علي جمعة: عبادة بلا دعاء مسلوبة من الروح فلا تيأس واثبت على باب الله
تاريخ النشر: 6th, December 2025 GMT
قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف خلال منشور جديد عبر صفحته الرسمية على فيس بوك، كثير منا قد نسي الدعاء، والدعاء يقول فيه سيدنا رسول الله ﷺ: «الدعاء مخُّ العبادة»، ومخُّ الشيء أعلاه ومنتهاه، وإذا توقَّف المخ عن العمل فارق الإنسانُ الحياة؛ فعبادةٌ بلا دعاءٍ هي عبادةٌ مسلوبةٌ من الروح، ومن أعلى شيءٍ فيها، من رأسها، وهو الدعاء.
وفي حديثٍ آخر يقول سيدنا ﷺ: «الدعاء هو العبادة»؛ فيتقدَّم بنا خطوةً أخرى، فيُبيِّن أن الدعاء هو نفسُ العبادة وكلُّ العبادة، هو رأسُها وجسدُها، هو بدايتُها ونهايتُها، هو ذاتُها، ثم قرأ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}. فسوَّى بين الدعاء وبين العبادة.
وتابع: لكن رأينا كثيرًا من الناس كأنهم لم يعلموا أن الدعاء هو العبادة أو مخُّ العبادة؛ فترك كثيرٌ منهم الدعاء، مع أنَّ الدعاءَ في ذاته عبادةٌ استجاب الله أو لم يستجِب؛ فادعُ ربك، ولا تتعجَّل؛ يقول رسول الله ﷺ: «إن الله يستجيب للعبد ما لم يتعجَّل». قالوا: وما عجلته يا رسول الله؟ قال: «يقول: دعوتُ الله فلم يستجِبْ لي»، فيَدَعُ الدعاء.
وكأن هذا أمرٌ قد سرى فينا فتركْنا الدعاء، وكأننا نُلزِم الله بالإجابة، فتحوَّل الدعاءُ منَّا إلى طلب، بل إلى فرضِ رأي، والله سبحانه وتعالى لا يفرِضُ أحدٌ عليه رأيًا، وإذا كان الرأيُ نتداوله فيما بيننا، ونناقشه بنقصِ بشريَّتِنا؛ فإن الدعاء فيه التجاءٌ، وفيه خضوعٌ، وفيه توسلٌ، وفيه رجاءٌ، وفيه تضرع، حتى يكون عبادةً خالصة؛ فإذا استجاب الله فبمَنِّه وفضله علينا، وإذا أخَّر الاستجابةَ فبعلمه، وحُكمِه فينا، وحِكمته، وإذا ادَّخَرها لنا يوم القيامة فنِعْمَ المُدَّخَر، ونِعْمَ المُدَّخِر.
ستخسر كثيرًا إذا تركت الدعاء، وفي المقابل فإنك ستكسب كثيرًا إذا ما دعوت ربك، وتضرعتَ إليه.
صفات الدعاء المستجاب
وذكر ان من صفات الدعاء المستجاب الإلحاح؛ أَلِحَّ على ربك، وابكِ بين يديه، واغسِلْ نفسك من ذنوبك، وقصورِك، وتقصيرِك، وتواضَعْ لربك حتى يرفع من شأنك.
ولكي نَعلم أنَّ باب الدعاء لا يُغلق في وجه أحد، وأنَّ رحمة الله أوسع من ذنوب العباد، نتأمل في هذه القصة:
يُروى عن الحجاجِ بنِ يوسفَ الثقفي –وكان جبَّارًا في الأرض سفَّاكًا للدماء، والله لا يحبُّ سفكَ الدماءِ، ولا يحبُّ التجبُّر في الأرض– أنَّ هذا الرجلَ وفَّقه الله من ناحيةٍ أخرى أن يُتمَّ القرآنَ كلَّ أسبوع، فسبَّع القرآن؛ فكان يقرأ القرآنَ مرةً كل أسبوع، أربعَ مراتٍ في الشهر، وفَّقه الله في هذا، لكنه جبَّارٌ سفَّاكٌ للدماء، حتى تحدَّث الناس أن الله لا يغفر للحجاج؛ فسمع بهذا فناجى ربَّه، وكأنه يعرف كيف يكلِّم ربَّه، فقال عند موته: «اللهم اغفر لي، فإن الناس يقولون: إنك لا تغفر لي».
إنه لا ييأس من رحمة الله، ولا يستعظم ذنبًا في قبالةِ غفران الله، ويطلب من الله سبحانه وتعالى –بعد ما فعل في المسلمين– أن يغفر له، والله كريم: «اللهم اغفر لي، فإن الناس يقولون: إنك لا تغفر لي»؛ كأنه يتوسل إلى ربِّه ضدَّ الناس، والله غفورٌ رحيم.
فإذا كان هذا شأنَ الحجاج؛ فما بالك وأنت لم تسفك دمًا؟
فلا تترك باب الدعاء أبدًا، ولا تيأس من رحمة ربِّك، واثبت على بابه سائلًا، باكيًا، راجيًا.
واختتم منشوره بهذا الدعاء قائلا: اللهم أيقِظ قلوبنا لذكرِك، وافتح لنا أبوابَ الدعاء، ولا تَرُدَّنا عن بابك خائبين.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الدعاء العيادة استجابة الدعاء علي جمعة علی جمعة
إقرأ أيضاً:
دعاء الرزق وأثره في تفريج الهم وتوسيع الأبواب المغلقة وزيادة البركة في الحياة
الرزق بيد الله وحده، وهو العطاء الذي لا ينقطع، والعطية التي لا تُرد، وقد جعل الله للدعاء مكانة عظيمة في جلب الرزق وتيسير الأمور وتفريج الكروب. ودعاء الرزق ليس مجرد كلمات تُقال، بل هو يقين في القلب، وتوكل صادق على الله، وسعي مشروع مقرون بالاستغفار والطاعة. ويعتبر دعاء الرزق من أكثر الأدعية التي يحرص المسلمون على ترديدها لطلب السعة في المال والصحة والعمل والذرية وكل ما يدخل في مفهوم الرزق.
معنى الرزق في الإسلامالرزق في الإسلام لا يقتصر على المال فقط، بل يشمل كل ما ينتفع به الإنسان في حياته من صحة، وراحة، وأبناء، وستر، وطمأنينة، وعلم، وعمل صالح. وقد وعد الله عباده بأن يرزقهم من حيث لا يحتسبون إذا صدقوا التوكل عليه، فقال تعالى: ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب.
أهمية دعاء الرزق في حياة المسلميُعد دعاء الرزق من أعظم أبواب القرب من الله، لأنه يجمع بين العبادة والتوكل واليقين. والدعاء يفتح الأبواب المغلقة، ويبدل الضيق سعة، والفقر غنى، والخوف أمانًا. كما أن الدعاء يزرع في القلب الطمأنينة، ويعلم الإنسان أن الرزق لا يأتي بالقوة وحدها، بل بتوفيق الله قبل كل شيء.
أفضل أوقات استجابة دعاء الرزقهناك أوقات يُستحب فيها الإكثار من الدعاء عامة، ودعاء الرزق خاصة، ومنها:
الثلث الأخير من الليل، حيث ينزل الله إلى السماء الدنيا فيستجيب الدعاء.
بعد الصلوات المكتوبة، خصوصًا بعد الفجر والعصر.
بين الأذان والإقامة.
وقت السجود، حيث يكون العبد أقرب ما يكون إلى ربه.
يوم الجمعة، وخاصة في الساعة الأخيرة قبل المغرب.
من الأدعية التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم لجلب الرزق وتفريج الهم:
اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك.
اللهم إني أسألك رزقًا طيبًا واسعًا مباركًا فيه.
اللهم ارزقني من حيث لا أحتسب، وافتح لي أبواب الخير كلها.
اللهم يا رازق السائلين، ويا معطي المحرومين، ارزقني رزقًا يغنيني عن الناس.
يُعد الاستغفار من أعظم مفاتيح الرزق، فقد قال الله تعالى على لسان نبيه نوح: فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارًا، يرسل السماء عليكم مدرارًا، ويمددكم بأموال وبنين.
فالاستغفار سبب مباشر في نزول الرزق، وزيادة المال، والبركة في الصحة والذرية، وهو باب لا يُغلق أبدًا.
ورد في القرآن الكريم العديد من الأدعية التي تتعلق بالرزق وسعة العيش، ومنها دعاء سيدنا إبراهيم عليه السلام: رب اجعل هذا البلد آمنًا وارزق أهله من الثمرات.
ويدل ذلك على أن الرزق مرتبط بالأمن والاستقرار والطاعة، وأن طلب الرزق أمر مشروع ومطلوب من الله عز وجل.
حتى يكون دعاء الرزق مستجابًا، هناك عدة شروط يجب الالتزام بها، ومنها:
الإخلاص لله وحده في الدعاء.
اليقين التام بالإجابة وعدم اليأس.
تحري الحلال في المأكل والمشرب والمال.
الإلحاح في الدعاء وعدم العجلة.
الإكثار من الصلاة على النبي قبل الدعاء وبعده.
الرضا بالقضاء لا يتعارض مع السعي للدعاء بطلب الرزق، فالمؤمن يجمع بين الرضا بما كتبه الله، وبين الطموح في طلب الخير وزيادة النعم. فالله يحب العبد الذي يطلب منه، ويحب أن يسمع صوته في الدعاء، ولا يغضب من كثرة الطلب، بل يغضب إذا ترك العبد الدعاء.
أثر دعاء الرزق في تفريج الهمومكثير من الناس يربط الرزق بالمال فقط، لكن الحقيقة أن دعاء الرزق قد يكون سببًا في رفع الهم، وشفاء المرض، وتيسير الزواج، وقضاء الدين، وراحة البال. فالرزق قد يأتي في صورة طمأنينة بعد قلق، أو حلول بعد تعقيد، أو فرج بعد ضيق طويل.
دعاء الرزق للأبناء والأسرةمن أجمل ما يحرص عليه الآباء والأمهات هو الدعاء لأبنائهم بالرزق الصالح، فيدعون لهم بالعلم النافع، والعمل الحلال، والزوج الصالح، والحياة المطمئنة. والدعاء للأبناء من أسباب البركة في أعمارهم وأرزاقهم وأعمالهم.
دعاء الرزق باب عظيم من أبواب الخير، لا يُرد صاحبه خائبًا، وهو سلاح المؤمن في مواجهة الأزمات والضيق. بالدعاء يفتح الله أبوابًا لا نراها، ويهيئ أسبابًا لا نتوقعها، ويعيش الإنسان بين الرضا والسعي، وبين التوكل والعمل، ليأتيه الرزق في وقته الذي يريده الله له.