الاتحاد الأفريقي أمام اختبار الفراغ الأمني بعد الانسحابات الأممية
تاريخ النشر: 5th, December 2025 GMT
تشهد القارة الأفريقية تحولات أمنية عميقة مع انسحاب بعثات أممية بارزة من مالي والكونغو الديمقراطية، ما يطرح سؤالا جوهريا: هل يستطيع الاتحاد الأفريقي ملء الفراغ الأمني المتزايد وسط ضعف التمويل وتباين المواقف السياسية؟
خلال عامي 2023 و2024، أنهت الأمم المتحدة اثنتين من أطول بعثاتها في أفريقيا، الأولى في مالي حيث انسحبت قوات "مينوسما" بطلب من المجلس العسكري الذي اعتبر وجودها عاملا في عدم الاستقرار، والثانية في الكونغو الديمقراطية حيث واجهت بعثة "مونوسكو" انتقادات شعبية لفشلها في حماية المدنيين وكبح جماح الجماعات المسلحة.
ومع هذين الانسحابين، لم يتبقّ سوى أربع بعثات أممية في القارة (أفريقيا الوسطى، جنوب السودان، أبيي، الصحراء الغربية)، في حين تراجع عدد القوات الأممية من 77 ألفا عام 2016 إلى نحو 35 ألفا فقط عام 2024.
هذا التراجع لا يقتصر على أفريقيا وحدها، بل يعكس أيضا اتجاها عالميا نحو تقليص عمليات حفظ السلام.
يمتلك الاتحاد الأفريقي أدوات قانونية وتنظيمية للتدخل في الأزمات، أبرزها مجلس السلم والأمن الأفريقي الذي يُعد الهيئة المركزية لاتخاذ قرارات التدخل وحفظ السلام.
كما أنشأ الاتحاد القوة الأفريقية الجاهزة للتدخل، وهي قوة إقليمية موزعة على خمس قيادات، لكنها لم تفعّل بالكامل بسبب ضعف التمويل وغياب الإرادة السياسية.
وإلى جانب ذلك، توجد لجنة الحكماء التي تضطلع بمهام الوساطة والدبلوماسية الوقائية، ونظام الإنذار المبكر القاري الذي يهدف إلى توفير المعلومات في الوقت المناسب عن الصراعات المتطورة.
أما الصندوق الخاص بالسلام، فهو يعاني من عجز مزمن في التمويل رغم مساهمات الدول الأعضاء والمانحين الدوليين، مما يحد من قدرة الاتحاد على تنفيذ عمليات واسعة النطاق.
في السودان، أطلق الاتحاد الأفريقي بعثة لحفظ السلام في دارفور عام 2004، لكنها واجهت صعوبات لوجيستية وعملياتية، وضعفا في التمويل والتفويض.
إعلانومع استمرار الأزمة، تحولت البعثة إلى عملية مشتركة مع الأمم المتحدة (يوناميد) عام 2007، لتصبح أول تجربة هجينة بين المنظمتين.
ورغم نجاحها النسبي في حماية المدنيين ودعم جهود الوساطة، واجهت يوناميد تحديات كبيرة، منها مزاعم انتهاكات جنسية وتراجع التمويل، قبل أن تغلق رسميا عام 2020، تاركة مسؤولية الأمن للحكومة السودانية التي لم تتمكن لاحقا من تحقيق الاستقرار وسط تجدد الصراع.
الصومال: أطول مهمة أفريقيةأما في الصومال، فقد شكّلت بعثة الاتحاد الأفريقي (أميصوم) أكبر وأطول عملية قارية منذ 2007، بتمويل أساسي من الاتحاد الأوروبي.
تمكنت من استعادة العاصمة مقديشو عام 2011 ودعم المؤسسات الحكومية، لكنها واجهت تحديات جسيمة، أبرزها سقوط أعداد كبيرة من الضحايا، واتهامات بانتهاكات حقوق الإنسان، وتضارب أجندات الدول المساهمة بقوات.
وفي 2022 تحولت أميصوم إلى بعثة انتقالية (أتميس)، ثم إلى بعثة جديدة (أوصوم) مطلع 2025، بهدف نقل المسؤوليات الأمنية تدريجيا إلى القوات الصومالية بحلول 2029.
ومع ذلك، يبقى التنافس الإقليمي بين الدول المساهمة، مثل إثيوبيا ومصر، عاملا مهددا لفعالية المهمة.
رغم وجود هيكل تنظيمي متكامل، يواجه الاتحاد الأفريقي تحديات بنيوية عميقة. ضعف التمويل يظل العقبة الأكبر، إذ يعتمد الاتحاد على المانحين الدوليين بما يحد من استقلاليته.
كما أن غياب الإرادة السياسية وتباين مواقف الدول الأعضاء يعرقل تفعيل القوة الأفريقية الجاهزة. يضاف إلى ذلك التنافس الإقليمي بين الدول المساهمة في البعثات، والذي يهدد بعرقلة التنسيق والفعالية.
وأخيرًا، فإن غياب أجندة سياسية واضحة لمجلس السلم والأمن يجعل التركيز منصبًا على البعد العسكري دون رؤية سياسية متكاملة لحل النزاعات.
يعكس انسحاب الأمم المتحدة من أفريقيا تحولات في أولوياتها العالمية، لكنه يضع الاتحاد الأفريقي أمام اختبار تاريخي: هل يستطيع أن يتحول من مجرد إطار تنظيمي إلى فاعل أمني قادر على إدارة النزاعات؟ نجاحه يتوقف على قدرته في بناء شراكات هجينة، وتوفير تمويل مستدام، وتوحيد المواقف السياسية بين دوله الأعضاء.
فالقارة اليوم أمام مفترق طرق، إما أن تظل رهينة التدخلات الخارجية، أو أن تنجح في صياغة نموذج أمني أفريقي مستقل يعكس شعار "حلول أفريقية للمشكلات الأفريقية".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات الاتحاد الأفریقی
إقرأ أيضاً:
البعثة الأممية ترحب بمثول الهيشري أمام الجنائية الدولية وتؤكد أهمية التعاون مع المحكمة لتحقيق العدالة
رحبت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيابنقل خالد الهيشري من ألمانيا إلى مركز احتجاز المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، معتبرة أول ظهور له أمام المحكمة خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة والمساءلة للعديد من ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في ليبيا.
وأشارت المحكمة إلى أن الهيشري يُشتبه في ارتكابه أو أمر بارتكاب أو أشرف على جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، شملت القتل والتعذيب والاغتصاب والعنف الجنسي في الفترة بين فبراير 2015 وأوائل عام 2020.
وأكدت البعثة على ضرورة تعاون السلطات الليبية وكافة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة مع المحكمة الجنائية الدولية، وفق قرار إحالة الوضع في ليبيا الصادر عن مجلس الأمن، بما يشمل ضمان وصول كامل للمحققين وتنفيذ أوامر القبض المعلقة.
وشددت البعثة على أن المساءلة عن الفظائع الجماعية تُعد ركيزة أساسية لتحقيق سلام مستدام، مؤكدة التزامها بدعم جهود ليبيا لتعزيز حقوق الإنسان ووضع حد للإفلات من العقاب.
ومثل المواطن الهيشري أمام الدائرة التمهيدية الأولى بالمحكمة الجنائية الدولية أمس الأربعاء في لاهاي، وذلك على خلفية اتهامه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
وسبق أن أعلن الناطق باسم المحكمة الجنائية الدولية، فادي العبد الله، أن السلطات الألمانية اعتقلت “الهيشري”، تنفيذًا لأمر اعتقال صادر عن المحكمة في 10 يوليو 2025.
ووفق العبدالله فإن الهيشري متهم بالمشاركة المباشرة في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، شملت القتل والتعذيب والاغتصاب والعنف الجنسي، في الفترة ما بين 2015 و2020.
المصدر: بيان
البعثة الأمميةالمحكمة الجنائية الدوليةالهيشريرئيسي Total 0 Shares Share 0 Tweet 0 Pin it 0