بعد 32 عاما.. ألمانيا تعيد فتح قضية مقتل طالب لجوء في حريق متعمد
تاريخ النشر: 30th, September 2023 GMT
في عام 1991، لقى اللاجئ الغاني صاموئيل ييبواه من غانا حتفه إثر حريق متعمد بجنوب غرب ألمانيا.
رغم مرور أكثر من ثلاثة عقود، ما زال الحريق الذي اندلع داخل فندق سابق يقطنه طالبو لجوء في غرب ألمانيا عام 1991 عالقا في ذهن "جو إي*" خاصة وأن الحريق أسفر عن مقتل طالب لجوء من غانا يدعى صامويل ييبواه كان في عامه السابع والعشرين.
يتعرض كثير من المسلمين في ألمانيا للعداء والتمييز في الحياة اليومية وفقًا لتقرير أعده "تحالف Claim، الذي أكد أنه غالبًا ما لا يبلغ المتضررون عن هذه الحالات. التقرير تحدث عن وجود علاقة بين هذه الحالات وبين معاداة السامية.
لكن ما أثار ذكريات هذه المأساة قيام محكمة ألمانية باستدعاء "جو إي" للمثول أمامها كشاهد حيث لا يوجد في ألمانيا حد زمني لوقف المحاكمات في جرائم القتل فيما استأنفت المحكمة الإقليمية العليا في كوبلنز مساعي حل لغز ما حدث في صباح التاسع عشر من سبتمبر / أيلول عام 1991 في بلدة سارلويس الصغيرة الواقعة في ولاية سارلاند، الولاية الاتحادية الأصغر في ألمانيا.
وفي ذاك اليوم المشؤوم، قام جاني أو أكثر بسكب بنزين على الدرج الخشبية لمركز إيواء طالبي اللجوء وإشعال النار فيه ما أدى إلى انتشار الحريق في النُزل حيث كان يقطنه آنذاك لاجئون فروا من غانا ونيجيريا وساحل العاج وموريتانيا والسودان ومنطقة البلقان وكان من بينهم صامويل ييبواه الذي لقى حتفه إثر الحريق.
وفي محاولة لاستدعاء تفاصيل هذا اليوم، قال "جو إي" إن ثلاثة انفجارات مدوية أيقظته من النوم وإلا كان الموت مصيره، مضيفا "هرعت إلى السلالم ثم رأيت الدخان واللهب حيث كان جدار بأكمله مشتعلًا بالنيران".
وأضاف أن شابين من نيجيريا أصُيبا بكسور في العظام بعد أن قفزا من النافذة. سيدة فرنسية انهارت كانت في النُزل انهارت في البكاء وهي تصف للمحكمة بعد 32 عاما حالة الصراخ التي انتابت الجميع، فيما حاول كثيرون القفز من النوافذ في مسعى للنجاة من الحريق المستعر.
وقال "جو إي" إنه سمع صاموئيل وهو يستغيث حيث كان يعيش في الطابق العلوي، مضيفا "كان يصرخ ويقول"أنا أموت أموت" حيث كانت النيران تحيطه من كل جانب ولم يتمكن أي شخص من مساعدته حتى جاء رجال الإطفاء وقاموا بانقاذه لكن الحريق كان قد التهم جسده بالكامل".
استخدمت الشرطة هذه الصورة للشاب صاموئيل لحث سكان بلدة سارلويس لتقديم معلومات عن الجناة بعد 30 عاما من جريمة مقتله
ولفظ الشاب أنفاسه الاخيرة بعد ثلاث ساعات من دخوله المستشفى. قال "جو إي" إن صموئيل كان شخصية محبوبة حيث كان يلعب كرة القدم والملاكمة واستطاع تكوين صداقات مع ألمان.
معلومات جديدة عن الجناة
وعلى الفور، بدأت الشرطة الألمانية في سماع شهادات الناجين وشهود العيان مع احتمالية تورط تجار مخدرات أو عصابات الجريمة المنظمة. وبعد أيام، جرى استجواب أعضاء من جماعة من النازيين الجدد من مجموعة "حليقي الرؤوس" في سارلويس، لكن الشرطة أغلقت هذا المسار من التحقيق، وبعد عام جرى إغلاق التحقيق بشكل نهائي.
ولم يكن هذا الحادث الأول الذي يستهدف نُزل خاص باللاجئين، إذ سبقه بشهر وقوع هجوم متعمد على مكان يأوي لاجئين ومهاجرين في سارلويس.
قال "جو إي" إن سكان هذه المكان تلقوا رسائل تهديد مازال يحفظها عن ظهر قلب. واضاف أن الرسالة جاءت كالتالي: "عودوا إلى غابتكم وإلا ستقتلون جميعاً"، فيما قال ضابط كان مشاركا في التحقيقات أمام المحكمة إن سارلويس لم تشهد "هجمات معادية للأجانب".
بدورها، قالت هايكه كليفنر، التي تعمل في رابطة تعني بمساعدة ضحايا جرائم العنصرية و معاداة السامية واليمين المتطرف، "ثمة انطباع بأن الشرطة تعاملت مع الأمر كما لو كان مزحة صبيانية، لكن لسوء الحظ أدى الأمر إلى مقتل شخص وإصابة آخرين".
وأضافت "بعث عدم اهتمام سلطات إنفاذ القانون في تسعينيات القرن الماضي برسالة إلى الضحايا مفادها: "حياتكم لا تساوي شيئا من وجهة نظرنا"، مشيرة إلى أن الأمر "بعث أيضا برسالة إلى الجناة مفادها " سوف تفلتون من العقاب"".
"أنا هنا ولم يتم القبض علي"
لكن أعيد فتح التحقيق مرة أخرى بعد مرور أكثر من ثلاثين عاما ويعود الفضل في ذلك إلى مشادة كلامية بين المتهم بارتكاب الجريمة من جهة وبين إحدى الشاهدات في حفل شواء عام 2007 حيث قال لها: "أنا هنا ولم يتم القبض علي." وعندما عملت السيدة عام 2019 أن شابا قتل في هذا الحريق سارعت إلى إبلاغ الشرطة.
لم تكتب النجاة للشاب صاموئيل من الحريق المتعمد الذي شب في نُزل للاجئين عام 1991
وخلافًا لما حدث عام 1991، قامت السلطات هذه المرة بإجراء تحقيقات مكثفة في نشاط المنظمات اليمينية في سارلويس من خلال إجراء عمليات بحث وتحقيق واستدعاء شهود، وتولى القضية رئيس المحكمة القاضي كونراد ليتغيس، الذي أكد لأحد الشهود استمرار الجهود حتى "إنزال العقاب بالجناة".
ولم يعتذر رئيس شرطة سارلاند عن أوجه القصور في عمل الشرطة إلا بعد إلقاء القبض على المتهم في أبريل / نيسان العام الماضي.
وقد ذكر تقرير أصدره جهاز المخابرات الداخلية الألمانية (مكتب حماية الدستور) عام 1991 أن واقعة الحريق الذي أودى بحياة الشاب الغاني تعد جريمة ذات خلفية يمينية متطرفة.
وفي ذلك، قال "جو إي" إنه سعيد باستئناف المحاكمة، قائلا "يجب أن تظهر الحقيقة للنور."
ولكونه شاهد عيان جلس "جو إي" في المحكمة على مقربة من المتهم الذي يدعى "بيتر إس" الذي كان إبان الجريمة أحد الأعضاء في جماعة من النازيين الجدد من مجموعة "حليقي الرؤوس" في سارلويس، فيما يجري التحقيق مع اثنين آخرين من المشتبه بهم. وجرى سجن "بيتر. إس" الذي كان زعيم عصابة تضم نازيين جدد في سارلويس، احتياطيا منذ يونيو / حزيران الماضي.
وتندرج الاتهامات من القتل ومحاولة القتل وحتى التسبب في حريق متعمد بدوافع عنصرية. وعرضت المحكمة صورة "بيتر إس" وهو يرتدي زي الوحدات النازية الخاصة (SS) مع شارة الصليب المعقوف.
وفي بداية المحاكمة، قال محاموه إنه كان نائما ليلة الحريق، لكن لاحقا قال "بيتر إس" من خلال محاميه إنه كان متواجدا في مسرح الجريمة عندما قام رجل آخر من مجموعة "حليقي الرؤوس" بسكب البنزين وإشعال النيران في الُنُزل حيث كان يقيم طالبو اللجوء.
هجمات عنصرية
الجدير بالذكر أن السنوات التي أعقبت إعادة توحيد ألمانيا شهدت استهداف العديد من مرافق إيواء اللاجئين أعمال حرق متعمد فيما تحدث الادعاء عن "أجواء تشبه مذابح" في ضوء أعمال الشغب اليمينية المتطرفة التي وقعت في أمكان عدة من البلاد ضد طالبي اللجوء.
وقالت هايكه كليفنر إن الشرطة ومسؤولي المخابرات المحلية سجلوا ما لا يقل عن 1250 هجوما شملت أعمال حرق متعمد ذات دوافع يمينية متطرفة بين عامي 1990 و1994. ويقدر علماء الجريمة أنه جرى قد حل 20% من تلك القضايا.
وعلى مدار الثلاثين عاما الماضية، ناضلت ثلاثة منظمات من أجل استمرار التحقيق في الجريمة التي راح ضحيتها الشاب صموئيل مع دعوات لوضع لوحة تذكارية تخليدا لذكراه.
ساعد النشطاء المناهضون للعنصرية على إبقاء جريمة مقتل الشاب صاموئيل حية رغم مرور عشرات السنوات
مسؤولية سياسية
يشار إلى أنه في يونيو/حزيران الماضي، أقرت أنكي ريهلينغر، رئيسة وزراء ولاية سارلاند والتي تنتمي إلى الحزب الديمقراطي الاشتراكي، بأن "الجريمة كانت ذات دوافع عنصرية"، حيث قدمت اعتذارا لبعض الناجين، قائلة "نيابة عن حكومة ولاية سارلاند، أعتذر لضحايا وأقارب هجوم الحرق المتعمد في سارلويس، وعن الإخفاقات السابقة".
وأعلنت عن إنشاء صندوق لتعويض ضحايا أعمال العنف الخطيرة. ومن المقرر أن يبدأ في أكتوبر/تشرين الأول المقبل تحقيق سياسي في مقتل الشاب وغيره من الهجمات.
وفي ضوء كل هذه المعطيات، قال "جو إي" "طوال هذه السنوات، اعتقدت أنني قد نسيت ما حدث صباح التاسع عشر من سبتمبر / أيلول عام 1991، يحدوني الأمل الآن في أن ينال الجناة العقاب وأن موت صموئيل لم يكن عبثا".
ومن المتوقع صدور الحكم في هذه القضية في أكتوبر / تشرين الأول المقبل.
أندريا غروناو / م. ع
*جرى تغيير بعض أسماء الشخصيات الواردة في التقرير حفاظا على هويتهم.
المصدر: DW عربية
كلمات دلالية: العنصرية الهجرة حريق متعمد مقتل لاجئ اليمين المتطرف معاداة السامية أخبار ألمانيا العنصرية الهجرة حريق متعمد مقتل لاجئ اليمين المتطرف معاداة السامية أخبار ألمانيا فی ألمانیا حیث کان
إقرأ أيضاً:
كولن ودوسلدورف.. رحلة لقلب ألمانيا حيث التاريخ يصافح الحداثة
إذا كنت تبحث عن وجهة تمنحك مزيجا فريداً من التاريخ العريق والثقافة الغنية والمناظر الطبيعية الخلابة والتسوق المتميز، فإن خيارك الأمثل في ألمانيا قد يكون مدينتي كولن ودوسلدورف في شمال غرب البلاد.
وتقع هاتان المدينتان على ضفاف نهر الراين، أحد أشهر أنهار أوروبا، مما يضفي عليهما جواً رومانسياً وسحراً خاصاً يجذب ملايين الزوار سنوياً.
ما المميز في كولن ودوسلدورف؟كولن حيث التاريخ تحكي قصصاً عبر القرون، وهي ستسحرك من اللحظة الأولى التي ترى فيها كاتدرائيتها العملاقة ذائعة الصيت، هذه التحفة المعمارية التي استمر بناؤها على مدى أكثر من ستة قرون!
يصل ارتفاع مبنى الكاتدرائية إلى أكثر من 144 مترا، وسيكون بإمكانك صعود المئات من الدرجات إلى قمة البرج الجنوبي لمشاهدة أجمل إطلالة بانورامية على نهر الراين وبقية معالم المدينة.
متحف الشكولاتةولكن كولن ليست مجرد كاتدرائية، فهي تقدم لك أيضا رحلة إلى العصر الروماني، وذلك عبر زيارة المتحف الروماني الجرماني الذي يضم فسيفساء رائعة تعود إلى القرن الثالث الميلادي. وفي كولن أيضا لا يفوتك زيارة متحف مميز وجذاب هو متحف الشوكولاتة، حيث تشم رائحة الكاكاو، وتشاهد كيف تتحول حباته إلى أشهى أنواع الشوكولاتة.
ومن خارج المتحف، سيمتعك شكل المبنى الذي يبدو وكأنه قارب زجاجي على ضفاف نهر الراين، لكن المتعة الأكبر ستكون بالداخل وأنت تتابع بشكل عملي مراحل صنع الشوكولاتة.
إعلان نزهة على الراينغير بعيد عن المتحف، سيكون بإمكانك القيام بنزهة رومانسية على طول رصيف الراين بمقاهيه الحديثة والمطاعم العائمة، كما يمكنك زيارة حي بلوتنك الذي يعج بالمقاهي الفنية والمتاجر المميزة.
وأنت تقوم بجولة على نهر الراين، ربما يكون من معالم الجذب ذلك الجسر الذي يتوافد عليه العشاق كي يضعوا أقفالا، يعتقدون أنها ستضمن لهم استمرار المحبة.
عاصمة الأناقة والفنونتحتاج كولن إلى يومين أو ثلاثة كي تستمتع بأبرز معالمها، ثم يمكنك لاحقا التوجه إلى دوسلدورف، التي لا تبعد عن كولن إلا 40 كيلومترا تقطعها السيارة في 35 دقيقة، مقابل 20 دقيقة فقط على متن القطار السريع.
وربما يكفيك يوم واحد في هذه المدينة التي ستدهشك بمعالمها وتناقضاتها الساحرة وأبرزها:
الشارع الملكي الشهير حيث تصطف أشجار الزيزفون على قنوات المياه، بينما تلمع واجهات المحلات الفاخرة.أفضل الأوقات لزيارة كولن ودوسلدورف هي:
فصل الشتاء (يناير/كانون الأول): أسواق الميلاد الساحرة التي تحول المدينتين إلى لوحة من الأضواء. فصل الشتاء (فبراير/شباط ومارس/آذار): مشاهدة كرنفال كولن الصاخب (أكبر كرنفال في شمال أوروبا). فصل الصيف (يوليو/تموز وأغسطس/آب وسبتمبر/أيلول): للاستمتاع بالمقاهي الخارجية والرحلات النهرية. كيف تصل وتتنقل؟يمكك الوصول إلى المدينتين بسهولة، خاصة وأن مطار كولن وكذلك مطار دوسلدورف وأيضا بون لا تبعد كثيرا عن المدينتين، كلها تصلها رحلات مباشرة من دول عربية عديدة. وحتى إذا حطت طائرتك في فرانكفورت عاصمة المال الأعمال في ألمانيا، فلن يكون الأمر صعبا حيث تبعد عن كولن 180 كيلومتراً، وعن دوسلدورف 215 كيلومترا، مع وقت سفر يقدر بنحو ساعتين بالقطار السريع.
هذه المسافات القصيرة تجعل من السهل جداً زيارة المدن الثلاث (كولن ودوسلدورف وبون) في رحلة واحدة لا تنسى! وأما في داخل كل من كولن ودوسلدورف فإن شبكات المواصلات العامة الممتازة تجعل التنقل سهلاً وبأسعار معقولة.
إعلانوبالنسبة للمسافات بين هذه المدن، فإن كولن ودوسلدورف تقعان على مسافة قريبة جدا من بعضهما البعض، حيث تفصل بينهما حوالي 40 كيلومتراً فقط، ويمكن الوصول من إحداهما إلى الأخرى في أقل من ساعة بالقطار أو السيارة.
وجهتان من الأهمية بمكانكولن ودوسلدورف – مدينتان تمنحانك أفضل ما في ألمانيا، من التاريخ إلى الحداثة، من الثقافة إلى الترفيه، ومن الاسترخاء إلى المغامرة. سواء كنت مسافراً مع العائلة، كزوجين، أو مع الأصدقاء، ستجد في هاتين المدينتين ما يلبي جميع الأذواق ويخلق ذكريات لا تنسى.
وإذا سافرت إلى دولسلدورف فلا تغادرها دون تناول وجبة في المطعم التاريخي (الذي زاره نابليون بونابرت)، ولا تغادر كولن دون شراء زجاجة من ماء كولونيا الأصلي من المتجر التاريخي حيث اخترعت هذا العطر الشهير قبل أكثر من ثلاثة قرون، ففي هذه المدينة وُلد أشهر عطر في العالم (ماء كولونيا) خلال العام 1709 على يد الإيطالي جيوفاني ماريا فارينا.
ويمكنك زيارة متجر "فارينا" التاريخي قرب الكاتدرائية، حيث ما زال يُحفظ سر التركيبة الأصلية التي تجمع بين نضارة الحمضيات ودفء الأعشاب.
وسواء اخترت العبوة الكلاسيكية ذات الطابع التراثي أو النسخ المعاصرة، ستأخذ معك عبقا يمزج بين تاريخ المدينة العريق وأناقتها الحديثة، لتبقى ذكرى رحلتك عالقة في ذهنك كلما استنشقت هذه الرائحة الفريدة، استعد لرحلة ستبقى في ذاكرتك للأبد، رحلة إلى قلب الراين حيث السحر الحقيقي!