مطرب الحيّ لا يطرب.. في تكريم أمين معلوف
تاريخ النشر: 3rd, October 2023 GMT
أقبَلت وزيرة الثقافة الفرنسيّة ريما عبد الملك على أمين معلوف باسمة بهِجةً بفوزه بكرسيّ الأمين الدائم للأكاديمية الفرنسيّة، وهو منصب جليل، أسرّت له والأرض تُهدهدها من فرط نخوتها قائلة: «نحن نستحقّ هذا وأكثر، فأنت كاتب عظيم ورجل حوار وتهدئة»، ووزيرة الثقافة الفرنسيّة ريما عبد الملك هي شريكة الكاتب اللبناني أمين معلوف في الوطن وفي المهجر، وهي مثيلته في التوزّع انتماءً ولسانًا إلى حضارتين، تأتيه عَدْوًا لتكرّمه بحصوله على الكرسيّ العلميّ الأعرق في الثقافة الكونيّة ولتقول له صراحة: يا أستاذ أمين، إنّ فوزك بهذا الكرسيّ يحمل «رمزية رائعة لجميع الناطقين بالفرنسية في العالم»، ولتقول ضمنا: إنّ هذا العالم الغربي على عنصريّته وغلاضته ضدّ العرب إلاّ أنّه يُحِقُّ الحقّ ويقرّ بفضل الفضلاء ويقدّر العلم والعلماء ويجعل أصحابه في مرتبة العِلّيين وإن نافسوا ذوي الأصول الفرنسيّة الخُلّص الانتماء.
لم يكن أمين معلوف قلقا -بحثيّا- على مستقبل الهويّات فحسب، بل كان قلقا على مستقبل الكون، قارئا لحالاته الحضاريّة، ناظرا في كتابه «اختلال العالم» في «الشرعيّات الضالة»، وفي «التيقّنات الخيالية»، وفي «الانتصارات الكاذبة» التي تعيشها أوروبا في درجة أولى والعالم من حولها في درجة ثانية، مقرّا بهبوب العاصفة على كامل شعوب الأرض، أغنياء أو فقراء مستَعمِرين أو مُستَعمرين، فالسفينة واحدة والعاصفة جامعة، ولا ينبغي أن نستلذّ «الموجة القاتلة» لبعض الشعوب لأنّها لا محالة شاملة الجميع، ومن هنا ضرورة التفكير في إنقاذ السفينة، إنقاذ الكوكب. أمين معلوف لم يقتصر على النظر في نكد الحضارات وسبل الخروج من المآزق الكونيّة الكبرى بل تفاعل مع التاريخ وهو همّه وهاجسه، التاريخ الذي يراه رواية مفتوحة لا تنغلق وعالما من الحوادث تحكمها الرؤى وزوايا النظر، وعلى ذلك فقد أجاد في عكس الحروب الصليبيّة على مرآة العرب، نابشا في كتب المؤرّخين القُدامى وآراء الفقهاء والأخباريين والرحّالة ليعيد تشكيل صورة نادرة عن «الحروب الصليبيّة كما رآها العرب»، في كتاب يسرد قصّة الحروب الصليبيّة من زاوية نظر مختلفة، تتحوّل الحروب الصليبيّة في منظور العرب إلى «حروب إفرنجيّة»، ينطق فيها الوصّافون والقصّاصون والأخباريون والمؤرّخون والخطباء المسلمون بما يَسم هذه الحروب التي تتحوّل في كتابة أمين معلوف إلى قصّة يقصّها بأسلوب جامع بين خفّة القصّة وبساطتها وطرافتها وبين التوثيق والتمتين التاريخيين، وهو كتابٌ لاقى القبول الحسن عند من يقرأ من العرب وعند الفرنجة. الوجه الآخر لأمين معلوف هو الوجه المعروف بوفْرة وكثرة، وهو وجه الروائيّ الذي كتب الرواية الأشهر «ليون الإفريقي» التي صدر فيها عن شخصيّة تاريخيّة تُدعى الحسن الوزّان الجغرافي الرحّالة صاحب الدراية بالطبّ المتنوّع النسب، ووظّف فيها أسلوب الرحلة وطريق كتابة السِيَر. هذه سيرة مفكّر حمل عبء التاريخ نظرا وروايةً، تفكيرا وتدبيرا وحكايةً، وحمل ثِقَل الواقع دون أن يكون كأغلب «المهاجرين» حبيس حمل هموم العرب إلى الغرب، وقدّر ودبّر وأجْهد الذهن والخاطر واجتهد وأنتج رؤى وأفكارا لا لغوَ كلامٍ سائبٍ، فكان مثالا للعربيّ الحامل للأدب، المُعتَرف به في محافل لا يخوضها إلاّ الكبار، مسجّلا فِكره في تاريخ البشرية، نائيا عن زوائد التشكّي والتظلّم وبكاء الديار والدمن. درسٌ لنا في علاقتنا بالغرب أنّ الأدب الناجح لا حدّ له ولا هويّة، وليس بالضرورة أن نكون علماء ذرّة حتّى نحقّق العالميّة، ونماذج عربيّة وعمانيّة تحديدا عديدة خاضت عالم الفكر والأدب وبُرّزت، ولا يجب أن أنهي مقالي بالقول ألاّ نبيّ في قومه وإنّ مطرب الحيّ لا يطرب.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: أمین معلوف الفرنسی ة أن یکون
إقرأ أيضاً:
تكريم الطلبة المجيدين بمعهد العلوم الإسلامية بالبريمي وصلالة
نظم معهد العلوم الإسلامية بالبريمي حفلًا لتكريم الطلبة المجيدين في التحصيل الدراسي والأنشطة الطلابية، وذلك تحت رعاية الدكتور فيصل بن صالح المسكري، نائب والي البريمي.
وأوضح الدكتور سعيد بن صالح التوبي، مدير المعهد، أن معاهد العلوم الإسلامية ومنذ نشأتها تهدف إلى إعداد جيل واعٍ ومتمسك بالقيم الإسلامية الرفيعة، يتزود بالعلم والمعرفة ويبدع في مختلف المجالات الشرعية والعلمية والتقنية، ويتميز بقدرته على التفاعل والمنافسة في مختلف الأنشطة والفعاليات التربوية والمجتمعية. وأضاف أن المعهد يحرص على إشراك طلبته في المسابقات العلمية والمبادرات المجتمعية، كما يعمل على تنمية مهاراتهم في الإبداع اللغوي والابتكار العلمي والتقني، بما يعزز قدرتهم على مواكبة تطورات العصر.
تضمن الحفل عددًا من الفقرات المتنوعة، منها نشيد ترحيبي، وفن العازي، ومساجلة شعرية، إلى جانب عرض مرئي لأنشطة المعهد، ومعرض علمي مصاحب يبرز جهود الطلبة وإبداعاتهم.
كما احتفل معهد العلوم الإسلامية بصلالة التابع لمركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم بتكريم المجيدين من أعضاء الهيئة الإدارية والتدريسية والطلاب للعام الدراسي الحالي وذلك بمجمع السلطان قابوس الشبابي للثقافة والترفية بصلالة تحت رعاية سعادة الشيخ طارق بن خالد الهنائي والي طاقة.
وقال سهيل بن محمد العامري معلم أول علوم إسلامية: إن الاحتفال بتكريم المجيدين والموهوبين هو تجسيد لمعاني العرفان ومظهر من مظاهر الدعم والتحفيز ومصدر سرور لكل معلم أسهم في بناء هذا النجاح، مشيرا إلى أن المعلم هو الركن الأساسي في العملية التعليمية وهو صانع الأثر وباني الفكر وبه تقاس الأهداف وعلى يديه ترسم ملامح المستقبل. وتضمنت الفعالية عرض فيلم وثائقي عن مسيرة المعهد وأبرز الميزات التعليمية والتربوية والمناشط المختلفة التي يقوم بها.