بوابة الوفد:
2025-12-13@03:12:06 GMT

التعليم التعليم التعليم

تاريخ النشر: 24th, September 2023 GMT

النهايات قادمات. سرى النبأ فى ربوع القاهرة، ولاكه الناس فى كل مكان، من جامع لجامع، ومن حارة لحارة، ومن مقهى لمقهى.

«فى الجمعة القادمة سينتهى كل شيء؛ الأرض ومن عليها، الضيع والقصور والأكواخ والأسواق، المباهج والمواجع، فالقيامة ستقوم».

كان ذلك فى شهر ذى الحجة سنة 1147 هجرى، وهو يوافق مايو سنة 1755 ميلادية، وكانت مصر وقتها ولاية عثمانية، واليها هو عثمان الحلبى، والحكاية قصها لنا بتفاصيلها المؤرخ الجميل عبدالرحمن الجبرتى فى «عجائب الآثار والتراجم والأخبار».

لا أحد يعرف أصل الشائعة، ومَن أطلقها، ولِم، وكيف، لكن بسهولة عمت الشائعة مصر المحروسة، وآمن بها الناس لدرجة أن الرجال والنساء والأطفال خرجوا إلى الميادين والمتنزهات والغيطان ينظرون نحو المناظر الخلابة وهم يرددون: «دعونا نودع الدنيا». وفى الجيزة وقف الناس أمام النيل، وتوضأوا، ثم صلوا صلاة التوبة، واستغفروا الله موقنين أنها نهاية كل شيء.

والغريب كما يحكى «الجبرتي» أن بعض العقلاء قاموا فى الناس يخطبون ويخبرونهم أن هذا الكلام كذب لأنه لا يعرف موعد القيامة سوى الله، لكن الناس كانوا يشيحون وجوههم ويتركونهم مرددين «بقى لنا يومان».

والأغرب أن كثيرًا من اللاهين لم يرتدعوا، وذهبوا إلى الخمارات، وبيوت البغاء، وطلبوا الشراب ليشبعوا من دنياهم. ولما مر اليوم المنتظر دون أن يحدث شىء، ابتكر العامة الحل المرُضى، مرددين أن الشيخ الصوفى أحمد البدوى تشفع لدى الله ليؤجل يوم القيامة، وقبل الله شفاعته.

كانت هذه هى عقلية العوام التى تستعذب الغرائب، وتتقبل الترهات، وهى العقلية التى جعلت نابليون بونابرت بعد نصف قرن يدخل القاهرة منتصرا فى بضع ساعات، وهى التى دفعت المصريين إلى اختيار داهية أجنبى لحكمهم بعد جلاء الفرنسيين، دون أن يفكر أحدهم فى طرح اسم أى من أبناء الوطن للحكم.

ورغم أن مشروع محمد على قدم بعض منجزات الحداثة للمصريين، غير أنه لم يهتم بتغيير العقلية المنغلقة الاتكالية الملتحفة بالمعجزات والخيالات، والمناقضة للعلم الحديث، فانهزم المصريون بعد سبعة عقود تالية فى أول مواجهة مع قوة أجنبية، وانشغل المصريون عندما علموا بوصول الأسطول البريطانى إلى سواحل الإسكندرية بقراءة صحيح البخارى.

ومع وثبات ومقاربات لحكام الوطن فى عدة أزمنة، لم تتبدل العقلية العامة للناس، وبقيت الثقافة عند حدودها الدنيا. لا بحث علمى سليم، لا آداب للحوار، لا إيمان بالمنطق والعقل، ولا نظرة موضوعية للأمور، والكل قبض الريح كما يقولون.

من هُنا أتصور أن المشروع الأولى، والأهم، والأعجل الذى لا يجب على حاكم مصر القادم التفريط فيه هو تغيير العقلية القروسطية، البليدة الساكنة والناعسة. لو كنت مكانه وهذا حُلم خيالى لأنفقت كل ما لدينا من موارد على التعليم. التعليم التعليم التعليم ولا شىء آخر. التعليم قبل الطرق، والكبارى، والجسور، والقطارات، والمُدن الجديدة، وقبل المشروعات العملاقة، قبل كل شىء.

ليس أسوأ من اللافهم، اللاكتراث واللا أمل، النوم فى العسل أو حتى فى الوحل، النوم عن الحياة، العلم، القراءة، البحث، التفكير، التأمل.

إن الأدمغة المنغلقة تتكلم ولا ترى، تُكرر ولا تتدبر، تُجيب ولا تتساءل، تُصدق كل ما يُقال حتى لو كان متناقضًا. تستهلك وتساير وتنافق وتُمالىء وتصفق، وتُفسد كل مُنجز.

والله أعلم

[email protected]

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: التعليم التعليم التعليم الأرض مصر المحروسة

إقرأ أيضاً:

يأبى الدكتور ربيع

يأبى الدكتور محمد ربيع ناصر إلا أن تسع دائرة الجوائز التى تحمل اسمه من سنة إلى سنة، وهى لا تتوسع أفقيًا فقط، ولكنها تتمدد على المستوى الرأسى أيضًا.

أما أفقيًا فقد كان هذا واضحًا فى حفل توزيع جوائز هذه السنة، التى شملت فائزين من الجامعات العربية إلى جانب الجامعات المصرية، وكانت جامعة الأميرة نورا مثلًا حاضرة بفائزيها، مع ما نعرفه عنها من أنها جامعة سعودية كبيرة. إن الأميرة نورا التى تحمل الجامعة اسمها هى شقيقة الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، وقد كانت شخصية قوية للغاية، وكان الملك عبدالعزير إذا جاءت سيرتها فى حديث له مع ضيوفه قال إنه شقيق نورا، أى أنه كان ينسب نفسه إليها رغم أنها أميرة بينما هو الملك المؤسس.

وأما التوسع الأفقى فى الجوائز، فتجده فى المجالات الجديدة التى جرى منح الجوائز فيها فى الدورة الثامنة لهذا العام، وإلا، فما معنى أن تكون هناك جائزة فى الذكاء الاصطناعى والتحول الرقمى، وجائزة أخرى فى الطاقة الجديدة والمتجددة، وثالثة فى تطبيقات النانو، ورابعة فى الزراعة والأمن الغذائى، وخامسة فى تحديث الصناعة المصرية، وسادسة فى العلوم الطبية؟

إن ثمانية أعوام ليست شيئًا فى عُمر الجوائز عمومًا، ولكن هذه الجوائز استطاعت فى بحر ثمانى سنوات أن تؤسس لنفسها بين غيرها فى أرض المحروسة.

سوف يلفت انتباهك أن الجوائز كلها فى البحث العلمى، وهذا فى حقيقة الأمر ما يمنحها تميزها، لأنه لا جامعة بغير بحث علمى، ولا تتسابق الجامعات ولا حتى الأمم إلا فى هذا المجال بالذات، ولا توجد أمة متطورة فى عصرنا، إلا وكان البحث العلمى سر تطورها الكبير.

هذا المعنى أظن أنه لا يغيب عن صاحب هذه الجوائز، وأظن أيضًا أنه وهو يُطلقها فى البداية كان منتبهًا إلى أن مصر إذا كان عليها أن تركز على شيء فى إنفاقها العام، فهذا الشيء هو البحث العلمى، لأنه لا يليق بنا أن تكون دول مجاورة لنا أعلى منا إنفاقًا عليه.

وإذا كان الرجل قد أعلن عن انسحابه من انتخابات البرلمان التى كان سيخوضها على القائمة، وإذا كان قد أصدر بيانًا وقت انسحابه شرح فيه الأسباب بما يكفى، فأظن أن فى مقدمة الأسباب أنه أراد أن يعطى وقته كله للقضية التى وهب حياته لها: العلم والتعليم.

 

مقالات مشابهة

  • «فخ» كأس العرب
  • شموعى التى لا تنطفئ
  • روشتة التصدى للشائعات
  • إعادة على جميع المقاعد فى الدائرة الثالثة بالفيوم
  • حكومة الإمارات تُصدر مرسوماً بقانون اتحادي بتعديل بعض أحكام قانون مكافحة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية
  • د.حماد عبدالله يكتب: " بلطجة " التعليم الخاص !!
  • يأبى الدكتور ربيع
  • تصريحات مشعل.. وواقعية حماس!
  • جوتيريش: 80 عاما ندافع عن حقوق الإنسان وندعم التعليم والانتخابات ونزيل الألغام
  • المنتخب الوطني.. العقلية الانهزامية