صدر عن مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية بتطوان التابع للرابطة المحمدية للعلماء، كتاب "ردود أشاعرة الغرب الإسلامي على الفلسفة ـ صدمة الاختلاف" للدكتور يوسف احنانة، وذلك في افتتاح الموسم العلمي الجديد 2025/2026.

ويأتي هذا الإصدار كمساهمة علمية في دراسة العلاقة المعقدة بين الفكر الفلسفي وعلم الكلام في المغرب والأندلس، مسلطاً الضوء على مواقف الأشاعرة في هذه المنطقة من مضامين الفلسفة ونقدها ضمن إطار الدفاع عن الهوية السنية.



يعرض الكتاب محطات تاريخية مهمة تُجلي طبيعة ردود الأشاعرة على الفلسفة، وفحص أحكامها على علم الكلام، وبشكل خاص المذهب الأشعري. وقد اعتمد الباحث في دراسته على مجموعة واسعة من النصوص، سواء المخطوطة أو المطبوعة، ليقدّم قراءة متعمقة للأساليب النقدية التي اتبعها الأشاعرة في مواجهة الفكر الفلسفي الذي اعتبروه مناوئًا للعقيدة الإسلامية. ومن هذا المنطلق، لا يقتصر الكتاب على جمع الردود فحسب، بل يقدّمها في نسق متماسك يحافظ على وحدة المقصد ووضوح الهدف، مع مراعاة تنوع الوسائل والأساليب التي استخدمها المتكلمون الأشاعرة على مر العصور.

يقسم الكتاب إلى مقدمة وثلاثة أبواب، بالإضافة إلى خاتمة. في المقدمة، يعرض المؤلف الإشكالية الأساسية التي انطلق منها، موضحاً أهمية دراسة ردود الأشاعرة على الفلسفة في الغرب الإسلامي كظاهرة معرفية وثقافية تستحق التوثيق والتحليل. أما الباب الأول، فيتعلق بتعريف الفلسفة وخصوصية المذهب الأشعري في المنطقة، موضحاً الخلفية الفكرية التي سمحت بظهور هذا التفاعل بين الخطاب العقدي والفلسفي.

ويتناول الباب الثاني ردود الأشاعرة على الفلسفة، مستعرضاً نصوصاً موثقة وتحليلاً دقيقاً للأساليب النقدية والمواقف المتنوعة التي تبنوها تجاه مضامين الفلسفة، مع إبراز كيفية الجمع بين الدفاع عن الدين واستيعاب بعض أدوات الفلسفة عند الضرورة.

ويخصص الباب الثالث لدراسة الردود في المراحل المتأخرة، موضحاً كيف تطورت هذه الردود مع مرور الزمن، وما تركته من أثر على التعليم العقدي والمناظرات الفكرية في المغرب والأندلس.

ويكتسب الكتاب أهميته من كونه يجمع أكبر قدر ممكن من الردود الفلسفية، محققاً التوازن بين التوثيق والتحليل، بحيث يتيح للباحثين وطلاب الدراسات العليا فهم طبيعة التفاعل بين الفكر العقلاني والفكر العقدي في الغرب الإسلامي، خصوصاً أن هذه المنطقة غالباً ما تُغفل في الدراسات المماثلة التي تميل للتركيز على الشرق الإسلامي.

ويؤكد الكتاب أن الردود الأشعرية لم تكن مجرد رفض قشري للفلسفة، بل كانت ردودًا منهجية متماسكة ساهمت في إعادة صياغة الخطاب العقدي ووضعت أسسًا لنهج فكري متوازن بين العقل والدين في البيئة المغاربية.

يذكر أن الأشاعرة، هي إحدى المدارس الكلامية الأساسية في الإسلام، أسسها الإمام أبو الحسن الأشعري، ويعرفون بقدرتهم على الجمع بين العقل والنصوص الشرعية في تفسير العقيدة.

في بلاد المغرب الأقصى، لم يقتصر دورهم على الدفاع عن التوحيد وصفات الله وفق القرآن والسنة، بل ساهموا في صياغة خطاب إسلامي معتدل، وحماية الهوية السنية، والرد على التيارات الفلسفية والأفكار المخالفة. وقد جعلتهم هذه الموازنة بين العقل والدين حجر الزاوية في التعليم والمؤسسات الدينية، وأحد أبرز رموز الوسطية الفكرية في المنطقة.

يمثل الكتاب إضافة قيمة للمكتبة العلمية العربية، سواء في مجال الدراسات العقدية أو الفكرية، ويستهدف الباحثين والطلاب المهتمين بتاريخ الفكر الإسلامي في المغرب والأندلس، إضافة إلى القراء العامين الذين يسعون لفهم عمق التفاعل بين الفلسفة وعلم الكلام، وكيفية صياغة الهوية السنية في مواجهة التحديات الفكرية التي فرضتها الفلسفة على امتداد العصور.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب الذاكرة السياسية تقارير كتب كتاب المغرب المغرب كتاب عرض نشر كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الغرب الإسلامی الأشاعرة على على الفلسفة

إقرأ أيضاً:

"العقول المحمدية" موضوع خطبة الجمعة غدًا

كشفت وزارة الأوقاف المصرية، عن نص خطبة الجمعة غدًا الموافق 5 ديسمبر لعام 2025 الحالي، والتي تأتي بعنوان: العقول المحمدية.

موضوع خطبة الجمعة غدًا

الحمدُ للهِ الذي أضاءَ بنورِ العلمِ قلوبَ العارفينَ، وزيَّنَ به عقولَ العاملينَ، ورفعَ به شأنَ المتقينَ، نحمدُه حمدًا يليقُ بجلالِ وجههِ وعظيمِ سلطانِهِ، ونستعينُه استعانةَ من لا حولَ له ولا قوةَ إلا بهِ، ونشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وحدهُ لا شريكَ لهُ، ونشهدُ أن سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، الذي أرسلَه بالهدى ودينِ الحقِ، فبلغَ الرسالةَ وأدى الأمانةَ ونصحَ الأمةَ، صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليهِ وعلى آلهِ وأصحابِهِ، ومن تبعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ، وبعدُ،،،

فإنَّ العقولَ المحمديةَ الساميةَ ليست مجردَ نتاجِ ذكاءٍ فطريٍّ عابرٍ، ولكنها تجسيدٌ لمنهجٍ ربانيٍّ فريدٍ في صياغةِ الوعيِ وإحكامِ البصيرةِ، فهي تلك العقولُ التي رعَتْها المفاهيمُ القرآنيةُ الهاديةُ، وصاغتْها أنوارُ النبوةِ الزاهية، فلم تُتركْ أبدًا لتتقاذفَها أمواجُ الظنونِ والأهواءِ، بل سكنتْ في كنفِ رعايةٍ إلهيةٍ متواصلةٍ، فالعقلُ المحمديُّ المتكاملُ هو مصدرُ تفكيرٍ إيجابيٍّ، يتجسدُ في فعلِ البناءِ لا الهدمِ، وفي دأبِ العونِ لا الإعاقةِ، وهو القادرُ على تحريرِ الذاتِ من وحلِ العجزِ والشكوى، ليصعدَ بها إلى سماءِ العملِ والأملِ، فيغدو صاحبُهُ منارةً وهاجةً، تكتنفُ ذويهِ ومن حولَه بدفءِ السندِ ونورِ التأييدِ، يرتوي المجتمعُ بأسرِهِ من غيثِ جودِهِ المباركَ وفَيْضِ عطائِهِ المنسابِ، قال سبحانهُ وتعالى: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾.

موضوع خطبة الجمعة
أيها المكرمونَ: أما سمعتم تلك النداءاتِ الإلهيةَ الصادحةَ في كتابِ اللهِ: ﴿أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ﴾، ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾، ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ﴾؟ لقد كان القرآنُ الكريمُ منطلقًا أصيلًا في الأمرِ بالعنايةِ الفائقةِ بالتعقلِ والتدبرِ، فليس صدفةً أن يكثرَ الحقُّ سبحانهُ من ذكرِ العقلِ ومشتقاتِهِ بصيغٍ متنوعةٍ، كلها تعلي من شأنِ قيمةِ التفكيرِ، ونبلِ التدبرِ، وشرفِ إعمالِ النظرِ؛ ولم يكتفِ الخطابُ الإلهيُّ بهذا الذكرِ، بل دعمَه بذكرِ ألفاظٍ أخرى تعاضدُ وظيفةَ العقلِ وتغذيها وتجلّيها، مثل: التفكرِ، التذكرِ، النظرِ، البصيرةِ، والألبابِ، وهي كلُّها إشاراتٌ نورانيةٌ متتابعةٌ تبرزُ حقيقةً لا تقبلُ الجدلَ وهي أنَّ للعقلِ مكانتَه وللفكرِ ميزانَه، فصناعةُ العقلِ الواعي المستنيرِ ليست هامشًا أو أمرًا ثانويًّا في الدينِ، بل هي جزءٌ أصيلٌ من بناءِ الإنسانِ المؤمنِ المتكاملِ وشرطٌ لازمٌ للقيامِ بأمانةِ الاستخلافِ، ولهذا يدينُ الخطابُ الإلهيُّ وبشدّةٍ أولئكَ الذين منحوا هذه النعمةَ الكبرى وأدواتِ التدبرِ والفهمِ، فتركوها معطلةً ولم يستخدموها فيما خلقتْ لهُ من هدايةٍ وإصلاحٍ وعمارةٍ للكونِ، يقولُ عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ﴾، وقيل لِأُمِّ الدَّرْدَاءِ: "مَا كَانَ أَفْضَلُ أَعْمَالِ أَبِي الدَّرْدَاءِ؟ قَالَتْ: "التَّفَكُّرُ".

أيها الأكارمُ: ألا ترونَ معي عظمَ نعمةِ العقلِ التي منحْنا؟ إنَّ العقلَ السطحيَّ هو عقلٌ محبوسٌ في فوضى الجزئياتِ؛ سابحٌ على زبدِ الحياةِ، ومأخوذٌ بسطوةِ التفاصيلِ العابرةِ، هذا العقلُ المشغولُ بضجيجِ الحياةِ لا يورثُ حكمةً ولا ينشئُ معرفةً، بل يبددُ العمرَ في تتبُّعِ التفاهاتِ ويفوّتُ على صاحبِهِ كنوزَ التأملِ، على النقيضِ منهُ، يقفُ العقلُ العميقُ؛ ذاك العقلُ الذي نصبَ منصتَه فوقَ الأحداثِ، لا ليديرَ ظهرَه للواقعِ، بل ليراه شاملًا مستوعبًا ومترابطًا، إنه صانعُ المناهجِ، ومنتجُ الحكمةِ، وحاملُ لواءِ الإبداعِ والاكتشافِ، ولكن تظلُّ الغايةُ الأجلُّ هي الوصولُ إلى العقلِ المستنيرِ؛ ذاك العقلُ الجامعُ الذي يمزجُ بين وعيِ الظاهرِ وعمقِ الباطنِ، ثم يصلُ الجميعَ بمنهاجِ التجلي الإلهيِّ، هذا العقلُ لا يكتفي بالتحليلِ المعرفيِّ، بل يزدادُ بكلِّ واقعةٍ إيمانًا وارتقاءً، ويرى في اختلافِ الليلِ والنهارِ وفي أحوالِ الخلقِ آياتٍ تكلمُ أولي الألبابِ، وقد قَالَ سيدنا الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: "مَا اسْتَوْدَعَ اللَّهُ أَحَدًا عَقْلًا إلَّا اسْتَنْقَذَهُ بِهِ يَوْمًا مَا".

وقد أحسن الشاعر حين قال:

يَزِينُ الْفَتَى فِي النَّاسِ صِحَّةُ عَقْلِهِ *** وَإِنْ كَانَ مَحْظُورًا عَلَيْهِ مَكَاسِبُهْ

يَشِينُ الْفَتَى فِي النَّاسِ قِلَّةُ عَقْلِهِ *** وَإِنْ كَرُمَتْ أَعْرَاقُهُ وَمَنَاسِبُهْ

يَعِيشُ الْفَتَى بِالْعَقْلِ فِي النَّاسِ إنَّهُ *** عَلَى الْعَقْلِ يَجْرِي عِلْمُهُ وَتَجَارِبُهْ

خطبة الجمعة غدًا
سادتي الكرامُ: إنَّ تأسيسَ العقلِ المستنيرِ صاحبِ التفكيرِ الإيجابيِّ يقومُ على منهاجٍ متدرجٍ ومحكمٍ، قائمٍ على تأصيلِ اليقينِ عبر الاستمدادِ الدائمِ من معينِ القوةِ الإلهيةِ، والتحصنِ بالاستعاذةِ الصادقةِ من داءِ العجزِ ومهلكةِ الكسلِ، والارتقاءِ إلى مرحلةِ الحراسةِ العقليةِ، ممارسًا المراقبةَ والتنقيةَ الذهنيةَ المستمرةَ لاجتثاثِ كلِّ فكرٍ هدامٍ أو خاطرٍ مثبطٍ، مفعلًا الإرادةَ الإيجابيةَ التي تصانُ وتغذى ببركةِ الاستعانةِ باللهِ تعالى، محافظًا على السكينةِ الداخليةِ عبر الضبطِ المنهجيِّ والحكيمِ للانفعالاتِ، مكللًا هذا بقبلةِ التفاؤلِ المشرقةِ، ودوامِ المناجاةِ الذهنيةِ الإيجابيةِ، والصحبةِ الإيجابيةِ الصالحةِ، والمواردِ المعرفيةِ الفاضلةِ، فلتكنْ هذه هي منهجيتَنا في بناءِ العقلِ المستنيرِ مستذكرينَ دومًا نبلَ الغايةِ في بذلِ الجهدِ العقليِّ كما قال سيدُنا معاذٌ بنُ جبلٍ رضيَ اللهُ عنهُ: "أجتهدُ برأيي ولا آلو".

 

مقالات مشابهة

  • مصطفى بكري: ردود أفعال كبيرة عن منتدى الجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط
  • بمشاركة 60 مفكرًا عالميًا.. انطلاق أعمال مؤتمر الفلسفة في الرياض
  • بوتين: روسيا تريد إنهاء الحرب التي شنها الغرب
  • الظلم طبع!!
  • هيئة الأدب والنشر والترجمة تطلق أعمال مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة
  • عدم قبول دعوى رئيس اتحاد الكتاب ضد الزميلة نفيسة عبد الفتاح
  • "العقول المحمدية" موضوع خطبة الجمعة غدًا
  • «الحضارة السواحيلية والأثر العربي فيها».. أحدث إصدارات هيئة الكتاب
  • القاهرة للدراسات الاقتصادية: مبادرة التسهيلات الضريبية تستهدف دمج الاقتصاد غير الرسمي وتحفيز النمو