لا يخفى على القاصي، والداني أن أمريكا تصر على الهيمنة على العالم بكافة الطرق المشروعة، وغير المشروعة، ولهذا فهي تبدل خيارات اللعبة السياسية، واستخدام قوتها العسكرية، والاقتصادية للضغط على الدول، وتخلق على الدوام تكتلات دولية من أجل الصراع، والمنافسة مع التكتلات الدولية الصاعدة، والمضادة لها، والتي تعمل هي الأخرى على إنهاء الحلم الأمريكي الذي يريد وحده للسيطرة على العالم، وللأسف فإن أمريكا تعمل ذلك ليس من أجل مصلحة دول العالم، بل من أجل مصالحها التي تقوم على استغلال مقدرات الدول من جهة، ومن جهة أخرى على كسر عظام الدول، والتكتلات الصاعدة المنافسة لها.
فخلال قمة العشرين التي انعقدت يوم السبت الماضي الموافق التاسع من شهر سبتمبر الجاري بالهند، لبحث العديد من الموضوعات، والأزمات الدولية الهامة، وعلى رأسها قضية المناخ، والحرب الروسية- الأوكرانية، وقضية تراجع الاقتصاد العالمي، وبالرغم من تلك القضايا الهامة إلا أن الرئيس الأمريكي چو بايدن الذي شارك مع فريقه القمة قد بدا قلقًا من التأثير المتنامي لتكتل "بريكس" الذي تتزعمه الصين وروسيا، والتي بدأت في ضم دول كبرى، لتطرح نفسها بديلاً لمجموعة العشرين، ومجموعة الدول الصناعية السبع، ولهذا فقد وافقت قمة نيودلهي بانضمام الاتحاد الإفريقي إليها، وفتحت الطريق لانضمام دول أمريكا الجنوبية لاحقًا بهدف التضييق على البريكس، والأهم من ذلك هو الموافقة على المشروع الأمريكي، لربط الهند بممر بحري بري اقتصادي بموانئ دول الخليج والشرق الأوسط وصولاً إلى أوروبا، وقد أثار هذا المشروع الأمريكي الصين، ما أدى إلى تغيب الرئيس الصيني عن حضور القمة، بسبب تلك الخطة الأمريكية المناهضة لمبادرة الحزام، والطريق التي لم تتوقعها الصين، وقد أشاع الرئيس الأمريكي بايدن خلال قمة العشرين أن تكتل بريكس ليس هو الخيار الوحيد المنقذ، والمتاح عالميًّا، وبخاصة أن مشروع الممر الهندي قد جذب استثمارات أمريكية وأوروبية وعربية ضخمة كانت الصين تأمل في جذبها لمشروعها، ناهيك عن إنتاج دول العشرين للطاقة النظيفة، وغيرها من المشروعات التي أربكت حسابات الصين بعدما أكد الخبراء، والمحللون أن تلك المبادرة الأمريكية موجهة للصين لإفشال مشروعها بعد كل الأموال الضخمة التي أنفقتها في الكثير من الدول منذ انطلاق مشروع الحزام، والطريق الصيني عام ٢٠١٣، وعن الممر الهندي الموازي للطريق الصيني صرح نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي جون فاينز بتدفق التجارة، والطاقة والبيانات من الهند عبر الشرق الأوسط وصولاً إلى أوروبا، إضافة إلى إقامة منشآت للطاقة لإنتاج، ونقل الهيدروجين الأخضر، وإنشاء كابل بحري جديد، لتعزيز الاتصالات، ونقل البيانات، وعن هذا المشروع صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي احتفى بالمشروع بأن تنفيذه سيعيد تشكيل ملامح الشرق الأوسط، وقال "يسرني أن أزف لمواطني دولة إسرائيل هذا المشروع الاقتصادي الكبير الذي يعتبر التعاون الأكبر مع أمريكا منذ نشأة دولة إسرائيل"، وبهذا الممر التجاري الجديد تصبح الهند من خلال الخطة الأمريكية في صراع مع الصين للاستحواذ على السوق، إذ تسعى الهند للحصول على النصيب الأكبر من السوق في آسيا خلال السنوات المقبلة، الأمر الذي يمكن أن يجعل من الهند أحد أهم أعمدة التجارة في الاقتصاد العالمي، وليمنحها نفوذًا اقتصاديًّا وسياسيًّا كبيرًا بالعالم.
المصدر: الأسبوع
إقرأ أيضاً:
شقّ الصين والدول الأفريقية يدا بيد الطريق نحو بناء نموذج التضامن والتعاون للجنوب العالمي
انعقد اجتماع المنسقين على المستوى الوزاري لتنفيذ نتائج قمة منتدى التعاون الصيني الأفريقي في مدينة تشانغشا الصينية يوم 11 يونيو 2025، وبعث فخامة رئيس جمهورية الصين الشعبية شي جينبينغ وفخامة رئيس جمهورية الكونغو دينيس ساسو نغيسو رسالة التهنئة كل على حدة بهذه المناسبة الهامة. وقام معالي السيد وانغ يي عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني وزير الخارجية بتلاوة رسالة التهنئة للرئيس شي جينبينغ، ثم ألقى الكلمة الرئيسية في الجلسة الافتتاحية للاجتماع.
سلط الرئيس شي جينبينغ في رسالته الضوء بشكل معمق على أهمية التضامن والتعاون بين الصين والدول الأفريقية، معلنا عن مزيد من الإجراءات الهامة التي ستتخذها الصين لتوسيع الانفتاح والتعاون مع الدول الأفريقية، بما فيها منح 53 دولة أفريقية لها علاقات دبلوماسية مع الصين معاملة صفر التعريفة الجمركية على 100% من المنتجات الخاصعة للضريبة المستوردة منها، ذلك من خلال التشاور والتوقيع على الاتفاقية الثنائية للشراكة الاقتصادية من أجل التنمية المشتركة، إضافة إلى توفير مزيد من التسهيلات للدول الأفريقية الأقل نموًا لتعزيز قدرتها على التصدير إلى الصين. تستعد الصين للعمل مع الدول الأفريقية على تنفيذ “أعمال الشراكة العشرة”، وخاصة تعزيز التعاون في المجالات المحورية مثل الصناعات الخضراء والتجارة الإلكترونية والدفع الإلكتروني والعلوم والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وألخ، وتعميق التعاون في الأمن والمال وسيادة القانون وغيرها من المجالات، بما يدعم التنمية العالية الجودة للتعاون الصيني الأفريقي. تقدم رسالة الرئيس شي جينبينغ إرشادا هاما للجانبين الصيني الأفريقي للعمل المشترك على دفع عجلة التحديث وبناء المجتمع الصيني الأفريقي للمستقبل المشترك في كل أجواء في العصر الجديد. أكد وزير الخارجية وانغ يي أن الصين والدول الأفريقية بصفتهما القوة الركيزة للجنوب العالمي، تقفان معا إلى الجانب الصحيح من التاريخ وتقودان اتجاه تقدم العصر. يعمل الشعب الصيني على المضي قدما في بناء دولة قوية وتحقيق النهضة العظمية للأمة الصينية على نحو شامل من خلال التحديث الصيني النمط، بينما تشهد القارة الأفريقية اليوم يقظة جديدة، وتتقدم بثبات نحو أهداف التحديث التي رسمتها “أجندة عام 2063” للاتحاد الأفريقي. سينجح الشعب الصيني والشعوب الأفريقية في شق الطريق يدا بيد نحو إحراز الإنجازات المرموقة في عملية التحديث، وتحقيق التطور المزدهر لأعمال التحديث للجنوب العالمي، بما يساهم مساهمة أكبر في بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية. وأصدر الاجتماع “إعلان تشانغشا بين الصين والدول الأفريقية حول تدعيم التضامن والتعاون للجنوب العالمي”، إيذانا للعالم بأن الصين والدول الأفريقية ستبذل جهودا مشتركة لبناء نموذج التضامن والتعاون للجنوب العالمي.
أقيمت الدورة الرابعة للمعرض الاقتصادي والتجاري الصيني الأفريقي بمدينة تشانغشا في الفترة ما بين يومي 12 و15 يونيو، حيث جذب ما يقارب 4700 شركة صينية وأفريقية وأكثر من 30 ألف زائر من الجانبين، مما يعكس حماس الدول الأفريقية في تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري مع الصين. في ظل تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، يحافظ الاقتصاد الصيني على زخم النمو الجيد، حيث تجاوز الناتج المحلي الإجمالي 18 تريليون دولار أمريكي عام 2024 بزيادة 5%، وسجل في الربع الأول من عام 2025 نموًا بنسبة 5.4%. كما تجاوز حجم التجارة الخارجية الصينية 43 تريليون يوان الصيني عام 2024، محافظة على مكانتها كأكبر شريك تجاري لأفريقيا لمدة 15 سنة على التوالي. مهما كانت تغيرات الأوضاع الدولية، فإن باب الانفتاح الصيني سيُفتح على نحو أوسع. منذ نهاية عام 2024، منحت الصين 43 دولة أقل نموًا في العالم معاملة صفر التعريفة الجمركية على 100% من المنتجات الخاصعة للضريبة المستوردة منها، وفتحت “ممرات خضراء” للمنتجات الزراعية المستوردة من الدول الأفريقية، بما يساعد على ظهور متزايد من المنتجات الأفريقية العالية الجودة في السوق الصينية في المستقبل. تعمل الصين على إجراء التعاون الفني وتدريب الكوادر مع دول الجنوب العالمي للمساهمة في تطوير الصناعات في هذه الدول، بما يحقق المنفعة المتبادلة والكسب المشترك.
في المقابل، تحاول بعض الدول استخدام التعريفات الجمركية كأداة لتقويض النظام الاقتصادي والتجاري الدولي القائم، والإضرار بالحقوق والمصالح المشروعة للدول الأخرى. كما خفضت بشكل أحادي وبكمية هائلة المساعدات التنموية الموجهة لأفريقيا، مما يجعل الدول الأفريقية عرضة للمزيد من الصعوبات الاقتصادية والتحديات التنموية، ويشكل عرقلة خطيرة في عملية التحديث لدول الجنوب العالمي.
يمر عالمنا اليوم بتغيرات لم نشهدها منذ مائة عام. كلما ازدادت حدة تشابك التغيرات والاضطرابات الدولية، كلما ظهرت الحاجة الملحة لتضامن الصين والدول الأفريقية لمعارضة ممارسات التنمر، والدفاع عن الإنصاف والعدالة الدوليين، والدعوة إلى التعددية الحقيقية والتجارة الحرة العالمية، بما يصون بحزم مصالح الدول النامية بشكل مشترك. يمثل عدد السكان في دول الجنوب العالمي 85% من عدد سكان العالم الإجمالي، وتتجاوز مساهمتها في الاقتصاد العالمي أكثر من 40%، ويتفوق معدل النمو الاقتصادي للاقتصادات النامية على نظيراتها المتقدمة، الأمر الذي يجعل الجنوب العالمي قوة لا يُستهان بها في المعادلة الاقتصادية العالمية. لن يعود النظام الدولي أبدا إلى “قانون الغابة” حيث القوي يعتدي على الضعيف. ما دامت دول الجنوب العالمي تقف متوحدة صفا، وتظهر عزمها في رفض الأحادية والحمائية، فلن يكون للهيمنة والتنمر موطئ قدم.
تشهد العلاقات الصينية الليبية اليوم تطورا سليما ومستقرا، ويتميز التعاون الثنائي بإمكانيات هائلة. تزداد الثقة السياسية المتبادلة بين البلدين، وتمت إقامة الشراكة الإستراتيجية بينهما، وتلعب الصين دورا إيجابيا بناء في دعم الحل السياسي للملف الليبي. وتعمل الصين بنشاط على دفع التعاون العملي الثنائي، حيث تدعو الشخصيات الليبية من الأوساط المختلفة لزيارة الصين والمشاركة في المعارض، لبحث سبل تعزيز التعاون المشترك. كما نظمت الصين دورات تدريبية متخصصة حول التحول الرقمي والتقنية الطبية وغيرها، لتعزيز بناء القدرات في البلاد. تعد الصين من أهم شركاء التجارة لليبيا، حيث تنتشر المنتجات الصينية في كل بيت ليبي. وتتطلع الشركات الصينية إلى المساهمة في عملية التنمية وإعادة الإعمار في ليبيا بعد استتباب الأمن والاستقرار في البلاد. ستعمل الصين بكل جدية على متابعة تنفيذ التوافق الذي تم التوصل إليه بين قادة البلدين ونتائج منتدى التعاون الصيني الأفريقي، والالتزام بمبادئ المعاملة المتكافئة والتعاون المشترك والفوز المشترك، وترجمة “أعمال الشراكة العشرة” على أرض الواقع في ليبيا في وقت مبكر، والتشارك في بناء “الحزام والطريق” بجودة عالية، بما يعود بالفوائد الحقيقية على الشعبين، ويدفع عملية التحديث في كلا البلدين، ويساهم باستمرار في تحقيق النهوض والتقدم للجنوب العالمي.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.