الذكاء الاصطناعي.. من البدايات إلى روبوتات الدردشة
تاريخ النشر: 16th, May 2025 GMT
يشهد عالمنا اليوم استخداما قويًا ومتزايدا للذكاء الاصطناعي في شتى مجالات الحياة، رغم أن روبوتات الدردشة القادرة على إنجاز العديد من المهام، تماما مثل البشر، لم تكمل سنتين بعد.
وقد أحدث ظهورها تحولات جذرية كنا نعتبرها في الأمس القريب ضربا من الخيال العلمي. لكن الطريق إلى هذه النهاية لم يكن مفروشا بالورود.
الجذور الأولى
ظهرت عبارة "الذكاء الاصطناعي" لأول مرة عندما صاغها العالم الأميركي في مجال الكمبيوتر جون مكارثي John McCarthy (2011-1927)، في عام 1955، ونظم مؤتمر دارتموث الشهير في صيف 1956. لذا، يعتبر مكارثي أحد الآباء المؤسسين للذكاء الاصطناعي.
منذ تلك اللحظة، انطلقت رحلة طموحة نحو بناء آلات قادرة على محاكاة القدرات الذهنية للبشر. لم تكن الرحلة متواصلة، بل تخللتها فترات من الانقطاع والاستئناف، لتصل بنا اليوم إلى عصر نشهد فيه ثورة حقيقية بفضل روبوتات الدردشة مثل "تشات جي بي تي" و"جيميناي".
شهدت السنوات الأولى للذكاء الاصطناعي تفاؤلًا كبيرًا. حيث تصور الباحثون إمكانية حل المشكلات المعقدة، وترجمة اللغات، وحتى بناء آلات تفكر مثل الإنسان في غضون سنوات قليلة. ظهرت برامج رائدة مثل "لوجيك ثيوريست" و"جنرال بروبلم سولفر" التي أظهرت قدرة الآلات على التفكير المنطقي وحل بعض المشكلات. كانت هذه الفترة بمثابة وضع البذور الأولى لهذا المجال الواعد.
لكن سرعان ما تبدد هذا التفاؤل مع اصطدام الواقع بتعقيد المشكلات الحقيقية. فقد تبين أن بناء أنظمة ذكية حقًا يتطلب قدرات حاسوبية وبيانات لم تكن متاحة آنذاك. تراجعت التمويلات البحثية، ودخل المجال في فترة سبات.
الأنظمة الخبيرة والتعلم الآلي
شهدت ثمانينيات القرن العشرين عودة الاهتمام بالذكاء الاصطناعي مع ظهور "الأنظمة الخبيرة"، وهي برامج تحاكي خبرة الإنسان في مجالات محددة. كانت الفكرة الأساسية هي بناء برامج حاسوبية يمكنها محاكاة قدرات وخبرات الإنسان الخبير في مجال معين لاتخاذ القرارات وحل المشكلات.
من أمثلة تطبيقات الأنظمة الخبيرة: التشخيص الطبي وهي أنظمة تساعد الأطباء في تشخيص الأمراض بناءً على الأعراض والمعلومات الطبية، وأنظمة تقدم نصائح حول الاستثمار وإدارة الأموال.
وقد حققت الأنظمة الخبيرة بعض النجاحات وكانت تعتبر من أوائل التطبيقات الناجحة للذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، كانت محدودة النطاق وتتطلب إدخالًا يدويًا للمعرفة من الخبراء، مما جعل تحديثها وتوسيعها أمرًا صعبًا.
كما بدأ التعلم الآلي، في هذه المرحلة من تاريخ الذكاء الاصطناعي، يكتسب زخمًا، حيث أصبحت البيانات الأساس الذي تتعلم منه الخوارزميات. أما الخوارزميات، فهي الإجراءات الحسابية التي تسمح للآلة بتحليل البيانات.
في التسعينيات، برز التعلم الآلي كنهج واعد. وبدلاً من برمجة الآلات بشكل صريح لحل المشكلات، يركز التعلم الآلي على تطوير خوارزميات تسمح للآلات بالتعلم من البيانات وتحديد الأنماط واتخاذ القرارات أو التنبؤ دون أن تتم برمجتها بشكل مباشر لكل مهمة.
أما النماذج، فهي الناتج النهائي لعملية التعلم، وهي تمثل المعرفة التي اكتسبتها الآلة من البيانات ويمكن استخدامها لاتخاذ قرارات أو عمل تنبؤات جديدة.
البيانات الضخمة والتعلم العميق
شهدت بداية الألفية الجديدة تحولًا جذريًا بفضل توفر كميات هائلة من البيانات (البيانات الضخمة) والتطور الهائل في قوة الحوسبة. أدى هذان الأمران إلى تطور كبير في "التعلم العميق"، وهو فرع من التعلم الآلي يستخدم لتحليل البيانات المعقدة. حقق التعلم العميق نجاحات باهرة في مجالات مثل التعرف على الصور والكلام ومعالجة اللغة الطبيعية.
ثورة روبوتات الدردشة
مثّل ظهور روبوتات الدردشة التوليدية الكبيرة مثل "تشات جي بي تي" من شركة OpenAI و"جيميناي" من شركة جوجل نقطة تحول جديدة في تاريخ الذكاء الاصطناعي. هذه النماذج، المدربة على كميات هائلة من النصوص والبيانات، أظهرت قدرة مدهشة على توليد نصوص وصور بمجرد إدخال وصف بسيط بلغة عادية والإجابة على الأسئلة بطريقة تبدو شبيهة بالبشر.
لم تعد روبوتات الدردشة مجرد أدوات للإجابة على الأسئلة البسيطة، بل أصبحت قادرة على كتابة المقالات، وتلخيص النصوص، وإنتاج صور وترجمة اللغات، وكتابة الأكواد البرمجية، وغيرها من الأمور المعقدة. هذا التطور يفتح آفاقًا واسعة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات، من التعليم والرعاية الصحية إلى خدمة العملاء والإبداع.
آفاق المستقبل
وبما أننا ما زلنا في المراحل الأولى من هذه التقنية المذهلة، تتوجب معالجة التحديات التي تطرحها مثل ضمان احترام الذكاء الاصطناعي للأخلاق واحترام حقوق الملكية الفكرية والتعامل مع التحيزات المحتملة. اليوم، للذكاء الاصطناعي استخدامات واسعة النطاق، فهو يدخل في مجالات مثل الطب لتشخيص الأمراض، وفي السيارات ذاتية القيادة لتسهيل التنقل، وفي خدمة العملاء لتقديم الدعم، وفي الصناعة لتحسين الكفاءة.
أما عن الآفاق المستقبلية، فيُتوقع أن يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا محوريًا في تطوير حلول للتحديات العالمية كالتغير المناخي والأمراض المستعصية، بالإضافة إلى إحداث ثورة في مجالات الإبداع والبحث العلمي وغيرها. أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الذكاء الاصطناعي روبوتات الدردشة البيانات الضخمة التعلم الآلي الذکاء الاصطناعی للذکاء الاصطناعی روبوتات الدردشة التعلم الآلی فی مجالات
إقرأ أيضاً:
الإمارات وأميركا.. شراكات في الذكاء الاصطناعي من أجل المستقبل
هدى الطنيجي (أبوظبي)
أخبار ذات صلةتجمع الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة رؤية مشتركة نحو تطوير أدوات الذكاء الاصطناعي وحلوله، خاصة أن دولة الإمارات تمكنت منذ سنوات من تبني وتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم، لتصبح إحدى أبرز الدول الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي وصياغة ملامح حوكمته وسياساته الدولية، من خلال مساهمتها الاستباقية في منصات متعددة الأطراف.
وخلال العام الماضي، تم إعلان إطار للتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي بين البلدين؛ بهدف تعزيز وتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل آمن وموثوق.
وأكد الإطار الرغبة المشتركة للبلدين لتعميق التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي والتقنيات ذات الصلة، والالتزام المشترك بتطوير مذكرة تفاهم بين حكومتي البلدين بشأن الذكاء الاصطناعي. وأشار الإطار إلى إدراك البلدين الإمكانات الهائلة للذكاء الاصطناعي، بما في ذلك تسريع النمو الاقتصادي، وإحداث نقلة نوعية في التعليم والرعاية الصحية، فضلاً عن خلق فرص العمل ودفع الاستدامة البيئية، وغيرها.
وأضاف أنهما يدركان في الوقت نفسه التحديات والمخاطر التي تفرضها هذه التكنولوجيا الناشئة، والأهمية الحيوية لتوفير الضمانات وسبل الحماية فيما يتعلق بها.
وشدد الجانبان على عزمهما على التعاون في العديد من المجالات، أهمها: تعزيز الذكاء الاصطناعي الآمن والموثوق، ودعم البحث والتطوير الأخلاقيين له، وبناء أطر تنظيمية لتعزيز الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى توسيع وتعميق التعاون في مجال حماية الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني وتطوير المواهب في هذا المجال، إلى جانب دعم الطاقة النظيفة لمتطلبات أنظمة الذكاء الاصطناعي، وتعزيز الذكاء الاصطناعي من أجل التنمية المستدامة في البلدان النامية.
وتستثمر دولة الإمارات، بقيادة مجموعة «G42» في مجال الذكاء الاصطناعي للمساعدة في تنويع اقتصادها، وأبرمت الشركة الرائدة مؤخراً صفقات عدة مع شركات أميركية، ما يبرز دورها الحيوي في مشهد الذكاء الاصطناعي العالمي.
وترفع الشراكات القوية بين دولة الإمارات وأميركا في مجال الذكاء الاصطناعي، شعار ضمان استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول من أجل خدمة العالم أجمع.
الاستثمار في الذكاء الاصطناعي
استطاعت الإمارات نتيجة العلاقة المتميزة التي تربطها بالولايات المتحدة من الاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي الذي جمع بين ازدهار الطاقة وتوسيع النمو وتقدّم الاستثمار في الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات حتى أصبحت رائدة في هذا القطاع، وتمكنت الإمارات من المضي بنجاح، وتعزيز التعاون مع الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس دونالد ترمب إزاء العلاقة بين التقدّم في الذكاء الاصطناعي وازدهار الطاقة.
التكنولوجيا
جاءت زيارة سمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، نائب حاكم إمارة أبوظبي، مستشار الأمن الوطني، والوفد المرافق له مؤخراً للبيت الأبيض، ولقاء الرئيس ترامب ونائبه وكبار المسؤولين الأميركيين وقادة شركات التكنولوجيا، لتؤكد أن الإمارات والولايات المتحدة تواصلان توسيع ما وصفته سفارة الإمارات في الولايات المتحدة بـ «علاقة اقتصادية بقيمة تريليون دولار» تعود بالنفع على جميع الولايات الخمسين في مختلف القطاعات، بما في ذلك الفضاء، والطاقة، والتصنيع، والتكنولوجيا، وعلوم الحياة، والرعاية الصحية.
وخلال الزيارة، جرى التوافق على إطار استثماري إماراتي في الولايات المتحدة بنحو 1.4 تريليون دولار على مدى السنوات العشر المقبلة، ومن ذلك توقيع شراكة بقيمة 25 مليار دولار بين صندوق الثروة السيادية الإماراتي ADQ، وشركة Energy Capital Partners الأميركية - لبناء 25 جيجاوات من توليد الطاقة والبنية التحتية في الولايات المتحدة لخدمة مراكز البيانات، وأجهزة الحوسبة الضخمة، وغيرها من الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة. والواضح أن هذه الشراكة تأخذ في اعتبارها التوقعات بشأن ارتفاع الطلب العالمي على الكهرباء بنسبة 70% في خلال العقد المقبل، والذي يُعد الذكاء الاصطناعي محركاً رئيساً لهذا الطلب.
وتسعى دولة الإمارات والولايات المتحدة إلى تعزيز الاستثمارات المتبادلة في مجال الطاقة والتكنولوجيا، إذ يتم الاستثمار في الذكاء الاصطناعي لتحسين كفاءة إدارة الطاقة، عبر خصخصة مليارات الدولارات لتصبح واحدة من الدول الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي.
اتفاقيات
شهد العام الماضي، توقيع العديد من اتفاقيات الشراكة والاستثمار بين البلدين، في المجال التكنولوجي والذكاء الاصطناعي، ففي أبريل 2024 أعلنت كل من G42، الشركة القابضة الرائدة في مجال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بدولة الإمارات، و«مايكروسوفت»، استثماراً استراتيجياً قدره 1.5 مليار دولار من مايكروسوفت في G42.
وفي يونيو 2024، وقعت شركة World Wide Technology، وهي شركة تكامل تكنولوجي رائدة مقرها الولايات المتحدة الأميركية، اتفاقية استراتيجية مع NXT Global، لإنشاء وتطوير أول مركز تكامل للذكاء الاصطناعي في مدينة مصدر في الإمارات.
وأعلنت مجموعة «جي 42» و«مايكروسوفت»، في فبراير الماضي، إطلاق «مؤسسة الذكاء الاصطناعي المسؤول» - المركز الأول من نوعه في الشرق الأوسط - ويهدف إلى تعزيز معايير الذكاء الاصطناعي المسؤول، وترسيخ أفضل الممارسات في منطقة الشرق الأوسط والجنوب العالمي.
التكنولوجيا المتقدمة
ويسهم تعزيز التعاون في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة، والاستفادة من الابتكارات والتقنيات الحديثة، في تطوير قطاعات المستقبل في الإمارات، وسياسة التنويع الاقتصادي الوطني، كما يعزز تكثيف الاستثمارات الإماراتية في التكنولوجيا المتقدمة داخل الولايات المتحدة من مكانة الدولة مركزاً تقنياً عالمياً، ويدعم مكانتها في المنطقة، لاسيما أن التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي يعدان من القطاعات الواعدة لتحقيق نمو اقتصادي مستدام، والانفتاح الشامل على اقتصاد المستقبل.
وتوفر الاستثمارات الإماراتية في الولايات المتحدة الأميركية، فرصة مهمة لتوسيع الاستثمارات الوطنية على الصعيد العالمي، مما يسهم في تعزيز الاستدامة التنموية الشاملة، وكذلك في تعميق الروابط الاقتصادية والسياسية بين البلدين، مما يضمن شراكة استراتيجية طويلة الأمد.
وتعد الإمارات حالياً أحد اللاعبين الذين لهم تحرك بارز في صناعة أشباه الموصلات خلال السنوات الأخيرة، فقد فطنت مبكراً لأهمية هذا المجال، من خلال تعزيز استثماراتها الخارجية في هذا القطاع، لتتوسع الشراكات العميقة بين الشركات الأميركية والإماراتية، لتشمل اليوم عدداً واسعاً من أبرز شركات التكنولوجيا الأميركية من «أي بي إم» و«مايكروسوفت» إلى «إنفيدا» و«أوبن إيه آي».
ويشكل الذكاء الاصطناعي أحد أبرز الملفات المهمة في التعاون بين البلدين والشركات التابعة لهما في أعقاب إعلان «MGX» الإماراتية شراكة عالمية للاستثمار في الذكاء الاصطناعي بقيمة تصل إلى 100 مليار دولار مع شركات «مايكروسوفت» و«بلاك روك» و«جلوبال إنفراستركتشر بارتنرز».
«جي 42» و«انفيدا»
أعلنت «جي 42»، المتخصصة في مجال الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، شراكتها مع «انفيدا»؛ بهدف تعزيز تكنولوجيا المناخ، من خلال التركيز على تطوير حلول الذكاء الاصطناعي، الهادفة إلى تحسين توقعات الطقس بشكل كبير على مستوى العالم.
ويستند التعاون إلى منصة «NVIDIA Earth -2»، وهي منصة مفتوحة تقوم بتسريع عملية الوصول إلى توقعات المناخ والطقس، عبر توظيف واسطة المحاكاة عالية الدقة المعززة بالذكاء الاصطناعي. وتركز «جي 42» و«NVIDIA» في المرحلة الأولى من تعاونهما، على تطوير نموذج لتوقعات الطقس بدقة كيلومتر مربع لتحسين دقة رصد التوقعات الجوية، وتتضمن أهم محاور المبادرة، إنشاء مركز عمليات جديد، ومختبر للمناخ التقني في إمارة أبوظبي، سيكون مركزاً مخصصاً للبحث والتطوير، ما يرسخ التزام الشركتين بالاستدامة البيئية، ويعزز هذا المركز جهود تطوير الحلول المناخية والجوية المخصصة، التي تستفيد من أكثر من 100 بيتابايت من البيانات الجيولوجية.
«مايكروسوفت»
يشكل إعلان «مايكروسوفت» استثمار 1.5 مليار دولار في شركة «جي 42» لإدخال أحدث تقنيات «مايكروسوفت» في مجال الذكاء الاصطناعي، والدفع بمبادرات تطوير المهارات إلى دولة الإمارات ودول العالم، خطوة مهمة لترسيخ مكانة أبوظبي في قطاع التكنولوجيا العالمي، وتأكيداً على الثقة والفرص الواعدة التي تتمتع «G42» لتوسيع حضورها الدولي في مجال الذكاء الاصطناعي لتصبح في مصاف أكبر الشركات العالمية على هذا الصعيد.
وفي سبتمبر 2024، أعلنت «مايكروسوفت» و«مجموعة 42» تأسيس مركزين جديدين في أبوظبي. سيركز المركز الأول على تعزيز نشر الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول في منطقة الشرق الأوسط وجنوب العالم، بينما سيكون المركز الثاني امتداداً لمختبر أبحاث «الذكاء الاصطناعي من أجل الخير» التابع لـ «مايكروسوفت» في الإمارات.