لم تقتصر آثار حرب السودان -التي دخلت شهرها السادس- على الضحايا من المدنيين فحسب، بل امتدت إلى ذاكرة البلد الثقافية التي ظلت شاهدة على حقبها التاريخية المتعاقبة، حيث أدت المعارك المستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي إلى تضرر وتدمير عدد من المباني الحكومية، من معالم تاريخية وأثرية وثقافية.

وفي الخرطوم التي اندلعت فيها شرارة الحرب، أصاب الضرر القصر الرئاسي الذي تُقدّر مساحته بحوالي 150 ألف متر مربع، ويضم قصرين (القديم والجديد).

ويعود تاريخ وضع حجر أساس القصر القديم إلى عام 1825، بجانب مطار الخرطوم الدولي، ومبنى الخطوط الجوية السودانية، ومباني شركة النيل الكبرى للبترول، وبرج وزارة العدل والمحاكم والمتحف القومي، ومكتبة مركز محمد عمر بشير للدراسات السودانية بجامعة أم درمان الأهلية، والتي تضم عديد الكتب والمؤلفات والمخطوطات النادرة.

ومع تمدد رقعة المعارك إلى بعض الولايات في إقليم كردفان ودارفور، امتد التدمير إلى أسواق نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور وثاني أكبر مدينة تجارية في السودان، إضافة إلى احتراق أقدم الأسواق الشعبية وأشهرها المعروف بسوق التوابل، وجامعة زالنجي، وهي ولاية وسط دارفور.

ويُقر عدد من المسؤولين بصعوبة تقييم الأضرار بسبب وجود عدد من المعالم في مناطق الاشتباكات بين الجيش السوداني والدعم السريع.

وقال مدير إدارة الكشف الأثري بالهيئة العامة للآثار والمتاحف عبد الحي عبد الساوي، للجزيرة نت، إن عددا من المباني تقع في أرض المعارك، ولا يمكن تقييم الضرر الذي أصاب المواقع الأثرية خاصة في ولايات الخرطوم شمال دارفور وجنوبها، لصعوبة الوصول إليها مع استمرار الحرب.

وتحدث عن تدمير مبنى جراب الفول في مدينة الأبيض بولاية شمال كردفان جراء الاشتباكات، وهو من أقدم مباني الإدارة التركية ويعود تاريخه إلى خمسينيات القرن الـ19.

وأوضح عبد الساوي أن عددا من المعالم التاريخية يقع تحت خط النيران، منها متحف التراث الشعبي في الخرطوم، والمتحف القومي، وطوابي المهدية في أم درمان، ومبنى البريد القديم في شارع الجامعة وسط العاصمة الخرطوم، ووزارة المالية، وبوابة عبد القيوم في أم درمان، وسجن أم درمان، ومتحف بيت الخليفة.

وبحسب المسؤول نفسه، فإن متحف السلطان علي دينار في مدينة الفاشر، ومتحف نيالا بولاية جنوب دارفور، ومتحف السلطان بحر الدين في مدينة الجنينة غرب دارفور، كلها تقع تحت مرمى نيران الاشتباكات التي بدأت قبل 6 أشهر.

ولم يسلم من الحرب متحف السودان للتاريخ الطبيعي والذي أُنشئ عام 1929 وتم ضمه لجامعة الخرطوم خلال الحرب العالمية الثانية، والذي يحتوي على عينات مُحنطة تعود لمنتصف القرن الـ19.

وقالت مديرة المتحف سارة عبد اللّه إن إفادات عالقين وصور أقمار صناعية تابعة لجهات بحثية مختصة بمراقبة مواقع التراث الثقافي العالمي، أكدت سقوط مقذوفات على مبنى المتحف ما بين 17 و20 أبريل/ نيسان الماضي.

وأكدت للجزيرة نت “الثابت لديّ موت جميع الحيوانات بالمتحف حرقا، وخسارة عينات ومقتنيات المتحف التي تلفت بسبب حريق المبنى”.

وتتمثل مهمة المتحف الرئيسية في الحفاظ على التراث الطبيعي السوداني من خلال حفظ عينات أنواع مختلفة من الحيوانات، والسجلات الجيولوجية، حيث ضم المتحف حيوانات مهددة بالانقراض، وقرابة 100 حيوان من الزواحف والأسماك والثدييات والعقارب.

كما يضم المتحف قاعة الطيور التي تحتوي على عينات جُمعت من السودان وجنوب السودان في الفترة الممتدة من 1885 إلى 1945.

“ليست مجرد مبانٍ، بل تاريخ وهوية”، هكذا عبّر عدد من المختصين عن خطورة تدمير المعالم التاريخية والمؤسسات الثقافية بالحرب الدائرة في السودان.

وفي ظل اتهامات وُجهت لقوات الدعم السريع بطمس الهوية السودانية، يقول الأستاذ الجامعي وعضو جمعية توثيق المعرفة السودانية فتح العليم عبد اللّه إن المقتنيات في المتاحف تغطي فترات زمنية امتد بعضها من 4 إلى 7 آلاف عام، وإن العبث بها أدى إلى تضرر الآثار والمقتنيات النادرة التي تغطي هذه الحقب التاريخية.

وكشف عبد الله للجزيرة نت عن تدمير قسم الترميم والعرض بمتحف السودان القومي، “الذيّ اتخذت منه قوات الدعم السريع ثكنة عسكرية قرابة الشهرين ولا توجد تقارير عن حجم الضرر”، بجانب متحفي القصر القديم والجديد اللذين تدمرت مقتنياتها بشكل كامل. كما تضرر متحف بيت الخليفة في أم درمان الذيّ يغطي حوالي 13 عاما من حكم الدولة المهدية، ودُمرت بعض آثاره.

من جهته، يرى الكاتب والمترجم آدم مريود وجود “مصداقية” في وصف طرفي الصراع السوداني الحرب بـ”العبثية”، وأنهما “تخليا بذلك عن أي مسؤولية تجاه أيّ شيء آخر غير المواجهة العسكرية”.

وقال للجزيرة نت إن أغلب المباني الأثرية والمعالم التاريخية تقع في العاصمة الخرطوم، “وكلما توسعت دائرة المعارك، دخلت مبان جديدة منطقة الخطر”.

ويرى مريود “عدم وجود إمكانية لترميم المباني المتضررة لأنه تم تدمير أغلبها، ولا حل آخر لسلامة المباني الأثرية والمعالم التاريخية إلا بوقف الحرب”.

الجزيرة نت

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: للجزیرة نت أم درمان عدد من

إقرأ أيضاً:

نتائج التعداد التجريبي: 88% من منازل العراق بين إيجار أو ملك.. ماذا عن المتبقي؟

السومرية نيوز-محليات

حملت النتائج التي أعلنتها وزارة التخطيط عن التعداد السكاني التجريبي مع انتهاء مدته التي استمرت 14 يومًا، أرقاما مثيرة ومهمة عن تعداد المساكن، فيما حمل ايضًا بعض الأرقام التي تحتاج الى تفسيرات. وقالت الوزارة في مؤتمر نظمته يوم امس الخميس بمناسبة انتهاء فترة التعداد التجريبي، ان التعداد شارك به اكثر من الف موظف توزعوا على (86) منطقة، تقسمت الى 41 محلة في الحضر و 45 قرية في الريف.

وتشير الأرقام الى ان متوسط حجم الأسرة بلغ 6 أفراد في جميع المحافظات، إذ سجلت المحافظات الجنوبية اعلى حجم للأسرة بمقدار 7 أفراد ، فيّما كانت محافظة السليمانية الأقل بين المحافظات بمتوسط بلغ 4 افراد .

الا ان من الأرقام المهمة التي ذكرت، أظهرت نتائج التعداد للمباني السكنية، ان المباني المملوكة للاسرة بلغت نسبتها 71%، اما نسبة المباني المؤجرة 17%، وتقسمت المباني بين 45% مبينة بالبلوك، و43% بالطابوق.

تولد الأرقام المتعلقة بالمباني جملة تساؤلات واستنتاجات، فبينما بلغت نسبة المباني المملوكة 71%، والمؤجرة 17%، هذا يعني ان 88% من المباني فقط بين مملوكة او مؤجرة، لكن ماذا عن الـ12% المتبقية؟، حيث ان هذه النسب لاتعكس كامل المباني السكنية 100%.

وتقود هذه النتائج الى ان الاحتمال الأكبر هو ان الـ12% المتبقية هي منازل لا مملوكة ولامؤجرة، مايعني انها "تجاوز"، خصوصا اذا ما عرفنا ان تقديرات التخطيط السابقة تشير الى وجود اكثر من 600 الف وحدة سكنية متجاوزة في العراق، فيما يبلغ اجمالي عدد الوحدات السكنية والمنازل في العراق قرابة 7 ملايين منزل.

مقالات مشابهة

  • بين الحرب والتغير المناخي.. نقص حاد في المياه يفتك بالسودان
  • السودان..اتّجاه لتحويل مستشفى البلك للأطفال إلى تخصّصي
  • المعالم التاريخية والمتاحف والحدائق والمنتزهات تستقبل زوار المدينة المنورة خلال عيد الأضحى المبارك
  • سائحون أجانب يزورون مدينة بصرى الشام الأثرية في درعا
  • هيروشيما.. ضحية يورانيوم الكونغو الديمقراطية
  • رحالة تشيكي: سورية دولة جميلة ذات تاريخ مدهش
  • “هويّات معتمدة”..تحقيق حول مشاركة أجانب في حرب السودان
  • نتائج التعداد التجريبي: 88% من منازل العراق بين إيجار أو ملك.. ماذا عن المتبقي؟
  • الحكومة ترفع أسعار تذاكر المعالم والمواقع التاريخية والمتاحف بـ200%.. و"الثقافة" تعزو الزيادة إلى "تكاليف الترميم"
  • الخرطوم تحتضر.. كيف سيتعرف عليها سكانها بعد الحرب؟