بين النيابة والصفقات… من يخدم الوطن؟
تاريخ النشر: 5th, December 2025 GMT
بين #النيابة و #الصفقات… من يخدم #الوطن؟
بقلم: أ. د. محمد تركي بني سلامة
لم يعد الجدل الدائر حول أداء #مجلس_النواب محصوراً في حدود دوره التشريعي والرقابي، بل تجاوز ذلك إلى تساؤلات أعمق تتعلق بجوهر الممارسة السياسية ومصداقية المؤسسة التشريعية نفسها. فالمشهد الذي يتكرر عاماً بعد عام—وبالأخص تزايد طلبات رفع الحصانة عن بعض النواب بسبب قضايا مالية أو تجارية—أصبح ظاهرة مقلقة لا يمكن تجاهلها.
إن ما يزيد #القلق_الشعبي أن بعض النواب يدخلون #البرلمان مثقلين بالديون، ويخرجون منه بنفس الحال وربما أسوأ، بينما يدخل آخرون وهم أصحاب أعمال محدودة ليغادروا وقد تضخمت ثرواتهم واتسعت مصالحهم. وهذا التباين الحاد بين من يدخل المجلس فقيراً ويخرج أكثر فقراً، ومن يدخله بثراء متوسط ويغادره ثرياً، يعكس اختلالاً في مفهوم النيابة ذاتها، ويثير أسئلة مشروعة حول كيفية استغلال بعضهم لموقعه التشريعي لتحقيق منافع شخصية.
مقالات ذات صلةفالعمل النيابي في جوهره تفويض سياسي يستند إلى ثقة الناس، وهذه الثقة لا تحتمل أن تختلط بالمصالح التجارية أو الحسابات الاقتصادية. والجمع بين التجارة والنيابة لا يعدّ مجرد خطأ شكلي، بل هو خلل في فلسفة الحكم وفكرة الفصل بين السلطة والمال التي تقوم عليها الديمقراطيات الحديثة. فالنائب الذي يتحرك بين مصالحه التجارية ومكتب المجلس لا يمكنه—واقعياً وأخلاقياً—أن يتحرّر من حسابات الربح والخسارة وهو يتعامل مع تشريعات اقتصادية أو استثمارية. وقد رأينا كيف تحوّلت بعض القوانين إلى بوابات خلفية تُمنح عبرها امتيازات خاصة أو تُهيَّأ من خلالها فرص اقتصادية لفئات محددة.
وما يضاعف أثر هذه المشكلة هو تنامي دور المال السياسي في العملية الانتخابية. فالمال الذي يُفترض أن يكون أداة للتنمية بات يُستخدم أداة للتأثير السياسي وشراء النفوذ. وعندما يدخل المال بهذا الشكل إلى الحياة البرلمانية، فإنه لا يكتفي بإفساد المنافسة الانتخابية، بل يمتد أثره ليصل إلى عملية التشريع ذاتها، فيحوّل المقاعد إلى ممتلكات خاصة تُدار باعتبارها استثماراً لا مسؤولية وطنية. ولا غرابة بعد ذلك أن يصبح المقعد النيابي لدى البعض طريقاً للثراء السريع، وأن تتحول الحصانة من حماية لممارسة الدور الرقابي إلى مظلة لحماية مصالحهم الخاصة.
ومع تكرار طلبات رفع الحصانة في السنوات الأخيرة، أصبح تأثير هذه الظاهرة مباشراً على صورة المجلس وهيبته. فكل قضية تتعلق بتشابك المال مع السياسة تعمّق فجوة الثقة بين المواطن ومؤسسته التشريعية. والمجلس الذي ينشغل في الدفاع عن أعضائه بسبب قضايا مالية يفقد شيئاً من احترام الناس له، ويتراجع دوره في نظرهم من مؤسسة تشريعية رقابية إلى مؤسسة مثقلة بالأعباء الأخلاقية. ومن الطبيعي أن يشعر المواطن أن التشريع فقد نقاءه، وأن السياسة باتت محصورة بين أقليات مالية ونخب اقتصادية لا تمثّل الواقع الاجتماعي العام.
إن حماية العمل النيابي باتت ضرورة وطنية لا تحتمل التأجيل. ولا يمكن لهذه الحماية أن تتحقق بالوعظ الأخلاقي أو الأمنيات الطيبة، بل بتشريعات صارمة تمنع ممارسة أي نشاط تجاري للنائب خلال مدة عضويته، وتغلق الباب أمام تضارب المصالح، وتضع معايير واضحة للملاءة الأخلاقية والمالية قبل الترشح. فالمجلس الذي يريد أن يستعيد ثقة الناس لا بد أن يثبت أن النيابة ليست استثماراً، وأن الحصانة ليست حماية للمصالح، وأن التشريع ليس مجالاً للمساومة.
لقد أثبتت التجربة أن التجارة والنيابة لا يجتمعان، وان اجتمعا يكون الوطن هو الخاسر الاكبر ، وأن تكرار القضايا المالية وطلبات رفع الحصانة ليس عرضاً جانبياً بل نتيجة حتمية لغياب الفصل بين السلطة والمال. وعندما يدفع الوطن فاتورة هذا الخلل، يصبح إصلاحه مسؤولية الجميع ، قبل فوات الاوان .
البرلمان، لكي يكون بيتاً للناس، لا بد أن تخلو أروقته من ذوي المصالح المتشابكة، وأن تظل قراراته نابعة من ضمير وطني لا من دفاتر حسابات. فخدمة الأمة مسؤولية، لا صفقة، والنيابة أمانة، لا استثماراً عابراً.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: النيابة الصفقات الوطن مجلس النواب القلق الشعبي البرلمان
إقرأ أيضاً:
هل يدخل محمد صلاح مرحلة جديدة داخل ليفربول؟
أثار تصريح فيرجيل فان دايك مدافع الليفر ، حول وضع محمد صلاح في ليفربول عدة تساؤلات حول مستقبل النجم المصري داخل الفريق، خصوصًا بعد غيابه عن التشكيل الأساسي في مباراتين متتاليتين لأول مرة منذ سنوات. التصريح لم يكن مجرد كلمات دعم، بل جاء بلهجة تجمع بين الثقة والتذكير بقاعدة كرة القدم القاسية: "لا أحد يملك رصيدًا غير محدود".
فان دايك تحدث كقائد قبل أن يكون زميلًا، مشيرًا إلى أن صلاح يشعر بخيبة أمل وهو أمر صحي، لأن اللاعب الكبير لا يقبل بسهولة الجلوس على الدكة. لكنه في الوقت نفسه لفت الأنظار إلى جانب آخر بالغ الأهمية، وهو أن المنافسة داخل الفريق لا تتوقف، وأن الحكم الأخير يكون دائمًا بالمستوى داخل الملعب وليس بالأسماء أو التاريخ.
ووفقاً لتقارير إنجليزية تحدثت عن وضع صلاح المستقبلي مع ليفربول حيث أكدت أن النقاش اليوم لم يعد حول قيمة صلاح الفنية، فجميع الأرقام والتجارب تثبت مكانته، بل حول ما إذا كان الفريق يدخل مرحلة تغيير في الأدوار، خاصة مع تطور لاعبين أصغر سنًا ووجود توجه تكتيكي جديد قد يفرض توزيعًا مختلفًا للدقائق. ورغم ذلك يؤكد فان دايك أن صلاح سيظل ركيزة أساسية في مشروع ليفربول، وأن قيمته لا تكمن فقط في الأهداف، بل في الخبرة والتأثير والقيادة داخل الملعب وخارجه.
ورغم الجدل، يبقى ما قاله فان دايك إشارة واضحة إلى أن ليفربول لا يستغني بسهولة عن نجم بحجم محمد صلاح، لكن الباب بات مفتوحًا أمام احتمالات جديدة؛ إما عودة أقوى أو مرحلة إعادة تموضع داخل المنظومة. ما ستكشفه الأسابيع المقبلة قد يكون نقطة انعطاف حقيقية في مسيرة صلاح الإنجليزية.