RT Arabic:
2025-06-01@12:10:25 GMT

الأداء الضعيف للبنتاغون

تاريخ النشر: 2nd, October 2023 GMT

الأداء الضعيف للبنتاغون

يحذّر المحللون العسكريون البارزون من تراجع أداء البنتاغون في ظل تنامي القدرات العسكرية لخصوم الولايات المتحدة. فما هي الحلول والعقبات كما أوردها هاري كازيانيس في ناشيونال إنترست؟

يرى روبرت أوبرايان في وكالة الأمن القومي للرئيس السابق ترامب أن القوات الجوية بحاجة إلى 300 إلى 400 قاذفة شبح من طراز B-21 Raiders لمواجهة تصاعد التهديد الصيني العسكري.

ويعتبر رأي أوبرايان مهما نظرا للدور الذي يمكن أن يلعبه في وضع سياسة الدفاع والأمن القومي في الإدارة الجمهورية المستقبلية في عام 2025. والجدير بالذكر أن صقور الدفاع الجمهوريين يعتبرون أوبرايان مرشحا ممتازا لوزير الدفاع أو الخارجية أو لمنصب نائب الرئيس.

ووفق أوبرايان فإن النمو السريع لأسطول البحرية الصينية وبناء 1000 صومعة للصواريخ الباليستية العابرة للقارات تتطلب زيادة عدد قاذفات الشبح للعدد المذكور. لكن أوبرايان ليس واثقا من إمكانية تحقيق هذا الطلب نظرا للأداء الضعيف للبنتاغون في البرامج الرئيسية الأخيرة مثل F-35.

تقول المحللة العسكرية ماكنزي إيغلين: إن الحاجة لزيادة القوة الصاروخية وأجهزة الاستشعار كبيرة لأنه في حال عدم الاستجابة لهذه الحاجة قد يصبح من الصعب التغلب على صواريخ الخصوم أو تجنبها.

لكن فجوة القاذفات الأمريكية واسعة؛ حيث انخفض أسطول القاذفات من 400 طائرة إلى 141 طائرة اليوم. ويكمن الخطر في التوجه لتخفيض معدلات الإنفاق على القتال الحديث ضد خصوم ذوي قدرات عسكرية عالية.

ويرى الكاتب أن على الولايات المتحدة تجنب الوقوع في الركود، وأن تضع ما لا يقل عن 200 طائرة من طراز B-21 في الميدان. ولا يخفى على أوبرايان وأمثاله أن بناء أعداد كبيرة من هذه الطائرات لن يكون سهلا. ووفق مقال في مجلة فوربس فإن الحد الأقصى الذي يمكن إنتاجه هو 10 طائرات سنويا بحلول ثلاثينيات القرن الحالي.

المصدر: ناشيونال إنترست

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب

المصدر: RT Arabic

كلمات دلالية: كورونا البنتاغون دونالد ترامب طائرات حربية

إقرأ أيضاً:

حرية النقد داخل الإسلاميين.. من الجندية الصامتة إلى الحاجة للمراجعة الصادقة

يواجه الإسلاميون مشكلة مزمنة تتعلق بفعالية النقد في تنظيماتهم، ودرجة تأصلها في ثقافتهم ومشروعهم الفكري، فعلى الرغم من أن عددا من تنظيماتهم تبررت نشأتها بفعالية المراجعات التي قام بها بعض القياديين، وأثثت برامجها التكوينية والفكرية بعدد من الكتابات الفكرية والمنهجية التي تشجع على ربط العمل بفكرة النقد والمراجعة والتقييم، فإن المسلكيات الحركية والسياسية، ومواجهة عدد من التحديات، يحول هذا النقد في نظر قياديي هذه التنظيمات، بل وحتى في تصور القاعدة، إلى عامل تثبيط وتقديم خدمات للخصوم، إذ يصير  النقد والمراجعة عملا مؤجلا إلى حين الخروج من الأزمة، حتى لا ينسب المختلف أو الناقد أو المراجع إلى معول الخصوم لهدم الذات الحركية.

في هذا المقال، سنحاول أن نتوقف عند هذه المعضلة، ونبحث جيناتها الأولى في الفكر الحركي، ونتابع عوائقها وأهم تحولاتها ومنعطفاتها، وندرس علاقة الحركة الإسلامية بحرية النقد الفكري والسياسي،  ونفسر سبب نساط هذه الحركية في بعض المحطات، ونشرح عطب تأصيل هذه الدينامية في فكر الحركات الإسلامية وسلوكها  السياسي.

مهمة النقد المؤجلة.. مجرد جينات أولية

ثمة ملاحظة لا يتلفت إليها الكثير من الباحثين، وهي أن التنظيمات الإيديولوجية، التي تحمل نسقا تغييرا مرتبا بمراحل ومحطات، وأهداف استراتيجية ومرحلية، وتتمتع بقيادة كاريزمية، يتراجع فيها النقد إلى حدود كبيرة.

وتفسير ذلك، أن النقد تتضاءل مهمته إلى مجرد مراقبة مدى الانسجام مع النسق الجاهز أو التناقض معه، أو ملاحظة شروط دخول هذه المرحلة أو خروجها، أو تحديد أي الخيارات التي اقترحها النسق القائم ذات جدوى في التعامل مع خصوصيات واقع معين؟

في حضور الكاريزما القيادية، خاصة التي أنتجت النسق، كما في حالة الإمام حسن البنا، لا تكون هناك فائدة كبيرة في طرح هذه الأسئلة، لسبب واضح، هو أنها هي المسؤولة عن الحفاظ على انسجام النسق وتماسكه، وهي التي تعرف بدقة شديدة متى تتوفر شروط هذه المرحلة، ومتى يتم الانتقال من مرحلة إلى أخرى، ومتى لا يجوز الانتقال إلى مرحلة لاحقة، وهي التي تعرف متى تكون الثورة، ومتى يكون الخيار الأنسب هو المشاركة، ومتى يكون الإقدام والإحجام، ومتى تكون المشاركة الوازنة ومتى تكون المشاركة الرمزية.

انفتحت الحركة الإسلامية على مراكز الأبحاث الغربية، وعلى الجامعات والسفارات الأجنبية، وفتحت جسور الحوار مع الغرب، وقبلت أن تجعل من ذاتها موضوعا لدراسة الآخر، بل شاركت في منتديات وورشات متخصصة في جامعات ومؤسسات بحثية وتفاعلت مع النقد الموجه إليها، وقدمت مراجعات على إثر ذلك، وذلك في قضايا عديدة تخص علاقة المرجعية الإسلامية بالسياسة، أو علاقة الحركة الإسلامية بالفكر السياسي المعاصر.يمكن أن نلاحظ ذلك بوضوح في محطة المؤتمر الخامس لجماعة الإخوان المسلمون، وذلك، لما بدأ هناك نوع من التساؤل عن مرحلة التنفيذ، وشروطها وتوقيتها، ففي هذه اللحظة وسم الإمام حسن البنا الإخوان بعض الإخوان بـ"النزعة الاستعجالية"، مبينا في رسالة المؤتمر الخامس أن طريق الإخوان: "مرسومةٌ خطواته موضوعةٌ حدوده"، وأنه لن يخالف الحدود التي اقتنع كل الاقتناع بأنها أسلم طريقٍ للوصول مهما كانت الطريق طويلةً"، وخاطبهم قائلا: "فمن أراد منكم أن يستعجل ثمرةً قبل نضجها، أو يقتطف زهرةً قبل أوانها، فلست معه في ذلك بحال، وخيرٌ له أن ينصرف عن هذه الدعوة إلى غيرها من الدعوات"  مبيناً أن طريق الإخوان في هذا الأمر مبنيٌ على الصبر "حتى تنمو البذرة، وتنبت الشجرة، وتصلح الثمرة، ويحين القطاف"  ودعا الإخوان إلى أن يتحكموا في عواطفهم، وأن يلجموها بنظرات العقول.

وحتى يوضح الصورة بالمثال، ويؤكد على أولوية التربية والإعداد قبل التمكين، خاطب البنا الإخوان قائلا: "في الوقت الذي يكون فيه منكم ـ معشر الإخوان المسلمين ـ ثلاثمائة كتيبةٍ قد جهزت كل منها نفسياً روحياً بالإيمان والعقيدة، وفكرياً بالعلم والثقافة، وجسمياً بالتدريب والرياضة، في هذا الوقت طالبوني بأن أخوض بكم لجج البحار ".

من الواضح في هذا الموقف، أن القيادة احتكرت وحدها حق معرفة متى يكون الانتقال من مرحلة إلى مرحلة، وجعلت من يختلف معها في توقيت مرحلة التنفيذ وشروطها خارج التنظيم، ووصفتهم بـ"المستعجلين"، وحددت ضابطا غير مطرد يجمع بين الانضباط (ثلاثمائة كتيبة) والخفاء (الإعداد النفسي والروحي والعلمي والثقافي...) لتُبقي الحسم في يدها بشكل حصري.

وهكذا، كما يبدو، لا يستطيع النقد داخل التنظيمات التي تقوم بوظيفة التنشئة الفكرية والتربوية على النسق الجاهز أن تجادل في حيثيات شكلية مرتبطة بالنسق، فضلا عن أن يكون لها القدرة لمناقشة المسلمات الحركية أو وضع البراديغم كله محط تساؤل، لأن ثمن ذلك أن يضع كل مجترئ على ذلك نفسه خارج التنظيم.

أزمة النقد في التنشئة الفكرية والتربوية

على أن الأمر لا يقتصر على هذه الجينات المرتبطة بطبيعة التنظيمات الإيديولوجية التي تحمل نسقا "حتميا" للتغير، وتتمتع فيه القيادات الكاريزمية بدور محوري، وإنما يرجع أيضا لطبيعة التنشئة الفكرية والتربوية، أو لأساسيات البناء التربوي والتنظيمي.

ويمكن أن نتوقف ضمن هذه الأساسيات على مفهومين لا يستقل أحدهما عن الآخر، هذا إن لم يكن أحدهما مترتبا ضرورة عن الآخر. ونعني بذلك، مفهوم البيعة، ومفهوم الجندية.

فالتنظيم الإخواني، لا يتأسس على صيغة تعاقدية تتضمن واجبات العضو وحقوقه، وتضمن ضمن حقوق العضو مساحة لممارسة رأيه في خط التنظيم وخياراته وأفقه، وإنما يتأسس على صيغة أحادية، تشترط حقوقا من جانب واحد، أي حقوق التنظيم على العضو، إذ تمنع أبسط حقوق العضو، وهو حق التظلم إن ارتأى في قرار تنظيمي تعسفا لحقه من التنظيم، فيحرم من حقه في اللجوء إلى هيئة أعلى لإنصافه، لأنه لا هيئة أعلى من هيئة مجلس الإرشاد. فعند تأمل المبادئ العشرة التي تقوم عليها بيعة العضو لتنظيم الإخوان أو لقيادته، لا نكاد نجد مبدأ يتعلق بحقوق العضو، فهي عبارة عن الواجبات التي ينبغي توفرها في العضو، فهو مطالب بحسن فهم مبادئ الإخوان العقدية والأصولية والفقهية والحركية، ومطالب معه بالإخلاص في العمل، والطاعة، والثبات على الموقف والجهاد والتضحية، وعليه أن يبني علاقته مع التنظيم على أساسي الأخوة والثقة، أي أنه في المحصلة، ليس أكثر من جندي يطيع التنظيم، ويثبت على خطه، ويضحي من أجله عند الابتلاء،  وذلك بعد أن يفهم ما هو مطلوب منه تنظيميا، أي أن يحمل فكر التنظيم وينخرط في أطروحته.

تبعا لهذين المفهومين اللذين أخذا ابعادا أكثر راديكالية مع أدبيات سعيد حوى، يصير النقد علامة على إخلال بمقتضى البيعة والجندية، فالمبايع يطيع دون أن يتعقل ما يطلب منه طاعته، والجندي ينفذ دون مناقشة القرارات. ولعل هذا ما حفز الأستاذ سيد قطب رحمه الله عند تأمله لجيل الصحابة، أن يجعل من مبدأ السماع بنية التنفيذ المفسر الأول لفرادة هذا الجيل، وأن يجعل أي إمكانية لاستعادة التجربة من جديد، متعذرة ما لم يتم استعادة المبدأ نفسه.

عوائق الممارسة النقدية في التجربة الحركية

يفيد استقراء أدبيات الحركات الإسلامية تصدر جملة عوائق تحول دون تفعيل الممارسة النقدية:

1 ـ فكرة الإخلال بمقتضيات البيعة، والتمرد على التنظيم وقواعده وأطره الفكرية والتنظيمية: تقوم هذه الفكرة على تصور لوظيفة العضو داخل التنظيم. فمهما كانت كفاءته، فدوره ومهمته هي طاعة قرارات الهيئات العليا، والتجند لتنفيذها، حتى ولو كانت تكلفه التضحيات، لأن مقتضى البيعة الطاعة والجندية، تنفيذ قرارات القيادة، والثبات على المبدأ، وتقديم التضحيات اللازمة. ومن ثمة، ففكرة ممارسة النقد على أفكار القيادة أو قراراتها أو حتى مناقشة رؤية الحركة ورهاناتها المرحلية، كل ذلك يعني التمرد على التنظيم وخلع جلباب الطاعة والبيعة، وارتكاب ما يوجب العزل والفصل من التنظيم.

وإذا كانت هذه الفكرة مرتبطة أكثر بجماعات الإخوان، لاسيما في المراحل الأولى، فإن لها صورا أقل حدة في تنظيمات أخرى، قطعت مع مفهومي البيعة والجندية، وأقرت ببعض حقوق العضو العامل في التنظيم، لكنها، بقيت محتفظة بفكرة أنه إذا حصلت الشورى، واتخذ القرار، لزمت الطاعة، وكان من حق التنظيم إعمال حق الفصل في حالة الخروج عن مقتضى الطاعة، حتى ولو كان الشخص المنتقد داخل التنظيم، لم يكن معنيا بالمشاركة في إبداء الرأي، إذ لا يميز التنظيم في هذه الحالة، بين فكرة تنفيذ القرار، وبين الحق في انتقاده، فالنقد في حالة الملتزم بتنفيذ القرار، يعتبر نوعا من الإخلال بمقتضى الطاعة والمشروعية والمؤسسية الشورية.

2 ـ فكرة الانشغال بالعمل لا بكثرة الجدل: ومضمون الفكرة تصنيفي، يفرز أبناء الحركة الإسلامية إلى قسمين: قسم يشغل نفسه بالعمل ويقل من الكلام، فهو مفيد للتنظيم، لأنه ينزل أعلى مقتضى الجندية، وقسم خامل، همه كثرة الجدل والسجال، ودوره تثبيط التنظيم والتأثير على جاهزيته ومستوى الجندية فيه. وبناء على هذا التقسيم، تصنف الممارسة النقدية باعتبارها وظيفة مدمرة للتنظيم، تصرف الأعضاء عن العمل، وتشغلهم بترف الكلام والجدل الذي لا طائل من ورائه.

3 ـ فكرة الاستعجال في اقتطاف الثمار: وقد تقدم بنا موقف الإمام حسن البنا من الطائفة الذين تشربوا فكرة مرور الدعوة الإسلامية بثلاثة مراحل (التعريف، التكوين، التنفيذ) وتيقنوا من أن الجماعة تجاوزت مرحلة التعريف، وأنها في صلب عملية التكوين، وتساءلوا عن مرحلة زمن وشروط مرحلة التنفيذ،  فكان الجواب مزجا بين توصيف لهم بالاستعجال، وألا مكان لمن استعجل قطف الثمار قبل نضجها، وبين تحديد ضابط عائم، لا يمسك بخيوطه إلا المرشد العام،  فصارت تهمة الاستعجال عائقا أمام أي ممارسة نقدية، بل كابحا لأي تساؤل في الكيفيات، أي كيف يتم الانتقال من مرحلة إلى أخرى، وما الضابط لمعرفة شروط الانتقال، وكيف يكون ذلك، هل بالقوة أم بالثورة أم بالانتخاب أم بغير ذلك.

4 ـ فكرة الهزيمة أو الاستجابة لضغط الجاهلية: وقد رأينا هذا التوصيف عند سيد قطب في موضعين في كتابه معالم في الطريق، سد به الطريق بالمطلق على انتقاد رؤيته لجهاد التحرير، إذ تبنى منطق المرحلية أو الواقعية الحركية في تفسير آيات الجهاد في القرآن، والتدرج من جهاد الدفاع عن النفس وصد العدوان، إلى تحرير العالم من العبودية لغير الله إلى إقرار حاكميته على الأرض، ووصف  المختلفين ممن يتبنى مفهوم جهاد الدفاع بالقصور عن إدراك طبيعة هذا الدين، ولطبيعة الدور الذي قام به في الأرض، وبالإقرار بواقع الهزيمة أمام الواقع الحاضر وأمام الهجوم الاستشراقي الماكر. وشن في الموضع الثاني، انتقادات حادة على من يرى تفصيل أحكام الشريعة في مجالات الحياة، واعتبر ذلك نوعا من الهزيمة أمام مطالب الخصوم، وأن من طبيعة الدين تقرير عقيدته، وأن هذه العقيدة تنتج بشكل طبيعي نظمها القانونية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فاعتبر من ينتصر لفكرة بسط البرامج الإسلامية في مختلف المجالات مجرد مهزوم أمام ضغط الجاهلية على الطليعة المؤمنة.

5 ـ فكرة الأولوية لخوض المعركة لا تثبيط الجهود: ومضمون الفكرة أن الدخول في معارك يقتضي مجرد الإسناد، وأن أي نقد للحركة وهي في غمار المعركة الانتخابية أو السياسية، يعني تثبيطها وتقديم أوراق للخصوم لإضعافها. وحيث إن مسار الحركة الإسلامية كله معارك لا تتوقف واحدة حتى تبدأ الأخرى، فإن مساحة النقد تتضاءل إلى أبعد الحدود حتى تعدم.

6 ـ فكرة أن النقد زمن المحنة يعطي شرعية لما يفعله الخصوم من تضييق على الحركة الإسلامية: ومضمون الفكرة أليس من الأخلاق ولا المروءة ممارسة النقد على مواقف قادة يعانون محنة السجن والابتلاء، وأن نبل الموقف يقتضي مساندتها في محنتها، وكف لسان النقد عنهم حتى تنتهي المحنة.

7 ـ فكرة أن النقد يظهر عيوب الحركة الإسلامية أمام خصومها ويشمت غيرها فيها: ومضمون الفكرة أن ممارسة النقد بشكل علني، يخرج غسيل الحركة إلى الخارج، ويظهر عيوبها لخصومها، فيشمتون منها، وأن النصح يكون بشروطه، وضمن أطره.

8 ـ  فكرة أن النقد لحظة تقديم التضحيات طعن في ظهر الشهداء والممتحنين وخدمة للعدو: وقد نضجت هذه الفكرة لحظة اندلاع نقاش حول الجدوى من السابع من أكتوبر، والفائدة من تحول المقاومة من حركة تحرر وطني تقوم بالمهمة الدفاعية، إلى حركة دفاع وطني تقوم بالمهمة الهجومية، وتوسع النقد لما طرحت فكرة هل كانت المقاومة تقدر عواقب قرارها، وكيف سيكون رد العدو، وحجم إسناده الدولي، وكيف تحول رد فعله إلى إبادة شاملة للشعب الفلسطيني في غزة.  وقد كان سند إيقاف النقد أنه ليس من المروءة ولا شرف الموقف أن يتم توجيه النقد لحركة تقدم دماءها وقادتها في سبيل الدفاع عن غزة، وأن هذا النقد من شأنه أن يقدم خدمة كبيرة للعدو، ويمكن أن نسوق في هذا المساق قصة تصريحات القيادي في حماس موسى أبو مرزوق لصحيفة أمريكية، وكيف تم احتواء الموقف بشأنها، ليتم الإعلان بعد ذلك عن حصول تحريف لتصريحاته بالشكل الذي يضر بالمقاومة وشرعية مواقفها.

9 ـ فكرة أن النقد يكون داخل المؤسسات: وهي فكرة أنتجتها التنظيمات الأكثر حداثة في الحركة الإسلامية، فبحكم أنها نشأت ابتداء على خلفية فكرة المراجعة والنقد، وارتكزت مسلكيتها على أهمية الديمقراطية الداخلية، وضرورة تداول الرأي داخل هيئاتها، فقد دفعتها الممارسة القيادية، إلى إنتاج فكرة أن النقد يكون داخل المؤسسات، وذلك لتطويق مساحة النقد العلني الذي يتسرب إلى الإعلام. وهي فكرة كما يبدو مؤسسية، لكنها في الواقع، آلية من آليات مصادرة الرأي المختلف، بحكم افتقاد الحركة الإسلامية لفضاءات ممارسة النقد وإدارة الاختلاف وتدبيره، ففي المجالس الوطنية (مجالس الشورى) أو المؤتمرات، لا تتاج للعضو أكثر من دقيقة أو دقيقتين على الأكثر، بينما تكتسح القيادة المساحة كلها، وتتحدث بأريحتها طيلة السنة، وفي كل المنابر، وتستعمل تعبيراتها الإعلامية كمادة وحيدة للتثقيف الحركي والسياسي. وتبعا لهذه الفكرة يعتبر النقد من خارج المؤسسات مضرا بتماسك التنظيم، بينما تعتبر تعبيرات القيادة المتدفقة أداة لتحصينه!

المراجعات وحركية النقد الذاتي داخل الحركات الإسلامية.. محاولة للفهم

 ثمة عدد مهم من مثقفي الحركات الإسلامية يستدركون على معطيات التحليل السابق، ويحاولون بكثير من الاجتهاد أن ينفوا وجود أزمة نقد جينية داخل الحركات الإسلامية، ويستدلون على ذلك بعدد من المؤشرات نذكر منها ثلاثة مركزية:

1 ـ أن بعض القيادات الحركية مارست أضخم عملية مراجعة داخل الحركات الإسلامية: تستوي في ذلك الحركات الإسلامية السلمية والحركات الجهادية. فالشيخ حسن الترابي قاد أضخم حركة مراجعة نقدية في تاريخ الحركة الإسلامية في السودان، والشيخ راشد الغنوشي كما يحكي في روايته التأريخية قاد عددا من المراجعات الكبرى سواء منها التي تتلخص في "تونسة" الحركة الإسلامية في تونس، وإحداث القطيعة عن الفكر الإخواني، أو التي تتعلق بتقريب الحركة الإسلامية من مفردات الفكر السياسي المعاصر (تأصيل الديمقراطية، وفكرة المواطنة وحقوق المرأة وحقوق الإنسان)، وقام عدد من قيادات الإخوان الفكرية بدور محوري في تجسير التحول داخل مدرسة الإخوان من الفكر القطبي إلى فكرة الاندماج في المحيط السياسي والاجتماعي (يوسف القرضاوي، محمد الغزالي)، وقام عبد الإله بن كيران وصحبه بالمغرب بعيد الثمانينيات بأكبر عملية مراجعة طالت فكر الفرض الذي تبنته حركة الشبيبة الإسلامية ، نابذا بذلك فكرة السرية،  وفكرة الانقلاب على الطاغوت، ومؤصلا لفكرة العمل في إطار المشروعية والمشاركة السياسية، كما قام قادة الجماعة الإسلامية بمراجعات كبيرة، دونت في كتب تحت مسمى "مفاهيم ينبغي أن تصحح" طالت مفهوم الجهاد بين المصلحة والمفسدة، ومفهوم الاحتساب، ومفهوم الغلو ومفهوم التكفير، وتحرير مفهوم الجهاد بين جهاد التحرير وجهاد الدفع، وغيرها من المفاهيم المركزية في فكر الجماعات الجهادية.

2 ـ أن الحركة الإسلامية أسست لمفهوم النقد في مشروعها الفكري والحركي: وقد ذكرت عدة مؤشرات في هذا السياق، منها إقدام مجلة الأمة القطرية على فتح ملف أين الخلل، شارك فيه عدد من قيادات الحركة الإسلامية وعلمائها ومفكريها، وكان له تأثير كبير على فكر الحركات الإسلامية، إذ ساهم في إحداث نقلة نوعية تؤكد اهمية الممارسة الفكرية النقدية داخل التنظيمات الإسلامية. كما ذكرت في سياق المؤشرات نشأة مدرسة المعهد العالمي للفكر الإسلامي (1981)، وكيف كان تأثيرها على الحركة الإسلامية، من زاوية العناية بالمعامل الفكري والمنهجي في تصور الحركات الإسلامية ومسارها التغييري.

كما تم في السياق نفسه لفت الانتباه إلى مدرسة التغيير الحضاري التي أسس لها الفيلسوف الجزائري مالك بن نبي، وتابعه فيها المفكر السوري جودت سعيد، والتي أحدثت انقلابا مهما في فكر بعض الحركات الإسلامية المغاربية، وذلك لجهة العناية بالجانب الفكري، وأهمية الممارسة النقدية في تقويم فكر الحركة الإسلامية وسلوكها الحركي. وقد ذكر أيضا من هذه المؤشرات جهود عدد من مفكري الحركة الإسلامية أو ممن انتسب إليها ثم فارقها (خالص جلبي، عبد الله فهد النفيسي)، ممن لفتوا الاهتمام إلى أهمية النقد ومراجعة الأخطاء، وفتح النقاشات الواسعة لتقييم أداء الحركات الإسلامية، والتوقف عند بعض أخطائها. ومن هذه المؤشرات أيضا اطراد الاهتمام بكتابات مؤطرة لعدد من المفكرين والباحثين من خارج الحركة الإسلامية، وكان لهم دور مركزي في التأصيل لأهمية القضية الفكرية والمنهجية (المسيري، بيغوفيتش، منير شفيق، سليم العوا، فهمي هويدي، طارق البشري....).

فعل المراجعة والنقد جاء في سياق الترتيب لاستحقاقات سياسية. فسواء تعلق بقصد التكيف والاندماج السياسي (المشاركة السياسية ومترتباتها) أو تعلق بقصد إقناع الغرب باعتدال الحركة الإسلامية وأنها فاعل مركزي في التحول السياسي السلمي الذي لا يضر بالمصالح الغربية، فإن المحصلة، أن فعل المراجعة والنقد، لم يكن حاجة الداخل، وإنما كان ضرورة أملتها مصالح للحركة الإسلامية في الواقع السياسي (الخارج).3 ـ  انفتاح الحركة الإسلامية على نقد الآخر ودراسته لها: فقد انفتحت الحركة الإسلامية على مراكز الأبحاث الغربية، وعلى الجامعات والسفارات الأجنبية، وفتحت جسور الحوار مع الغرب، وقبلت أن تجعل من ذاتها موضوعا لدراسة الآخر، بل شاركت في منتديات وورشات متخصصة في جامعات ومؤسسات بحثية وتفاعلت مع النقد الموجه إليها، وقدمت مراجعات على إثر ذلك، وذلك في قضايا عديدة تخص علاقة المرجعية الإسلامية بالسياسة، أو علاقة الحركة الإسلامية بالفكر السياسي المعاصر.

هذه المؤشرات التي في الغالب ما يدفع بها للتأكيد على حيوية الممارسة النقدية داخل الحركة الإسلامية وانفتاحها على آراء المخالف في الداخل والخارج، تعكس صورة مختلفة عن تلك التي تريد الحركة الإسلامية أن ترسخها عن نفسها، إذ أنها تسمح بتأكيد أربع خلاصات أساسية:

ـ أولها أن عملية النقد والمراجعة هي حصر على القيادة المؤسسة، أو على الكاريزمية الفكرية أو الحركية (الترابي، الغنوشي، القرضاوي، عبد السلام ياسين، قيادة الجماعة الإسلامية في مصر) وأن أغلبها انطلق بعيد محنة الحركة الإسلامية، وأن فعل المراجعة كانت له وظيفة سياسية، أي مساعدة الحركة الإسلامية الخارجة من المحنة على التكيف والاندماج في واقع جديد.

ـ ثانيها، أن فعل المراجعة والنقد كما برز في حالة أدوار كل من مجلة الأمة القطرية وكتاب الأمة بعدها، تم ضمن سياسة دولة، ولم يتم بإرادة حركة إسلامية. فقطر-لاعتبارات استراتيجية-كانت تحمل في تلك المرحلة هم ترشيد الحركة الإسلامية، وتوجيه بوصلتها في اتجاه المشاركة السياسية، وأن ذلك كان يتطلب القطيعة مع الفكر القطبي بجميع لوازمه.

ـ أن فعل المراجعة التي قادته مدرسة المعهد العالمي للفكر الإسلامي، أو قاده مثقفون ومفكرون غير تنظيميين، جاء في الواقع من رموز فكرية فارقت العمل الحركي، أو على الأقل، ارتأت في العمل الفكري أولويتها، أو من شخصيات علمية وبحثية وفكرية وازنة، تركت بحكم المثاقفة، أثرها في بعض قيادات التنظيم أو رموزه الفكرية الوازنة.

ـ أن فعل المراجعة والنقد جاء في سياق الترتيب لاستحقاقات سياسية. فسواء تعلق بقصد التكيف والاندماج السياسي (المشاركة السياسية ومترتباتها) أو تعلق بقصد إقناع الغرب باعتدال الحركة الإسلامية وأنها فاعل مركزي في التحول السياسي السلمي الذي لا يضر بالمصالح الغربية، فإن المحصلة، أن فعل المراجعة والنقد، لم يكن حاجة الداخل، وإنما كان ضرورة أملتها مصالح للحركة الإسلامية في الواقع السياسي (الخارج). ما يؤكد ذلك، أن فعل النقد والمراجعة تراجع بشكل كبير في اللحظة التي تحققت هذه الأهداف أو تم اليأس نهائيا من إمكان تحققها.

خلاصة

في المحصلة، تحتاج الحركة الإسلامية اليوم أن تحدث ثورة حقيقية في عقلها النظري، وأن تدخل إليه جملة من المعادلات المختلفة حول دور النقد في ترشيد أداء الحركة الإسلامية وتصويب خطها ومنع تغول القيادات في الرسم الحصري لمستقبلها، بما يؤول في نهاية المطاف إلى تكرار لعبة النفق المسدود.

وبداية هذا الورش تقتضي ابتداء تحرير النظر في كل العوائق التي افتعلت لمنع حركية الأفكار داخل التنظيمات، وعدم ربط فكرة المراجعة والممارسة الفكرية والنقدية بمصالح في الخارج، أو بتحقيق أهداف في السياسة أو مع الآخر، وإنما تأصليها لبناء الذات الحركية، وذلك بأن تستيقن القيادة قبل القاعدة أن الحرية الفكرية والممارسة الفكرية النقدية أداة قوة لبناء الداخل، لا سلاح لإضعافه، ولا طلاء خارجي لرسم صورة غير حقيقة عن واقع النقد والمراجعة في التنظيمات الحركية.

مقالات مشابهة

  • كبيرة الدبلوماسيين الأوروبيين تحذر من التحالف المتنامي بين روسيا والصين
  • هواوي MAEXTRO S800 .. فخامة كبيرة بقدرات عالية الأداء
  • قواعد جديدة للجيش السوري.. هل تُنقذ المؤسسة العسكرية من الفوضى أم تبقى بيانات بلا فعل؟
  • خطاب مليء بالاستفزاز.. الصين تندد بتصريحات البنتاجون بشأن طموحاتها العسكرية
  • حرية النقد داخل الإسلاميين.. من الجندية الصامتة إلى الحاجة للمراجعة الصادقة
  • وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي: نعزز قوتنا العسكرية بسبب ترامب
  • وفيات السبت .. 31 / 5 / 2025
  • دعاء يوم عرفة لقضاء الحاجة مكتوب ومستجاب.. ردده في جوف الليل
  • دعاء أول جمعة من ذي الحجة.. اغتنم فضل الأيام المباركة لقضاء الحاجة والرزق
  • الدفاع الروسية تعلن اعتراض وتدمير27 مسيرة أوكرانية