف القدرات لضمان تكافؤ الفرص. وأن وجود اسمه ضمن قائمة الحكام المؤهلين شكل له «شعورًا مميزًا» معتبرًا مشاركته تجربة جميلة وممتعة تفتح له آفاقًا مستقبلية أكبر.

أما ابتسام الراشدية فرأت أن مشاركتها كانت «تجربة ممتازة وملهمة»، عززت معرفتها الفنية بقوانين كرة الطاولة المكيفة وعمقت إدراكها لأهمية الجانب الإنساني في التعامل مع اللاعبين. وبينت أن تحكيم كرة الطاولة في الأولمبياد الخاص مختلف لأنه يحتفي بالقدرات أكثر من التركيز على المنافسة مؤكدةً أهمية نظام التصنيف الوظيفي والدقة في تقسيم المستويات، وشددت على ضرورة المرونة والصبر والتواصل الواضح لضمان بيئة عادلة ومحفزة لجميع اللاعبين.

حارث الحبسي هو الآخر أوضح أن حلقة تحكيم الريشة الطائرة قدمت تدريبًا مميزًا جمع بين الجوانب النظرية والتطبيق العملي، وأسهمت في فهمه لخصائص اللعبة البارالمبية، وأشار إلى أن الاختلافات بين تحكيم الريشة التقليدية والبارالمبية تشمل التصنيفات، وتعديل خطوط الملعب، واختلاف طرق الحركة، وحاجة الحكم لزوايا رؤية دقيقة، كما أكد أهمية التركيز في مباريات الأولمبياد الخاص على السلامة، وضوح التواصل، وتطبيق القوانين بدقة بما يتناسب مع قدرات كل لاعب.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الثقافة والریاضة والشباب الریاضات البارالمبیة الأشخاص ذوی الإعاقة للأشخاص ذوی الإعاقة الأولمبیاد الخاص الریشة الطائرة وأشار إلى أن أن المهرجان هذه النسخة أسهمت فی سلطنة ع أکثر من

إقرأ أيضاً:

أوضاع قاسية في اللجوء.. سعدية دهب تفتح ملف الإعاقة في زمن الحرب

كمبالا: التغيير

تتزايد التحديات التي يواجهها الأشخاص ذوو الإعاقة في مناطق اللجوء والنزوح، حيث تتقاطع ظروف الحرب مع ضعف الخدمات وغياب الحماية، فتترك آثاراً عميقة على حياتهم اليومية. وخلال الفترة الماضية، برزت روايات عديدة عن معاناة فئات واسعة منهم.

وللاقتراب أكثر من واقع هذه الفئة، أجرينا هذا الحوار مع المنسق الإقليمي لمنظمة WAELE لرفع مقدرات المرأة سعدية عيسى إسماعيل دهب، التي تتابع أوضاع الأشخاص ذوي الإعاقة من خلال عملها الميداني والتواصلي في مناطق اللجوء المختلفة، وذلك لفهم ما يواجهه الأشخاص ذوو الإعاقة في مناطق اللجوء والنزاع، وما يفتقدونه من خدمات، وكيف تؤثر الحرب والتنقل المستمر على حياتهم اليومية وكرامتهم الإنسانية.

فتاة كفيفة اغتُصبت وحملت، وصماء اعتدي عليها في دار إيواء

بدايةً، كيف تصفين واقع الأشخاص ذوي الإعاقة بين اللاجئين في القاهرة وكمبالا مقارنة بمعسكرات كيرياندونغو؟

نحن مقبلون على اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة في الثالث من ديسمبر، بينما تتقاطع معنا كذلك حملات اليوم العالمي للإيدز وحملة الـ16 يوماً لمناهضة العنف ضد المرأة وصولاً لليوم العالمي لحقوق الإنسان. هذه كلها مناسبات تضيء جانباً مهماً من معاناة الأشخاص ذوي الإعاقة في مناطق اللجوء.

في القاهرة، يوجد عدد كبير جداً من الأشخاص ذوي الإعاقة بالآلاف فعلياً، لكن لا توجد معسكرات. يعيشون وسط المجتمع المصري مثل باقي الناس، إلا أن الإعاقة تجعلهم الفئة الأكثر تضرراً من الحرب والضغوط الاقتصادية والاجتماعية والنفسية. ورغم اندماجهم الظاهري، إلا أن الاحتياجات الأساسية غير متوفرة لا توجد معينات حركية، ولا أطراف صناعية، ولا لغة برايل، ولا ترجمة بلغة الإشارة، ولا دعم لمن فقدوا وظائفهم، ولا تعليم ملائم للإعاقات الذهنية. كما يواجهون وصمة اجتماعية تزيد من هشاشتهم.

لا توجد معينات حركية ولا أطراف صناعية ولا لغة برايل ولا ترجمة بلغة الإشارة ولا دعم لمن فقدوا وظائفهم

ما التقديرات الحالية لعدد الأشخاص ذوي الإعاقة في أوغندا وما الإعاقات الأكثر انتشاراً؟

في كمبالا ومعسكرات كيرياندونغو في أوغندا، الواقع مختلف تماماً. أكبر المعسكرات هو معسكر كيرياندونغو في بيالي، ويضم 17 تجمعاً، يعيش السودانيون في 15 منها. الإحصاءات المبدئية تشير إلى أكثر من 400 شخص من ذوي الإعاقة هناك، ومع الحرب ظهرت الكثير من الإعاقات الجديدة مثل البتر والولادات المبكرة.

ما أبرز التحديات اليومية التي يواجهونها في بيئات النزوح؟

يواجه الأشخاص ذوو الإعاقة صعوبة في الوصول لخدمات العلاج والتعليم، والمسافات داخل المعسكرات طويلة، والوظائف شبه غير موجودة، رغم منح بعض الأسر أراضٍ للزراعة، وهي مهمة شاقة على كثير منهم. أما على مستوى الخدمات، فلا تتوفر ملاذات آمنة مهيأة لهم، ولا حمامات مناسبة، ولا سكن مجهز، ولا مرشدون نفسيون. داخل المعسكرات، الوصول للخدمات الصحية محدود، والتعليم بعيد، والمساعدات الإنسانية لا تصلهم بانتظام ولا تُعطى لهم أولوية.

النقص في البيانات يجعل التخطيط صعباً، فهم يتنقلون باستمرار بين مناطق نزوح ولجوء، مما يزيد من تعقيد أوضاعهم. كثيرون ماتوا جوعاً في مناطق الحصار لعدم القدرة على الوصول إليهم.

الإعاقات الحركية هي الأكثر شيوعاً، البتر والشلل الناتج عن الأمراض المزمنة، وإصابات الحرب

 ما الإعاقات الأكثر انتشاراً؟

الإعاقات الحركية هي الأكثر شيوعاً، حالات البتر، الشلل الناتج عن الأمراض المزمنة، وإصابات الحرب. يليها الإعاقة السمعية، التي تمثل خطراً لأنها غير ظاهرة ولا تمكن المصاب من سماع أصوات الخطر. ثم الإعاقات الذهنية مثل متلازمة داون والشلل الدماغي والقدم المحنوف وشلل الأطفال وإصابات الحبل الشوكي والتشنجات. كما توجد إعاقات مزدوجة تحتاج لرعاية داخلية معقدة. الكثيرون أيضاً يعانون صدمات نفسية، خصوصاً أن القانون الدولي أدرج الإعاقات النفسية ضمن فئات الإعاقة.

هل توجد خدمات أساسية تلبي احتياجاتهم (العلاج الطبيعي، أجهزة المساعدة، التعليم، الدعم النفسي)؟

هذه الخدمات شبه غائبة. لا توجد أدوات تأهيل، ولا علاج طبيعي، ولا علاج نطق، ولا كشف مبكر، ولا أجهزة مساعدة. المنظمات تقدم خدمات محدودة جداً، والتمويل غير كافٍ ولا يغطّي حتى الحد الأدنى.

التعليم الدامج كان موجوداً في السودان، وكان إلزامياً، لكن في دول اللجوء الوضع مختلف. المدارس بعيدة، ولا توجد سياسات دمج فاعلة للاجئين. كثير من الأطفال ذوي الإعاقة انقطعوا تماماً عن التعليم.

الفتيات ما بين زواج مبكر وطلاق بسبب إنجاب أطفال من ذوي الإعاقة

ما أكثر الفئات تضرراً؛ النساء، الأطفال، كبار السن، أم أصحاب الإعاقة الشديدة؟ ولماذا؟

النساء والفتيات هن الأكثر تضرراً بسبب تعرضهن للعنف والتحرش والاستغلال والزواج المبكر والنبذ الأسري. الأطفال يتضررون بانقطاعهم عن التعليم، كبار السن غالباً يدخلون مرحلة الإعاقة في عمر متقدم يفقدون السمع أو البصر أو يصبحون طريحي الفراش، في هذه الحالة لا يمتلكون أي مصدر دخل ولا يوجد من يعولهم، ويصبحون من أكثر الفئات إهمالاً.

أصحاب الإعاقات الشديدة والمزدوجة يعيشون ظروفاً بالغة القسوة لعدم قدرتهم على الحركة أو إدارة شؤونهم.

كيف تؤثر أوضاع المعيشة في المعسكرات على تطور الإعاقة أو تفاقمها؟ وما أبرز العقبات الاقتصادية التي تواجههم؟

معظم الأشخاص ذوي الإعاقة ينحدرون من أسر فقيرة، ومع اندلاع الصراع تساوت أوضاع الجميع تقريباً، فلم يعد الفارق المالي أو الاجتماعي يوفر أي شكل من أشكال الحماية أو الدعم. ففي السابق، إذا كان الشخص ذي إعاقة وكانت أسرته قادرة على الاعتناء به وتوفير احتياجاته، فقد انتهى ذلك الآن. من سيتولى رعايته اليوم؟ حتى من كان يمتلك تأميناً صحياً، فقد فقده تماماً في ظروف النزوح واللجوء.

أما فيما يتعلق بالعون الإنساني، فلا يصل إليهم بصورة منتظمة، ولا تُمنح لهم أولوية واضحة في التوزيع، مما يجعلهم يشعرون بأنهم مهمشون ومقصيون ولا أحد يلتفت لاحتياجاتهم أو يسأل عنهم. هذا الشعور ينعكس مباشرة على صحتهم النفسية، فتزداد معاناتهم وتتفاقم الضغوط التي يواجهونها يومياً.

بمناسبة حملة الـ16 يوم لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات، كيف ترين وضع اللاجئات ذوات الإعاقة في مصر وأوغندا وما أشكال العنف التي يتعرضن لها، وما الذي يجب أن تركز عليه الحملة هذا العام؟

وضعهن صعب للغاية. هن معاقات، ولاجئات، ومهمشات، والعنف الذي يتعرضن له أكبر بكثير مما يعلن عنه. بعضهن يتعرضن للتحرش والاعتداء، وبعض الزيجات تكون مبنية على الاستغلال ثم يتركهن الأزواج. في حالات كثيرة يتم تزويج الفتيات مبكراً خوفاً من الوصمة. وفي بعض الحالات الطلاق يحدث لأن الزوجة أنجبت طفلاً ذي إعاقة.

جرائم العنف لا يُبلغ عنها بسبب الخوف والعادات والوصمة، وغياب مترجمات لغة الإشارة، وعدم وجود آليات حماية فعّالة.

ما أنواع المخاطر التي يتعرض لها ذوو الإعاقة أثناء عمليات التوزيع أو الحركة داخل المدن او المعسكرات؟

لا توجد لهم أولوية واضحة. في الازدحام يفقدون حصصهم، ويسقط البعض، ولا يستطيع الكثير منهم الوصول لنقاط التوزيع. أثناء التنقل بين المدن أو داخل المعسكر، غالباً ما يُتركون خلف الآخرين. فقدان الكراسي المتحركة يمثل مشكلة يومية.

هل توجد آليات للإبلاغ عن الانتهاكات؟ وهل هي فعّالة؟

الآليات محدودة وغير مهيأة لذوي الإعاقة. حتى عندما تكون موجودة، النساء لا يبلغن إلا لمن يثقن به تماماً. السرية غير مضمونة، والمختصون بلغة الإشارة أو الإعاقات الذهنية قليلون جداً. القانون ينص على سرية التعامل، لكن التطبيق صعب في بيئة النزوح.

هل تستجيب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والمنظمات الدولية لاحتياجات ذوي الإعاقة بشكل كافٍ؟ (مصر وأوغندا)

بعض المنظمات الشريكة (مثلا في مصر: TDH، أوبستيك، كاريتاس، وهنا: UNHCR، بيستيك) تقدم بعض الخدمات والمساعدات. هناك محاولات، لكن الاستجابة غير كافية، والتمويل أقل كثيراً من حجم الاحتياجات. الفجوات كبيرة في السبل التيسيرية، والحماية، والمعينات، والتعليم، والدعم النفسي. العيش اللائق، توفير لغة برايل، توفير التلفونات الناطقة.

هل يواجه اللاجئون ذوو الإعاقة صعوبات في الوصول للمستشفيات أو الوحدات الصحية؟

نعم، قوائم الانتظار طويلة جداً، والإحالات تتأخر، ولا توجد أولوية لهم. بعض الحالات المعقدة تحتاج لمستشفيات كبيرة، لكنها تنتظر طويلاً قبل أن تحصل على فرصة العلاج.

أطفال ذوو إعاقة ماتوا جوعاً في مناطق الحصار

ما أكثر اللحظات أو المشاهد التي لا تزال عالقة في ذاكرتك من عملك الميداني؟

فتاة كفيفة اغتُصبت وحملت، وصماء اعتدي عليها في دار إيواء، وأطفال ذوو إعاقة ماتوا جوعاً في مناطق الحصار، وأشخاص عالقون لم يتمكنوا من الخروج للوصول للغذاء والدواء.

هناك حالات كثيرة في مصر، وخاصة الآن في مناطق النزاع في دارفور، كثير من الناس تعرضوا للانتهاكات والاغتصابات والعنف الشديد، والإهمال، والتجويع.

مشاهد الأشخاص ذوي الإعاقة الذين تُركوا أثناء الهجوم، والأطفال الذين ماتوا بسبب الجوع، وكبار السن الذين فقدوا السمع والبصر وعاشوا بلا عائل.

هناك قضايا عديدة تمس حياة الأشخاص ذوي الإعاقة وتحتاج إلى اهتمام أكبر. وأتمنى، بمناسبة اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة وحملة الستة عشر يوماً، أن يلتفت الجميع لهذه الفئة ويمنحوها ما تستحقه من تركيز ورعاية، فمشاكلهم كثيرة وقصصهم مؤلمة ومتنوّعة، وما تم ذكره هنا لا يعدو أن يكون مجرد إضاءة على جزء بسيط من التحديات التي يواجهونها يومياً.

الوسومأوغندا السودان الفاشر القاهرة اللجوء النزوح حقوق ذوي الإعاقة حملة الـ16 يومًا لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي دارفور ذوو الإعاقة سعدية دهب مصر معسكر كرياندونقو

مقالات مشابهة

  • مكتبة القاهرة الكبرى وفريق "طموح" يحتفلان باليوم العالمي لذوي الهمم
  • أوضاع قاسية في اللجوء.. سعدية دهب تفتح ملف الإعاقة في زمن الحرب
  • إيمان كريم تهنيء رئيس قضايا الدولة بمرور ١٥٠ عامًا على إنشائها.. وتثمن خدمات "العدل" لذوي الإعاقة
  • عمرو الليثي يكرم "أم الأكفاء" على الهواء في اليوم العالمي لذوي الإعاقة
  • هيئة الزكاة توضح ضوابط استيراد المركبات لذوي الإعاقة
  • القومي لذوي الإعاقة يختتم المرحلة المرحلة الأولى من مشروع ريادة الأعمال الخضراء
  • أخبار البحر الأحمر اليوم| جولات ميدانية وفعاليات دينية.. برامج تدريبية لتعزيز الخدمات
  • اليوم الدولي لذوي الإعاقة
  • مسابقات رياضية ومناشط ثقافية في "مهرجان ذوي الإعاقة".. الاثنين